<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن حصار الطريدة

 

 

حصار الطريدة

 

 

حمزة الحسن

 

 

هل الفكر ملاحقة ومطاردة نشرات الاخبار؟
أم هو استباق للأحداث وتوقع؟

من يطارد نشرات الأخبار كمن يمشي في جنازات القتلى،
لكن من يسبقها هو كمن ينذر بحريق أو كارثة وشيكة،
والفارق كبير بين خطاب المراثي وخطاب اليقظة.

خطاب المراثي وندب الذات يمكن ان يقوم به أي نوّاح على قبر،
واية ندابة في مأتم،
وهو الخطاب السائد اليوم،
لأن المصيبة الكبيرة التي حلت بالجميع جعلت الكل الى حد كبير يرقص داخل دوامة،
ويفكر على طريقة العدو،
مما قد يوقعنا، في هذه المتاهة والازدحام والضجيج، في نوع من العمى العقلي.

اذا كان سقوط الموصل قد اسقط رئيس الوزراء،
فإن سقوط الانبار سيؤدي الى سقوط العراق اذا لم يتم حشد الطاقة والوعي وتدارك الكارثة قبل وقوعها،
فليس المهم" كيف تهب الريح، لأن الأهم كيف نفتح الأشرعة".

معركة سقوط الموصل تمت برغبة امريكية ودراية وتوقع ومعلومات دقيقة كما اعترف كبار القادة الامريكان في جلسات استماع الكونغرس،
بل ذهب وزير الدفاع الامريكي أخيرا الى القول اننا كنا نعرف ذلك لكننا أردنا التخلص من المالكي.

اذن، ان رأس المالكي، مقابل رأس الموصل،
وعشرات الالوف من الضحايا مع كل المجازر المرافقة هي في العرف الامريكي تسمى تسمية شاعرية جدا، ورقيقة جدا" اضرار جانبية"،
لأن الأهداف الكبرى تتطلب، حسب هذا التقليد الوحشي، سقوط ضحايا،
لكنهم ضحايا" الثمن السياسي".

هناك مقايضة اجرامية تتم بحق هذا البلد وتَعبر في كل مرحلة من خلال معركة الرؤوس العفنة:
مقايضة رأس الدكتاتور بخراب العراق.
مقايضة رأس المالكي بسقوط العراق المتدرج.

معركة الانبار للتخلص من" رأس العراق" لكن الشواء يتم بتدرج وبطء وحذر،
مع صخب هائل من وسائل الاعلام نحو قضايا فرعية للمشاغلة والالهاء وصرف النظر،
ولا بأس، حسب العقل الأمريكي، ان يتم ذلك تحت سخط وصخب ومظاهرات الاصلاح المشروعة والعادلة،
وسوف يستيقظ العراقيون يوماً على واقع مختلف،
ولن يكون هناك ما يمكن اصلاحه،
لأن " الواقع القديم " تغير، والجغرافيا تغيرت، وأماكن احتجاج الناس تغيرت.
والمشرحة انتهت من توزيع الغنائم.

سقوط الانبار ـــ بلا معركة ــــ تمت تحت عين ونظر واجهزة الولايات المتحدة وغيرها،
بل بشراكة عملاء محليين من داخل النظام،
لتغيير معادلات عسكرية طارئة غير متوقعة فرضت حضورها بعد سقوط الموصل ومعركة تحرير صلاح الدين وظهور قوة الحشد الوطني من خارج الحسابات الامريكية،
لذلك تطلب الواقع الجديد فرض "واقع مغاير"، أي اسلوب: قلب الطاولة،
أي تبديل قواعد الاشتباك، وهذا التبديل في قواعد اللعبة يعطي فرصة أوسع للمشروع التخريبي، فرصة في الوقت وفي حشد قوى جديدة عبر المناورات، لتمرير المشروع الأخطر القادم،
في حين ان انظار الناس تتجه نحو هموم أخرى كثيرة.

لماذا تم ترك الانبار في المشرحة حتى اليوم وكانت التوقعات العسكرية الدقيقة تقول ان استعادتها ممكنة في وقت قصير؟

طاولة" تشريح الانبار" هي طاولة تشريح العراق،
طاولة تقسيم الغنائم وفرض ارادات ورسم خرائط لعراق يرفض رغم كل التنكيل أن يتحول الى جثة،
لأن هذا البلد، عبر التاريخ، طور طرق وقاية وصيانة وحماية وجوده من كل أنواع العواصف،
وتحولت هذه الطاقة الخلاقة في صميم هندسة الجسد العراقي،
لكن يراد بالانهاك والنزف واليأس والقتل اخماد هذه الجذوة التي بدأت تُفتح فيها بعض الثغرات نتيجة الطرق القاتل المستمر.

من المستغرب ان مظاهرات الاحتجاج ضد الفساد لم ترفع شعارا واحدا لتحرير المدن المحتلة،
مع ان هذا الاحتلال أكبر أنواع الفساد الاقتصادي والاخلاقي والعسكري والثقافي،
وهو ذريعة استمرار الفساد السلطوي ونتيجة له.

معركة الانبار ليست معركة عسكرية فحسب،
بل هي " حصار الطريدة" في خانق،
والطريدة ليست داعش، بل صورة العراق التاريخية،
وبعد حصار الطريدة، تبدأ المناورات واللعب بالوقت واللغة والخطابات،
حتى تأتي اللحظة ، لحظة الانقضاض، وعندها سيكون مشروع توزيع اسلاب العراق قد اكتمل،
بصرف النظر عن العناوين: اقاليم، فيدرالية، كونفدرالية، لامركزية والخ وهلم جرا.

أين نتموضع اليوم من هذا المشروع، مشروع حصار الطريدة؟
نحن في الطور الأخير وبعدها قفزة النمر الأخيرة عند نضج المشروع الذي يجري تحت دوامة أزمات مفتعلة وحقيقية للتغطية كدخان التمويه،
ومن السهل في عراق اليوم اشعال فتيل أزمة بعد أن صار كل شيء، المشاعر والعقائد والمدن والافكار والناس، محطات وقود قابلة للاشتعال الفوري وتبادل التهم والمسؤوليات خاصة بعد ضياع مركز القرار وتداخل الصلاحيات،
مما يمنح كل خائن وكل مقصر فرصة التملص من مسؤوليته وجريمته برميها على الاخرين،
وهذا من نتائج توزيع السلطة على ملل ونحل وطوائف وتداخل الصلاحيات المصمم عمدأ لمشروع السلطة منذ 2003.

الجيش الامريكي يدير معركة الانبار من البداية وحتى النهاية لكن بمسميات تراعي الذوق المحلي،
وتراعي المشاعر والحساسيات المحلية،
خاصة وان الوعي العام وعي مظهري صوري يصدق الصورة القائمة ولا يكتشف خفاياها السرية،
فالخبراء الامريكان، حسب هذا القاموس، هم لتقديم" المشورة"،
وهم لتقديم" معلومات استخباراتية"
أو في " مهام تدريبية"...والخ،
لكن هؤلاء في واقع الامر، خلف الصورة، هم من يدير معركة الانبار،
ومن يرسم الخطط والتوقيتات وهي خطط ليست من مصلحة العراق وخارج التوقيت العراقي.

مطلوب لمعركة الانبار ان تكون طويلة. كيف؟
بشحن الخلافات بين الاطراف، بنقل المعارك من جبهة الى أخرى، بفتح ثغرات، مناورات سياسية، بتشكيل قوات محلية حليفة وداعمة للمشروع القادم، والشتاء على الابواب، الوحول والامطار والعراء، والعجلات العسكرية تحتاج الى أرض صلبة للحركة،
والطيران لا يعمل في الضباب،
ثم هناك الداء الشهير الملازم للحروب الطويلة: الملــــــــــــــل الذي يجعل أكثر العقائد الوطنية صلابةً تتفسخ أو تهتز في الأقل أمام تحديات الموت اليومية مع فقدان بوصلة الاتجاه وضياع سلامة الخطوة وفقدان الأفق.
المقاتلون هم في النهاية بشر وعواطف ومشاعر واجساد ورغبات وغرائز وليست دمى تتحرك.

ماذا تشتهون أكثر؟

اكتبوا عن فوائد البطيخ والريادة الشعرية وشارع المتنبي وتظاهروا ضد الجوع والفساد،
اكتبوا عن كل شيء، بل اصرخوا ضد أي شيء:
ان مصير وطننا الحقيقي يصنع في الانبار،
هناك، في الأنبار، المعركة الحقيقية،
بعيداً عن الضجيج،
في عتمة الليل والوعي وخلف الاسلاك الشائكة للقواعد العسكرية التي تعلمنا فنون القتال ودفن الموتى،
مع اننا في أرض قابيل الذي لم يتخرج من مدرسة مشاة المارينز لكي يَقتل،
وفي أرض علم فيها الغراب الناس طريقة دفن الموتى.

حمزة الحسن

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10153249335522266

 

 

تاريخ النشر

15.09.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

15.09.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org