<%@ Language=JavaScript %> جمال محمد تقي شحنة العبادي والتيار المقطوع !

 

 

شحنة العبادي والتيار المقطوع !

 

 

جمال محمد تقي

 

يمكن ان تكون حزمة الاصلاح التي اعلن عنها حيدر العبادي وما سيتبعها من اجراءات جديدة ، طوق نجاة لما تبقى من العراق الذي نعرفه ، اضافة لكونها طوق نجاة للطبقة الحاكمة من المصير الاسود الذي ينتظرها ، مصير ، وبحسب اعداد لا يستهان بها من نخب المتظاهرين والثائرين ، لا يستبعد منه القلع والخلع والسحل والملاحقة والاجتثاث !

الوضع المسخم بكل انواع العوادم المتراكمة من حرائق العراق منذ 2003 وحتى الان ، ومن دون بصيص امل نحو تغيير جذري يأخذ بيد العراق من الدمار والانهيار والتفكك والفساد والتبعية الى وضعه الطبيعي الذي كان حيث المقدمة في الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والامان وحيث النزاهة والدولة المهابة برغم عيوبها التي لا مجال للمقارنة بينها وبين عيوب عراق ما بعد الاحتلال وحكم اللصوص والحرامية والمتخلفين ، جعل من الناس تكفر بعمامة الدجالين وملالي الدين وبكل الكلام المعسول لافندية الاحتلال الذين اعتبروا العراق كمغارة علي بابا ، كنز لا يغرف منه الا الذين امنوا بتشريح العراق وتقاسم اعضائه وبيعها لجني المزيد من النعم ، حلال زلال ، وكأن البلاد مسبية لا اهل لها ، او كما جاء بوصف محمد حسنين هيكل :العراق عبارة عن بنك سيطر عليه لصوص ليس لهم علم بالادارة والسياسة !

قبل داعش وبعدها الوضع من سيء الى اسوء ، بل ان نجاح داعش باقامة دولتها على اكثر من ثلث ارض العراق لم يكن ليتحقق لولا درجة السوء التي وصل اليها الوضع العراقي ، تشظي ، وتفشي افقي وعمودي للفساد ، غياب الدولة وهيبتها ، احزاب ليست كالاحزاب فهي لا تعمل وفق قانون او دستور لان الاخير علاوة على كونه حمال اوجه وفيه من الالغام ما تكفيه فانه ينفجر بوجه من يتجرأ على الدعوة لتصحيحه ، لانها ستؤدي لانهيار التوافق الشيعي الكردي الذي ضمن تمرير نصوصه ، نعم ان الاحزاب التي انجزت هكذا دستور وبوصاية امريكية لا تعمل الا كمافيات وعصابات استولت على السلطة ولن تتركها لغيرها بغير قاعدة الازاحة اما الانتخابات فهي شكلية وتحصيل حاصل ،   السياسة لديها كالدين ، والطائفية تجارة تدر مناصب ومنافع شتى ، والمناصب ضمانة للمقاولات والعمولات والاتاوات ، هكذا تداور الطبقة السياسية الجديدة امورها بين المال العام المنهوب والسلطة المنهوبة ، لا رقابة ولامحاسبة ، ديكورات واكسسوارات باسماء رنانة  لمؤسسات خاوية لا معنى حقيقي وفعلي لوجودها ، برلمان وبنك مركزي ولجنة نزاهة وتفتيش مالي ومفوضيات مستقلة ووزارات تضاهي وزارات الصين بعددها ، انتخابات مزورة وكاذبة ، انحطاط شامل وكامل في بلاد لا يعطل اهلها عن الثورة العارمة غير سياسة فرق تسد التي يتبعها امراء السلطة الجديدة وغير سياسة التجهيل والترويض وابتزاز العواطف المذهبية والمناطقية والاثنية وغسل الادمغة !

لقد طفح الكيل ، 1000 مليار دولار دخلت العراق منها 800 مليار دولار كواردات للنفط و 200 مليار دولار كهبات خارجية ، صرف منها 40 مليار دولار للكهرباء ، كل هذا خلال 12 عام ، وحتى الان فان البلاد تشكو من الانقطاع اليومي للكهرباء وبمعدل 15 ـ 20 ساعة ، وتشكو من شحة المياه الصالحة للشرب ، ومن انحطاط  قياسي لكل الخدمات العامة ، ومن نسبة بطالة تجاوزت 30 % ، ناهيك عن تدهور كارثي في مجالات الصناعة والزراعة وكل مجالات الاستثمار المنتج ، 148 مجموع مبالغ عقود التسليح والجيش لا يملك سلاحا ، حتى ان الميليشيات الطائفية والاثنية تتفوق عليه بسلاحها، 25% من العراقيين تحت خط الفقر ، 3 ملايين نازح ومهجر يعتاشون على مساعدات الاغاثة الاممية.

كل المستشفيات والمدارس والمباني الرسمية والمتاحف والفنادق الكبيرة ، والطرق والجسور والقصور والمعامل والمصانع الموجودة حاليا هي من مخلفات النظام السابق ، ولم يثبت ان سرق احد رموز ذاك النظام امولا من الدولة وهربها خارج العراق او امتلك احدهم عقارات وشركات وباموال الدولة خارج العراق ، او حرص احدهم للحصول على جنسية غير عراقية ، ولكن ومن الثابت الان ان لاغلب رموز العملية السياسية الحالية اموالا مهربة للخارج وبالملايين ان لم تكن بالمليارات ، وان لاغلبهم جنسيات اخرى وانهم وسلطتهم هدموا ولم يبنوا شيئا جديدا يذكر ، بل انهم جعلوا من عقارات الدولة املاكا لهم !

باسم الدين سرقونا الحرامية ، هتاف عراقي يزمجر من البصرة الى بغداد مرورا بميسان والناصرية والكوت والحلة والسماوة والديوانية والنجف وكربلاء ، هتاف يختزل المشهد التراجيدي لشعب يتعرض لابشع انواع الابتزاز والتدجين والسطو والتغييب والمصادرة والتعذيب والتهشيم والتلويث والخداع ، هتاف يصدح بحناجر وقلوب وعقول الملايين من العراقيين الذين هم مروعين بأرتفاع معدلات الخراب والدمار والقتل المجاني والنهب العمومي للثروة والسلطة كما هم مروعين بارتفاع معدلات درجات الحرارة المذيبة لكل طبقات العزل الصناعي التي حاول سراق الحكم والثروة في العراق جعلها غشاوة على اعين الناس لتسييرهم الى حيث يريدون !

إشلون اتبايع حيدر وانت السارق بيت المال ؟ هتاف اخر قيل في زمن المالكي وهو يسحب البساط من تحت اقدام المتاجرين بالدين والتمذهب الطائفي ، وهو يخاطب احزاب السلطة ، كحزب الدعوة الذي يقوده المالكي ، والمجلس الاسلامي الذي يقوده عمار الحكيم ، ومنظمة بدر التي يقودها هادي العامري وهكذا الحال لباقين من شلة شياطين الدين والمذهبية !

الميزانية شبه خاوية واسعار النفط منخفضة وداعش يستنزف ما تيسر له ، وليس هناك ما يستر عورات السلطة القائمة من مليارات اوراق التوت او اوراق الدولارات التي يمكن ان تسكن الحالة ، بالرغم من ان الحكومة قد تملصت من مخصصات المحافظات الواقعة تحت احتلال داعش ، وتحديدا محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار ، لكنها مع نسب النهب والاهدار الجارية في كل الظروف وحتى بين ما يسمى فصائل الحشد وتسليحهم ، في ورطة حقيقية ، ومأزق نوعي لا تسعفه الاستدانة الدولية ولا حتى محاولات ترشيد النهب ، وتقليص اعداد الفضائيين الذين تذهب رواتبهم لجيوب احزاب السلطة !

شحنة العبادي الاصلاحية والتي حثت عليها مرجعية النجف الشيعية لم تأتي من فراغ بل انها استشعرت المخاطر الجمة التي سيترتب على عدم الشروع بها لانقاذ ما يمكن انقاذه من افلاس وانكسار وبالتالي من سقوط محتم اما تحت حكم داعش او تحت حكم ثوار ساحات التظاهر وما تفرزه من قوى فاعلة قادرة على استنهاض كل المستائين والصامتين والمترددين للخلاص من حكم اللصوص الذي نهب البلاد ودمر العباد ، هذه الشحنة ان لم تتحول لتيار عالي الضغط فانها ستتلاشى وتتسرب في الجسد المسجى وهي ستلاقي مقاومة مخاتلة من الذين ستنقص مغانمهم وتتهدد مصالحهم على المديات المنظورة وغير المنظورة ، برغم ترحيبهم المعلن بها !

للاسف ان امكانيات التحول من اصلاح ترقيعي الى اصلاح جذري يتطلع لقيام عملية سياسية جديدة تعتمد الوطنية في كل مفرداتها ودستورها ، ضعيفة جدا ان لم تكن معدومة ، لان العبادي ذاته مشبع حتى النخاع بفكرة الاغلبية الطائفية ، وهو مكره اخاك لا بطل ، بسبب ضغوط الحراك الشعبي من ناحية وبسبب الانسداد الذي تواجهه السلطة القائمة بكافة مفاصلها ، وحتى المرجعية التي تضغط باتجاه الاصلاح فانها تريد منه ان يستبقي السلطة في مسارها الحالي والتي تفترضها مؤبدة  بيد قوى الطائفة السياسية والتي يستحيل ان تمكن غيرها منها ، وعليه ستكون قوى الحراك الشعبي هي الوحيدة القادرة على التغيير الجذري وعلى خلع قوى السلطة الباغية ، وان اعتمدت اسلوب التدرج والاستدراج المرحلي ، وهو ما يتطلب شروطا موضوعية وذاتية متطابقة لتحويل شحنة الاصلاح الى تيار صاعق وبضغط عالي !

ما يبعث على التفاؤل هو تسارع التطورات المحلية والاقليمية والدولية التي تمنح فرصا ربما تكون مؤاتية لهذا التظافر المؤدي الى افراز كيفي ينتج سلطة جديدة شكلا ومضمونا ، من رحم هذا الحراك الشعبي الذي لن يموت ابدا.

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

19.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

19.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org