<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل ربما أكو زنابير تخره عسل واحنا ما ندري؟؟

 

 

ربما أكو زنابير تخره عسل واحنا ما ندري؟؟

 

 

صائب خليل

13 آب 2015

 

لدى الشعب العراقي كغيره من الشعوب امثلة لها حكمة عميقة ومنها المثل المعروف "ماكو زنابير تخره عسل". ويطلق هذا المثل كترياق بوجه من تصيبه فجأة حمى الأماني المستحيلة التي تصيب صاحبها بالعمى المؤقت عن الحقائق، فيحثه على الصحو بسرعة قبل ان يتعرض لما يتعرض له السائرون في نومهم من اخطار.

وفي العراق الذي رأى الكثير من الدكتاتوريات المرعبة وعرف معنى تحطيم القوانين، علق الشعب آمالا كبيرة جداً على الدستور الذي وضعه المحتل لبلادهم رغم كثرة ثغراته المعدة لاختراق البلاد وإبقائها تحت سيطرة الإحتلال الفعلية بعد مغادرة جيوشه. ولم يكن للشعب خبرة بالديمقراطية وضرورة استلام السلطة ورعايتها وحماية ادواته للحفاظ على سلطة إدارته للبلاد، فكان ما يطلب لا يتعدى الأمنية بأن يأتيه "حاكم شريف" ليسوسه بما تملي عليه اخلاقه الشريفة، التي ليس للشعب أن يتمنى الأمنيات بشأنها!

إن لم يكن حظ مثل هذا الشعب ممتازاً فسيكون في ورطة عاجلا او آجلاً، فهو يدخل معركة شرسة دون تدريب على اسلحتها. ومن الناحية الثانية فأن الإحتلال كان يعرف مصلحته ويعرف كيف يصل اليها وهي بالضبط ان لا يسمح ان يأتي إلى الحكم إلا اقل الساسة شرفاً. ويمكننا ان نلاحظ ذلك من اختياره الأول لرئاسة الحكومة العراقية قبل الإنتخابات: أياد علاوي! وبعد علاوي مارس الإحتلال الضغوط لإزالة المنتخب إن تطلب الأمر ووضع شخص أقرب إلى المواصفات التي تناسبه.

كانت النتيجة تفاقم الفساد وضياع الأموال وربط البلاد باتفاقيات مهينة ومدمرة، وكان الإحتلال يدير كل شيء تقريبا من خلف الكواليس بمعونة مجموعة من العملاء و "الأصدقاء" إضافة إلى إقليم كردستان الذي عومل بشكل اقرب ما يكون إلى المقاطعة الأمريكية فسهل له ابتزاز ساسة العراق بشكل مستمر ومتزايد وقدم له النصح في كيفية إدارة ذلك الإبتزاز بواسطة السفير كالبريث كما اوضحنا في مقالات سابقة، والذي أسهم ايضاً في كتابة الدستور بشكل يؤمن ابتزاز الحكومة العراقية والشعب العراقي، سواء لكردستان أو لشركات النفط التي كانت تدفع أجور كالبريث، مستشار كردستان في كتابة الدستور في ذلك الوقت.

هكذا تمكن الإحتلال من إنزال الأذى الشديد بالبلاد، وتمكن من تمرير مبالغ ابتزاز هائلة من بغداد إلى ساسة كردستان على حساب الشعب العراقي، نستطيع بسهولة أن نحسب منها ما يزيد على 100 مليار دولار، من بينها 42 مليار دولار مازالت كردستان حتى اليوم مدينة بها لبغداد وفق الرقابة المالية التي تغاضت عن معظم الإبتزازات. وقد بدأ علاوي تلك الإبتزازات ثم اكملها المالكي بعد ان تمت اصابته بداء السلطة فكان مستعداً لكل شيء من أجل البقاء. وكان ابتزاز الأردن له في نفس ذلك الإتجاه أيضاً.

 

يقول المؤرخون أن فهم الحرب العالمية الثانية يتطلب أن ندرس الأولى، فليست الثانية إلا امتداد حاد للأولى. وعلاقة المالكي بالعبادي كعلاقة الحرب العالمية الأولى بالثانية، وفهم العبادي يتطلب فهم المالكي بنفس الطريقة فهما خطوتان في تحطيم العراق تكمل أحدهما الأخرى، كما حطمت الحربان أوروبا وسلمت قياد العالم لأميركا. والفرق بين العبادي والمالكي يساعدنا على فهم الإحتلال ولماذا قام باستبدال الأول بالثاني رغم حراجة ذلك.

 

لقد واجه المالكي حالة مستعصية حيث ان مطالب ساسة كردستان لا تتوقف عند حد، واصبح التنازل لها يمثل حالة مفضوحة ومخزية اصابت سمعته بالأذى الكبير. ويحس المالكي بالضغط من الجانببين: الشعب من جهة وأميركا وذيولها (كردستان، الأردن.. الخ) من الجهة الأخرى. فيحاول ان ينقذ جلده ليرضي الطرفين فيعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر. كان "الله" أو الشعب، يحصل على الكلام الفارغ والنفخات و "ولي الدم" و"مختار العصر" وبطولات حمودي، ويحصل "قيصر" على كل شيء آخر. لكن هذا الحال لم يعد ينطلي على الكثيرين، واصبح المالكي يتعرض إلى اللوم الشديد حتى من داخل كتلته. وحين جاءت الإنتخابات، زاد وزن "الله" بالنسبة له في ميزان المقارنة وخشي ان يخسر، فتوقف عن إمداد الإبتزاز الكردستاني بالموافقات.

 

وكانت طلبات الأمريكان مقابل إبقائه رئيسا للحكومة تزداد ثقلا وخطراً على حكمه واضطر لرفض بعضها بقدر ما يستطيع من ادب، مثل رفض طلب وزير الخارجية الأمريكي في حينها، حين طلب منه دعم الفرق الأمريكية الإسرائيلية المسماة "داعش" ضد سوريا، وكان داعش في ذلك الوقت خارج العراق لكنه كان يهدد بشكل صريح ومتكرر باحتلال بغداد، ورغم ذلك يأتي "اصدقاؤنا" ليطالبونا بدعمهم! 

 

لقد تمكن الإحتلال من تحطيم البلاد بشكل كبير وتمكن من تصريف مئات المليارات من الدولارات النفطية ومنعها من بناء البلاد بأي شكل معقول، لكنه لم يتمكن رغم سلطته على ساسة البلاد، من إدخال إسرائيل بشكل رسمي إلى البلاد وتطبيعها، رغم محاولات وتضحيات عملائها مثل مثال الآلوسي وكذلك القادة الكرد، ولم يتمكن من تحقيق اعز امانيه بتحطيمها إلى قطع صغيرة كما تتطلب الأجندة الإسرائيلية التي يتبعها. بل ان "حشداً شعبياً" تجمع من شباب وشيب عز عليهم أن ينتهي شعبهم إلى ما انتهي اليه، وكانوا فدائيين يضعون ارواحهم على اكفهم، فكانوا جيش العراق الحقيقي، وبديلا للجيش الرسمي الذي حطمه الإحتلال وأسس محله جيشاً مدموجاً بفرق الإرهاب السرية ووضع على قياداته عملائه الذين كانوا يسلمون المدن والسلاح بلا قتال، لداعشهم.

 

مع الحشد الشعبي بدا الأمل بالعراق ممكنا لأول مرة منذ اثنا عشر عاماً وبدت مشاريع تقسيمه وإثارة النعرات بين اجزائه تتحطم على قصص التضحية الملهمة لابناء الحشد. وتبين للجميع أن قول وزير الدفاع الأمريكي بأن هزيمة داعش تحتاج إلى 30 عاماً، خرافة مضحكة أو أمنية أمريكية وليس حقيقة واقعية.(1) فلأول مرة كانت هناك انتصارات وتحرير اراض، وبطولات اسطورية تجمع الشيعة والسنة، وتهدد بتحطيم كل ما تم تأسيسه من طائفية وكره متبادل، بناه تعاون الإرهاب والإعلام الذين غرسهما الأمركيان خنجرين مسمومين في قلب البلاد!

وهكذا جاءت الإنتخابات الأخيرة والخندق الأمريكي الإسرائيلي يعاني من إشكالين كبيرين: تعثر تطور الإبتزاز الكردستاني بوصول المالكي حدوده القصوى في التراجع، وتعثر تأسيس الحرس الوطني وتمزيق البلاد....وفجأة ....

 

جاء العبادي!

 

فمن هو العبادي الذي استلم قبل أيام ما يسمى بـ "التفويض" من الشعب والمرجعية ليحطم كل شيء إن شاء، شرط أن يحطم "الفساد"  و"المحاصصة"؟ من هو العبادي الذي استحق كل هذه الثقة المطلقة والذي يعلق عليه هذا الشعب الآمال الكبيرة؟ ماهو هذا التفويض حقيقة الأمر وما الذي يمكننا ان ننتظر منه؟ دعونا نلقي نظرة على ما يحدث...

 

الأمل بـ "العسل" من العبادي لم يبدأ اليوم بل منذ اليوم الأول لتوليه منصبه. وطبيعي فأن هذا الأمر لم يكن بسبب خصال العبادي بل مساوئ حكومة المالكي التي اوصلت الناس إلى حالة ترجي المستحيل.

والظريف ان قارئة رجتني أن "أكتب بتفاؤل" عن الموضوع، لكني كتبت الحقيقة التي بدت لي بشكل آخر تماماً في مقالة "وذهب المالكي.. مقارنات وتوقعات"(2) وشرحت سبب تشاؤمي: "فأسوأ ما كان في المالكي هو موقفه الذليل من ابتزاز كردستان ... وانبطاحه الزائد لأميركا"، وباعتبار أنهما من قام باستجلاب العبادي من الغرف الخلفية فأن الأمنيات بحكومة افضل هي طموحات "خيالية" ... والمنطق يقول أن ننتظر من العبادي من الإنبطاح ما لم يجرؤ المالكي أن يفعله.

 

وهكذا جاء العبادي كبغل محمل بـ "جلال" ثقيل وضعت في جانبيه قنبلتين ذريتين تكفي اي منهما لتحطيم البلاد. في جانبه الأيسر وضع مشروع تسليم ساسة كردستان كل ما كانوا يطلبونه من ابتزازات متزايدة من بغداد، وإقرار قانون النفط وغيره من التنازلات التي لم يتمكن الحاكم السابق من تقديمها، وتتضمن مزايا لا يمكن للعراق ان يبقى موحداً بعد إقرارها خاصة حين يطالب الآخرين بمثلها. كانت هذه هي "القنبلة الإقتصادية" أو "قنبلة التفجير البطئ للبلاد".

وفي الجانب الآخر من جلال البغل العبادي وضعت "قنبلة التحطيم السريع" – مشروع "الحرس الوطني" (3) الذي يقسم البلاد إلى محافظات لها جيوشها التي حدد المشروع قياداتها صراحة بالضباط البعثيين الصداميين الذين تم استبعادهم وفق قانون المساءلة والعدالة، والذين يجب أن يعادوا وفق المشروع برتب أعلى إلى تلك الجويشات "الحرس الوطني" إكراماً لهم! وجاء في مشروع العبادي هذا قانون يمنع الجيش العراقي من دخول اراضي أي من المحافظات التي تسيطر عليها جويشات العبادي والتي يفترض ان لا ترتبط ببغداد بأي شكل من الأشكال.

 

وفي الوقت الذي تم فيه بسرعة خارقة نصب وتفجير "القنبلة البطيئة" وسلمت مقاليد النفط إلى كردستان بتعيين أحد اكثر الرؤوس التي افرزها الفساد استعداداً لتنفيذ مشاريع الإحتلال، وزيرا للنفط. إن عدم وجود اية خبرة او علاقة لهذا الرجل بالنفط، يوضح القصد من هذا التعيين فكل الخبرة المطلوبة لهذا المنصب وفق الخطة، هي انعدام الضمير. كان ما كان، وبسرعة البرق انتشرت في البصرة حمى المطالبة بالإقليم كما هو متوقع من هذا التفجير، وكذلك في محافظات أخرى، وسارع العبادي إلى الموافقة على زيادة صلاحيات المحافظات واستقلالها عن بغداد ليتقدم مشروع تمزيق البلاد خطوة خطيرة أخرى.

 

لقد تمكنوا من تفجير القنبلة البطيئة، لكن الأمر كان مختلفاً مع القنبلة السريعة "الحرس الوطني". فكان الحشد الشعبي قد وجه الضربة القاصمة لتلك القنبلة بتحريره تكريت والمناطق المحيطة بها، ولم يتمكن الإحتلال وعميله الجديد الذي وضعه على رأس السلطة إلا من فرض هدنة قصيرة تمكن من خلالها من إخلاء قواته السرية (داعش) من المدينة لإنقاذها من الحشد القادم. وكان هذا النصر الكبير والأمل المرافق له ضربة هائلة وجهت إلى الطائفية والمصالح الأمريكية التي تعتمد عليها، وأنزل الحشد مطراً على صحراء روحنا، جعل إشعال فتيلة قنبلة الحرس الوطني مستحيلا. وباءت كل محاولات الضغط "لأكمال الإتفاق الحكومي" من قبل أميركا وعملائها في الكتل السنية وبعض الشيعية، بالفشل، فبغلهم المفضوح في مواقفه من السكوت عن قصف الأمريكان للحشد ولمواطنيه في الموصل والانبار ولإنزال المساعدات لداعش، بل والتي وقف منها كلها رافضاً بصلافة كل الادلة والتقارير وحتى تقرير لجنة القوات المسلحة البرلمانية، ومدافعا عن حلفائه الامريكان كما يستحي السفير الأمريكي نفسه ان يفعل. وقبلها وقع اتفاقات سرية مع الجيش الأمريكي واعطاهم الضمانات التي رفض المالكي أو لم يتمكن من إعطائها لهم بسبب الضغط الشعبي. وفضحت السفارة الأمريكية في بغداد اتفاق العبادي، ثم عادت لتقول أنه قد أسيء فهمها!

 

لقد رضي العبادي ساكتاً بدور مصدة الإحتقار الشعبي للمشاريع الأمريكية الكردستانية وقبل من اجل المنصب، دور صمام الأمان بالنسبة لداعش، مثلما لعب المالكي دور صمام الأمان للضباط العملاء الذين احالهم على التقاعد بدلا من الإعدام. وفي زيارته لأميركا أوصى اوباما العبادي كما يوصي الخليفة عامله على العراق بأن يقف بوجه الحشد، بدعوى حماية السنة.  وقد منع العبادي الحشد من التقدم إلى تكريت حتى يعطي الوقت لانسحاب داعش، لكنه لم يكن يفوت فرصة للتلويح بالعلم كلما حرر ابطال الحشد ميلا إضافياً وكأنه هو الذي حرره.

لقد كتبت قبل فترة قصيرة مقالة بعنوان - العبادي بمنصب “درع لحماية داعش”- (4) بينت فيها أن المعارض الحقيقي الوحيد لتحرير الأنبار من داعش كان العبادي نفسه، فالسنة طلبت الحشد كما اكد بعض قادتهم مثل الهايس. واكد العامري "مطالبات جماهير الأنبار والعديد من شيوخ العشائر" و "ان الكثيرين توسلوا به أن يأتيهم بالحشد" ، لكن الحشد رضخ للعبادي، كـ "قائد عام للقوات المسلحة العراقية". العامري تحدث بصراحة عن إيقاف العبادي للحشد في مسيرته نحو تكريت، وتحدث عن الخطط التي منع الحشد من إتمامها، وتحدث عن موقف العبادي بمنع الحشد، ليشرك قوات التحالف بدلا منه، والتي يعلم العراقيون جميعاً أنها في خندق داعش ولا تضربه بل تدعمه، ولولا ذلك لما رفض الحشد الإشتراك معها في المعركة، بل لرحب بوجودها سنداً له.

العبادي لا يقدم أي سبب مقنع لتصرفه هذا ولا لدفاعه الفاضح في قضيتي إنزال الطائرات الأمريكية للدعم، (5) وقصفها للقوات العراقية من قبل، وكذلك استمرار تسميته لأميركا بـ "ألصديق" بمذلة رغم أنها أمتنعت بشكل صريح عن بيعه اية اسلحة جديدة أو حتى تسليم العراق اسلحة كان قد دفع ثمنها!!

والحقيقة ان العبادي مستمر في مهمته بمنع حركة الحشد لحد هذه اللحظة فهاهو مسؤول بدر في كربلاء يقول انه ينتظر اوامر العبادي لاقتحام "الفتحة" و "الشرقاط" و "تلال حمرين" وصولا إلى الموصل.. لكن تلك الأوامر لم تأت، وربما لن تأت، إلا إذا قرر الأمريكان ان يمنحوا العبادي قوة مصداقية إضافية من خلال انتصارات محدودة. (6)

 

إن ما يقلقني ليس - العبادي، فلا تخلوا بلاد او شعب من البغال المستعدة لحمل اثقال المحتل، حتى شعب فيتنام الاسطوري، لكن ما يقلقني هو هذا الهيجان الشعبي الذي يندفع لمنحه الصلاحيات بلا حدود ويدفع به إلى أن "يضرب" ويحطم، ولا ادري من أين جاءت الثقة بأنه سيحطم ما يريدون أن يحطم لا العكس، وكيف يتم تجاهل كل المعلومات عن تاريخه، بل الرفض الشديد للنظر إليها.

 

لقد كنت قلقاً من هذا الرجل وتاريخه الذي لا يخطئه أي رأس فيه بقية ذاكرة وقليل من التفكير، لكني كنت آمل ذرة امل أن التظاهرات قد تضغط عليه وتدفع به إلى غير ما هو مخطط لها ان تفعله فيفلت زمامها ويجبر حتى العبادي على موقف إيجابي يدفع بالعراق إلى الأمام، لكن كل دقيقة تمر، تجعل هذا الأمل أكثر بعداً واستحالة. فالضغط لم يعد حتى ضغطاً من أجل مكاسب بل ركز على رفع العبادي وقدمه للناس كبطل. لطالما تعجبت كيف أن الشعب الكردي في العراق يرفع “جحشاً” من جحوش صدام إلى مصاف "الرموز" متناسياً كل الحقائق، وها نحن نرفع بغلاً امريكيا! وإن كان دعاة البرزاني يستطيعون التحجج بأنه قد حارب معهم أحياناً وأن هذا قد يغفر له تاريخه المشين لدى البعض ، فليس للعبادي سوى التاريخ المشين!

 

أنظر إليهم يملؤون النت بتصاميم الصور والشعارات الممجدة له اكثر مما كان يمكن لصدام نفسه ان يحلم، بل أنهم يجمعون وينشرون اسماء النواب، ليس الذين رفضوا قرارات العبادي أو قالوا كلمة اعتراض بشأن دستوريتها لا سامح الله، بل اؤلئك المساكين الذين لم يحضروا التصويت في البرلمان! بأي شيء يختلف تصرف شعبنا هذا عن تصرف المخابرات الصدامية وهي تراقب الناس لتسجل من لا يصفق للقائد منهم؟ فإلى أي هبوط يمكن للعقل أن ينحدر والبصيرة أن تعمى عن معنى الأشياء وخطورتها؟ إننا نشهد ظاهرة سيتم مستقبلا دراستها بإمعان عن قيادة الإعلام للشعوب ودفعها كقطيع اعمى نحو الهاوية وهي تهتف: "لا يوجد خيار آخر".

 

إن المسؤول عن الدمار الذي تسبب به العبادي في بداية ولايته يقع على العبادي وأميركا، أما الدمار القادم فيقع على كل من حول نفسه طبالاً في عرس صناعة الدكتاتور الجديد.

لاشك أن المتظاهرين والمتحمسين سوف يكتشفون الدليل تلو الدليل على خيبة املهم ويرون المؤشرات التي تدل على أن طريقهم يتجه نحو تحطيم البلد وإدخال إسرائيل إليه بشكل رسمي وتحويل أبنائه إلى مواطنين من الدرجة العاشرة، وليس لإزالة "الفساد" و "المحاصصة" وغيرها من العبارات المبهمة. إن النقص الذي يتحمل اليسار المتخاذل مسؤليته الكبرى في جهل الشعب العراقي للأساليب الأمريكية في تعالمها مع الشعوب الأخرى، هو المسؤول الأول عن هذا الإندفاع. فلو كان لدينا عشرة رجال مثل د. حسين سرمك في جهوده لكشف تاريخ الولايات المتحدة المخزي، لربما ما كان شعبنا ضحايا سهلة بهذا الشكل. كما إن فراغ القيادة للتظاهرات لا يعني إلا أن جهة تنظمها من وراء الكواليس وأنها سوف تتحرك إلى مقعد القيادة في اللحظة المناسبة التي لا يعود للناس فيها فرصة النزول من القاطرة الهادرة نحو الاسفل. والحقيقة أن الأدلة قد بدأت منذ بداية هذه التظاهرات، فنرى البطل - البغل يقابل عميل المخابرات الأمريكية المعروف فخري كريم والذي اعتاد السفير الأمريكي ان يزوره في منزله. وكان فخري موجوداً في قيادات التظاهرات كما كان برنارد ليفي في تظاهرات مصر وغيرها، مثلما لا حظ الناشط منير التميمي.

 

لا شك عندي أن من اهم اهداف هذه المؤامرة التي ستتكشف عاجلاً هو تحييد الحشد الشعبي، وستبدأ بمجرد أن يكسب العبادي القوة والزخم اللازم للقيام بهذه المهمة بأمان. بل هاهو العبادي وبدون أية مناسبة يصرح وكأنه لا يستطيع انتظار ترسخ السلطة التي يمنحها أياه هذا الجنون، فيقول بضرورة أبعاد الحشد الشعبي عن السياسة (7) وهي بلا شك خطوة أولى نحو تحييد الحشد والقضاء عليه وكانت قد سبقتها خطوة أخرى من المحكمة الإتحادية التي غيرت قانون الميزانية الأخير لخنق الحشد بحرمانه من أي دعم مالي! فبينما يركز اصدقاء الحشد والمؤيدون له على الكتل السنية، فإن طعنة الخنجر للحشد ستأتي من سلطة شيعية غير متوقعة، مبرهنة أن لا طائفية في الخطط الأمريكية ولا طائفية في اختيارها لعملائها.

 

إن مراجعة الحقائق التاريخية القريبة ومقارنة ما يحدث اليوم في العراق مع ما حدث في سوريا وليبيا تكشف تطابقاً مذهلا، لكن المتحمسون يصرون على أن "الأمر مختلف في العراق"، دون أن يبينوا كيف هو مختلف وكيف ان هذا الإختلاف يكفينا للإطمئنان إلى عدم تكرار سيناريوهات الدمار التي حلت بالبلدين. فما أخشاه أننا على وشك أن نشهد صور الدمار السورية في مدننا أو أن نرى مدننا تحولت إلى دويلات يقودها المتخلفين من امثال الشيخ علي حاتم، فمثل هؤلاء هم الأنسب لإسرائيل واميركا لحكم تلك الدويلات مثلما العبادي هو الأنسب لخططها في العراق.

 

أتمنى أن يتوقف هذا الهيجان أو يبطئ إيقاعه ليراجع القائمون به حقيقة ما يدفعون البلاد إليه ويكون كل متظاهرأو متحمس أمينا مع نفسه، وإن لم يتمكن من إزالة الوهم اللذيذ المستحيل، فعلى الأقل أن يبقي عينه مفتوحة للأدلة القادمة حتماً، وأن يمتنع عن التعجيل في الهبوط إلى الهاوية بسرعة أكبر، لأن الناس بحاجة إلى الوقت لتدرك حقيقة ما تسير إليه. وستراتيجية المخططون لهذه المؤامرة هو أن يتم كل شيء بسرعة قبل ان يتمكن الشعب من ان يفهم ما يجري قبل ان يسقط. إننا نأمل أن يأتي الزمن قريباً بأدلة دامغة تفيق النيام، أما الآن فمهما واجهنا المتحمس بالحقائق المنعشة للذاكرة وضربناه على رأسه بالأمثلة الحكيمة فإن حلم التخلص من الفساد والمحاصصة، سيجلعه يحدق في الهواء بعيداً ويجيب وهو يبتسم: "من يدري.. ربما الزنابير تخره عسل"!!

 

 

(1) صائب خليل - تكريت تتحرر!.. إذن داعش لم تكن بحاجة إلى 30 سنة؟

http://saieb.blogspot.nl/2015/03/30.html

(2) صائب خليل - وذهب المالكي!...مقارنات وتوقعات

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/739941779396227(3) صائب خليل - مقالات: مشروع الحرس الوطني –1- نحو عراق دويلات المدن

http://saieb.blogspot.nl/2014/10/1.html

(4) صائب خليل - العبادي بمنصب “درع لحماية داعش”

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/884752044915199

(5) صائب خليل - مقالات: هل هناك إثباتات على إلقاء طائرات التحالف الأسلحة لداعش؟

http://saieb.blogspot.nl/2015/02/blog-post_27.html

(6) مسؤول بدر في كربلاء: سنقتحم "الفتحة" و "الشرقاط" و "تلال حمرين" وصولاً إلى الموصل بعد إصدار الأوامر من الجهات العليا

 http://www.akhbaar.org/home/2015/8/196128.html

(7) العبادي يشدد على ضرورة إبعاد القوات المسلحة والحشد الشعبي عن العمل السياسي

http://alghadeer.tv/news/detail/30277

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

13.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

13.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org