هل سيفجر اللصوص أزمة؟
حمزة الحسن
من يعتقد أن هؤلاء اللصوص قد
سلموا بالامر الواقع،
أو انهم رحبوا أمس بقرارات"
الاصلاح"،
عليه ان يعود فقط الى التاريخ
القريب،
تاريخ هؤلاء بصورة خاصة،
وخطابات الغرام بالجماهير،
وعشق الفقراء والتقوى واليد
النظيفة.
أخطر أنواع الأكاذيب هي
الضخمة،
لأنها تشل القدرة على التفكير
وتدوم طويلاً.
لكن هؤلاء اللصوص، بعد تجاوز
صدمة الانكار، ومن اعراضها
عدم تصديق ما يجري، الغضب،
الخوف، محاولة احتواء الازمة،
بعد ذلك لن يهدأ بالهم ،
لكنهم فقط يريدون معرفة الى
أين تمضي الامور،
وغاية هذه القرارات التي تمت
بالتشاور معهم في غرف مغلقة:
هل هذه القرارات لـــــ "
حمايتهم" من غضب غير مسيطر
عليه قد يخسرون به كل شيء،
لذلك تطلب الامر التضحية
بمناصب شكلية؟
وكيف سيكون رد فعل الشارع على
هذه القرارات؟
هل سيعود الناس الى البيوت
محتفلين بهذا" النصر"،
خاصة وان العقل العراقي
والمشرقي عموما يحتفل
بالمظاهر دون اهتمام
بالدهاليز السرية،
والاكتفاء بفرحة اسقاط مناصب
شكلية: 3 نواب للرئيس و3 نواب
لرئيس الوزراء؟
بل ان قرارات العبادي، بلا
اجراءات فعلية واقعية كالحجز
والتحقيق والقبض الفوري، وقد
عاش معهم ويعرفهم جيدا،
وسرقاتهم تزغرد على شكل شركات
وقصور وعقارات، قد نبهت
اللصوص الى ضرورة التواري
المؤقت ودفن السرقات،
وفتحت لهم كل أبواب الطوارئ
الخلفية،
ومنحتهم الوقت والفرصة
للتزوير والمناورة والتملص
وحشد الاتباع،
وكان الاجراء الحقيقي هو"
الكبس" الفوري.
إغراق العبادي بمطالب حاجات
يومية كثيرة، سيُظهره بصورة
الضحية أمام شعب لحوح،
ويبرر عجزه عن القيام بأفعال
حقيقية، ويقود الى" تعويم"
وتداخل المطالب بحيث يسهل
تلبية العاجل على حساب
الاساسي والجوهري، ويأخذ
المطالب في دروب سهلة،
في حين ان كل مطالب الناس
تتلخص في " اعادة بناء
السلطة" على غير هذه الأسس،
حتى لو تم ذلك عبر التدرج،
وهو أمر لن يقوم به العبادي،
ولم يخطر له على بال، ولا في
بال ورغبة من وضعه في هذا
الموقع القيادي لكي يَحكم
البلد من خلف ستار.
رفع العبادي الى مستوى اسطوري
من قبل الجموع عمل محفوف بكل
أنواع المخاطر،
الرجل من داخل مؤسسة فاسدة،
وهو عاش وترعرع فيها،
وكان مسؤولاً في حلقاتها
الكبرى،
وحتى لو توفرت فيه رغبات
الاصلاح والتغيير،
فهو يعرف جيدا حجم الثمن ونوع
المخاطر،
وهو يحاول، وهنا الأخطر،
اصلاح السلطة بأدواتها
الفاسدة، ومن داخل مؤسسات
الفساد، دون المساس بجوهر
السلطة مصدر الشر،
ولم يحدث أي تغيير حقيقي يوما
من داخل مشروع فاسد،
بل بمشروع جديد ومضاد،
لذلك تحويل العبادي الى "
منقذ" يعيدنا الى سلطة الرجل
الواحد،
مع ان كل ما قام به الرجل حتى
هذه اللحظة من" اصلاحات" لم
يحرك عود ثقاب من مكانه،
وهناك مخاوف من ان يكون قد
باع الوهم لجمهور في حالة غرق
قبل الاحتلال وحتى اليوم،
والغريق لا تهمه اخلاق المنقذ
سواء كان سفاحاً أو كاهناً أو
بلطجياً أو لص سواحل،
لأنه مشغول بفكرة الانقاذ،
مع أن هناك إنقاذاً أسوأ من
الغرق اذا تم على حساب
الكرامة الانسانية.
لن يمضي العبادي أبعد من هذه
القرارات الفوقية السطحية ما
لم يظل الضغط العام والتلويح
بالتصعيد والنزول الاوسع
للشارع،
ورفع سقف المطالب مستمراً.
واذا حدث ذلك، وهو ما ننتظره،
سيمضي العبادي خطوات جديدة،
قد لا تكون بهدف الاصلاح، فلا
شيء يمكن اصلاحه في نظام
سياسي فاسد في التصميم
والأساس،
بل يكون الهدف هو انقاذ
المؤسسة، النظام، والتضحية
بمواقع جديدة،
لكي لا يذهب سخط الناس الى
اسقاط النظام.
الخطوات القادمة للعبادي من
المتوقع ان تتم على ايقاع
الشارع:
كلما ارتفع صوت الناس،
تقدم الرجل خطوة واحدة،
وكلما خفت الصوت، توقف.
انها لعبة حرب عصابات تدار
بالسياسة والاحتيال من قبل
لصوص تخلوا عن أشرف المبادئ
الدينية والاخلاقية والوطنية،
ومن مارس قتل هذا الشعب على
مدى سنوات بالسطو والافقار
المتعمد والمماطلة،
لا يتورع عن ممارسة كل اشكال
السلوكيات القذرة،
وهم خبراء في هذا الحقل،
وأدهياء في قيادة العقل
الجمعي بخطابات الاثم
والتخوين والتخويف ويوم
الحساب والمؤامرة من الداخل
والخارج،
كما لو ان مطلب الماء النقي
والضوء ورفع النفايات وصيانة
المال العام يحتاج الى قوى
كبرى أو صغرى لتحريكه.
العبادي اليوم يحاول إرضاء
النقيضين:
تلبية بعض مطالب الناس،
وتلبية مطالب الفاسدين،
يرمي بعض الاسلاب باسلوب صاخب
واستعراضي للجمهور الساخط،
وفي الوقت نفسه يرمي رسائل
التطمين للفاسدين بان الأمر
لا يتجاوز ذلك،
لن تكون هناك محاكم جدية،
قد يتم رمي أحد هؤلاء الكلاب
في قفص ككبش فداء من اجل
انقاذ الباقي من اللصوص،
قد يتم التخلص من هذا الوزير
أو ذاك القاضي،
لكن كل ذلك من اجل " سلامة
النظام"،
سلامة النخبة الحاكمة، سلامة
المحاصصة، سلامة قاموس"
التوافق" و" والشراكة"
و"التوازنات" وغير ذلك من
قاموس اجرامي شرعوا له
القوانين والدستور،
وحولوا الجريمة الى قاعدة
وقانون بحيث صار الخروج عن
هذه القاموس خروجاً عن العقل
والحكمة وخيانة وطنية وحتى عن
الشرف الخرافي.
كل ما يمكن أن تقوم به هذه
السلطة، تحت ضغط عام ومنظم
وواسع ومستمر، هو تلقيح نفسها
من جديد لكن التعفن مستمر،
واي " اصلاح" حقيقي من داخلها
سيقود الى الانهيار وهذا ما
تخشاه،
لأن التعفن لا يتمركز في مكان
أو مؤسسة أو قطاع بل في كل
جسد السلطة، مؤسسات وتشريعات
وقوانين وهيئات وادارات والخ.
لا يجب ترك الناس تحت حيل
اللصوص،
يخططون بسرية قطاع طرق،
ومن واجبنا أن نخطط أيضا
ونرصد ونكشف ونتوقع.
هناك عناصر لا يمكن حسابها قد
تلعب أدوارا كبرى في ساعات
المنعطف، كالمشاعر الانسانية،
الوقائع الطارئة،
الحقد والغل، الحسد، عقلية
الفرصة السانحة،
وهذه العناصر غير المتوقعة هي
المرجحة اليوم في عراق لم يعد
لكلمات" عقل، منطق" أي معنى
فيه،
وليس من المستبعد، بناء على
هذه العوامل، أن يمضي
العبادي، تحت ضغط الجمهور الى
قرارات أكبر وأكثر جدية،
واذا شعرت مؤسسة الفساد
المنغرزة في كل مفاصل السلطة
والدولة بالخطر،
فمن السذاجة تخيل أو تصور ان
هؤلاء سيركعون بسهولة،
بل هؤلاء على استعداد، كما
تدل تجربة السنوات الماضية،
على ممارسة ابادة جماعية
علنية مسلحة مختلفة عن "
الابادة البيضاء" التي
مارسوها بالقتل عن طريق
الامراض والعوز والتلوث
ورعاية الارهاب والسرقات
الكبرى،
أو " تفجير" الوضع بطرق
خبروها جيداً من اجل نشر
الدخان واجواء الرعب والغموض،
لكي تمر العاصفة.
ان خطابات تخوين وتكفير
وشيطنة المتظاهرين علامة خطر
لما هو قادم،
ولا يمكن تفسيرها بغير تحضير
مسرح الدم في وقت مقبل،
والتعبئة النفسية،
فلا قتل بلا تبرير،
والتبرير يسوغ القتل.
من واجبنا التحذير من كل ما
هو غير متوقع وغير مرئي،
لأن التغيير ليس جماهيراً
تصرخ في الشوارع،
بل هو حكمة وادارة وتوقع كل
الاحتمالات،
وكثير من ثورات وانتفاضات
وتمردات الشعوب سُرقت بعد
النصر،
لأن النصر الحقيقي لا يأتي من
مؤسسة فاسدة،
بل من قلب وتبديل تراتبية
السلطة من نخب فاسدة الى
الشعب،
والغاء كل ما تأسست عليه هذه
السلطة من قوانين ودستور
احتيالي شرع للنصب والاحتيال
والسرقة.
في بعض اللحظات الصعبة من
حياة الناس لا يستطيع الكاتب
أن يقول كل ما يريد قوله،
اذا كان أمينا مع نفسه ومع
قضيته،
ليس بدافع الخوف أو عدم
الثقة،
بل لأن تناكب وتدافع وتضارب
المشاعر في ساعات الغضب العام
قد ينتج غير المتوقع،
ويقلب كل الحسابات سلبا أو
ايجابا،
وقد تدخل عناصر من السلطة ومن
الجموع الغاضبة لتحويل
المسار،
ولكن اذا سمحت لنفسي بالبوح
الواثق أقول:
ان العبادي يحاول حماية "
النظام"،
وفي الوقت نفسه تبني بعض
مطالب الناس،
عبر التدرج والقرارات السطحية
الصاخبة والرهان على تعب
وارهاق الجمهور،
وبكل يقين سوف يخسر الاثنين،
الا في حالات:
أن نرى رموز الفساد خلف
القضبان،
ومحاكم علنية وليست صفقات
دهاليز وتسويات،
والغاء هذا الدستور والقوانين
حتى لو تم ذلك على مراحل،
شرط الوعد العلني بقرار،
والغاء المحاصصة الطائفية،
واعادة بناء السلطة من قبل
نخب العلم والمعرفة والنزاهة
وهم كثر في عراق كبير، وجميل:
العراق حقل أزهار
تُرك يُسحق تحت أظلاف
الخنازير.
حمزة الحسن
10 آب 2015