%@ Language=JavaScript %>
القلق على شعب لا وقت لديه للحقائق
صائب خليل
30 آب 2015
نحن غاضبون، وهذه المرة سنغير من يمثلنا ونغير السياسيين الخائنين وسوف ننتخب شرفاء للبرلمان والحكومة بل أننا سنغير حتى الدستور ونبدله بدستور متطور في خدمة الشعب....
حقاً؟ دعونا نفحص تفاؤلنا هذا ببعض الأسئلة، ولنبدأ بالسؤال: كيف وصلنا إلى هنا وكيف تحقق كل هذا الخراب؟ فبدون الإجابة الصحيحة على هذا السؤال فإننا قد نكون سائرين في ذات الطريق الذي أوصلنا إلى هنا لنكرر الدورة مرة ثانية.
"لا .. هذه المرة الشعب غاضب ولن يسمح للفاسدين أن يعودوا"..
لكن ألم نكن غاضبين في الإنتخابات الماضية أيضاً؟ لم يكن الغضب ما ينقصنا، فالكهرباء هي ذاتها إن لم تكن اسوأ والفساد ذاته والساسة ذاتهم!
ربما "لم نكن نعرف حقيقتهم"؟ ألم نكن نعرف فساد المالكي مثلا منذ دورته الأولى؟ ألم نكن نعلم أنه مخادع يحيط نفسه بشلة من المنافقين؟ ألم نكن نعرف أنه مريض بالوهم في عبقريته العسكرية وعظمة جيناته التي اورثها لأبنه؟ ألم يسخر من قادة جيشه بتحقيق انتصاره على جيش المهدي، بأن قال للقادة فقط أن يقلبوا الخطة، فانتصروا! ألم نكن نعلم أنه تستر على أجهزة كشف المتفجرات المزيفة إن لم يكن قد شارك فيها؟ ألم نكن نعلم أنه يحتفظ بملفات للضغط على الساسة تشمل معلومات حتى عن الإرهاب وأنه ينتظر اللحظة المناسبة ليستفيد منها شخصياً؟ ألم نكن نعلم كم تراجع أمام ضغط كردستان لتقديم التنازلات على حساب الشعب من اجل ضمان كرسيه؟ ألم يوقع اتفاقية مذلة لدعم بالنفط رغم فقر شعبه الأشد، لحكومة الأردن التي لم تكن تفوت فرصة لإيذاء شعبه وممارسة التمييز الصريح ضد طائفته وحماية كل اعداء البلد واستضافة مؤتمراتهم، بل وتتعمد إهانته هو أيضاً؟
كلها كنا نعرفها، لكننا كنا ايضاً نعرف كيف "نتجاهل الحقائق"، تلك هي موهبتنا الأولى .. وهكذا فاز المالكي في الإنتخابات في المرة الثانية، مثلما حصل لصوص كردستان على أصوات الكرد ثانية وكذلك بقي حثالات المجلس الأعلى ومجموعة العملاء اللاهثين وراء أميركا والسعودية والأردن في الكتل السنية. ولم يختلف العلمانيون عن غيرهم في موهبة تجاهل الحقائق، فبعد تجربة الوقوف وراء رجل السي آي أي علاوي وبنتائج كارثية على مصداقيتهم... اختار “العلمانيون” أن يقفوا وراء رجل الموساد مثال الآلوسي الذي يريد أن يرفرف علم العراق فوق تل ابيب! إن الإحتيال في التعابير وحده يثير الغضب والإحساس بالإهانة، لكن..
ولأننا موهوبين بتجاهل الحقائق فنحن لا نملك ان نختار، بل نضع آمالنا على أي شخص يضعونه أمامنا! فالذين انتخبوا أياد علاوي مثلا، فعلوا ذلك لأن أحداً وضعه أمامهم، وأخبرهم بأنه هو من يمثلهم، وليس لأنهم يعرفون أنه شخص جيد، فساروا كالقطيع وراء ذلك لا يلوون على حقيقة ولا يغير رأيهم خبر جديد أو تؤخر مسيرتهم فضيحة جديدة من “قطار الفضائح” المثبتة بالأدلة عليه.
الجعفري كان الوحيد الذي انتخب بشكل نظامي بدرجة ما، وكان يمثل إرادة الشعب في وقتها سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، ولذلك لم يبق في الحكم إلا أسابيع معدودة! وحين قامت كونداليزا رايس وأداتها المطيعة كردستان واستعادت "حقها" بإزاحته وتنصيب من ترتأيه أميركا عى العراق، لم يحتج أحد ممن انتخبه... لم يحتج أحد على تجاهل خياره ونظامه ودستوره، بل انتظر من سيأتون به بديلا له ليقودهم.
لم يكن أحد يعرف المالكي، حتى جاء به قرار أميركا بإزاحة الجعفري. وجده الشعب امامه فاعتبره رئيسه "المنتخب" وقبل به. وما هي إلا سنوات حتى كان المالكي قائداً ضرورة ومختارا للعصر، رغم كل الحقائق أعلاه. لقد وجد قطيعاً لا يهتم بالحقائق بل يستبسل في طمسها ودفنها وتلميع وجهه وإرهاب خصومه، فاعطاهم الكلام الفارغ ووزع ثروتهم على من يضمن له كرسيه.
أرتفع رصيد المالكي وأحاط نفسه بكل انواع القوة من جيش وقوات امنية وإعلامية وسياسية وقضائية كلها تعمل لخدمته شخصياً. وكانت اية محاولة حتى لاستضافته في البرلمان تعتبر إهانة كبيرة لرمز مقدس، تستثير جيوشا من وعاظ السلاطين. ومكنته هذه الحماية من الإنبطاح لكردستان سنوات طويلة وتمرير 42 مليار من الدولارات (الرسمية فقط) والكثير من القرارات السيادية المدمرة بتراجعات مستمرة من اجل الحفاظ على الكرسي. فقد تم إفهامه أن رضا أميركا من رضا كردستان، وأن رضاهما أهم لكرسيه من رضا الله والشعب، حتى وصل الأمر أن يضع نفسه في مواقف مذلة تستدر العطف والشفقة.
وفي أيامه الأخيرة هرول إلى المحكمة ليلغي دعوى أقامها وزير دفاعه على كردستان ليستعيد اسلحة الجيش العراقي، حين هدده قائد البيشمركة وسخر منه. كان انصياع المالكي لابتزاز كردستان يثير الشعور بالمهانة والذل لدى المواطن العراقي، ويثير تبديده ثروة العراق وتهريب خونة الموصل من يد العدالة وإحاطة نفسه بالفاسدين وقبوله بالمحاصصة التي وضعت وزراء غير مناسبين في مناصبهم، الغضب، لكن الشعب كان يشعر بالعجز التام عن تغييره.
لكن هناك جهة اخرى لم تكن تشعر بذلك العجز! وفي احد الأيام، صحا الشعب العراقي ليجد أمامه "مختاراً" جديداً إسمه حيدر العبادي! فبحركة رشيقة من كردستان ودعم أمريكي صريح يتحول منصب الرئيس من منصب شرفي لا دور له إلى منصب يقرر بنفسه الرئيس والحكومة، بغض النظر عن رأي الكتلة الفائزة نفسها ورئيسها ونظامها وبغض النظر عن الدستور وعدد الأصوات التي يمتلكها الشخص، فالرئيس الكردستاني الموجه من أميركا، حر في أن يختار من يراه مناسباً ليحكم الشعب العراقي.
الأمريكان هددوا العراقيين بداعش إن لم يقبلوا هذا "المختار" الجديد. أما المختار القديم، فدردم شوية وقال أنهم متآمرين على الدستور، ثم صمت بعد بضعة أحاديث مع بايدن الذي رتب له منصباً مع المتآمرين على الدستور، وإلى جوار عدوه اللدود، فقبل به. فالمهم عنده أن يكون في منصب.
"المختار" الجديد الذي نصب على الشعب العراقي جاء باجندة أمريكية كردستانية تنفذ مخططات إسرائيلية صريحة ووقحة، وكان جزؤها الأول تسليم كردستان كل ما تريد، والثاني تقسيم العراق بقوات محافظات بقيادة الضباط البعثيين الذين يجب إعادتهم برتب أعلى، حسب نص الإتفاق الحكومي ووقعه العبادي والمجلس الأعلى وكل شلة الساسة المشتركين في الحكومة، في خطوة كبيرة لتفتيت العراق! بادر العبادي إلى تنفيذ الجزء الأول من مهماته فوراً بالإتفاق الكردستاني فوضع على وزارة النفط أكبر منعدم الضمير وجدته كردستان في المجال السياسي العراقي، رغم أنه لا يعرف عن النفط شيئاً. ووضع على وزارة المالية أحد أعداء الشعب العراقي المخضرمين، هوشيار زيباري، فسيطرت كردستان على النفط والمالية وتم توقيع اتفاقية تتعدى كل ما تنازل عنه المالكي، في حين بقيت مؤامرة تقسيم العراق بالحرس الوطني عسيرة على التنفيذ.
إذن هذه هي مجموعة الحقائق التي يتعين على الشعب العراقي أن يتجاهلها ليقبل "المختار" الذي تم اختياره له ويأمل منه أنه سيقضي على الفساد والمحاصصة. إضافة إلى بعض الحقائق الأخرى منها أنه كان وزير الإتصالات الذي منح عقود الهاتف النقال الفضائحية. وأنه كان لأربع سنوات رئيساً للجنة المالية البرلمانية دون أن يسمع أحد به، وأنه لم يستجوب يوما او يستضف أي سياسي ويحاسبه على الفساد.. يجب ان ننسى ذلك لكي نقتنع انه الشخص المناسب للقضاء على الفساد!
وعلينا لكي نصدق أنه الرجل الموعود لإلغاء المحاصصة، أن ننسى أن العبادي بدأ حكمه بمحاصصة لم يسبق مثلها في تاريخ العراق حين وضع على أهم وزارة في البلاد افسد من في البلاد كحصة لكردستان، مقابل كرسي الحكم!
ويبدو أن عملية "تجاهل الحقائق" تسير بخطى حثيثة كما في كل مرة. الشيء الجديد الوحيد في هذه الدورة هو أن "الشعب" مصمم على أن يمنح هذا "المختار الشريف" تفويضات وصلاحيات مطلقة لم يمنحها للمختارين قبله، وأن يحل له البرلمان ويعلن له حالة الطوارئ. ولا يتساءل أحد ما هي بالضبط حاجة هذا الرجل إلى حل البرلمان، والبرلمان لم يرفض له طلبا، ولا ندري اين وقف الدستور بوجه “إصلاحاته” ليتوجب تجميده، وأين ضايقت "الحقوق المدنية" تطبيق حزم إصلاحاته، لكي تعطل هذه الحقوق بإعلان الطوارئ؟ هل تتطلب هذه الإصلاحات مثلا أن يسمح باعتقال المواطن لفترة مطولة دون توجيه تهمة له مثلا؟ وهل هناك في العراق حقوق مدنية أصلاً ليتم تعطيلها بالطوارئ؟
ماذا لو استخدم العبادي قانون الطوارئ لمنع تظاهراتكم؟
أن أي من المنادين بهذه المطالب لا يعرف على وجه التحديد ما هي المشكلة التي يراد حلها ولا يعرف ماهو قانون الطوارئ.. لكنه يعرف مع ذلك أن الحل لتلك المشكلة هو قانون الطوارئ، وأن يضرب المختار "بيد من حديد"!
يجب على الشعب الذي يريد أن يحقق إرادته أن يقدس الحقائق ويعشق الأسئلة ويحرص أن يعرف دربه ووجهته. إن دماء الشعوب المجاورة التي سارت بهذا الطريق بلا تفكير، مازالت ساخنة ودروسها المؤلمة حاضرة في الذاكرة وصور مدنها المحطمة متداولة على الإنترنت. فالشعب الغاضب الذي لا وقت لديه للحقائق، ولا يتحمل طرح أية اسئلة، لن يعرف وجهته وسيضطر في النهاية أن يترك غيره يحددها له، وسيجد الكثير من الوحوش التي يسيل لعابها لهذه الفريسة الضائعة، والمستعدة لتفويض قصابها ليتولى أمرها.
...في هذه الأثناء شوهد برنارد ليفي يحوم في كردستان... !! (https://goo.gl/MnDD29)
تاريخ النشر
30.08.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
30.08.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |