<%@ Language=JavaScript %> د.إقبال محمدعلي جنازتان

 

 

 

جنازتان

 

 

بقلم : د. إقبال محمدعلي

 

الجنازة الاولى : في ثلاثينات القرن الماضي

المرحوم : داوود اللمبجي .. من اشهر قواويد بغداد في تلك الفترة .

الحدث : كان الشاعر العراقي الشعبي الملا عبود الكرخي ( مِن رواد صحافة السخرية و الهَزَل) ،  يجلس في مقهى قريب من منطقة الميدان عندما مرت من امامه جنازة تتبعها مجموعة من النسوة المولولات الناحبات ، بعيون مُغرَورَقة بدموع الحزن والأسى يلطِمن على  صدرهن . غرابة المشهد قادت الشاعر الهزلي العراقي الساخر الملا عبود الكرخي  في الاستفسار عن الميت ، قيل له : داوود اللمبجي الذي كان  يعتبر أحد قواويد بغداد الارستقراطيين و جاء لقُبه من مهنته الثانية (اشعال مصابيح النفط أو ما نسميها باللمبات ) في ازقة بغداد ليلاً.  النسوة ،هُن المومسات اللواتي كُنّ يعملن لحسابه ... ساعتها كتب قصيدته المشهورة ( مات اللمبجي ) باللهجة العراقية الدارجة ، معزياً بها ( فطومة الصمنجي) بوفاة زوجها داوود اللمبجي . تحولت هذه القصيدة  آنذاك إلى اغنية ، غناها ، مطرب المقام العراقي رشيد القندرجي لتنتشر بعدها في مشارق العراق و مغاربه ، بعد ان سُجِلت  في حفل خاص ( حَضَره وزير الصحة)   بصوت مطرب المقام العراقي المشهور يوسف عمر .

مات المبجي داوود و علومة     كَوموا ( قوموا) اليوم دَنعَزي فَطومة

مات اللمبجي داوود ويهوَه       وويهوَه عَلَيكُم يا أهل المُرُوة ( المرؤة)

بعكس داعري ساسة احتلال اليوم ، يبدو ان لِقواويد وقحاب الثلاثينات دوراً في الحركة الوطنية  :" في عام 1938 عندما فاض نهر دجلة وكسرت سدة ناظم باشا من ناحية الوزيرية وراحت المياه تتدفق في الشوارع ، والمعتاد في مثل هذه الحالات أن تقوم الشرطة بتجنيد الناس فيما يسمى بعمل السخرة لدرء الفيضان وتقوية السور. في هذه الاثناء دق تلفون معاون شرطة السراي عدنان محيي الدين وطلب منه مدير شرطة بغداد بتعئبة الناس فورا لوقف تدفق المياه. اسقط المعاون عدنان حاكية التلفون من يده فقد كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وآوى الناس لبيوتهم نائمين وخلت الشوارع من المارة. فمن أين يأتي بالسخرة ؟ وجد الحل بعد أن هداه فكره إلى محلة واحدة ما زالت تعج بالناس وبالنشاط على قدم وساق وهي محلة الكلجية.

اقتاد المعاون ثلة من افراد الشرطة وهرع الى ازقة الكلجية وكوك نزر.. حيث جمع كل من وجده هناك من القحاب وزبائنهن وحشرهم في سيارات الشرطة وهرع بهم الى محلة الكسرة، وهناك انكب الشباب بحفر الارض وملء اكياس من الجنفاص بالتراب وحملت القحاب الاكياس على ظهورهن لردم الكسرة وايقاف تدفق المياه حيث واصلن (الشيل والحط) حتى آذان الفجر. ولقد اسهمن حقا في سد الثغرة وانقاذ العاصمة من الغرق ولولاهن لاجتاحت مياه الفيضان الجوامع والمساجد والبيوت في الوزيرية . وبعد صلاة الفجر عادت بهم سيارات الشرطة الى الكلجية.. كل الى بيته. وفي اليوم التالي بعث امين العاصمة رسالة شكر وتقدير لكل القحاب والقوادين الذين ساهموا بالعمل الشعبي لدرء الفيضان عن بغداد ".( د. معتز عبدالحميد)

 

الجنازة الثانية : 3/11/2015

المرحوم : احمد اللمبجي ... عفواً ( الجلبي)  أشهر قواويد الدعارة السياسية

في تاريخ العراق السياسي الحديث

خصوص هَلْ خانوا وطنــهم      لاتظن اني اعِفْ عَنهم

ما أكُف عـَـنهم أسبـــهٌـــم        إذا نخله براسي طلعَت

الحدث : كنت اقلب صفحات الجرائد العراقية على الانترنيت عندما قرأت خبر وفاة و صور جنازة مؤسس مواخيرالدعارة السياسية في العراق ( احمد اللمبجي) و لا اتذكر لِم طَفرت في ذهني الصورة الخيالية التي رسمتها  لجنازة  داوود اللمبجي عند سماعي اغنية يوسف عمر ومقارنتها بجنازة احمد اللمبجي :  مجموعة من الرجال و النسوة المولولين والمولولات، الناحبين و الناحبات  بعيون مُغرَورَقة بدموع الحزن والأسى ، يتأبط واحدهم ذراع الأخر ماشين خلف جنازته صائحين:

مات اللمبجي حمودي ويهوه     ويهوه عليكم يَا أهل المروة

كانت الحكومة باحزابها السياسية وصحافتها ، متميزة في النعي التأليهي لهذا السفاح و التبجح دون خجل أو ضمير،  بمناقب و شمائل لا يمتلك هذا (العكروت) ذرةً واحدةً منها . تعاون مع الاقطاعية الكردية منذ عام 1992 لتحويل العراق إلى مستعمرة إنكلو-امريكية . هو مَن الحق الدمار بالعراق و شعبه الابي . وهو الذي ساهم بقتل  وتذبيح وتشريد  الملايين من العراقيين ، مستخدما قواته المسمات"  ( قوات العراقيين الاحرار )  أو( فرق الموت) التي دمجها الموساد الاسرائيلي في الاجهزة الامنية  بعدالاحتلال مباشرةً ". مزور و حرامي. محكوم غيابيا لمدة22 سنة من قِبَل المحاكم الاردنية لسرقته بنك البترا. علاقاته وخدماته معروفة للمخابرات الامريكية والبنتاغون ، ومعروف تعاونه كذلك مع المخابرات الايرانية والموساد الاسرائيلي." بين عامي 2000-2003 تلقى الجلبي 33 مليون دولار من وزارة الخارجية الامريكية و6 ملايين دولار من المخابرات العسكرية الامريكية. الجلبي ، مَن اتهمته المعارضة العراقية آنذاك ( اعضاء مجلس الحكم بحكوماته الفاسدة) بالاستيلاء على الجزء الاكبر من تلك المنح". إلخٍ ... إلخ .. إلخ .... .

افرض القانون غاشم      مُدهِش و بَتار صارِم

قابلِ أسكُت ما اهاجمِ       خائِن الأمة العَنيد

قررت ان اشارك الحكومة وصحافتها ( اليسارية منها و اليمين) مصابهما الأليم ، بتحوير هذا البيت الشعري الشعبي  قليلاً ليتماشى مع حزنيهما بإيقاع سليم :

يحِك للحكومة والصحافة الثياب السُود      تلبس عَلمعَفرَت حمودي بوُ العيون السود

-  نشرت جريدة طريق الشعب ، الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي بيان مكتبها السياسي مؤبناًهذا المجرم واصفاً إياه بِ: " الرجل الذي قارع الدكتاتورية و أسهم في فضح ارهابها و قمعها و في القضاء عليها . و بعد التغيير سعى مع غيره إلى بناء عراق جديد على أساس الديمقراطية وبذل الراحل جهوداً متواصلة لجمع الصفوف و توحيد الكلمة. و تميز على المستوى الشخصي بعلاقاته الانسانية و خلقه الرفيع " . حتى الحمار في شوارع بغداد ، يدرك ان ما حدث في العراق يسمى إحتلال ، إلا حمير المكتب السياسي .

وفي نفس الجريدة كتب الدكتور عامر صالح: "كان رحيل السيد الجلبي خسارة للعراق في ظروف صعبة جدا تحتاج الى المزيد من المناورة الذكية والى التنازلات المشروعة من أجل الحصول على مكاسب أكثر تفيد العراق وشعبه وسيادته. وكان السيد الجلبي مناورا هادئا وذا صبر أستثنائي. له كل الود والذكرى الطيبة ولأهله وذويه الصبر والسلوان، ولازلت أيها الجلبي حيا ترزق بيننا " .

حيلْ دَوَخني الحَجي إلماله رَبُط

و صار عندي سكر و حصبة و ضغط

قَيَم الركاع مِن ديرة عِفَج

- عدنان حسين الاخرق في شناشيله  يكتب في جريدة المدى : "  كان أحمد الجلبي جديراً بأن تناط به مهمات أكبر مما أنيط به، وكان جديراً بأن يعهد إليه باقتصاد البلاد وإعمارها لتحقيق غايته في الدولة المدنية والنظام الديمقراطي .. لكن حصل أن وقفوا في طريقه ليحولوا دون تحقيق مرامه .. إنهم في الواقع وقفوا في طريق العراق المدني الديمقراطي ..... الجلبي لا يشبه غيره بالتأكيد، وهو من النوع الذي لا تجود الحياة بمثله إلا قليلاً جدا " . وينطبق على هذه الفقرة المثل القائل " ان لم تستح فقل ما تشاء " .

براسى يا عبود جني ..... شتتوا افكاري مني
لا تظن مطرب واغني .... اضحك وعلتي خفيه

- نعى الشيوعي السابق ، رئيس تحرير الصباح ،اسماعيل زاير في افتتاحيته التأبينية ، المتخبطة ، الملتوية ، تحت عنوان :" الجلبي ... مشقة الخيارات البراغماتية "  قائلاً :اكتشف الجلبي ان المهمة شاقة في ظل تعاون وتنسيق الأنظمة العربية المتضررة من غياب محرك اساسي لقضاياها هو النظام الصدامي. كما القت قوى الرجعية العربية بما تمتلكه من اموال ومصادر كبيرة للتمويل بكل ثقلها من اجل اجهاض عملية التحرير العراقي من ربق الفاشية الصدامية. وحولت هذه المداخلات البلد الى مسرح للعنف الدموي المتمادي في قسوته على العراقيين. وبالتالي تبدد حلم الجلبي وتطلعه للمساهمة بقوة في بناء العراق الجديد. ولهذا فلم تنصفه الممارسات الانتخابية بإستقطاباتها المتداخلة والعاتية فتناقص دوره وتراجع ظل احلامه على الأرض والواقع السياسي.
لقد كان الجلبي لوناً مميزاً وخاصاً من الوان الطيف العراقي لا يشبهه فيه احد، ولا يعوض غيابه احد كما ان عملية وراثته صعبة للغاية. فنشاطه ومبادراته كانت منطلقة من براغماتية ايجابية تستند الى شخصيته واجتهاداته اكثر منها الى برنامج حزبي او توجه منهجي ". ينطبق على هذه الفقرة المثل القائل " ان لم تستح ، فاكتب ما تشاء " .

بالاصل تاريخه اسود كله عار        أبظَرُف ثلَثْ أسنين مليونير صار

 

- جريدة الصباح ( رئيس تحريرها عبد المنعم الاعسم عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي) : " العراق خسر برحيل الجلبي علما من أعلام مناهضة الدكتاتورية في العراق ومكافحة الفساد الإداري وتقديم الرؤى والأفكار للخروج من الأزمات المالية والاقتصادية التي يعانيها العراق مستذكرين دوره في تجييش الرأي العام ضد نظام صدام حسين بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وفك العزلة الدولية عن المعارضة العراقية فضلا عن اقناع الإدارة الأميركية في عهد كلينتون وكذلك الكونغرس سنة 1998 بتمرير قرار تحرير العراق . ". و ينطبق على هذه الفقرة أيضاً ، المثل القائل " ان لم تستح ، فاكتب ما تشاء " ...

الرئاسات الثلاثة :

قَيَم الرَكَاع مِن ديرة عِفَج

يحِكَلها الحكومة عَليه تموت     لولا تنام وياه بفَرِد تابوت

ما تلكَه مِثلْ حمودي هَلعَكروت   عِدها خِدمِته يا ناس معلومة

 

- رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ينعي الجلبي :"لقد كان للفقيد دوره المحوري مع أبرز قيادات العراق في محاربة الدكتاتورية والعمل على تقويضها والشروع ببناء العراق الديمقراطي الاتحادي الحر الذي ظل يعمل بدأب وإصرار من أجله حتى آخر لحظات حياته" .

برلمان اهل المحابس وِالمِدَس
عُكُب ما جانوا يدورون الفِلس
هَسه هَم يرتشي وهَم يختلس
ولو نقص من راتبه سَنت إنعِقج

رئيس مجلس النواب سليم الجبوري قائلاً : " ان رحيل الدكتور احمد الجلبي هو فقدان لشخصية عراقية كرست حياتها لخدمة الوطن ".

مجلس النواب : "مع رحيل الدكتور احمد الجلبي الى جوار ربه في هذا اليوم، يكون العراق قد فقد شخصية طالما دأبت على خدمته في مرحلة المعارضة، وواصلت خدمتها للعراق في مجلس الحكم والحكومة الانتقالية وفي مواقع اخرى" .

المؤسسة التشريعية في البلاد -اللجنة المالية : "الفقيد اثبت حضورا فاعلا عند ترؤسه اللجنة المالية النيابية من خلال طروحاته الاقتصادية واسهاماته في تطوير القطاع المالي والمصرفي والتشريعات الخاصة بهما .." .همام حمودي: " كان مثالا للمثابرة والإخلاص والجد في العمل وان وفاته خسارة للساحة السياسية" .

اتشوف واحدهم  أمعَكَل بالوقار

و بالاصل تاريخه اسود كُله عار

أبظرف ثَلثْ أسنين مليونير صار

يريد عَلوادِم إيعبُرله جَلَج

في الختام : اعتقد لو عاد داوود اللمبجي إلى الحياة و خيروه بين ان يصبح واحداً من ساسة الاحتلال أو ان يبقى على مهنته ، لفضل ان يبقى قواداً في ذاكرة الناس:

مات اللمبجي داوود ويهوَه       ويهوَه عَلَيكُم يا أهل المُرُوة

 

ملاحظة: في هذه المقالة ،استشهدت بأبيات من قصائد الملا عبود الكرخي.

12.12.2015

 

 

تاريخ النشر

13.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

13.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org