<%@ Language=JavaScript %> د. عبد الاله بلقزيز الخوف من "الديمقراطية"

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

الخوف من "الديمقراطية"

 

 

د. عبد الاله بلقزيز

 

باتت مجتمعاتنا العربية، اليوم، تخشى “الديمقراطية” بمقدار خشيتها الديكتاتورية . مفارقة مثيرة وصارخة هي هذه الحالة السياسية والنفسية، التي نحن فيها، منذ هبّت رياح “الثورة” فاقتلعت نُظُماً فاسدة، غير مأسوف على زوالها، وتهدّد - في الآن عينه - باقتلاع دول ومجتمعات وحريات ونمط حياة: عاشت فيه شعوب أجيالاً وعقوداً!

تعبّر المفارقة هذه عن ظاهرة غير طبيعية، لكنها - مع ذلك - مفهومةٌ ومبرّرة في سياقاتها السياسية العربية التي ولدت فيها . هي غير طبيعية لأنّ دواءَ الديكتاتورية هو الديمقراطية أو هكذا هو مفترَض، فالديمقراطية، حتى إشعار آخر، هي الوصفة العلاجية الوحيدة الناجعة - التي جرّبتها البشرية - للبُرْءِ من وباء الديكتاتورية . وهي، هكذا كانت، في كلّ مكان، وفي كلّ زمان، توافرت فيه لشعبٍ ما شروط بناء النظام الديمقراطي .

لكنها حالة مفهومة ومبرّرة تماماً في سياقاتها السياسية العربية الجارية، فالمعروضُ على المجتمعات العربية، اليوم، ليس مشروعَ تغيير ديمقراطي للنظام الاجتماعي - السياسيّ، وإنما استبدال نخبة سياسية بأخرى بواسطة الاقتراع . وهذه ليست الديمقراطية وإنْ هي في جملة وسائلها . والوسائل والأدوات لا تصنع ظاهرةً (= نظاماً سياسيّاً مثلاً)، إذا لم يكن مضمون هذا النظام قد تحدّد، سلفاً، وتبيّنتْ ملامحه للرأي العام . والحال إن أحداً من المواطنين العرب لا يعرف، حتى الآن، ما هو مضمون هذا النظام الاجتماعي - السياسي الجديد الذي يُراد لنا - على طريقة من يشتري السمك في البحر - أن نسلّم بأنه النظام الديمقراطي الذي ناضلنا من أجله منذ أربعين عاماً، وأن نسمّيه - منذ الآن - ديمقراطياً! كل الذي يعرفه الناس أن نخبة جديدة وصلت إلى السلطة باقتراع استُعْمِل فيه الكثير من المال الحرام، والكثير من التأثير الإعلاميّ الرهيب من الرّعاة العرب . مَنْ يكون هؤلاء؟ ما مشروعهم؟ لا أحد يعلم، أو هو يعلم - بالذاكرة - أنه لا يمكن أن يكون ديمقراطياً!

هذه واحدة . الثانية أن الديمقراطية مستحيلة التحقُّق من دون حوامل اجتماعية وسياسية تحملها، فكرةً ومشروعاً، إلى ميدان الإنجاز . والحوامل هذه غير موجودة وغير متوافرة، في المجتمعات العربية الراهنة، مثلما هي موجودة في غيرها من المجتمعات، و، لِنَقُلْ - من باب الدقة - إنّ أملاً عظيماً في قيام هذه الحوامل نشأ مع اندلاع الحركات الاحتجاجية والثورية العربية، في مطالع العام ،2011 قبل أن يخبو بسبب ما تعرضت له الثورة من اختطاف سياسي من قبل الأحزاب العقائدية . ولا ينبغي أن يؤخذ معنى الحوامل الاجتماعية والسياسية، هنا، بما هو مرادف للأحزاب والقوى السياسية القائمة، ذلك أنّ هذه لا يصْدُق عليها وصف الحوامل الديمقراطية أو الحوامل السياسية للمشروع الديمقراطي . وإذا كان بعضها وصل إلى السلطة من طريق الشرعية الشعبية وصناديق الاقتراع، فإن صندوق الاقتراع ليس مقياساً لديمقراطية المتنافسين ولا الفائز في المنافسة، وهو - إلى ذلك - قد يفتح طريقاً إلى صعود قوى غير ديمقراطية إلى السلطة بوسائل الديمقراطية نفسها! وهذه مشكلة كل ديمقراطية تُخْتَزَل إلى مجرّد انتخابات . ألم يكن ذلك ما حصل في ألمانيا وإيطاليا، قبل ثمانين عاماً من اليوم؟ ألم تصل النازية والفاشية إلى الحكم بالاقتراع النزيه وبأغلبية أصوات الشعب؟ نحن لا نشبّه الفائزين في الانتخابات العربية بالنازيين والفاشيين، ونرَبأُ بأنفسنا أن نأتيَ ذلك، لكننا نبغي التشديد على حقيقة تحتية لا تقبل الإنكار: لا ديمقراطية من دون ديمقراطيين، أما الاقتراع فلا يصنع ديمقراطيين إن لم يكن هؤلاء قد وُجدوا قبلاً . أليس مبَّرراً، إذاً، أن يخشى الناس هذه “الديقراطية” المعروضة عليهم؟ وأن يخافوا تبعاتها على حرّياتهم وحقوقهم التي انتزعتها أجيال منهم بالدماء والعرق والسجون والمنافي؟

إن النظرة الأداتية Instrumentaliste إلى الاقتراع، وهي اليوم غالبة في الحديث عن الديمقراطية، تتجاهل أن الذين يقترعون، ويمنحون الشرعية لزيدٍ أو عمروٍ من المتنافسين، إنما يقترعون لبرامج ديمقراطية في المقام الأول، أو لبرامج سياسيّة تعزّز النظام الديمقراطي القائم، ولقوىً متشبّعة بالثقافة الديمقراطية، ومُسَلِّمة بمدنيّة الدولة، وبحياد السياسة تجاه كل مبدأ ثقافي أو روحي لا تقوم عليه علاقات المواطنة، بما هي العلاقات المؤسّسية للمجال السياسي، وللدولة المدنية الحديثة . لا تقبل الديمقراطية الاختزالَ إلى مجرد أداةٍ وآليّة: الاقتراع، وإلا أمكن للأكثريات العدديّة العصبويّة أو الدينية أو الطائفية أن تفرض نفسَها - وعدديَّتَها - على المجتمع باسم “الشرعية الشعبية”، ذلك أن الأكثرية الوحيدة، التي يعترف بها النظام الديمقراطي، هي الأكثرية السياسية، وهذه تكون أفقيّةً عابرة للجماعات وليس عمودية عصبوية . والأكثرية السياسية لا تولد إلا في بيئة سياسية ديمقراطية، ومن موردٍ واحدٍ أحد هو المواطَنة .

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا