<%@ Language=JavaScript %> غسان العزي الانتخابات الرئاسية الفرنسية وصدام الحضارات

 

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                                

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الانتخابات الرئاسية الفرنسية وصدام الحضارات

 

 

غسان العزي 

 

في بداية الخريف الماضي أعلن الحزب الاشتراكي الفرنسي أن مرشحه للانتخابات الرئاسية المزمعة في مايو/ أيار المقبل هو فرانسوا هولاند . وقد جاء هذا الخيار إثر انتخابات داخل الحزب أفضت إلى الاتفاق على الزعيم السابق للحزب . وتدريجياً بدأت الأحزاب الفرنسية الأخرى تعلن عن أسماء مرشحيها، في ما عدا الحزب الحاكم الذي لم يكشف عن نية الرئيس ساركوزي (المعروفة سلفاً بالطبع) الترشح لولاية ثانية أم لا . لكن في نهاية الشهر المنصرم أطلق وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان المقرب جداً من ساركوزي، تصريحاً مستغرباً فهم منه أنه يفتتح المعركة الانتخابية للرئيس .

 

قال الوزير غيان إن الحضارات ليست جميعها متساوية في القيمة في ما بينها . وفُهم من سياق كلامه أنه يقصد أن الحضارة الغربية والأوروبية تحديداً، تتفوق على الحضارة العربية - الإسلامية . بالطبع لا يحتاج المرء إلى الكثير من الفطنة كي يدرك الهدف الانتخابي الواضح - والرخيص - لكلام الوزير الذي من المفترض أن مهمته هي الحفاظ على الأمن والاستقرار وليس إشعال النيران سعياً وراء حفنة من أصوات اليمين الفرنسي المتطرف الذي تقوم حملته الانتخابية أساساً على استغلال كراهية بعض الفرنسيين للعرب والمسلمين .

 

ليس من المؤكد أن غيان مقتنع بما يقول، لاسيما أنه تخرج في صفوف جامعات فرنسية مرموقة درس فيها علوم الأنثروبولوجيا والإثنولوجيا وعلم الاجتماع السياسي، إضافة إلى تجربته السياسية التي خولته التحقق بالتجربة مما يناقض قوله . من الناحية التاريخية فهو يعرف أن هذا النوع من الآراء عندما يصبح جماعياً ينتج كوارث كما حدث في قلب “الحضارة الأوروبية” وما تزال آثارها واضحة إلى اليوم: القوانين العنصرية في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وفرنسا الفيشية، إضافة إلى المحرقة اليهودية . ومن وجهة النظر العلمية فإن علم الإثنولوجيا لم يعد يستخدم مفردة “الحضارة” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لصعوبة تحديدها بشكل علمي، مستبدلاً إياها بالثقافة . فالأنطروبولوجي الفرنسي كلود ليفي- شتراوس أبو البنيوية، شدد في كتاباته مثل “العرق والثقافة” و”مدارات حزينة” وغيرها على الفروق بين الثقافات ووصفها بالضرورية للتنوّع البشري . كما حذّر من وحدانية الثقافة التي تعني اختفاء نوع حي مثل اختفاء الأنواع الحية النباتية أو الحيوانية، ولم يستخدم شتراوس مفردة حضارة بل شدد على الثقافة وتنوّعها حتى داخل البلد الواحد .

 

وخارج إطار فكر شتراوس فمن يحق له وضع علامة لكل حضارة حتى ينتهي إلى الاستنتاج أن هذه الحضارة متفوقة على تلك؟ وبناء على أية معايير؟ وهل يمكن قياس قيمة الحضارات، وهي ليست بالأشياء الحسية أو البضائع، على ما يقول الفيلسوف الفرنسي أندريه كومت - سبونفيل الذي يضيف بأن الحضارة ليست مجموعة عناصر جامدة متناسقة أو جسماً واحداً يمكن قياسه . فمثلاً الثورة الصناعية أدت، دون أدنى شك، إلى تقدم تقني أفاد الإنسانية كثيراً، لكنه في الوقت نفسه ألحق ضرراً فادحاً بالطبيعة وبالإنسان . من يستطيع أن يحدد ما إذا كانت حضارة الهنود الحمر الأصليين أفضل أو أدنى من الحضارة التي فرضها عليهم المستوطنون الذين بنوا أمريكا الجديدة؟ أما الفيلسوف الفرنسي بيار - هنري تافالوا، فيجزم بأن أحداً لا يستطيع وضع علامة متوسطة لكل حضارة في سبيل مقارنتها مع حضارة أخرى، بل إن الحدود بين الأفضل والأسوأ تخترق كل حضارة أكثر ما تفرّق بين الحضارات .

 

من وجهة نظر العلاقات الدولية التي هي من ناحية أخرى علاقات بين “حضارات”، فالتاريخ يثبت أن الحروب كثيراً ما دارت داخل الحضارات وليس في ما بينها . تاريخ أوروبا كان كله صراعات داخل “الحضارة الأوروبية” الكولونيالية نفسها، وصولاً إلى الحربين العالميتين اللتين كانتا حربين أهليتين داخل الحضارة الغربية . فأين مسؤولية العرب والمسلمين في الحروب الأوروبية والعالمية والمحرقة اليهودية وغيرها من مآثر الحضارة الاستعمارية الغربية؟ سؤال طرحه مثقفون يساريون فرنسيون على الوزير غيان . هذا مع ملاحظة أن أحداً من هؤلاء لم يشأ أن يفتح جراح الممارسات الفرنسية في الجزائر، والإيطالية في ليبيا وغيرها الكثير إبان الحقبة الاستعمارية، مروراً بتقسيم المنطقة وصولاً إلى سجن أبو غريب وغوانتانامو واللائحة تطول .

 

الكاتب المعروف باسكال بونيفاس ذكّر بأن دولاً عربية عديدة (ذات أغلبية إسلامية)، شاركت إلى جانب الولايات المتحدة (ذات الأغلبية المسيحية) في حرب كبيرة على دولة عربية هي العراق ذات الأغلبية الإسلامية، وذلك في حرب الخليج الثانية، كما سرد أمثلة كثيرة في هذا السياق ليرد على مروجي أطروحة صدام الحضارات التي ظن الجميع بأنها دفنت مع مخترعها صموئيل هانتنغتون .

 

كلام غيان أثار ومايزال الكثير من الجدل، وثمة إجماع على أنه يستهدف الاستحواذ على ما أمكن من أصوات اليمين المتطرف والشرائح الشوفينية من الناخبين الفرنسيين . لقد تكفل اليسار بالرد عليه، لكن أين الجاليات العربية والإسلامية التي بدل أن يسعى المرشحون إلى استمالتها يستخدمونها وقوداً رخيصاً لمعارك انتخابية؟

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا