<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن الجمعة الحزينة

 

 

الجمعة الحزينة

 

 

حمزة الحسن

 

 

الخطأ الذي قد يكون ثمنه كارثياً
هو خطأ الجمعة الماضية،
الذي كان فرصة وهدية ومكافأة لنخب السلطة المتهمة بالفساد
في أن تلتقط أنفاسها بعد أن تهاوت قبل ذلك،
وسارعت للاعلان الفوري وقبول شروط المتظاهرين بلا حدود،
بل وعن كل الاصلاحات المقدمة،
ولم يجرؤ سياسي صُعق من الحراك العام على قول كلمة واحدة معترضة،
بل أعلن الجميع التأييد المطلق لمطالب الشعب،
الذي اكتشفوه في الساحات العامة،
وكانوا، من الهلع، مستعدين للتوقيع على مطالب الناس بلا قراءة،
بالبصم ، والقلم،
واقداح القهوة،
وبعلاّقات مفاتيح السيارات والشقق السرية،
بل وحتى بمؤخراتهم.

لكن الجمعة المشؤومة التي تركت النظام يلتقط انفاسه،
ويراجع حساباته ويحشد قواه،
تلك الجمعة كانت كارثة حقيقية قد لا تعرف نتائجها اليوم.

كان حائط النظام يتداعى أمام دفع الناس،
وكان على وشك السقوط،
في الأقل حائط اللصوص وليس الدولة لأنها مؤسسة خدمات محايدة،
لكن الاستراحة غير المبررة وترك الساحة في ساعة أوشكت أن تكون ساعة نصر حقيقية،
في لحظة التقاط النصر،
انصرف المحاربون من الشوارع،
على أمل العودة يوم الجمعة،
وفي هذه الفاصلة تغيرت أشياء كثيرة.

ليس هذا وحده بل تم التخفيف من لهجة الغضب العام،
كما لو أن القرارات المسرحية الصاخبة المنجورة بعقول خبيرة في الترويض الناعم ـــ مصطلح في علم الاجتماع السياسي ــــ كانت كالاضواء الساطعة التي خدرت عقول الناس،
وأعمت العيون،
وتصوروا ان هذا السراب المشع هو النبع الحقيقي،
هو النصر ــــ وهو الفخ.

من يراجع تصريحات نواب الرئيس،
ونواب رئيس الوزراء الذين ركعوا يوم الهبة العظيمة،
وتصريحات النواب وزعماء الكتل وغير ذلك،
يجد اختلافا واسعا في المضمون وفي النبرة بعد انصراف الجماهير من الساحات،
وقبل الجمعة بيوم واحد،
التي تحولت من الدعم والتأييد أو في الأقل الصمت والترقب،
الى التحذير والتخوين والترهيب،
واستبدلوا لغة السياسة، من هول الفزع، بلغة الأحذية وهي لغتهم الحقيقية،
وصارت النبرة أكثر شراسة وكلبية،
بل حتى من تداعى ورفع الراية البيضاء عاد وارتدى جلد الأسد المزمجر بعد أن تأكد له زوال الخطر.

كان حائط "منظومة الفساد" يتداعى ومن الأجدى مواصلة الدفع حتى لو تطلب الأمر النوم في الشوارع ليومين أو لثلاثة أيام بدل انتظار احتظار سنوات قادمة.

عندما اعلن النظام عن" حزمة قرارات" بصورة فورية،
وتحت صدمة الرعب من خروج الناس عن طورها،
كان من الأصح تعزيز عملية الخنق بصورة أقوى،
وليس تخفيف القبضة والانصراف للحضور في الجمعة الكارثية واعلان ذلك على الملأ،
كما لو انه موعد لحضور عرض مسرحي أو وليمة فرح.

أسباب ذلك كثيرة يعرفها اليوم بعض شباب الساحات،
والبعض الآخر لا يعرف ، وكنا على تواصل وحوارات مستمرة مع بعضهم،
ولسنا في مجال الخوض فيها الآن،
لكن الكارثة وقعت في كل الأحوال.

العبادي، مثل من يضع خاتمة حفل،
شكر المتظاهرين على حسن السلوك وعلى العقل والحكمة التي تصرفوا بها،
كما لو أنهم تلاميذ حفل حافظوا على الكراسي والطاولات ونظفوا الموائد،
ولا شك شكر قبلها المرجعية لدعمها الحراك،
وشكر قوى الامن، وشكر زعماء الاحزاب،
وحتما شكر اللصوص في الغرف المغلقة على الصبر والتحمل،
وشكر، بلا اعلان، من جعله يخرج الرابح الوحيد من معركة عاصفة،
اي الفريق الذي نظم عملية افراغ الغضب من محتواه بالعاب نارية ومفرقعات،
وحركات استعراضية صاخبة.

بمعنى:
ايها الناس انصرفوا، شكرا، أُسدلت الستارة،
وانفض الساهرون،
التغيير يحتاج الى زمن، والى:
" شراكة ـــ توافق ـــــ محاصصة ــــ لعبة توازنات ـــ دستور ـــ قانون ـــ صفقات ـــ تسويات ـــ مساومات ـــ ترضيات" وغير ذلك من شبكة مفاهيم الاعتقال الذاتي للشعب،
وانتم شباب لا تعرفون ذلك،
والى حزمة ثانية وثالثة من الاصلاحات وحفلات الالعاب النارية الصاخبة،
عودوا الى الوطن المنفى،
لقد حققتم النصر لكن ليس في الواقع الحقيقي،
ليس في شوارع الدم والرماد والفجيعة،
بل في الواقع الافتراضي الذي يَرى لكنه لا يُرى.

 

حمزة الحسن

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn/posts/10153184762932266

 

تاريخ النشر

16.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

16.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org