<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن تاريخ النبش

 

 

 

 

 تاريخ النبش

 

 

حمزة الحسن

 

 

فضلنا الصمت عند وفاة المرحوم الجلبي،
لاعتبارات كثيرة،
رغم ان لدينا الكثير لنقوله لأن الرجل ظاهرة سياسية تتجاوز الشخص.

لم يكن الجلبي خائناً ولم يكن قديساً،
وهناك بين الصفتين مساحات رمادية هائلة منسية لا نقترب منها او حتى نجهل البحث فيها وعنها،
والثقافة السائدة ثقافة وصم وادانة أو مدح وتبجيل.

لم يكن الجلبي "محرراً " للعراق من الدكتاتورية،
لا هو ولا غيره يستطيع تحرير العراق من الدكتاتورية لا اليوم ولا في الغد القريب،
لأن الدكتاتورية ليست مؤسسة فحسب بل ظاهرة عقلية وسياسية وطريقة للحكم والتفكير في السلطة والمعارضة مبنية على الاستئثار والحيازة والمُلكية،
ملكية السلطة والمال والشرف والحقيقة،
ولم يكن الجلبي من دفع الادارة الامريكية لغزو العراق،
لأن مشروع السيطرة على العراق جاهز ومعد قبل الجلبي،
وهو مشروع اسرائيلي في الاصل،
بل ان الرجل كان أكثر المصدومين من نتائج الغزو،
وكان يكرر، مرات، ان هذا ما لم نتفق عليه مع الامريكان.
ولكنه استعمل كأداة لتبرير الاحتلال،
ولو لم يكن هو، لكان غيره، بل ان الجلبي كان يُلقب في دوائر الحكم الضيقة الامريكية بالقاب سلبية لا نود ذكرها، الآن، رغم انها موثقة.

كما انه لم يكن خائناً وهو وصم يحتاج الى وقت وبحث وتحليل،
وهذا الأمر متروك لحكم الأيام،
بل هو صنف من السياسيين العراقيين الصغار الذين وجدوا في الفراغ السياسي، في المعارضة سابقاً، وفي السلطة اليوم، فرصة الظهور في الواجهة،
ورغم كل ما قيل ويقال عن الرجل، إلا ان سلطة اليوم تجعل المقارنة بينها وبين أكثر الساسة وصولية وانتهازية وغباءً، ممكنة،
وعلى الضد من كل قواعد المنطق، 

العراقي يطابق المنحرف بالاكثر انحرافاً،
ويقارن القاتل بالاكثر قتلاً كما لو ان المشكلة في عدد القتلى وليس في مبدأ القتل،
ويقارن بين لصوص الامس وبين لصوص اليوم،
حسب القاعدة نفسها: من يسرق اكثر ...الخ.

لماذا دُفن الجلبي في صحن الامام موسى الكاظم؟
ليست هناك اي اسباب طائفية او وطنية او بطولية في الأمر،
وليس لأن الامام الكاظم مات مسموماً،
وكل ما في الأمر ان هذا الدفن في هذا المكان قد تم لحماية الجثة من النبش،
لأن كل مقابر العراق لا تستطيع حماية مثل هذه الجثة في مجتمع لا تتوقف الخصومة فيه بعد الموت بل تستمر.

نحن لا ننبش في التاريخ البعيد والقريب،
ولا ننبش في السجلات المنسية المتعلقة بمصيرنا،
ولكننا خبراء في نبش الجثث.

لم يسلم عبد الكريم قاسم من النبش،
ولا ميشيل عفلق ولا صدام حسين ولا الملاّ مصطفى البارزاني، أو يوسف سلمان " فهد" مؤسس الحزب الشيوعي...الخ،
وعدد الاحياء اليوم الذين ستنبش قبورهم غدا اكثر من عدد المنبوشين السابقين،
مع ان للموت مهابة وللجثة قدسية بصرف النظر عن كل شيء.

من هو الجلبي باختصار مركز؟
هناك صورة تجمع بين الدكتاتور السابق صدام حسين وبين الجلبي مباشرة بعد القبض على الاول وهو يظهر في حالة رثة:
كلاهما كان ينظر في وجه الآخر عن قرب،
كان صدام حسين يرى صورته منعكسة في عيون الجلبي،
كما كان هذا يرى صورته منعكسة في عيني صدام حسين:
الدكتاتور لا يموت بل يتناسل،
لأنه ليس شخصا بل منظومة تفكير وطريقة عمل وحياة،
وما لم تكن هناك قطيعة معرفية مع ماضي الاستبداد،
فسنظل نعيد انتاج الدكتاتور الشخص، أو الدكتاتورية المؤسسة.
لأن الدكتاتور ـــــ حارس السلالة، عنوان روايتنا ـــــ يختفي تحت طبقات الوعي والغفلة والتاريخ واللغة والثقافة السائدة،
وهو لا يأتي، بتعبير الروائي ماريا يوسا، ان لم نستدعيه،
وهذا الاستدعاء يتم عندما ننتظر شخصاً منقذاً،
كجنود مداهمين يبحثون عن البنادق المعلقة على اكتافهم،
وينتظرون نجدة لن تاتي ابداً.

 

حمزة الحسن

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10153341495157266  

 

 

تاريخ النشر

07.11.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

07.11.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org