<%@ Language=JavaScript %>  كريم عبدالله هاشم الى صاحب البطريق – رسالة وضح النهار

 

 

 

الى صاحب البطريق – رسالة وضح النهار

 

كريم عبدالله هاشم

 

أخي العزيز حمزة الحسن :

اقرأ رسالتي على مهل . .

أنبأتني رسالتك (( رسالة منتصف الليل –  قبل الحرب بساعات ، التي أصبحت فيما بعد رواية صرخة البطريق )) . بمواسم القتل القادمة والخراب القادم مع الغوريلا التي نهضت من جهة أميركا وحلفاؤها (( مختلفي ومتعددي الوجوه والمذاهب والديانات من عرب ومسلمين واجانب )) .

رسالتك ياحمزة التي جاء فيها :

(( صرخة البطريق قبل العاصفة . انها نشيج من فوق الكارثة على موتى في الطريق )) .

(( سنجد أنفسنا يوما أمام سلطة الوحش ذاتها والكراهية ذاتها )) .

(( الذين يقودونه الى الصلب العلني هم تجمع وحوش تتناقض مصالحهم ، حتى صار الوطن كغزال ممزق بين أنياب ضباع مفترسة وبين مخالب طيور وحشية )) .

لأجله ،

بعد أن توضح النهار وتطرزت حروف رسالتك بدم ومآسي عراقية :  

اخاطبك ياحمزة – من الداخل – بصفتي عراقي في لجة الفوضى وبصفتك صديقي وصاحب البطريق الذي يئن منذ أكثر من 50 عاما ، والذي أجهش يصرخ علنا وبصوت مسموع بنواحه وعويله منذ منتصف تلك الليلة التي كتبت لنا فيها رسالتك لتكشف لنا عن وجه قبيح تسلل منذ زمن طويل الى ثقافتنا ووعينا وتركيبتنا .

الآن ، أرغب بالرد والأستجابة لرسالتك وارصف حروفي الى جانب حروفك ، وبعد ان أصابت الثقوب المباشرة قلبي وقلمي وأوراقي ، وانتهيت قبل يومين من ختام مراسم (( كفكفة )) دمع الأمهات النائحات والباكيات مجددا على شهيد آخر سقط من عائلتي في 19/11/2015 . وهذا هو الشهيد الثاني  (( أنور رحيم عبدالله هاشم )) الذي سبقه في الشهادة قبل عام عمه (( الرائد مجيد عبدالله هاشم )) .

أولاد صغار ياحمزة ، خرجوا من حضن الدلال والخدر ، ليمتزج الحرف بالبارود والتراب والدمع والدم المقدس ، ولأضمخ حروف رسالتك وأعفرها بهذا الدخان والأنين وأحشو مغلفها بصورة الشهيدين وأعيدها اليك فقد صدقت التوقعات وكانت النبوءة حقيقة .

ياحمزة :

من عمق الفجيعة ، ومن ظلام الهاوية ، ومن قاع البئر الذي حفروه لشعبنا ، سيكون ثمة مجد وفخر يسطره أولادنا الذين تشربوا وهم صغار بحكايا سندباد وفصول الصقور والنسور ، وعرفوا بصمت قصص الفرسان والبطولات والتضحيات وحكايات البسالة والصمود .

نحن لم نتعلم ان ننطلق مثلهم لأننا تربينا تحت وطأة الكابوس ووضعنا في خانة الخمول والركود والتحجيم . فكانوا أكثر بسالة منا ، وأصدق وعيا لأنهم أثبتوا لنا ان العراق هو الغاية والمبتغى وان الكفاح لأجله أسمى من كل المسميات ، حلو كحلاوة سندباد وافتح ياسمسم بعيون الأطفال ، وكحلاوة الهوى والعشق والمعشوق بصدر الشباب . وأثبتوا ان الأنسان لن (( يتحول الى حشرة )) ، وأثبتوا انهم ليسوا (( المخلوقات المحطمة المفرغة من آدميتها لايمكن ان تنتج حياة سوية أبدا ، ولا أن تخرج لصد غزو حتى لو كان غزو جراد )) – صرخة البطريق - .

وهؤلاء أولادي وأولادك , اولاد العراق ، رمز وعلامة لنا في سلسلة طويلة من سلسلة تضحيات الشباب العراقي والأمهات العراقيات (( الماجدات )) رغما عن صدام الذي لم يتمكن من مسخهن ورغما عن دول البدو والاعراب والأعاجم والصهاينة والأمريكان ورغما عن أدمغة ودهاقنة التخطيط والحياكة والتلطيخ لأتلاف العراق وتهديمه .

هذه سلسلة ذاكرتنا العراقية البطلة التي بدأت تتشكل من هنا ، والتي أدعوكم ككتاب ومثقفين للنهوض والكتابة عنها مطولا لأن نهوضنا سيأتي من هنا وهذا هو الطريق لكي يهدأ البطريق ويستكين مستريحا بعد صراخه الطويل .

لأجل عراق هو الغاية والمبتغى خرج أولادنا لصد حلقة من أقذر حلقات المؤامرة على العراق .

فلاأطلب منك ياحمزة أن تعزيني أو تواسيني لابشهيدي الأول ولا بشهيدي الثاني ، لأني قد رسمت لهم معانيهم ، ودجنت شهادتهم في دفتر الذاكرة البطلة لوطن لن يموت مادام فيه هكذا شباب وهكذا رجال يكشفون عورة الزمان ويكشفون عورة السلطان وأولي الأمر الغارقين في كونهم ليسوا أكثر من لصوص عبثيين ولمامة قميئة جمعتهم اميركا من شتات نفايات العالم ولمعتهم لتمسك بهم زمام الفوضى وتحقق بهم غاياتها وفوضاها الخلاقة التي تقودنا بها الى شرق أوسط جديد ممزق ومتناحر كما تشتهي .

ياحمزة :

صعب أن يحكمك من لاحياء له ولاتتعرق جبينه من أي فعل مشين ، وصعب أن يتولى أمر البلاد مجموعة سلاطين (( كثر )) متناحرين في طرهات الأمور فقط لأجل التناحر الذي وظفوه للكسب والأنتفاع غير المشروع منه ، لاغيرة ولاوجدان ولامروءة ولاضمير لديهم .

بسببهم ضاع العراق وكانت صفحة داعش وماتبعها من ارهاصات فرصة ذهبية لهم ولمطامعهم الرخيصة وكان قمة المجد في فسادهم . وبدماء شبابنا نحاول ان نسترجع العراق من مخالب الغزو والصفحة الثانية من الغزو الامريكي للعراق المتمثلة  بداعش وغيرها . بهم ستعود أخلاقنا  ، وبهم سيعود عراقنا الذي ضيعه المتسلطين والمتندرين والمثورين الذين لايفقهون شيئا والمتدينين زيفا ورياء لأجل مغانم الدنيا .

أولادنا ياحمزة ، الذين كبروا في خلسة من الزمن ، بدلا من أن يفكوا ظفائر العشق والهوى ، ويتذوقوا طعم العسل والتفاح ويعايشوا عرس الشباب ، صاروا يعرفون :

(( ماذا يعني اعداد الحقيبة قبل التوجه للحرب – وبرد المحطات – وصراخ الأطفال في لحظات الوداع – ولون النوافذ الأزرق وبصيص الشمعة وهي تخبو في الملجأ أو الغرفة )) – صرخة البطريق –

لقد تعلموا كل ذلك دون أن ندري ، تصورنا انهم صغارا لنلبسهم السلاسل والأساور ياحمزة ، لكن فعلهم كان أبلغ من حزننا ، ووعيهم كان أكثر حقيقة من حروفنا .

أكتب لك ذلك ياحمزة لأن التمزق والشتات يحيط بي ، وربما الآن صرت أشم معك عن بعد رائحة تلك العباءة حين أيقظتك عجوز تبيع القيمر وألقت عباءتها فوقك وانت تنام على منصة بسطة محل مغلق في البصرة حتى الفجر وهي تقول : عساها بخت من سواها ، أي الحرب ، حين كنت جنديا وانت ذاهب الى احدى حروب العراق العبثية .

الآن ياحمزة ، كل العراق بحاجة الى عباءة تلك العجوز ، وكل العراق بحاجة لأن نقول كما قالت : عساها بخت من سواها .

هؤلاء الأولاد قد قطعوا الصمت الذي رأيت في مواضع عديدة ، وحين نهض (( وحشك البشري )) الذي أشرت اليه في رسالتك ، نهضوا أبطالا أولادك وأولادي ، برغم انهم مجرد أولاد للتو خلعوا سلاسل أعناقهم وأساور أيديهم ، لكنهم صاروا يرسمون حقائق لتاريخ جديد سيأتي عما قريب .

فقل لي ياحمزة وواسيني ، هل (( رقع )) هؤلاء الأولاد جزءا من الخلل الحاصل في الوجدان العراقي ؟ .

وأكتب لي ياحمزة رسالة (( وضح النهار )) ، هل من أمل أن ننهض كما نهض هؤلاء الشباب ، بعد ان تعددت الوجوه الكالحة فمن – داعش – الى – فاسدين – الى – لصوص – الى متلونين وبائعي كلام . كل هذه تحتاج الى نهضة بوجهها . . فهل من أمل .

أخاطبك ياحمزة ، وقد دفنت موتاي ، الأول قبل سنة والثاني قبل عشرة أيام . وأجلس مشتتا بصمت لاأملك الآ أن أخاطبك وأنا اعيد قراءة (( رسالة منتصف الليل )) . وأبلغك ان الحروف صارت حقيقة نلمسها .

ياحمزة ،

لاأريد أن تعزيني أو تواسيني لمجرد العزاء والمواساة ، لأني أشتهي أن أشم رائحة تلك العباءة ، لتلك المرأة العجوز بائعة القيمر لعلها تقول لي كما قالت لك : عساها بخت من سواها .

بغداد في 30/11/2015      

  

تعريف :

 الاسم الثلاثي : كريم عبدالله هاشم

كاتب وقاص عراقي

- كتب في مجال القصة القصيرة والدراسة الادبية .

- بدأ النشر في الصحف والمجلات العراقية فترة ( الثمانينات ) .   

- توقف واصبح مقلا بالنشروغادر العراق لعدة سنوات ، وعاد .

- له العديد من القصص والدراسات الادبية المنشورة في الصحف والمجلات داخل العراق وخارجه .

- له العشرات من الاعمال الادبية والمواضيع التي تنشر في الصحف الالكترونية العراقية والعربية

له كتابين تحت النشر :

- دخان كثيف ( مجموعة قصصية ) .

- مواسم حاتم البريسم ( رواية ) .

البريد الالكتروني : kareem_pen@yahoo.com

كريم عبدالله هاشم / Facebook

 

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

02.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

02.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org