<%@ Language=JavaScript %> خالد غزال "من إسلام القرآن الى إسلام الحديث، النشأة المستأنفة" لجورج طرابيشي

 |  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

"من إسلام القرآن الى إسلام الحديث، النشأة المستأنفة" لجورج طرابيشي


يفتح أبواب العقل والنوافذ على مصاريعها

 

خالد غزال

 

يقدم جورج طرابيشي في كتابه "من اسلام القرآن الى اسلام الحديث، النشأة المستأنفة" الصادر عن "دار الساقي" في بيروت، ورابطة العقلانيين العرب، مقاربة جريئة في الكشف عن قضايا يجري تغييبها في التراث الاسلامي، او تحريف مضمونها، من قبيل العلاقة الفعلية بين الله والرسول كما تجلت في النص القرآني، وصولا الى تفكيك كل ما رافق منظومة الاحاديث النبوية وكيفية احلالها الى حد كبير مكان القرآن في التشريع، والغوص في المذاهب الفقهية عبر استحضار كتابات الفقهاء والعلماء وتشريح منظوماتهم الفقهية. يستعين طرابيشي بالنص القرآني بغزارة، ويجري مقارنات مع اجتهادات المفسرين، هادفا الى اثبات ان اسلام القرآن ليس نفسه الاسلام الذي كرسه الفقهاء، ولا يزالون، بل للقول ان تحريفا فعليا لمضمون الاسلام قد جرى على امتداد عقود نتيجة التحول "من إسلام القرآن الى إسلام الحديث".

يفتتح طرابيشي كتابه بفصل عن العلاقة القائمة بين الله ورسوله من خلال النصوص الواردة في القرآن، فيشير الى ان الله في القرآن هو الذي يقول او يأمر، وان الرسول هو المأمور والمولج تنفيذ ما يقوله الله، وليس ادل على ذلك من ان كلمة "قل" الموجهة من الله الى رسوله تتردد في القرآن 311 مرة. من جهة اخرى، يشدد القرآن على اطلاق كلمة "الرسول" على محمد وليس كلمة النبي، وهو امر يكتسب اهميته في طبيعة العلاقة التشريعية التي قامت بين الله ورسوله في كون الله هو المسؤول عن التشريع، فيما تتحدد مهمة الرسول في تلقي هذه التشريعات والعمل على وضعها موضع التنفيذ، وتظهر تجليات هذه العلاقة في تحول الخطاب القرآني خطاباً يحمل التهديد والتأنيب للرسول اذا ما تجاوز حدود التشريع المنوط اصلا بالله، او تقاعس عن تنفيذ ما جرى تشريعه. للتدليل على صحة هذه الافتراضات، يورد الكاتب تصنيفا للآيات القرآنية، فيرى ان هناك آيات "تقصر (فيها) وظيفة الرسول على تبليغ الرسالة وتؤنبه وتتوعده بقطع الوحي عنه وبمضاعفة عذابه في الدنيا والآخرة إن هو كتم شيئا من القرآن او زاد منه او تقوّل فيه"، وآيات تحذر الرسول من استباق ما قد يرد في القرآن، وآيات تظهر امتناع الرسول عن اتخاذ مواقف في انتظار نزول الوحي، وآيات تردع الرسول وتلومه على مواقف اتخذها، وآيات تتدخل في الحياة الخاصة للرسول وتحدد له المباح والمحرم، وصولا الى الحسم بكون الرسول بشرا لا يتميز عن سائر البشر الا بكونه ينزل الوحي عليه ليبلغه الى الناس، ويبقى بشرا بعد الوحي، مما يعني ان الرسول بحكم هذه "البشرية" قابل لأن يخطئ، كما هو قابل لأن يصيب. في المقابل يغيب عن القرآن اي تعبير عن "سنّة الرسول"، اي ما يعرف بالاحاديث، التي وضعت لاحقا في مصاف القرآن، وتغلبت عليه احيانا. هذه "السنّة" تعود الى مرحلة انتقال الوحي والدعوة الى التبلور والتموضع داخل المجتمعات المتعددة، وما تبعها من تنوعات في قراءة النص الاصلي وتفسيراته، وهو ما يطلق عليه تعبير "من الرسالة الى التاريخ".

يولي طرابيشي اهتماما لشرح مقولة "اميّة الرسول"، التي جرى تحريفها، واعطاء مضمون لها لا صلة له بما يقوله القرآن. يقوم التعريف الذي جرى تكريسه على ان الكلمة تعني ان الرسول لم يكن يعرف الكتابة والقراءة، للوصول الى وسم الرسول بنوع من المعجزة، فيما يقوم التفسير الحقيقي لكلمة "الامية" على انها تعني الامة التي لا كتاب لها. وقد اوضح القرآن في الآية العشرين من سورة آل عمران انّ المعارضة بين الكتابيين والاميين لا تقوم الا من منطلق كون "الاميين" لم يؤتوا الكتاب الذي اوتيه الاولون. في هذا المعنى فإن النبي "الأمي" بعثه الله الى "الاميين العرب" الذين لم يكونوا اصحاب كتاب على غرار اقوام اخرى اعتنقت اليهودية او المسيحية، وهذا ما يؤكده القرآن نفسه عندما يشدد على ان لكل امة رسولها، وهو تعبير يرد في حوالى 20 آية "وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم". تكتسب هذه الايات اهميتها عند الحديث عن عروبة القرآن، وعن البيئة التي نشأ فيها الاسلام، مقابل الذهاب "الفقهي" في تحويل كلمة النبي "الامي" تعبيراً يعني ان محمد هو نبي امم الارض بكاملها من دون استثناء. هكذا، لم يكن القرآن هو الذي طوّب الرسول نبيا على الامم، بل ان كتب الحديث اللاحقة هي التي كرست هذه الفتوى.

ترتبط غلبة الحديث النبوي على القرآن بجملة تطورات تاريخية ابرزها التوسع الجغرافي للاسلام خارج منطقة الحجاز والجزيرة العربية، ودخول اقوام جديدة اليه من خارج العرق العربي. ادت الفتوحات والاستيلاء على بلدان جديدة، وما رافقها من نزاعات بين اهل الكلام والفرق الدينية، الى انتصار اهل السنّة، وبروز طبقة من العلماء والمتفقهين التي اعطت نفسها صلاحية التشريع الديني، لم يعطها القرآن للرسول نفسه، واغدقت في الفتاوى على كل المستويات الدينية والدنيوية، بما جعل فتاواها موازية للنص القرآني او الاحاديث النبوية، بل تتفوق عليها احيانا في طبيعة الاحكام المطلقة المقدسة التي ينسبها الفقهاء الى فتاويهم. في هذه المرحلة امكن السنّة ان تتجاوز القرآن بل وتتغلب عليه بحيث باتت المرجع والمستند لكل حكم فقهي.

يضيء طرابيشي في هذا المجال مسألة العناصر غير العربية من الموالي الذين دخلوا الاسلام، والذين كان لهم دور اساسي في تغليب السنّة على القرآن، وفي تطوير الفقه الاسلامي، حيث ان اثنين من مؤسسي المذاهب الاربعة في الاسلام، اي ابو حنيفة ومالك بن انس، كانوا من الموالي، فيما ينتسب ابن حزم الى العنصر الفارسي.

يتوغل طرابيشي عميقا في كتب اصحاب المذاهب الفقهية، الرئيسيين منهم والفرعيين، كاشفا الغطاء عن الدور الذي لعبوه في تحويل الاسلام من القرآن الى الحديث، مستعينا باستشهادات تفصيلية من كتبهم، مقارنا اياها بما يقوله القرآن. فأنس بن مالك يرى اقترانا بين الاسلام والنص القرآني الذي ينطق بحقيقة واحدة. لكن بن مالك تميز بعدم اغفال امكان وجود تناقض في بعض الاحاديث النبوية، بل قال بإمكان الاستغناء عن بعضها وعدم اعتبارها مرجعا. كان يقرن هذا الاجتهاد بالقول انه رأيه الخاص مع تشديده على التزام النص والسنّة. طبق بن مالك "المبدأ المنطقي السليم المشترك بين سائر البشر: فقد استصلح ما اعتبره منفعة، واستفسد ما اعتبره مضرة". اذا كان بن مالك تجرأ على هذا التشكيك، فإنما يعود ذلك الى ان المرحلة التاريخية لزمنه لم تكن فيها المنظومة الحديثية قد استفحلت وفرضت نفسها مرجعا لا حقيقة من دونه. من هنا القول ان بن مالك لم يكن اسير المنظومة الفقهية، وان رواياته لم تكن لأكثر من خمسمئة حديث، فيما ستصل لاحقا عند فقهاء آخرين الى الاف. اضافة الى انه لم يكن يرى حرجا في اطلاق فتاوى مخالفة لما جاءت به الاحاديث. بعد ابن مالك سيتعاظم موقع المنظومة الفقهية على حساب القرآن، وستصبح ميدان الخلافات بين ائمة المذاهب الاسلامية.

يمثل الشافعي موقعا متميزا في "تكريس السنّة" مرجعا اعلى في الفقه الاسلامي، بحيث جعلها مرادفا للنص القرآني وموازية له وتحمل الحقائق نفسها، كما انه تميز في الان نفسه "بتكريس معيارية اللغة العربية في فهم الكتاب اي النص القرآني". يقوم مشروع الشافعي على الجزم في كون السنّة شريكة للقرآن وموازية له، مما يعني "تعميد السنّة وحيا مقارنا لوحي القرآن"، فاذا كان ما يصدر عن الرسول مصدره الوحي، فهذا دليل كاف على عدم وجود مسافة فاصلة بين السنّة والقرآن، كما يترتب على ذلك انتفاء "بشرية الرسول". يخلص طرابيشي الى القول: "ان الشافعي نفّذ انقلابا حقيقيا على الصعيد اللاهوتي والابستمولوجي معا عندما جعل للسنّة الرسولية البشرية نصابا الهيا وبوأها منزلة الاصل في الكتاب وكرسها شريكة له في التحكم بمصائر كل العقل في الاسلام، سواء منه العقل الديني او المعرفي... لعل مثل هذا الانقلاب التأليهي في الاسلام لا يجد ما يناظره في تاريخ الاديان سوى الانقلاب الذي شهدته المسيحية في القرن الرابع الميلادي عندما جرى، مع تنصر الامبراطورية الرومانية، تنصيب المسيح الها ابنا مشاركا في الجوهر للاله الاب".

في مرحلة تضخم حجم الاحاديث وتزوير عدد كبير منها بما يتناسب واستخدامها في الصراعات السياسية والاجتماعية واغداق المشروعية الدينية على السلطات الحاكمة آنذاك، يسجل للشافعي تهاونه في قبول الاحاديث على علتها وعدم التمحيص في مدى صحتها خلافا لما كان يقوم به مالك بن انس. بلغ عدد الاحاديث في زمنه 62169 حديثا وضع منها 8740 حديثا على لسان ابو هريرة، فيما تعاطى مالك بن انس مع 500 حديث واخضعها للتدقيق. كما يسجل على الشافعي تأسيس "آلية الناسخ والمنسوخ" التي كانت لها نتائج رهيبة على الاسلام لانه عبرها "اطلق عفريت التلاعب بالنص القرآني. اذ ليس القائل الالهي لهذا النص هو من يحدد ما هو الناسخ وما هو المنسوخ من الايات، بل هو المؤول البشري لهذا النص"، وهذا امر ساهم في اضعاف النص القرآني وافقاره بل واغلاقه نهائيا. من "مآثر" الشافعي ايضا تهميشه للعقل من حيث جزمه المطلق بأن كتاب الله يحوي كل شيء، وهو السبيل الوحيد الى الهدى والخلاص، اي ان القرآن عند الشافعي هو "كتاب العلم الكلي". "هذه الاستراتيجية اللاهوتية للشافعي قائمة في الجوهر واساسا على تهميش العقل وحشره في اضيق زاوية ممكنة، وهذا من خلال تحكيم السنّة اللامتناهية من حيث الوساعة بالنص القرآني المتناهي".
خلافا لما ينسب الى أبي حنيفة كونه من اهل الرأي اي الفئة التي تتمسك بالعقل وتعتمده مقياسا في احكامها، فإن الوقائع الفعلية لمسار ابي حنيفة تثبت تهافت هذه النظرة، لتصنفه ضمن اهل الحديث. "فالعقل لم يحظ قط، وما كان له ان يحظى اصلا بنصاب المشرّع عند ابي حنيفة ولا عند اي امام آخر من ائمة الفقه والحديث في الاسلام". يعود ذلك الى كون الله هو المشرّع الاوحد، "فأعلى نصاب للعقل هو ممارسة فاعليته على هامش النص وبالتبعية للنص من دون ان تكون له الحرية اكثر من تلك التي تكون لمحيط الدائرة في علاقتها بالمركز". وتثبت الوقائع التاريخية ان الذين دافعوا عن ابي حنيفة لم يكن همهم اثبات كونه من اهل الرأي بمقدار التركيز على كونه "صاحب حديث" حيث "تبالغ كتب المناقب في تعداد من اخذ عنهم الحديث وفي تعداد ما اعتمده من الاحاديث في تصانيفه".

كما جرى تصنيف ابي حنيفة في "نطاق العقل"، ألحقت الصفة نفسها بابن حزم، الذي تظهر كتاباته، في حقيقتها، مدى "تصنيم النص" عنده، و"تسييد العقل واقالته معا". لا تخلو كتابات ابن حزم من حديث عن العقل وعن كونيته، حتى ليبدو للقارئ حجم اعتماد العقل في تكريسه مقياسا للاحكام، لكن الواقع يظهر ان هذا الحديث عن العقل يأتي في سياق خلع "الصفة الكونية على رؤيته الدينية الشديدة الخصوصية". فمنظومة ابن حزم تقوم، اولا واساسا، على إلحاق العقل بالنص واستتباعه له، حيث ان وظيفة العقل تتحدد في خدمة النص وفهمه وشرح محتواه واعتماده مرجعا لكل شيء. كما يعمد ابن حزم الى استتباع الاخلاق للنص على غرار ما يقول به بالنسبة الى العقل، وهو يكون بذلك قد "اسقط من اعتباره كل التطور الاخلاقي "والوضعي" الذي حققته البشرية في مسارها التاريخي، وربط الاخلاق حصرا بأوامر الله ايجابا وبنواهيه سلبا". لعل هذا القول لابن حزم اكبر دليل على هذا التوجه :"لسنا معترضين على ربنا تعالى ولا على نبينا... ولا ننكر شرعهما الشرائع علينا... ولو امرانا بقتل آبائنا وامهاتنا وابنائنا لسارعنا الى ذلك مبادرين".

هذا "التأليه" للنصوص واعتبارها تحمل كل الحقائق المطلقة وتصل احكامها الى يوم القيامة، جعلت ابن حزم في موقع مضاد للعقل، بل عاملاً على "حبسه في شبكة محكمة الاغلاق"، وهو لم يكتف بإطلاق هذه الاحكام على النص القرآني، بل انه جعل الحديث موازيا للقرآن وملزما مثله، وبذلك يكون ابن حزم عبر "قرأنته الحديث وانزاله اياه منزلة القول الالهي، كبّل العقل بقيد ابهظ بما لا يقاس مما هو معتاد في حضارات النص المقدس"، وهو بذلك "يجيز نسخ القرآن بالحديث".

يتناول طرابيشي ما يسميه "العقل التخريجي" على يد عدد من الفقهاء دفاعا عن المنظومة الحديثية التي ازداد تضخمها من القرن الثاني الهجري صعودا، حيث يجمع بينهم تأكيد نفي التناقض في المدونة الحديثية لكونها ذات اصل الهي يمتنع التناقض عنه. اسس ابن قتيبة "مشروعية الكذب طلبا للمخرج" عبر لجوئه الى "المخرج التأويلي"، لتفادي التناقض الذي يشوب الكثير من الاحاديث، ولإزالة شبهة الاختلاف والشك حول المصدر الالهي لهذه الاحاديث. اما "المخرج التوهيمي" الذي قال به ابن سلامة الطحاوي، فلم يأخذ بالتأويل بل "ركب مركب التوهيم والتمويه ليقنع قارئه بأنه قد اهتدى الى المخرج من ظاهر التعارضات والتناقضات". اعتمد ابن شاهين "المخرج النسخي" اي توظيف آلية النسخ والمنسوخ "للتملص من فضيحة التناقض والتملص من احد الحدين المتناقضين باعتباره منسوخا بالحد النقيض الناسخ له". اما "المخرج الترجيحي" فقد قال به ابن موسى الحازمي الذي اكد انه "عندما يتعذر الاحتيال التأويلي للجمع بين الحديثين المتضادين، يتعين ان تتدخل آلية الناسخ والمنسوخ لتفصل بينهما ولتلغي حكم المنسوخ وتثبت حكم الناسخ المضاد له". يذهب عبد الوهاب الشعراني الى اختراع "المخرج التعادلي" حيث اعتمد "آلية اطلق عليها اسم "الميزان" هدفت الى رفع التناقض بين النصوص من طريق ضرب من الموازنة بين النصين المتناقضين، بحيث يحتل كل منهما مكانه في احدى دفتي الميزان، وبحيث ينتفي التناقض بينهما ليتحول الى محض اختلاف في الدرجة بالناقص او بالزائد، تخفيفا او تشديدا".

انتصار اهل الحديث بعد هزيمة المعتزلة الذي تكرس بالانقلاب المتوكلي ووصل ذروته مع "المنشور القادري" الذي اهدر دم المعتزلة ونكل بهم، شكل بداية مرحلة "ظلامية" في التاريخ الاسلامي امتدت الى قرون، ولا تزال آثارها السلبية ترخي بثقلها على زمننا المعاصر، خصوصا في ميدان هزيمة العقل. كانت محنة خلق القرآن، كما يرى طرابيشي، حجة مفتعلة مقصودة "لغاية مباطنة تتجاوز ظاهرها اللاهوتي، كانت خطة تكتيكية في خدمة هدف استراتيجي هو الصراع على قيادة العامة واستتباعها من خلال استتباع قادتها الذين كان جلهم من اصحاب الحديث". مما يعني ان انقلاب المتوكل "كان انقلابا سياسيا يضع في اعتباره الاول مصلحة "الملك الطبيعي" الذي آل اليه على غير ما توقع". نتج من الانقلاب المتوكلي اغلاق ملف خلق القرآن الذي بات يعتبر من القضايا غير المسموح الحديث فيها، وحسم بشكل كاسح "التحول في اسلام القرآن الى اسلام الحديث، وتأسيس هذا الاخير في ايديولوجيا سائدة على امتداد تلك القرون العشرة الفاصلة بين عصر المتوكل وعصر النهضة، التي كان فيها الدين هو الشكل الوحيد الممكن للايديولوجيا".

تسببت هيمنة اهل الحديث والمنظومة الحديثية في تغييب القرآن ومعه تغييب العقل ومعهما القضاء على التعدديات في الاسلام. هكذا بدا كأنّ "هزيمة العقلانية العربية الاسلامية لا تقف عند حدود العلاقة مع الاخر، بل تمتد الى داخل علاقة الانا مع ذاته: الحديث والفقه عقدا في اسلام القرون الوسطى حلفا غير قابل للانفكاك... ومع طغيان الايديولوجيا الحديثية انعدم الاجتهاد، وحتى القياس".

يشكل كتاب طرابيشي مادة اساسية في الصراع الدائر اليوم في الاسلام وعلى الاسلام، بما يسلط فيه الضوء على الاسلام الحقيقي المستند الى النص القرآني، والاسلام الذي دخله التحوير والتشويه عبر المنظومة الفقهية التي اعتمدت الاحاديث واقوال الصحابة، بكل ما حوته من تلفيق واختراع لاحاديث تضخمت في سياق الصراع الاجتماعي والسياسي الذي اندلع بعد وفاة الرسول على السلطة والموارد، بحيث بات لكل فرقة او مذهب او طائفة احاديثها الخاصة، التي ترفض فيها احاديث الاطراف الاخرين. انه كتاب في صميم معركة العقل والاصلاح الديني في العالمين العربي والاسلامي.

 

خالد غزال

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

 

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 
 

 

لا

للأحتلال