قراءة في كتاب: تطور المرأة في عهد الديمقراطية

 

أُبيّ حسن

(نشرة “كنعان” الالكترونية ـ السنة التاسعة ـ العدد 2110 )

الكتاب:المرأة في عصر الديمقراطية
المؤلف:إسماعيل مظهر
الناشر: دار التكوين ـ سوريا
سنة إعادة الطباعة: 2009
عدد الصفحات: 205 من القطع الكبير

.24 ديسمبر 2009

بالرغم من أن الكتاب طُبع للمرة الأولى في أواخر أربعينات القرن الماضي؛ إلا أن المتابع لمضمونه، لن يجد صعوبة في اكتشاف أن ما يطرحه المفكر النهضوي إسماعيل مظهر من أفكار، بين دفتيه، حول ضرورة الارتقاء بالمرأة العربية والمسلمة، لا يزال راهناً في المجتمعين العربي والإسلامي.

ربما انطلاقاً من راهنية الكتاب، وراهنية أفكاره وأهميتها في آن واحد، أقدمت دار التكوين مؤخراً على إعادة طباعته.

قبل أن يوغل المؤلّف، وهو أحد أبرز رجالات الفكر والنهضة في النصف الأول من القرن الماضي، في الحديث عن راهن المرأة -في الفترة التي يتناولها الكتاب- يسهب في تقديم صورة عن واقعها في عصور بادت، فقد يكفي “أن نعرف إنها بلغت من المكانة في ذلك المجتمع ما لم نر له مثيلا في الحضارتين اليونانية والرومانية. فقد بلغت في مصر القديمة مرتبة الملك، وكفى بذلك دليلا على أنها بلغت في مصر، وفي فجر التاريخ البشري، منزلة السلطة العليا في دولة استبدادية”.

ويعتقد مظهر انه من أعجب حقائق التاريخ “أن تتبوأ المرأة أعلى مدارج المجتمع في حكومة استبدادية كحكومة مصر القديمة، وتتوارى من أفق المجتمع كله في بلاد اليونان، التي ورثنا عنها النظم الديموقراطية”.

وفي معرض تطرقه لكيفية نظرة النهضة الأوربية للمرأة سنستغرب معه أن “من أعجب العجب أن جان جاك روسو، على كثرة ما أشاد في كتابيه «العقد الاجتماعي”» و«أميل» الذي كتبه في أصول التربية، واستمساكه فيهما بنظرية أن الحرية حق طبيعي للإنسان، لم يذكر أن للمرأة حقاً يقال له «الحق السياسي». وجاراه في ذلك بقية الكتاب الذين نحوا نحوه واتبعوا مذهبه”.


ليرى أن جان جاك روسو قد كتب “عن المرأة وفصل الفوارق التي تفصلها عن الرجل. ولكن لم ينزل كاتب من كتاب القرن الثامن عشر إلى ذلك الدرك الذي انحدر فيه روسو، إذ قال: خلقت المرأة لتكون ملهاة للرجل”، وان استدرك روسو قائلاً بشيء من التلطيف: “ينبغي أن يكون تعليمهن متصلا بحاجات الرجل، فتكون له تسلية وفائدة، وموضعا لحبه واحترامه، ولتربي أولاده صغارا، وتعنى بهم كباراً… الخ”.

غير أن روسو، كما يرى إسماعيل مظهر، قيّد المرأة كثيراً، إذ لم “يجعل لها حق اختيار العقيدة التي تتصل من طريقها ببارئها، وقضى بوجوب أن لا يكون لها دين غير دين زوجها، فهي مقيدة به محصورة في حدوده. شأنه في ذلك شأن فلوطرخوس في العصر الروماني، وقد قضى كلاهما بأن على المرأة أيضاً أن تعمل على غرس بذور دينها الذي هو دين زوجها، في عقل بناتها، وإلا فإنها تكون قد قصرت في أداء واجب من أقدس الواجبات”.

لم يكن كل مفكري عصر النهضة الأوربية عامة، والثورة الفرنسية خاصة، ينتهجون نهج جان جاك روسو، في نظرتهم للمرأة. فالمفكر كوندورسيه، ظهر له في بعض كتابات 1787 ما من شأنه إنصاف المرأة نسبياً قياساً بغيره، فهو يرى ” انه من المستحيل أن تستقر حقوق الإنسان على قاعدة ثابتة، ما لم يعترف بهذه الحقوق للمرأة، وان كل الأسباب التي أدت إلى الاعتقاد بأن لكل رجل الحق في أن يكون له صوت مسموع في حكم بلاده، هي الأسباب التي تحملنا على إضفاء هذه الحقوق على النساء.. على الأقل للواتي هن أرامل أو غير متزوجات”.

من الأمور الطريفة التي ترد في الكتاب أن نابليون بونابرت، قابل ذات مرة زوجة كوندورسيه، وكانت من زعيمات الثورة، وخاطبها محتداً، قائلاً بنبرة الآمر الذي لا ينتظر جواباً: “مدام.. إني لا أحب أن تتمحك المرأة في السياسة. فأجابته على الفور: لك الحق أيها الجنرال. ولكن من الطبيعي في بلد تحتز فيه رؤوس النساء، أن يكون لهن الحق في أن يسألن عن السبب في ذلك!”.

ينتقل المؤلف بعد ذلك للنظر إلى حال المرأة في الإسلام، ليرى انه لما جاء الإسلام فقد “عطف إلى ناحية المرأة فاعتبرها نصف إنسان، وأضفى عليها من الكرامة والاحترام ذلك القدر الذي لا يزال حتى الآن موضع انبهار كل المشترعين”. عاطفاً القول: “إن ما جاء به الإسلام من شرائع في المرأة، كان أبلغ ما يمكن أن تصل إليه الطفرة في عصر هذه صبغته. أما الذين يقولون بأن الإسلام لم يعط المرأة حقها الكامل فمخطئون. لأن الإسلام في الواقع أعطى المرأة أقصى مايمكن أن تعطى، بل أنه تطرف في عطائها، مع اعتبار حاجات الزمان والمكان، ومؤثرات البيئة والعقلية”.

ما سبق ذكره، يستخدمه المؤلّف بغية إسقاطه على الواقع، ليرى، أن أكثر رجالنا، وخاصة في الريف، وهم أولئك الذين غلبت عليهم العواطف البدائية واحتكمت في مشاعرهم وعقولهم العادات القبلية الأولى، لذا “جرى أكثرهم على أن يحتال على الشرائع حينا، ويتسلح برخصها حينا آخر في حرمان البنات من حقهم فيما يرثون عنه. فمنهم من ترك للبنات قسطا من الثروة ولكن مقتراً عليهن فيه، ومنهم من حرمهن حرماناً كلياً، معتدياً بذلك على الشرع والعرف والآداب العامة”.

يرصد الكتاب واقع التعليم في مجتمعاتنا مطلع القرن الماضي، ومثالها هنا المجتمع المصري، ليجد أن “عهدنا بتعليم البنات قريب. ولا شك أننا أخذنا نفكر جدياً في تعليمهن قبيل الثورة المصرية في سنة 1919″.

يقول مستدركاً، واصفاً واقع حالهم: “كانت سيداتنا إلى ذلك العهد محجبات غير سافرات، وكن في حالة تشبه الأسر. اللهم إلا القرويات اللواتي كنا بحكم حياتهن محتاجات إلى العمل في الحقول وارتياد الأسواق. ولا مرية في أن هذا الوضع قد عاق تعليم البنت ووقف حائلاً دون تثقيفها. فالسيدات المحجبات من الأسر الكبيرة كن يأنفن أن تخرج البنت إلى المدرسة وان رغبن في التعليم، والقرويات السافرات كن لا يدركن معنى التعليم”.

أما طريقة الانتقال من تلك الحالة إلى ما باتت تشهده مصر، أواسط القرن الماضي، من تهافت البنات على التعليم، وتهافت ذويها على تعليمها، فقد بدأ بخطوات بطيئة لم تلبث أن تسارعت، معتبراً أن الفضل في ذلك يعود إلى الإخوان المصريين غير المسلمين، فقد كانوا “أول من توجه إلى تعليم البنت في المدارس الأجنبية، فظهر في المجتمع زهرات أخذ عبيرها يفوح حتى عم أريجه. ولقد أخذ أهل البيوت الكبرى من المسلمين يقدمون على تعليم البنت في المدارس الأجنبية، وفي مدرسة أو مدرستين أنشئتا بعد الاحتلال البريطاني، وكانت المدرسة السنية واحدة منهما”.

مع ذلك يعتقد إسماعيل مظهر، ربما محقاً، إن التعليم كان في ذلك الوقت “زخرفاً من زخارف الحياة، لا سلاحاً تتسلح به البنت لتكافح به في الحياة. فإن فكرة كفاح المرأة لم تقم في الأذهان إلا منذ عهد قريب جداً، أي منذ أن دخلت البنت مدرسة الطب ثم الجامعة بكلياتها الشتيتة”.

ويرى المؤلف، في معرض تطرقه إلى انخراط المرأة العربية في العمل السياسي والحقل العام، “أنه من أكبر الظلم أن نفتح للمرأة معاهد التعليم والثقافة ونصلها بالمعرفة العامة، ونجعلها تتصل بالعالم من طريق الإذاعة والصحف، ثم ننكر عليها ذلك الحق الذي نضفيه على ملايين من الرجال لا يعرفون من الدنيا إلا الدائرة الضيقة التي يعيشون فيها، وهم على جهل تام بكل ما يؤهل بهم لأن يكونوا مصوتين مستقلين في الرأي أو ذوي رأي على الإطلاق”. ليجد أننا في وضع غريب كهذا “إنما نضعف من نظامنا النيابي وننكر على الديموقراطية أنها تعمل للمساواة لا للتفاضل. إننا بذلك نفهم الديموقراطية فهماً عكسياً. وما السبب في ذلك إلا تقليداً جرينا عليه”.

يحاجج، بطريقة غير مباشرة، منطق بعض الفقهاء بخصوص قوامة الرجال على النساء، فيرى إن المقصود بالقوامة هنا: “بأن الرجل قوام على المرأة أن يكون بينهما تشارك في المصالح محدود بحدود العقل والحرية ومراعاة للواجبات والمسؤوليات، وعلى الجملة، قصد به أن يكون أساساً لإقامة حياة تكافلية في ذلك العالم الصغير الذي نسميه الأسرة. ولن تقوم حياة تكافلية في جماعة من الجماعات إلا إذا كانت حرية الإرادة أساسها وسنادتها”.

لا يخفي المؤلف إن الأسباب التي تدفعه على الدفاع عن حقوق المرأة في الحرية والعمل والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية، هي ليست أسباب محصورة بالحال الاجتماعية فحسب، بل هي أسباب تتعلق “بما يجري في هذا العالم من أحداث الاجتماع والسياسة. تلك الأحداث التي تلفنا لفا وتسوقنا سوقاً نحو الهدف المخبوء في صدر المستقبل”.
ويحذرنا في نهاية كتابه بقوله لنا، من بعد أن يجعل من تطور المرأة ورقيها هدفاً بحد ذاته: “ذلك الهدف الذي إن جهلناه، فلسنا نجهل أننا نعيش في عالم أساس الحياة فيه قوة المصنع وقوة الاقتصاد، وعلى الجملة قوة الحشد التي تخرج من المصنع مصنعاً كامل النفع”.

:::::

“كلنا شركاء”، سوريا

 
 
 
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
______________________________________________________________
 
الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | كتابات حرّة | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا
 
 
جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | طلبة وشباب | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

 

مقالات مختارة

صوت اليسار العراقي

صحيفة تصدرها نخبة من المثقفين والكتاب اليساريين العراقيين