<%@ Language=JavaScript %> أحمد الناصري  ناصر عساف: العلاقة بين العين والكاميرا والض

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

 ناصر عساف: العلاقة بين العين والكاميرا والضوء

 

 

أحمد الناصري

 

التصوير، بمعناه العام والواسع، البصري والتقني، عملية إيقاف مؤقت لشريط الواقع المتحرك والمتبدل وتعكسه وتصبه في اللوحة - الصورة، لكنها تتفوق عليه أحياناً. والتصوير من اجمل الأكتشافات الإنسانية والاجتماعية والعلمية، وقد حاول الإنسان البدائي أن يرسم ويسجل جانب من حياته ونشاطاته اليومية وطقوسه على جدران الكهوف والمعابد والأشجار والصخور والأدوات البسيطة، ورسم ما يريد رسمه، وبقيت تلك الرموز والنقوش والصور شاخصة الى الآن تعاند الزمن والممالك التي لم يبق منها شيء غير تلك الآثار. وقد تطورت العمليات البصرية بشكل تدريجي هادئ وصولاً الى الثورة الرقمية الحالية التي تواصل أنطلاقها الباهر والهادر نحو عوالم جديدة ودقيقة، يبدو إنها لا تتوقف عند حد معروف لتدخل في أدق تفاصيل الحياة المتنوعة.

العلاقة بين عين المصور وكاميرته وعين الرائي، وبين عناصر الضوء والظل واللون، علاقة داخلية متشابكة ومتبادلة تنتهي في الصورة (اللوحة) المعروضة ضمن أطارها وموضوعها وتأثيرها اللاحق الدي يمتد لعقود وأحيانا لقرون، دون أن يخبو أو يتراجع، كما في لوحات عصر النهضة وتأثيرها المستمر والمتصاعد في الانجاز البصري. وهي علاقة ورحلة بين الضوء والظل واللون ودراجاتهم وتبدلاتهم وتداخلهم.

وعين المصور بواسطة كاميرته تلتقط وتسجل أجمل واغلى واغرب اللحظات في حياة الانسان والحيوان والطبيعة والأمكنة وكل ما يتعلق بالوجود والكون المنظور او المتخيل، وعادةً ما تكون اللقطة معبأة بالمشاعر والحس والعواطف واللحظات الحميمة النادرة، كما تسجل اهوال الحروب وفواجعها وكوارثها، وتلتقط لحظات الانتصار والفرح والحزن من شريط الحياة الطويل والمتوالي والدي لا يتوقف ولا يثبت الا داخل أطار الصورة واشعاعها وأنتقالها عبر وسائل التبادل والنشر الواسع والسريع. وكم تزينت جدران بيوتنا بتلك اللقطات الحميمة للكبار والصغار ولمن رحلوا عنا وتركوا صورهم بهدوء بالغ تقاوم النسيان والغياب.

يولد بعض الناس ومعهم موهبتهم، وهي ترسم مستقبلهم وتقودهم أليه كالمصير الجميل، بعد صقلها وتطويرها بالدراسة والتجربة والخبرة، فالشاعر يولد وفهمه مملوء بالشعر، والكاتب سيكون حاملاً وملوحاً بقلمه، والمصور اما يحمل ريشته أو تكون العدسة على عينه، ليرى ما لم يره الآخرون من مشاهد ولحظات متلاحقة ودائرة حولهم دون الامساك بها إلا من قبل الفنان المصور.

ونحن اليوم امام فنان ومبدع جميل كأنه ولد مصوراً فوتغرافياً، وأرتبط أسمه وحياته كلها بالتصوير والكاميرا ومتطلباتهما، وكان أسمه وهو في بداية مرحلة الدراسة المتوسطة (ناصر المصور)، أنه الفنان الفوتوغرافي المبدع ناصر عساف بن مدينة الناصرية.

تعرفت على صديقي الفنان ناصر عساف في متوسطة الناصرية، وكان مصوراً معروفاً في المدينة وفي المدرسة، وقد صورنا في لقطات تدكارية لا تنسى، كان أبرزها لقطة داخل الصف وفي حصة درس العربي للأستاد الراحل موسى البصير، دون موافقة او معرفة أستاذنا الرائع حيث كان بصيراً لا يرى ما يدور حوله من مشاكسات وحركات طفولية صغيرة يقوم بها بعض الطلبة، وقد أخبرناه لاحقاً بما قمنا به بتصويره في الصف دون علمه وموافقته، فسألنا ببراءة وطيبة، وهل الصور جميلة؟ قلنا نعم بل إنها جميلة جداً ففرح وعفا عنا وسامحنا على تصرفنا الطفولي. كذلك كان الصديق ناصر يصور المناسبات والحفلات التي تحصل في المدرسة وفي المدينة. ومن اللقطات التي لن انساها والتي احتفظ بها الى الآن، هي لقطات تشييع زميلنا الطالب فريد شاكر الذي توفي بشكل مفاجيء وصادم لنا، بعد أصابته بإلتهاب السحايا الدماغية، وقد نعاه شعراً الاستاذ الراحل موسى البصير بأبيات مؤثرة وجميلة خطت على اللافتة التي رفعناها في مسيرة التشييع الحزينة وهي تظهر واضحة في تلك الصور.

كان الطفل ناصر يقف مذهولاً امام الواجهات الزجاجية لأستوديوهات مدينة الناصرية، القليلة والفقيرة، وهو ينظر الى الوجوه التي أستقرت داخل الأطارات الخشبية الجميلة، كان يعرف بعض تلك الوجوه، بالأضافة الى المناظر والصور الأخرى لممثلات عالميات وعربيات جميلات ومشهورات، ربما مرت عليه في شاشات السينما، وكان يفكر بكيفية نقل الصورة من الواقع الى الورقة، وكيف تتم العملية؟ وهل يمكن له أن ينجز هدا العمل الغامض؟ كان يأمل ويحلم كثيرا بأن يدخل هدا العالم الجميل والمتنوع، وقد حصل له ما أراد وعمل في ستوديو حازم في عام 1969 وهو لم يزل في بداية شبابه الأول، ثم انتقل للعمل في أستوديو بغداد، وبعدها استمر في التنقل والعمل في معظم ستوديوهات مدينة الناصرية. وعندما اوشك على انهاء الدراسة المتوسطة، فكر وتطلع الى معهد الفنون الجميلة، حيث الدراسة الأكاديمية الضرورية لصقل الموهبة وربطها بالعلوم الحديثة، عندها واجهته مشكلة شروط القبول، وقد أطلت برأسها مشكلة (تبعيث التعليم) المقيتة والتي أسست لتخريب التعليم بجميع مراحلة حيث شملت المدرسين والطلبة ومناهج التعليم وتغييرها بما يخدم الفاشية المتخلفة والدكتاتور الأرعن ونهجهما الأخرق، وشوهت عملية التعليم من أساسها. وقد شاركت عناصر الاتحاد الوطني للطلاب بقوة وبمختلف الأساليب القسرية والقمعية في عموم العراق وفي مدينة الناصرية بتلك الحملة الهمجية، بالتنسيق المباشر مع اجهزة الأمن، ومن المفارقات الدالة إن معضم أعضاء سكرتارية المنظمة الطلابية في مدينة الناصرية قد دخلوا دورات مفوضي الأمن الخاصة وجهاز الأمن القومي، بعد ان فشلوا دراسياً، وبعضهم تدرج ووصل الى مراتب عليا في هذا الجهاز القذر، وأصبحوا قتلة وجلادين معروفين، ولم تجر محاسبات قانونية منظمة لهم على جرائمهم وارتكاباتهم المعروفة والمسجلة من قبل ضحاياهم الكثر، ولم يعتذر أحد منهم، وفق مبدأ قول الحقيقة والمصالحة والتسامح، بل إن بعضهم واصل تقلباته بصلافة ملفتة وشارك لاحقاً في ما يسمى ب (العملية السياسية)، بما فيها من خيانة وطنية، وقفز الى عربة الأصطفافات الطائفية الجديدة، وما جرته من تخريب جديد للتعليم ولكل شيء في بلادنا، وبعضهم احتمى بالعشائر والطوائف والأحزاب الجديدة، وبكل مفاهيم ما قبل الدولة الحديثة التي ساهموا بتخريبها وتهديمها، فيما أختفى وهرب آخرون الى خارج البلاد بأموالهم الطائلة، وهم يعملون وفق مبدأ الباب الدوار وانتهاز الفرص واستغلال الظروف الداخلية السيئة لتحصيل المكاسب مهما كانت تافهة، وهذا ديدنهم.

في ظل تلك الظروف المتقلبة والصعبة سيق ناصر الى الخدمة العسكرية لتأخده الحرب المجنونة مع إيران الى متاهات الخنادق والموت المجاني والعبث والضياع، وقد قضى ثمان سنوات عجاف في جبهات الحرب والموت. بعدها عاد الى ممارسة مهنة التصوير وقد جاءت عواصف سياسية وحربية قاتلة ومتلاحقة، ضربت وخلطت وخربت احوال العباد والبلاد، وسقطت مقصلة الحصار على رقاب الناس والوطن، وتنقل ناصر بين مدن ومحال عديدة يلاحق لقمة العيش البسيطة  في زمن كاد الناس الموت جوعاً ورعبا. وبعد محنة ومجزرة الحصار التي ضربت وخربت كل شيء، جاءنا زلزال الاحتلال والحرب الطائفية والارهاب والفساد والتخريب المنظم والشامل وتراجع الثقافة. فكيف للفنان الرقيق أن يعمل وسط هده الظروف؟ وكيف له أن يتمسك بالأمل والحلم؟ حقاً إنها قدرة خارقة على الحياة والوجود والمواجهة وتحدي الخراب والألم!

أعتقد إن (المثقف) والمصور المثقف يستطيع أن يعمل ويواصل ويقاوم الظروف المحيطة به وفق رؤيته وقناعته المرتبطة بالحياة وبالواقع والفن. فالمصور يرى العالم والأحداث تمر من خلال عدسته وهو يلتقطها ويسجلها ليكون شاهداً وموثقاً ومسجلاً لها، وقد تتحول الى موضوع مؤثر ومثير وفق رؤيته الفنية والفلسفية بما يطرح  فيه من معني وقيم أبداعية وفنية. ومبدعنا ناصر عساف مرتبط بالواقع والحياة والتفاصيل اليومية للشخوص والأحداث التي تحيط به وتمر امام عينيه فيلتقطها وياخذ منها ويحافظ عليها من المرور العادي والضياع، بعدها تبدا العلاقة بالرائي من خلال رحلة العرض والمشاهدة والنقد. إن العلاقة بالواقع وتفاصيله وتحولاته، هي المصدر الذي لا ينضب ولا يتوقف لمصور حساس وذكي مثل ناصر عساف كرس حياته للتصوير والكاميرا.

وفي رحلته الطويلة على مدار أكثر من أربعة عقود، لم يترك ناصر عساف كاميرته ولم يتنازل عن حلمه البصري أو يوقف ملاحقته للضوء العابر من فتحة العدسة بأتجاهات ومواضيع مختلفة، وقد حقق وأنجز آلاف اللقطات، وأقام وشارك في عشرات المعارض الداخلية والعربية والعالمية، وعمل في الصحافة، وأدخل الفرح لقلوب الكثير من الناس كما سجل لحظات الحزن والفجيعة ووثق آلآم ومعاناة الناس وخراب المدن والشوارع والأمكنة، مع أمل دائم يشع من خلال ألوانه ولقطاته الرائعة، حيث لم يتعب ناصر عساف ولم يلق أداته بعيداً، رغم الظروف الصعبة والتقلبات وحساسية مهنته في ظل الاستبداد والصراعات العنيفة والمخاطر الحقيقية والتقاليد الثقيلة التي لا تتسامح مع أي لقطة او موضوع جديد أو مختلف عن السائد والنمطي.

من المفارقات المحزنة التي عرفتها عن فناننا المبدع ناصر عساف، أنه لم يمتلك كاميرا متطورة، في كل رحلته ومغامرته التصويرية الطويلة إلا بعد عام 2004، كما أنه يعاني الآن من البطالة والتهميش وهو بلا ضمانات للعيش الطبيعي والكريم!!

لا يزال ناصر عساف ممسكاً بكاميرته يلاحق ويمسك بالضوء والظل واللون، ويمزج بدقة بين تلك العناصر، ويصور المشهد بدقة وصبر متناهيتين، ويحاول أن يرسم الأمل رغم الخراب وصورة الواقع المفزعة. أنه تفاؤل الإرادة، كمعنى لفهم الحياة والعلاقة بها!

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا