<%@ Language=JavaScript %> حسن إسماعيل دار المعلمين العالية  (1923- 1958) مصنع الأنتلجنسيا العراقية
   

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين          

 

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                        

 
 

 

 

لا

للأحتلال

 

 

 

دار المعلمين العالية  (1923- 1958)

 

مصنع الأنتلجنسيا العراقية

 

 

حسن إسماعيل *

 

خلفت دار المعلمين العالية (1923-1958) علامة مميزة في مسيرة العراق التربوية والثقافية والوطنية فقد خرجت تلك الدار عينه من العلماء والأدباء والمثقفين خلال حقبة امتدت الى أكثر من ثلاثين عاماً ابتدأت مع السنوات الأولى لتأسيس الدولة العراقية الحديثة (1921) وانتهت بنجاح ثورة 14 تموز الوطنية إذ كان أساتذة وطلبة الدار من المبشرين الرواد والعاملين من اجل التحرر الوطني والاجتماعي . ولا غرابة أن تنهض دار المعلمين العالية بهذا الدور الكبير إذا ما علمنا إن جملة التدريسيين فيها الشاعر معروف الرصافي  و د . محمد مهدي البصير (وزوجته الفرنسية) ود. عبد الجبار عبد الله ود.عبد العزيز الدوري ود. مصطفى جواد ود. جواد علي ود. نوري جعفر ود. إبراهيم السامرائي  والمؤرخ يوسف غنيمة ود. فيصل السامر ود. سعاد خليل إسماعيل ود. حاتم الكعبي ود. عبد الرزاق محي الدين ود. علي جواد الطاهر وسواهم . فضلاً عن أساتذة عرب من لبنان وفلسطين ومصر كان من بينهم ساطع الحصري وأحمد حسن الزيات  وجبرا إبراهيم جبرا ، إضافة الى أساتذة أجانب مثل ستيفن رونسمان وديزموند ستيوراث وغيرهما.

جاء تأسيس دار المعلمين العالية استجابة  لضغط وطني وشعبي في بلد يسعى للاستقلال الناجز والإطاحة بالحكم الأوليغارشي ( الحلف الأقوى بين الملاكين الكبار والكمبرادور) إذ كانت معظم مدن العراق محرومة من المدارس المتوسطة والإعدادية فهيأت هذه الدار المدرسين اللازمين لذلك. حتى ان وزارة المعارف استعانت في العام 1925  بالأهالي لمساعدتها مادياً على فتح مدارس متوسطة وإعدادية في مناطق مختلفة من العراق. لذلك عدت السنة الدراسية 1925-1926 نقطة تحول في تاريخ التعليم الثانوي . وقد بدأت معها امتحانات البكلوريا لأول مرة في العراق.

أُلغيت دار المعلمين العالية في العام 1930 ( لا ننسى أن نوري سعيد وقع الاتفاقية الاستعمارية مع بريطانيا في هذا العام) وكان عدد طلابها آنذاك 44 طالباً منهم 25 طالباً في الصف الأول . وكانت سياسة نوري سعيد تستهدف تقليص التعليم الثانوي والاعتماد على البعثات العلمية خارج العراق ( المقتصرة على أبناء الباشاوات !)   ، لخشية السلطة آنذاك من اشتداد الوعي الوطني بعد إن بات طلبة الدار يلعبون دورهم المؤثر كجزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية العراقية .كما خشية الانتداب من التوسع في التعليم الثانوي لنفس السبب المذكور . وكان من جملة الطلبة المتخرجين في سنة إلغاء الدار الراحل ناجي يوسف نقيب المحامين العراقيين فيما بعد ، والشخصية الوطنية الديمقراطية المعروفة .

فتحت الدار أبوابها مرة أخرى في العام 1935 وفي العام الدراسي 37-1938م استقبلت الدار أول وجبة من الفتيات العراقيات وذلك في عهد عميدها د. متي عقراوي وكن 8 فتيات وفي العام 1939 أصبحت مدة الدراسة 4 سنوات بعد إن كانت ثلاثاً يمنح الطالب بعد إنهائها شهادة البكالوريوس في العلوم أو الآداب أو التربية .

حمل أساتذة الدار وطلبتها هموم الحركة الوطنية العراقية وكانت لهم مواقفهم المشهودة تجاه الإحداث الجارية في العراق أو العالم العربي أو العالم منذ العشرينات مما عرضهم للاعتقال أو الفصل مرات عدة .,

وفي سياق العمل الوطني إبان الحرب العالمية الثانية كان للطلبة والأساتذة دورهم المشهود حتى إن طالبات الدار شكلن لجنة لمكافحة النازية والفاشية .

لقد تعاظم دور الدار في حياة العراق الثقافية والسياسية مع وثبة كانون المجيدة 1948 التي أفشلت اتفاقية جبر – بيفن (بورتسموث ) وهنا أيضا كان للمرأة دوراً فعالاً في هذه الملحمة الوطنية  حين امتزجت دماؤها بدماء أخيها العراقي على جسر الشهداء فقد شارك طلبة الدار من الشبان والفتيات في تلك الوثبة ورفع الطالب الثائر بدر شاكر السياب صادحاً بقصيدة حماسية.

وفي العام 1956 لم يتوان أساتذة الدار عن نصرة الشقيقة مصر إثناء تعرضها للعدوان الثلاثي حين قاموا بتقديم مذكرة إلى الملك ورئيس وزرائه طالبوا فيها بإسناد البلد الشقيق وإقالة الوزرة وإشاعة الديمقراطية.. وقد قامت الحكومة الغاشمة على أثر هذه المذكرة الجريئة بفصل عدد من الأساتذة منهم د.عبد القادر أحمد يوسف ود.فيصل الوائلي ود. حميد يونس وتمت تنحية د. خالد الهاشمي من منصب عميد الدار.

ومثلما كانت الدار حاضنة وطنية كانت أيضاً حاضنة حداثية شجعت طلبتها من الشعراء الموهوبين على الأقدام على كسر عمود الشعر العربي وإطلاق حركة التجديد الشعري العربي على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وعبد الوهاب البياتي وعبد الرزاق عبد الواحد (المارق) وسعدي يوسف وسواهم.

إن البيئة المؤائمة والمحفزة لدار المعلمين العالية هي التي شجعت الطلبة على اجتراح إبداعاتهم الرائدة، وكانت رعاية الأساتذة لمواهب طلبتهم في مقدمة العوامل المحفزة. فقد شكل د. محمد مهدي البصير لجنة ثقافية بإشرافهِ كان ابرز أعضائها بدر شاكر السياب وسيلمان العيسى (الشاعر السوري) لرعاية المواهب والقيام بأنشطة أدبية.

 وقد وجهت اللجنة دعوة للشاعر محمد مهدي الجواهري فاستجاب على الفور لجلسة شعرية قرأ فيها عشراً من قصائده الثورية والغزلية. ولم تعبا اللجنة الثقافية بموقف الحكومة المعادي للجواهري.

شهدت دار المعلمين العالية خلال السنة الدراسية 44ـ1945 تشكيل جماعة أدبية بأسم (إخوان عبقر) ضمت بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وكمال الجبوري وعبد الجبار المطلبي وغيرهم. وقد لقيت هذه الجماعة تشجيعاً من قبل عميد الدار والأساتذة لذلك قامت بتنظيم المواسم الشعرية والمجالس الأدبية بكل حرية.

وفي النصف الثاني من الخمسينات، احتضنت الدار النشاطات الأدبية والفنية المتنوعة فقد تشكلت لأكثر من مرة تجمعات ثقافية ضمت اساتذة وطلبة الدار منها جماعة (اهل الأدب) برعاية الأستاذ د. صفاء خلوصي وكان هذا التجمع يقدم مساء كل ثلاثاء امسية يقرأ فيها الطلبة الموهوبون قصصهم وقصائدهم. كما كان في الدار فرقة مسرحية من طلبة الدار شكلها الفنان جاسم العبودي بعد عودته من الدراسة في الولايات المتحدة قدمت عدداً من المسرحيات منها مسرحية ماكبث لشكسبير.

واصدرت الدار مجلة علمية اكاديمية رصينة بإسم (الأستاذ) ينشر فيها اساتذة الدار بحوثهم ومقالاتهم وهي مجلة نصف سنوية تباع بأسعار مخفضة للطلبة وكانت هيئة تحريرها تتألف من الأستاذ كمال إبراهيم ود. محمد ناصر ود. محمد الهاشمي ود. عبد العزيز كاظم ود.علي جواد الطاهر والأستاذ عبد الحميد عبد الكريم (سكرتير التحرير).

وكانت اللجنة الرياضية في الدار تنظم مختلف المباريات وسفرتين للطلبة واحدة الى إيران والأخرى إلى تركيا. كما انشأ طلبة قسم علوم الحياة (نادي رواد الطبيعة) فيما تشكلت (جمعية اللغة الألمانية) وأخرى تعمل لتنمية ملكة الخطابة لدى الطلبة بأسم (جمعية الثقافة العربية) كما وأقام الفنان جواد سليم مرسماً في الدار.

يلاحظ أن معظم مدرسي الدار من خرجي جامعات الغرب (أوربا، أمريكا) أي أنهم عاشوا سني دراستهم في مجتمعات حديثة وتشربوا مبادئ العقلانية والديمقراطية ونهلوا علومهم وفق المناهج الحديثة آنذاك. وهذا ما يفسر سلوكهم الأكاديمي المختلف لاسيما نمط علاقتهم مع طلبتهم.

إننا نتبين أهمية دار المعلمين العالية من أسماء خريجها الذين كان لهم دورهم الرائد في الحياة الثقافية والسياسية في العراق ومنهم ذنون أيوب، داود الصايغ، حسين علي محفوظ، علي جواد الطاهر، عاتكة الخزرجي، محمد جميل شلش، لمعية عباس عمارة، ديزي الأمير، عبد الوهاب البياتي، سليمان العيسى (السوري) بدر شاكر السياب، الدكتور عبد الواحد لؤلؤة ، عبد الرزاق عبد الواحد، جواد صالح الطعمة، باسم عبد الحميد حمودي، جواد سليم، عزيز الحاج، علي صالح السعدي وسواهم.

ومن الطريف إن يدرس في الدار طلبة صينيون وبلغار وبريطانيين فضلاً عن الطلبة البحارنة والسوريين والتونسيين والمغاربة والأردنيين والفلسطينيين.

لقد كانت تلك الدار (أم المدارس) و(من أمهات معاهد الثقافة والمعرفة) كما وصفها احد طلبتها د. حسين علي محفوظ، وهي بحق مصنع الأنتلجنسيا العراقية الواعية ونواة الطبقة الوسطى أداة التغيير الثوري عبر تاريخ الإنسانية.

 

 

* كاتب عراقي / ذي قار

 - رئيس تحرير مجلة الهامشيون.

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

 

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا