<%@ Language=JavaScript %> محسن عبد الكريم البؤس والخلود في شعر الحصيري
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

                 

 

البؤس والخلود في شعر الحصيري

 

محسن عبد الكريم /النجف

من سنين خلت كنا نسمع او نقرأ سيرة شعراء تناسهم الغير حيث كان لهم الاثر الواضح في المسيرة الشعرية في النجف فقد تركوا ارثا ادبيا كبيرا اهتم به الاخرون ونالوا ببحوثهم شهادات اكاديمية عليا .

 الا ان غبار الزمن غلف سيرتهم وذكراهم وليس منهم الا اشعارهم ومواقفهم الادبيــة في المجالس الخاصة ومن هولاء الشاعر الكبير

 ( عبد الامير الحصيري) فقد تصفحت ماتيسر لي من ابداعاته الشعرية فوجدته مدرسة شعرية معاصرة ولعلي اجد ضالتي بالتعرف على هذا الشاعر لندرة ماكتبوا عنه والذي شغل العراق شعرا اجمع عليه من مؤيد ومحارب له في حينه ومن تمجد بسيرته ومن سولت له نفسه ان يقتبس من شعره بلا حياء .

 (الخمر والتصوف ) هي الحياة عند الحصيري فهو امير في الشعر وساهي فـــــي العشق والقائم في حضرة الشعر وفي ارفع منابرها والذي وصفوه انه ارضع الروح بالجسد واقام الحد بين الخير والشر في شعره .

 لقد كان يرتدي رداء الفقر لكن فقر الشعراء الذين رفضوا غدهم وعاشوا ليومهم وعشعشت البراءة والجمال والوصف والابداع لترسم قوافي ابياتــــــــــه الشعرية .

 لقد صرخ بالحق جهارا لفارس الحق الامام علي (ع) بقصيدة معلقة بقافية موحدة ووزن خليلي ليحافظ على قصيدة العمود .

 كان شديد الفخر بنفسه كما كان المتنبىء وهذا ماترجمته قصائده حيث يقول (انـــــا شاعر هذا العصر واحسب اني لست مغاليا ولامانحا لنفسي غير مااستحقه ولا أسير للغرور او مصابا بداء العظمة ) كان واقعيا وصادقا وكان اثرى الاثرياء عندما تاتي نعمة الشعر لترسم خارطة قصيدته الشعرية فيتخمها بفطريته الشعرية حكمة وألقا وقافية ... هكذا صاحب الملابس الرثة والذي اختار قارعة الطريق ليعقد مؤتمره الشعري وتفتح قريحته الشعرية انه المتسابق الرابح في ماراثون الشعر .

 لقد حلق عاليا ليس على اشرعة الشعر فحسب وانما على اشرعة المرارات التي كان يدوي بها فقرا وعزلة ليقول انا موجود حتى على

( اشرعة الجحيم ) الذي اختاره عنوانا لديوانه الذي صدر في مدينة النجف عام 1974 تلك المدينة التي ارضعته أدبا واحبته وأحبها فكان الاهداء في المقدمة يقول فيه (يبدأ الكون وينتهي شعلة أزلية لن يفرح بكتمها تابوت ولن يلفها ضريح) فاي شعلة يتحدث عنهــــــا الحصيري هل شعلته التي اوقدها في شرايين دمه او في شموع ابيات قصيده واي تابوت وضريح سيخمد شعلته وفي أي مرفأه ستلقاه 000000قصيدته بعنوان ( اغنية الرياح)كثيرا ماتشدوا ابياتها مع تغاريد الحمام وتسافر مع الضحى وعنده منازل الغرام حيث يصف مجاهل لحظاته السعيده فيصفها :

ماتغني الرياح .. لو ينحت الرعد عليها ضريح شدو الحمام

مايقول الضحى .. اذا مابنى الغيم عليه منازلا للغـــــــــرام

سافري بي يالحظتي في مجاهيلك .. سيري بمواكبي للامام

لو يعود الخضاب عري المواعيد وغصن السهاد عش المنام

تهرم الخمر في قشور العناقيد ..  وتفنى الورود في الاكمام

اذا اردنا ان نعرف الحصيري يعلن عن نفسه في تلك الابيات:

من مجيري في وحشتي .. ان غفا الليل وفر الحديث عن ابوابي

وتلقتني الوساس حيرى ... واحتوتني بـــاذرع الارتيـــــــــــاب

وتوخاني الذهول سميرا ... وعفا عن تهزئي بالصــــــــــــواب

واحتقاري لكا مألف الناس ...  من المين والريا الكـــــــــــــذاب

لقد ايقنت ان هذا الشاعر مبدعا .. فالمبدع هو الذي يبتعد عن كلام ماسبقوه وان لايقع في التقليد وقدم الجديد الذي عرفاه في قصائده حيث يقيم جسر الترابط الفكري من الماضي ليخرج بحلة جديده عامرة بالابداع فيقول في قصيدة (التمرد):

تمرد وصبغ حمر الكوؤس مناقلا .. ندفىء فيها الليل والانجم السكرى

واجزل لها قلبا تبرع نبضه ..  بان يمنح الاغفاء للاعين السهرى

وها انت اصبحت للخمر ربها .. واصبحت الاقداح ترعتها الكبـرى

بنيت لها من ثغرك المنتشي فما .. ومعبدها وطنت موضعه الصـدرا

وحاناتها امست لنفسك روضة ..  تنادم فيها الحلم والصوت والبشرى

ولاترهب القبر الذي ليس دونه .. سبيل وخير الناس من سكن القبرا

 

وفي قصيدة له بعنوان (فاتح مملكة الحزن) يصف حزنه واسفه على الشعروترديه فيقول :

يقول أناس لو درى الشعر انه .. يجيدون صنع المضحكات الفرائد

تلفف بالاسمال وجهك حاملا .. بوجهك عبء الشعر عن الف زاهد

فقلت لهم والحرف يبكي تكبرا .. ليغرق في عينيه آذان  جاحــد

(ابو الطيب)الشريد ماكان راضعا .. عناقيد اعناب النعيم المباعـــد

(جرير) شآى قدما ثمانين شاعرا .. ولم يمتلك الا برق الأغـادر

وان ذهبت نفس (الحصيري) .. اخلقت عرى الشعر واسترخى عنان  القصائد.

يقول التاريخ ان هولاكو غزا بغداد واحرق كتبها ولكن هل قتل بغداد ؟

 لقد كان الحصيري هكذا كم من الذين اطلقوا رصاصة التهميش وكم ارادوا اضطهاده وكم كان نقدهم الزائف وكم عابوا عليه لحيته وشعره المعفر باسمى القوافي ليعلن رفضه .. لقد نظروا اليه ظاهريا ونقدوه وعبثوا في دواخله جهلا .. لقد تشرع بقدرته اللغوية وابداعه الشعري وراح يرفضهم كرفض المجانين الشعراء الجوالين ووقف يرفع اشرعته الشعرية امام الشعراء الارستقراطيين الذين تزينهم ربطات العنق الانيقة والايادي التي تصفق لهم نفاقا وطمعا فبدلا من السراويل والقمصان الجلدية الحديثة الصنع والموديل فقد اختارالحداثة لشعره وليس لملابسه كان حضوره مؤثرا اينما حل انه الحصيري الذي اختار بغداد ملاذا لتشرده .. ما بغداد عنده يقول ان ثلاثية بغداد هي(العلم/الشعر/الحكمة) وكلما قسى عليها الزمن او الحكام تبقى بغداد الزاهرة ولماذا يترك مدينته النجف مدينة اللغة والبيان والدين فيخاطبها :

بغداد قلبي في يديك معذبي .. ان شئت او ان شئت شل العاطب

اما صببت سعير عتبي لم اكن .. لسوى تضاريم الفؤاد اعاتب

وانا ابنك المغوار مسقط دجلة .. ذا القلب والسعف الأهاب الشاحب

بالرغم من ان –الغري- باضلعي .. لهب ولي حتى رباه حبائب

فيراعتي سيف بريق صليله .. شعري وخفق القلب غمد ضارب

في اكثر من (280) بيت شعر قال الحصيري ملحمته الشعرية عن بغداد القاسية معه والتي اختارت ارصفتها المهملة بيتا له واهلها نعتوه بالمجنون فقد زار الحصيري شوارعها وازقتها ومقاهيها وحدائقها وحاناتها اطلاعا على خزينها التاريخي وغفرانا:

غفرانك الأشذى .. فما انا ناكب ان لم يجد أطراء مجدك واثب

ومن البداهة ان تخارس شاعر .. جرا مجدك او تلبد كاتب

في عمق الحصيري عالما نجومه وشمسه وليله ونهاره الحب ومفهوم الحب عنده حسيا لاخياليا ويختلف عن الحلاج وابن الفارض الذين تغزلوا بالخالق حد العشق المجون وكان حب الحصيري ملموسا وعندما تداعب نظراته وجه امراءة حسناء نراه سجين خجله فتراه يصرخ عند اول جرعة خمر تؤنسه وتكحل ابياته الشعرية ويبحث في اعماقه قلقا فيصف قلقه هذا في قصيدته (الى القلق):

اجائع ؟أي شيى ثم ياقلق .. أمن حطامي هذا يمطر العبق

ان كنت تحلم في قلي فان دمي من جوعه بات فيه الجوع يحترق

قلبي الجحيم اثيمات الشرور به معذبات فما اذنبت ياقلق

مازلت طفلا غريرا كيف تقربني .. انا التشريد والحرمان والارق

انا الشريد فلماذا الناس تذعر مني من وجهي وتهرب من قدامي

وكنت افرغ للحانات تشربني ..  واليوم لو لمحت عيني تختنق  

قد بت امضغ أعراقي وأوردتي .. وارتوي من جراحاتي وانسحق

عريان يكسو الدنا ألبسة .. عطشان في راحتيه الكوثر العبق

فهل كسوت جفون الناس الف دجى .. أم هل تبسم في احداقه الغسق

 

للحصيرى قصائد كثيرة لاتحصى والضائع منها اكثر مما اطلعنا عليه .

فهنا يقايض قصيدته بدراهم معدودة يسد بها رمقه اضافة الى المسروق منه حيث كان سارق شعره يشاركه في غرفة نومه ثم يهرب بالاوراق الشعريه صباحا فله قصيده يرثي قصائده المفقودة فيقول :

خيالك مل اوردتي يصول .. وسحرك في دمي ضرما يسيل

وصوتك حين يفجؤني مروعا.. تذكره .. وينتفض الذهول

بماذا استطيع عليك حزنا .. وأي أسى لفقدك يستطيل

واني رغم جعجعة الليالي .. لشمس الشعر في الدنيا رسول

قبيلة شعري المفقود أني ..  بعيد نواك من ألم قتيل

ومما زاد في البلوى أتقادا ...  سؤالي اين حط بك الرحيل

تطارد ضلي الاقداح ضمأى ... وترفضني المرابع والسهول

وخير ختام في قصائده المعلقة بحق الامام علي (ع) منها يقول :

عمران يفترشان روحك كالندى .. ان رف صبحا في الحقول موردا

عمر يجسده كيانك كله .. ألقا تصاغ به المتارب عسجـدا

وكسوت رونقه الطهور مهابة ... تملي على الدنيا الخشوع مؤبــــــدا

قد خضت فيه من الكفاح معاجزا ... في عالمين فضاؤهن تلبــــــــــدا

وختمته في ختم سيرتك التي ... عقم الوجود مثيلها ان يشهــــدا

فيما نشرت به من العلم الذي ...للحشر ضوء سراجه لن يخمــدا

تحيا بروحك لابجسمك ساكنا ... دنيا الاحساس يسال خفية فرقــــدا

يافارس الحق المنزه نوره ...عن ان يرى طيف الظلام له صدى

ياول المتعطرات شفائهم ... بعبير توحيد تفرد مولــــــــــــــدا

سنوات عمرك لم تكن لتسيغه ...لو لم يروضها الذكاء بما اهتدى

وغدوت لو جبل أتاك منازلا ... لاحلته قبل النزول مبـــــــــــددا

ولتلك(خيبر) لم تزل زعقاتها ... لهدير بأسك حين حطمها صـــدى

و(لعمرو) دهشة محفورة ... بروى الكواكب حين آب ممــدا

ذعرت له الابطال خوف حمامها... لما دعاها للقتال وازبــدا

طوبى لرفعتك التي أفياؤها ... للان تكفي العالمين  تـوردا

شرفا أمير المؤمنين (علي) يابحر العجائب بالسخاء توسـدا

أثرت والنعمى يمينك دارها ... والارض طوع يديك ان تتزهــدا

مااروع اليوم الذي به الدنيا بنأخذها شعاعك مرشـــــــــــــــــــدا

 

 

محسن عبد الكريم

Mahssn-53@yahoo.com

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا