<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل العراقيون ... هل يحق لهم الغضب حقاً؟

 

 

 

العراقيون ... هل يحق لهم الغضب حقاً؟

 

 

صائب خليل

8 آب 2015

 

((تحذير: هذه المقالة تحتوي مادة قد تسبب اوجاع البطن والأرق والتوتر العصبي الشديد لقارئها. يرجى تجنب قراءتها قبل الطعام او النوم، او في حالة الحماس الشديد او نوبات الأمل المفرط.))

أبعد هذا الذي قد خلفوه لنا
هذا الفناءُ.. وهذا الشاخصُ الجـَلـَلُ
هذا الخرابُ.. وهذا الضيقُ.. لقمتُنا
صارت زُعافاً، وحتى ماؤنا وشِلُ
هل بعده غير أن نبري أظافرنا
بريَ السكاكينِ إن ضاقت بنا الحيَلُ؟!
يا صبر أيوب.. إنا معشرٌ صُبُرُ
نُغضي إلى حد ثوب الصبر ينبزلُ
لكننا حين يُستعدى على دمنا
وحين تُقطعُ عن أطفالنا السبلُ
نضجُّ، لا حي إلا اللهَ يعلمُ ما
قد يفعل الغيض فينا حين يشتعلُ!

مقطع من قصيدة لعبد الرزاق عبد الواحد وضعها احدهم على الفيسبوك ولعلها خير ما يعبّر عن الروح التي يموج العراق بها اليوم. روح انفجار الصبر... وأول ضحايا الإنفجارات هي... "الأسئلة"! أحد هذه الأسئلة "غير المناسبة" هو: هل حقاً اننا "ضاقت بنا الحيل" وأنه لم يعد لدينا سوى "ان نبري اصابعنا بري السكاكين" وننطلق كعاصفة هوجاء لاسقاط كل شيء؟

فمن الطبيعي أن "إسقاط كل شيء"، شعار مكلف جداً وخطير جداً ويجب أن لا يلجأ له إلا في حالات اليأس من كل شيء، وليس إلا بعد ان تجرب كل الطرق الأخرى. فلا احد يضمن أو يعرف ما الذي سيأتي بعد هذا "الكل" الذي سوف نسقطه، وإن كان افضل من السابق ام لا، وكيف سنبنيه وبأية كلفة مادية وزمنية وبشرية. إن اسقاط البرلمان والحكومة بهذه الطريقة يعني أيضاً اسقاط احترام القانون والديمقراطية إلى الأبد في البلاد. فحين تجيز لنفسك أن تسقط النظام اليوم، فلن تجده يقف معك غداً إن اراد خصومك، مهما كان نوعهم، أن يلجأوا إلى نفس السبيل الذي تشرعنه اليوم لاسقاطه، فلا احد سيكون مضطراً لاحترامه بعد ذلك. إن النداء إلى العبادي، (رغم انه ادنى شخصية اعرفها مما افرزه العراق في تاريخه القديم والحديث) باستعمال "تفويض الشعب" ليس إلا احتيالاً لتبرير تحطيم الديمقراطية، كما حدث في مصر تماماً، وانتهى الأمر بقبول حكم عسكري على رأسه اشد عملاء اسرائيل صلافة.

 

إن الكثيرين في العراق ينظرون اليوم الى التجربة المصرية بشكل إيجابي، والى السيسي كبطل قومي أو مقبول، وهي نظرة شديدة الأنانية والمراوغة يتناسون فيها ان هذا النظام اعاد كل مساوئ مبارك بضمنها التبعية لاسرائيل وأعاد حيتان المال الذين سرقوا البلاد عشرات السنين وانه قام بتنفيذ اشد مذبحة عرفتها مصر في تاريخها الحديث هولاً، وان من ذبحوا لم يكونوا فقط الأبرياء بل هم الفائزون في انتخابات ديمقراطية حرة، وبالتالي فقد ذبح الديمقراطية معهم. لكن العلمانيين في العراق كما في مصر، مستعدين لقبول كل التبريرات الهزيلة لتبرير إسقاط حكم الأخوان في مصر، وكذلك شيعة العراق، وليس لسنة العراق في الموضوع رأي، مثلما ليس لديهم في معظم ما يجري حولهم. إن من يطمح إلى السيناريو المصري في إسقاط كل شيء، يجب ان يأخذ بنظر الإعتبار كل هذه الخسائر، إضافة إلى نقطة اخرى، وهي احتمال ان يكون هو نفسه في جانب المذبوح وليس الجزار في المذبحة التي لا يرى ضيراً من دفع بلاده إليها، مادام ذلك يعده بتحقيق بعض آماله، ويفرغ غضبه.

 

إننا لن نجد مكانا للأسئلة حين نندفع بجرعة الأدرينالين: "نريد تنفيذاً وليس شعارات"! يصرخ المتظاهرون. نريد محاسبة الفساد! نريد كهرباء للجميع!! نريد القبض على كل اللصوص!! كل هذا يفترض، ان يثير اطنانا من الأسئلة، لكننا لا نجد سؤالاً واحداً يطرح في الإعلام العراقي، ذلك العدو الألد للشعب العراقي. حيث صار هو الآخر "متظاهراً" ينافس الآخرين غضبتهم وثورتهم ويزايد على زيادة الهيجان. لا احد يجرؤ على طرح سؤال، ولا المتظاهرين يقدمون اجوبة.

 

المتظاهرون لا يخبرون احداً ما هو بالضبط "التنفيذ" الذي يريدونه، ولا ماهو الفساد بالضبط الذي تجب محاسبته، ولا كم ميكاواط من الكهرباء يريدون او يعتقدون انه يمكن ان يتحقق... المتظاهر غاضب ومنفجر والحكومة، هذا الشيء الهلامي المثير للإشمئزاز، ليس لها شكل محدد وهي مستعدة لاتخاذ اي شكل مناسب للوعاء الذي توضع فيه، حتى شكل المتظاهرين ضدها. مجلس النواب الذي هو البوابة الوحيدة لصوت الناس في كل مكان، يستقبل اشد الغضب، والمطالبة بالغائه في اعلاها، حتى ان نواباً تظاهروا مطالبين بالغاء مجلسهم، بينما علق اخرون عضويتهم فيه في نفاق متناه، ليكونوا في جانب العاصفة وليس في وجهها!

 

إذن فالأمر خطير جداً، وسنتحدث عن ذلك اكثر في مقالة قادمة، لكنني هنا لطرح السؤال الأساسي عن الحق باللجوء الى الغضب العاصف، بعد أن بينا خطره، وهل جربنا كل السبل الأخرى قبل ان نلجأ إليه؟ إنه، ولخطورة الأمر، سؤال يجب أن يطرح رغم اشتراطات العاصفة واندفاعها. وأنا عندما أسأل عن "السبل" فلا اقصد ان الحال ليس ضيقاً ولا يستحق الثورة، وعندما اتساءل عن حق العراقيين بالغضب فإنني لا اقصد ان المتظاهرين "بطرانين"، فالحال شديد الضيق ويدعو للغضب والإنفجار كما اني لا الوم المتظاهرين بالذات فخير العراقيين وانشطهم واحقهم بالوطن، من يتظاهر اليوم ويريد التغيير، إنما تساؤلي إن كان حتى هؤلاء قد حاولوا حقاً بالسبل الأخرى التي لا تتطلب تحطيم المؤسسات والضياع في متاهات خطيرة للغاية، أم انهم جلسوا في اماكنهم "صابرين" فقط "إلى حد ثوب الصبر ينبزل" ومتغاضين عن الحقائق واحيانا ً كثيرة بشكل متحيز وبعيد عن المبدئية، تماما كما فعل من نوجه اليهم غضبنا اليوم... وحين حل ما ينتظر من هذا الموقف السلبي وغير المبدئي من كارثة، انفجرنا فجأة وكأننا ملائكة من جنس آخر وضع لنا احد ما شياطينا في البرلمان لتحكمنا وأن هؤلاء وحدهم مسؤول عن الخراب والضيق والفناء الذي "خلفوه لنا"!

 

هل هذا هو الحال حقاً، وهل يختلف المتظاهرون كثيراً عن النواب والساسة الذين يوجهون اليهم عاصفة غضبهم الشديدة؟ ألم يسهم الأثنين في تحطيم بلادهم كل حسب دوره؟

 

الكل حرامية

 

إحدى الصديقات الناشطات كتبت على صفحتها أن "الكل حرامية" فكتبت لها أن شعار "الكل حرامية" لا يخدم إلا الحرامية! فهو يخلطهم مع الآخرين ويوفر لهم الحماية. والحقيقة ان هذا الشعار مثل شعار "كلهم نفس الشي" ليس تعبيرا عن استنتاج جاء بعد فحص كل النماذج وتوصل حقاً إلى انها جميعاً "نفس الشي"، بل هو هتاف المتعب الذي قرر لضيق صبره على التمييز، ان يقلب الطاولة كلها مدعياً أنه نظر وقرر أن كل ما عليها فاسد، مستسهلا الأمر ومختصراً طريق البحث المتعب، ومقرراً ان "يتحرك" على الفور! لكنه طبعا سيجابه بمشكلة من يحاول الحركة دون ان يعطي الوقت لفحص الخارطة – أي العشوائية وخطر الضياع.

 

ورغم ان الصديقة المذكورة اعلاه ليست ابداً من النوع الكسول الذي يتجنب البحث والقراءات المتعبة (وإلا لابتعدت عن صداقتي المتعبة بسرعة J ) إلا ان الهبة العامة المغرية اخذتها هي الأخرى مثلما اخذت الجميع. ففي العاصفة يتحرك الهواء باتجاه واحد وبسرعة واحدة تقريبا، والشعارات المبسطة تسهل الوحدة وإثارة الحماس. إنه نفس الدافع الكسول الذي يدفع السنة إلى تجميع الشيعة في كتلة واحدة وتحديد رمز لها، وبالعكس بالنسبة للشيعة تجاه السنة وكذك الكرد في تجميع العرب في كتلة واحدة بواجهة صدام، الخ، بكل ما يسببه ذلك من اخطاء عظمى.

 

يبدو أن التمييز متعب أكثر حتى من التظاهر في الشمس. فمعظم هؤلاء المتظاهرين والمتحمسين لهم كانوا يقضون الأيام والشهور والسنين يتبادلون النكات والتحيات والـ "منورين" على الفيسبوك، وكأن لا شيء يسير تحت الطاولة من مؤامرات على بلادهم ومستقبلهم، وقلما يزعج احدهم نفسه بقراءة مقالة جادة تبحث في نهب ثروة بلادهم وتميز لهم الفاسد من الطيب وإلى أين يسيرون. وفي النهاية تظهر نتيجة الإهمال فيأتون صارخين بأن "الكل فاسد"!! كتب احد المعلقين على مقالتي: "إنه اشبه من يتمتع بالطعام غير الصحي، ثم يثور حين يقول له الطبيب انه مصاب بالكولسترول". "الكل فاسد" هو الشعار الأسهل والأكثر إثارة للحماس والأكثر استعراضاً للمظلومية، لكنه شعار مخاتل يختبئ خلفه مواطن كسول لم يقم بواجبه البيتي كمواطن يعيش في الديمقراطية، وما يتطلبه دوره فيها من مراقبة وتمحيص. ما اسهل مثل هذا الشعار وما اجمله، لكنه للأسف (أو لحسن الحظ!) ليس صحيح! دعوني اصارحكم انه مغالطات كسولة تتجنب الحقائق لا اكثر. لقد كان هناك العديد من الساسة الطيبين لكنكم لم تدعموهم، بل انكم لم تهتموا حتى بمعرفة اسمائهم أو ما فعلوا. دعوني أذكر لكم بعض من اعرف، ممن لا اعرف عليهم ادلة فساد، واجزم ان اغلبهم ليس فاسداً إن لم يكن كلهم.

 

من النواب خذوا عبد الرحمن اللويزي من الموصل، وحنان الفتلاوي من الحلة وعالية نصيف، كنماذج فقط. أنا لا احدثكم عن نواب يعجبوكم او لا يعجبوكم، يروق لكم شكلهم او طريقة حديثهم أم لا، بل نواباً غير فاسدين، وليس هناك أي دليل على فساد لهم. فهل دعمتموهم بوجه الفساد الذي طالما عانوا منه وصرخوا منبهين عليه؟ من الوزراء السابقين ووفق تصوري ومتابعتي لم يكن علي الأديب أو الشهرستاني او وزير النفط السابق لعيبي أو وزير الكهرباء السابق رعد شلال فاسدين، فهل دعمتموهم؟ هل كلفتم انفسكم أن تعرفوا انجازات الشهرستاني حين قاوم عقود المشاركة التي كانت تضغط الشركات وكردستان لفرضها على العراق، وثبت رغم الضغوط الهائلة للشركات وكردستان، عقود خدمة افضل مرات عديدة من عقود الفاسد اشتي هورامي في كردستان؟ هل عرفتم ايضاً أو اثار اهتمامكم ما وفره رعد شلال حين الغى خصخصة احد مشاريع الكهرباء، موفرا للدولة 12 مليار دولار، (أي حوالي 2500 دولار لكل عائلة) إضافة إلى ملايين اخرى في مشاريع اخرى؟ لا ... لم اسمع بمثل هذا الدعم حتى ولو بكلمة! وحتى حين يدعم البعض الشهرستاني أو الفتلاوي مثلا فإنه يدعمه غالباً لاسباب طائفية وليس لإنجازاته أما رعد شلال فلم يحصل على اي دعم لا طائفي ولا لإنجازاته. وهكذا يترك الرجل النظيف يواجه الفساد لحاله حتى يهزم، ثم ينفجر من تركه غاضباً لكثرة الفساد!

 

هل قرأتم المقالات التي كنا نكتبها ويكتبها غيرنا عن نفطكم الذي سرق وكهربائكم ومصانعكم التي تتم خصخصتها مثلا؟ هل تستطيعون ان تحددوا من بالذات قام بمثل تلك المهمات القذرة؟ هل تعرفون مثلا ان النائب الصدري عدي عواد وغيره كان يعمل وكأنه عراب للّصوص الكبار لخصخصة الكهرباء وأن عدنان الجنابي (ورفاقه النواب من كردستان في لجنة الطاقة البرلمانية) كان طوال السنين في صراع مرير بوجه المخلصين من خبراء النفط والصحيفيين والساسة، مدافعاً عن مصالح الشركات التي لا شك أنها تدفع له ثمن اتعابه، واستمات لفرض قانون النفط الذي وضعته تلك الشركات وأرادت فرضه على العراق كما فرضته على كردستان بواسطة لصوصها هناك؟ هل يعلم اي منكم ما هو قانون النفط ذاك؟ هل يعرف اي منكم الفرق بين عقود الخدمة وعقود المشاركة في النفط وما الذي تعنيه بالنسبة للدخل العراق والخدمات التي تطالبون بها؟ هل يعلم من انتخب نواب التيار الدميقراطي المدني أن قانون النفط سيء الصيت كان ضمن البرنامج الإنتخابي لنوابهم لتبعيتهم الكاملة لكردستان؟ هل لاحظ أحد ذلك و سألهم عنه؟

 

 لقد كانت هذه المعلومات متاحة بفضل فريق رائع من خبراء النفط العراقيين الذين بذلوا جهوداً جبارة ومجانية من أجل إيصال الحقيقة اليكم لكنكم لا تعرفون حتى إسم أي واحد منهم! كم منكم سمع او قرأ اسم "فؤاد الأمير" مثلا؟ هل تعلمون ان هذا الرجل قدم للعراق من المعلومات الخطيرة عن عقود النفط ما يزيد عما قدمته وزارة النفط ذاتها مرات عديدة، ومجاناً، وهو في السبعين من العمر؟ لو عرفتم كل هذا لما تمكنتم من خلط فؤاد الأمير مع عدنان الجنابي وكذلك  "كريم وحيد" مع "رعد شلال" في عبارة "كلهم فاسدين"، فكيف يمكن لمن لا يعرف الفاسد من الأمين، ولا يبدي أي اهتمام بأن يعرف، أن يحارب الفساد؟ كيف لمن يمنعه كسله من التمييز أن يأمل بالنجاح؟

 

لا تعرفون ذلك يا اعزائي، مثقفي العراق، لأن مقالات الحقائق والأرقام مرهقة بالنسبة لكم، ولا تناسب مزاج منشورات الفيسبوك. نعم انها مرهقة القراءة لي ايضاً وكتابتها اكثر ارهاقاً، واكثر ارهاقا من ذلك قراءة كتب فؤاد الأمير دع عنك كتابتها، لكنها مصالحكم، و من يعفي نفسه من إرهاق المتابعة ومعرفة مصالحه وارقامها، هل يحق له ان يغضب وينفجر على من يسرقها؟

 

البعض يريد اليوم نظاماً رئاسياً، وكأن النظام البرلماني سيء والمشكلة فيه. أنا اراهن ان المطالبين بهذا لا يعرفون ايضاً حقيقة الفرق بين النظامين، رغم ذلك يرفعون شعاراتها اليوم غاضبين! النظام الرئاسي يمنح الرئيس صلاحيات كبرى بعيدا عن المحاسبة ورقابة الشعب، فهل حقاً نريد ذلك، وهل ادار ساستنا مهماتهم بشكل مرض لنا لنتظاهر من اجل اعطائهم المزيد من الصلاحيات؟ هل حقاً يضع الشعب العراقي اليوم حكامه بنفسه أم أنهم يعينون من قبل اميركا وعملائها، وأن هذا حدث بشكل واضح تماما في الولاية الأولى للمالكي وأوضح منه في ولاية العبادي؟ فلماذا تريدون صلاحيات أكثر لهؤلاء؟ لا تعلمون...صح؟ لا احد يعرف شيئاً، لكنه مستعد للغضب والتظاهر من أجل اشياء لا يكاد يعرف عنها شيئاً، والسعي لاعطاء صلاحيات اكبر لمناصب لا يعين هو اصحابها!

 

الحقيقة البسيطة ولكن "المتعبة" هي ان الديمقراطية، سواء كانت برلمانية او رئاسية هي حكم المواطن، وهذا يشترط عليه أن يكون "حاكماً"، أي مراقبا ومتابعاً، ولا يكفي ان يكون مواطن فيسبوك عائلي يتبادل التحيات والتهاني والنكات. فهذا الأخير لا يصلح له حال ومحكوم بالفساد سواء كان النظام برلماني او رئاسي، وطلب التغيير ليس سوى تخبط لا نهاية له لأنه لا يتجه نحو المشكلة ليحلها.

 

دعونا نلتفت إلى نقطة اخرى. أنتم غاضبون أيها الأعزاء من برلمانكم وتريدون اشعال النار تحته وتؤكدون ان النواب جميعاً يصوتون لمصالحهم وليس لمصالح الشعب، فهل تعرفون حقاً ما يصوت عليه كل نائب من النواب؟ بل هل تعرفون إن كان النائب الذي انتخبتموه، قد صوت بالإتجاه الذي وعدكم به؟ أنا أعلم تماما ويقيناً أنكم لا تعلمون أي شيء من هذا، لأنني المتابع النشيط لا اعلم ولا استطيع أن اعلم! لماذا؟ ببساطة لأنه يوجد في برلماننا نظام تصويت سري يتيح للمرشوين ان يصوتوا كما تتطلب رشوتهم دون ان يعلم احد من صوت على ماذا، ويختلط المرشو بالشريف فلا نستطيع تمييزهما! هذا النظام للتصويت السري، ليس سوى احتقار شديد للشعب...، يعني لنا....، حاول كاتب هذه السطور سنيناً طويلة أن ينبه على خطره دون جدوى! وإضافة إلى ذلك فحتى التصويت اليدوي كان يجري بشكل مأساوي لا يشبه بشيء ما يجري في العالم، حيث يجري عد أصوات النواب من قبل موظف وهو الذي يخبر رئاسة البرلمان بالأرقام ولا يحق حتى للنواب سؤاله عن العدد الحقيقي!! والنائب هذا كالخروف: يقولون له أن قرارك كسب فيرضى ويقولون له ان قرارك خسر فيصدق ويرضى دون سؤال او استفسار! أي ان لا احد في البرلمان او العراق يعرف حقيقة عدد الأصوات التي صوتت لصالح أو ضد أي قرار سوى هذا الموظف الذي لا نعرفه ولا ندري من يقف وراءه، والذي يستطيع أن يقول ما يريد، ويحدد الفوز من الخسارة لأي قرار تقريباً خاصة إن تقاربت أعداد الأصوات وسهل غشها!

 

هذه كلها تعرفونها دون احتجاج، ودون مساندة لمن كان يعترض عليها، أو انكم تتجنبون حتى معرفتها! إنني لا اعرف بلداً يشبه بلدنا في هذه المهزلة المتناهية، فهل من غرابة أن لا نعرف بلداً يعيش ما يعيشه بلدنا من مأساة متناهية؟ لقد كشفت النائب حنان الفتلاوي ذلك وكتبنا عنه كثيراً، لكنها كانت "مقالات مرهقة" لم تثر اهتمامكم! وهذا الكسل وعدم الإهتمام هو الذي يشجع الفساد والرشوة في البرلمان، ويخلط الحابل بالنابل، ثم تأتون أنتم لتغضبوا ولتحتجوا بأن "الجميع فاسدين"!! من الذي يستحق الغضب حقاً؟ هل من يتكاسل عن اداء واجبه ومراقبة حقوقه ام من يستغل الفرصة ليسرقها؟

 

أين ضاعت ثروات البلد؟ مئات من مليارات دولارات نفطنا سرقت ولم يكن لنا حول ولا قوة! هكذا يصرخ المتظاهر الغاضب. وصحيح أن الكثير من ثروة البلد ضاعت ولم يكن للمواطن القدرة على العلم بها او منع سرقتها، لكن ما الذي فعله هذا المواطن بالمليارات التي كان على علم يقين بها ويستطيع منع سرقتها؟

دعوني اسألكم، وانتم بلا شك من المثقفين المتابعين نسبياً مادمتم تقرأون هذه المقالة الطويلة، عن آخر ما كشف من سرقات كردستان من الحكومة اعلنته الرقابة المالية وكشفته حنان الفتلاوي، وكان بشكل مبالغ صرفت بشكل رسمي لكردستان "خطأً" خلال سنين الإحتلال الأمريكي، كم ملياراً كانت؟

لن يعرف الرقم واحد من عشرة او ربما واحد من مئة منكم، إنه حوالي 42 مليار دولار! لو قسمنا هذا الرقم على سكان العراق (عدا كردستان) لجاء لكل فرد حوالي 1800 دولار، أي العائلة حوالي 12 الف دولار. هذه الأرقام قدمت لكم في نشرة الفتلاوي وفي مقالاتي وغيرها لكنكم لم تحتجوا عليها بل لم تهتموا حتى بمعرفتها، ثم تأتون شديدي الغضب على من بذر ملياراتكم؟ هذا طبعا عدا سرقة الفرق بين الـ 17% و الـ 10.5% التي تسرقها كردستان سنوياً ورغم اعتراف برلمانها بأن نسبة سكانها 12.6% ، ورغم ما كتبنا حتى عميت عيوننا، وحسبنا كم تخسر كل عائلة عراقية في كل محافظة، ودعوناكم لأقامة الدعوى على الحكومة العراقية التي تقدم ثرواتكم إلى كردستان لتبقى في الحكم.

 

هل تعلمون ان حكومات بلادكم المتتالية منذ زمن صدام وحتى العبادي تدفع الجزية لعملاء إسرائيل في الأردن مثلما تدفعها الآن لعملائها في كردستان، ومهما كان الظرف الذي تمرون به ماساوياً؟ لم يكن لنا حول وقوة عندما كان صدام، لكن ليخبرني من يقدس المالكي منكم أين صوته في هذا الإبتزاز؟ ليخبرني من يأمل بالعبادي ما هو موقفه وهو يستمر بالدفع رغم الأزمة المالية الحرجة التي يمر بها بلده، بل يزيدها؟ إنهم مجموعة عاهرات، لكن ما يغيضني هو هذا الصمت الطويل عنهم وهم يضخون اموالكم لكل حثالات اسرائيل من حكام الأردن إلى حكام كردستان وانتم ليس لديكم سوى "الكل نفس الشي"!! لا ليس الكل نفس الشي، الشهرستاني ليس نفش الشي مثل الحثالة المتميزة بشريا "عادل عبد المهدي"، وصائب خليل ككاتب بذل الكثير من اجل فضح خطط اميركا وعملاءها، يرفض ان يقال عنه نفس الشي مثل عبد الخالق حسين، طبال اميركا وإسرائيل ومبرر خططها وداعي معاهداتها.

إن ما يجعلنا "نفس الشي" هو كسلكم وترهل موقفكم في التمييز ايها الأخوان الذي يحول المشهد في العراق إلى ضباب لا يخترقه البصر ويعجز المرء عن تمييز الطريق فيه. بل واكثر من ذلك مما يشوش الأمور ان الأمور السخيفة تلقى من اهتمامكم اكثر من تلك التي تحدد مستقبل بلادكم. فعدد المنشورات التي تحدثت عن النائب الذي قيل انه اجرى عملية بواسير، (هل قام فعلا بتلك العملية؟ لا احد يعلم ولا احد يهتم إن كان ذلك احقيقة ام وهم اعلامي لذيذ) أو عن اخطاء الجعفري اللفظية أو عن اكاذيب ممتعة لكم لمن تكرهونهم من الأشخاص حتى بعد كشف زيفها، تحظى هذه كلها بالإهتمام والنشر وتدبيج المقالات وتصميم الكاريكاتيرات أكثر بكثير من المليارات التي تسلبها كردستان أو يوفرها رعد شلال أو الشهرستاني للبلاد. الآن على مقالتي تعليق من قارئ لم يجد في المقالة ما يعلق عليه سوى التذكير بالـ 7 + 7 لحنان الفتلاوي، وأنها "بعثية"، رغم أننا اوضحنا بشكل دقيق وتفصيلي وبمراجعة الفيديو كلمة كلمة، أنها كذبة إعلامية كبيرة، ورغم ان المصدر الرسمي الذي اعتمدت عليه شائعات كونها بعثية قد اعلن بكتاب رسمي عدم صحة ذلك، لكن الكذب والصدق "نفس الشي" مادام يقدم ضخة الأدرينالين الممتعة في النيل ممن لا نحبهم، ولا توجد أية طريقة لإقناع المتمتع بالكذبة بما هو صحيح وما هو كذب لأنه ليس موضوع اهتمامه!

 

في هذا الضباب الذي يسهم في صنعه تناولكم غير العقلاني وغير الأمين أيها الأعزاء، من الطبيعي أن لا يجد البرلماني المتردد ما يمنعه من قبول الرشوة فهذا أقل خطورة عليه من ان يقوم بإجراء عملية بواسير وكأنها جريمة، أو حتى أن يطلق مثل تلك الشائعة او غيرها عليه اعلامي مرتزق معدوم الضمير تماماً مثل انور الحمداني. ولا يجد رئيس الحكومة، سواء كان المالكي أو العبادي ما يقلقه في دفع ثروات بلدكم رشوة من أجل كرسيه سنيناً طويلة دون ان تزعجوه بسؤال، بل ان الكثير جداً من المسروقين منكم كان يقدسه ويذود عنه بوجه التهم والتحقيق.... ثم فجأة تنفجرون غضباً!!

وفي هذا الضباب القاتم، الذي يصير فيه كل شي "نفس الشي"، لا غرابة ان نجد المتظاهرين يضعون الآمال في العبادي، النموذج الأوسخ الذي جيء به لمهمات اوسخ مما كلف به اي عميل سابق على ارض العراق حتى لو عدنا إلى زمان نوري السعيد وعبد الإله، مهمات تتعدى السرقة إلى تحطيم البلاد تماماً، وقام منذ ايام حكمه الأولى بنهب ثروة بلادكم وتوجيهها لكردستان وزاد الإتفاقات مع الأردن ومع لصوص المال الدوليين من صندوق النقد الدولي وغيره، كما لم يفعل المالكي نفسه، وانتم تكررون ذات السيناريو مع من يسرقكم، بل ويا للعجب، تلجأون إليه لينقذكم!!.... .وفي النهاية تغضبون!

 

إن كان هناك من يغضب فالأجدر به أن يغضب من نفسه وان يخجل من دوره أولاً. نعم ان النظام الديمقراطي يمنح المواطن الكثير، لكنه يتطلب منه بالمقابل ان يقوم بدوره بحمايته لا ان يتصرف ككائن طفيلي لا يدري شيئاً حوله ومدلل ينتظر زعماء "رائعين" يقومون له بكل شيء دون حاجة لمراقبة او متابعة او معرفة اي شيء عنهم، ثم "يزعل" وينفجر إن لم يكونوا كذلك!

 

قبل الختام اود ان اسألكم: هل يفعل أعداءكم نفس الشيء، فينشرون ضباب "نفس الشيء" في الجو ليمنعهم من تمييز ما يناسبهم ممن لا يناسبهم، مثلما تفعلون؟ أبداً بالعكس.. كل شيء واضح جداً ومميز عند اعدائكم، أعداء البلاد الهادفين إلى تحطيمها وتقسيمها وانعاش الفساد فيها. إنهم يعرفون أن الشهرستاني يهدد مشاريعهم ويعلمون أنه ليس "نفس الشي" مثل عادل عبد المهدي الذي يخدم مصالحهم تماما، ويعلمون جيداً أن رعد شلال الذي لم يوقع عقدا مع شركة غربية واحدة لأن الأسعار الإيرانية والصينية لنفس النوعية بالضبط، كانت نصف السعر، ليس "نفس الشي" مثل "كريم وحيد"، لذا فهم يحمون وحيد حتى النفس الأخيرفيبقى سنينا طويلة، ولا تحمون من يدافع عن مصالحكم فلا يبقى شلال سوى أشهر قصيرة. وإن هم صبروا مضطرين على الشهرستاني طويلا فلم يكن ذلك بفضل دعمكم له بل لعلاقته بالمرجعية، فأمهلوا ولم يهملوا وهاهم يزيحونه ليأتوا بمن يمثلهم على رأس وزارة النفط، شريان حياتكم. وهم يميزون تماماً بين استعداد الجعفري للخضوع واستعداد المالكي له واستعداد العبادي، فهم ليسوا "نفس الشي" عندهم. إنهم يعرفون خطوط المعركة ويحددون من هو معهم ومن هو ضدهم ويوجهون نيرانهم الذكية بدقة متناهية لتصيب اصدقاءكم دون اصدقاءهم، بينما تخبطون أنتم في الظلام صارخين : كلهم نفس الشيء!! فهل لا يحق لنا القلق من نتيجة هذه المعركة؟ هل من الغرابة أن نرى الخط البياني للفساد الذي يريدونه يرتفع واضحاً كما يريدون، والخط البياني لمصالح الشعب التي تريدونها ينخفض واضحاً كما لا تريدون.؟

 

هذا هو الخطأ ايها المواطن العراقي العزيز ولا جدوى من الغاء الحكومة واحراق البرلمان، فكل من ستأتي بهم، وسواء كان النظام برلمانيا او رئاسياً، سيحولهم اهمالك وكسلك من جهة وحرص اعدائك وعملهم الدؤوب من الجهة الأخرى، ومع الزمن إلى لصوص حتى لو لم يكونوا كذلك، وسيبقى البلد يدور في دوامة لا نهاية لها من إسقاط الحكومات وتغييرها دون نتيجة.

 

دعني اقول لك كلمة اخيرة ربما كانت الأقسى فتحملها، إن كان عدم القيام بالواجب فساداً تحاسب المسؤولين عليه، فأنت يا صاحبي أول الفاسدين في الديمقراطية، لأنك لم تقم بواجبك ايضاً في المراقبة والمتابعة المرهقة والأمينة التي لا تعرف، لا الكسل ولا المحاباة. إنه غير مكتوب في اي قانون للنزاهة ولا يحاسبك حاكم عليه، لكنه مفهوم ومذكور في كل ادبيات الديمقراطية. ليس هناك نص يشير إليه في قانون العقوبات، لكن عقوبته الأكيدة وطن ضائع وثروة مستباحة وفساد مستشر وفقر متزايد ومستقبل قاتم لأطفالك!

 

 متى ما تغير هذا الحال وكنت المواطن الذي يتحمل مسؤولية دوره القيادي والرقابي، فعندها فقط يحق لك ان تأمل بان تحصل على حكومة شريفة وبرلمان شفاف يفكر اعضاؤه عشرة مرات قبل ان يسرقوك وسوف يحق لك أن تغضب وتتظاهر عندما تسلب مصالحك دون ان تثير قلقنا بأن يفلت الأمر من يدك فتحول بلدك إلى سوريا أخرى أو ليبيا اخرى... اما الآن، فللأسف :لا، ولن تنتج تظاهراتك أية نتائج تسرك، و لو غضبت حتى لم يعلم سوى الله "ما قد يفعل الغيض فيك حين يشتعلُ!"

 

كانت هذه الحلقة عن حق الإحتجاج والغضب، وستكون الحلقة الثانية عن مؤشرات خطيرة لـ "أمر دبر بليل" لهذه التظاهرات..

 

 

 

تاريخ النشر

09.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

09.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org