الدرويش الأمريكي
حمزة الحسن
هناك تصور شعبي ونخبوي لدى البعض
على ان الولايات المتحدة الامريكية
عندما تستطيع التدخل لبناء نظام جديد
لا يتقاطع مع المصالح الامريكية،
فإن أساس الاختيار سيقوم على النزاهة والسمو الاخلاقي والتاريخ الوطني،
والكفاءة،
كما لو انها تختار هؤلاء من حلقات الدراويش والصوفيين ورهبان الجبال المنعزلين،
كما يتم الامر في مضيف أو في محراب أو مؤسسة فلسفية،
لذلك تُنشر، هذه الايام، صوراً لهذا الوزير او ذاك عن الليالي الحمراء وحفلات الرقص،
أو اخبار الفساد وسرقة المال العام والعقارات المهربة الى الخارج،
مع ان ذلك أحد شروط الاختيار الامريكي،
لكي يصبح المسؤول رهينة مزمنة ودمية يمكن التحكم بها،
لأنه يعرف حجم الثمن ويعرف حجم الملفات،
حتى ان السفير الامريكي في كابول قال في لقاء مفتوح انه لم يدخل يوما على قرضاي إلا ووجده يهذي، محششا، وفي حالة سكر، ويخرج منه دون أن يستطيع التفاهم معه،
ويقول صراحة:" نحن نعرف انه لص وحشاش ولكننا لم نعثر على بديل".هذا التصور ينعكس غالبا في العقل المشرقي بصورة عامة وهو موروث تقليدي شائع بين هذه الشعوب على ان المسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية،
وتعمل طريقة الاخراج الامريكية البارعة في الانتقاء في تعميق هذا الوهم عندما لا تظهر في الواجهة في ساعات الاختيار.لكن المدقق في التاريخ الامريكي القريب سوف يدهش من ان الولايات المتحدة اغتالت زعماء وقادة في كل انحاء العالم بسبب وطنيتهم ونظافتهم الاخلاقية والسياسية:
من بين هؤلاء باتريس لومومبا رئيس الكونغو،
وكوامي نيكروما رئيس غانا،
وادواردو موندلين زعيم تحرير موزمبيق،
وكابرال احد زعماء حركة التحرر في غينيا بيساو،
وقتل القائد والرئيس التشيلي سلفادر الليندي،
المشاركة في الانقلاب على الزعيم عبد الكريم قاسم وقتله،
محاولات الانقلاب والاغتيال المتكررة ضد رئيس تنزانيا جوليوس نيريري،
اغتيال سامورا ميتشل رئيس جمهورية موزمبيق،
وليس بعيدا عن الامر شبهة اغتيال عبد الناصر والملك فيصل وانديرا غاندي والجنرال ضياء الحق وغيرهم الكثير.بل تذكر الصحف الامريكية والوثائق المفرج عنها،
ويذكرها كتاب المفكر الالماني مايكل اوبرسكالسكي " نادي القتلة" باليوم والناريخ والاسماء والمصادر الامريكية نفسها واعترافات رجال المخابرات أنفسهم في مذكرات أو اعترافات،
ان الولايات المتحدة قامت بتصفية رؤوساء عملاء ومأجورين يتقاضون رواتب شهرية من السي أي ايه بعد
انتهاء صلاحيتهم أو العجز غن ضبط الاوضاع خشية من وقوع البلاد تحت حركة وطنية جذرية:
من بين هؤلاء الرئيس الكوري الجنوبي بارك تشنج عام 1979،
ورومان ما غسيسه رئيس الفلبين العميل والمأجور الذي تم التخلص منه عام 1957،
اغتيال سالمون باندارانايكي رئيس وزراء سريلانكا عام 1959 بعد أن " تنكر وكلاء المخابرات الامريكية" في زي رهبان خلال زيارة سالمون الى دير بوذي ليقتل على يد رهبان السي آي ايه،
اغتيال الرئيس الفيتنامي نجو دنه ديم عام 1963 بعد ان صار غير قادر على التحكم بالاوضاع،
وفي عام 1953 أزيح الدكتور مصدق عن الحكم في ايران ــــ بعد هرب الشاه، الأب ـــ وتأميم النفط بتحريض عاهرات طهران في مظاهرة ضخمة بثمن مدفوع،
وتمت ازاحته من الحكم ليموت موتاً" عادياً" لكن الوكالة تعترف بعد سنوات ان ذلك الموت العادي كان" تصفية حساب" مع مصدق.ومن المعروف ان مهدي بن بركة المعارض المغربي قد تمت تصفيته بتعاون عدة وكالات مخابراتية من بينها السي آي أيه عام 1965.
من قتل جيفارا في غابات بوليفيا؟
وعرفات هل صعقته الكهرباء؟
اغتيل عرفات بالسم بعد لقاء الرئيس الامريكي السابق بوش مع شارون وقال له الاخير حرفيا:
" سأتخلص من عرفات"
قال بوش" لكن بلا ضجة" أي بلا رصاص أو قصف المقر.
رد شارون ضاحكا" نعم، هناك حلول طبيعية".
لكنهم لم يكتفوا باغتيال عرفات الجسد بل المطلوب الرمز والمثال عندما أشاعوا انه مات بالآيديز،
ومثل هذه الفرية لم تعبر على شعب حي وذكي،
لكن اي نصاب ودعي ودجال عراقي يستطيع أن يسوق نخباً أدبية وسياسية
سوق الغنم في الاتجاه الذي يريد ويزرع قناعات هي اكاذيب مرتجلة
ولا حاجة لذكر الاسماء حفاظا على نظافة المقال،
لأن " الوطنية صارت ملجأ الأنذال".أقذر مذبحة في تاريخ القرن العشرين ــــ ملغية تماما من التاريخ ـــ تعرضت لها حركة سياسية وطنية هي مذبحة الحزب الشيوعي الاندونيسي عام 1965،
حيث كشف الصحيفة الامريكية" سان فرانسيسكو إكسامينر" في 20 ايلول 1990،
ويفصل في الكلام عنها مايكل اوبرسكالسكي،
ان وكالة المخابرات الامريكية قدمت معلومات تفصيلية عن قادة الحزب وكوادره وعناوينهم واماكن التخفي،
وشاركت السي اي ايه مع الجيش والامن وفرق القتل في" اصطياد" هؤلاء بحيث تمت تصفية خمسة الاف في يوم واحد،
وفي عام 1966 نشرت صحيفة" واشنطن بوست" تقريرا موثقاً ذكرت فيه بصورة مفصلة ان عدد الذين قتلوا" في عملية التطهير" تلك والصراع الاهلي الذي نشب بسبب تلك المجازر يقدر بـــــ " نصف مليون" ووصفت الصحيفة تلك المجزرة:
" أسوأ عمليات القتل الجماعي في القرن العشرين".لا حاجة بعد اليوم لادهاشنا بصور مسؤولين أو وزراء يرقصون عراة أو في اللباس الداخلي،
في بيوت الكاولية أو في بيوت سرية،
ولن تنزعج الولايات المتحدة الامريكية من ان هذا المسؤول أو ذاك انفق ثلاثة أو اربعة ملايين دولار في القمار في دبي،
أو ضبط متلبسا يرقص مع راقصة شبه عارية،
أو قام بغسل أموال مسروقة من المال العام،
لأنه ان لم يفعل ذلك، فسيتم دفعه للرقص والسرقة بل حتى الغناء والعزف على الغيتار،
حتى لو كان من سلالة صوفيين ورهبان،
لأن المال المغسول هو ثمن بسيط للمال الأكبر والثروات الوطنية المسروقة أو المرشحة،
خارج وداخل الأرض.اذا لم يرقص هو أو يسرق،
فكيف سنقضي على داعش؟
وعلى الارهاب؟
من يغتال ما تبقى من عناصر وطنية وتلقى المسؤولية على جماعة ارهابية؟
كيف سنموت موتاً سريعاً أو بطيئاً؟
حمزة الحسن
عن موقع الكاتب على الفيس بوك:
https://www.facebook.com/hmst.alhasn?fref=nf
تاريخ النشر
24.08.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
24.08.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |