<%@ Language=JavaScript %>  فؤاد قاسم الأمير النفط الصخري و اسعار النفط  و الموازنة العراقية العامة 

 

 

 

النفط الصخري و اسعار النفط  و الموازنة العراقية العامة 

 

 

 

فؤاد قاسم الأمير

 

المقدمة

هذه الدراسة هي محاولة لفهم أسباب انخفاض أسعار النفط، واستمرار انحداره إلى مستويات قد تكون قياسية لو أخذنا بنظر الاعتبار القيمة الشرائية للدولار. لقد استمر سعر النفط بالانخفاض من حزيران 2014 وإلى الآن، ونحن في تشرين الأول 2015، حيث تآكل سعره (وبالتالي العائدات المالية) بحوالي 60%، من سعر يقارب أو يزيد على (100) دولار للبرميل، إلى سعر يصل إلى (40) دولاراً للبرميل أو أكثر بقليل. وقد يتغير السعر قليلاً صعوداً أو نزولاً، ولكن لا نلمح في الأفق ما يشير إلى إمكانية إعادة العافية إليه في المستقبل القريب والمتوسط في السنوات 2019-2020، في حال استمرار الدول المصدرة بالتمسك بموقفها الراهن الذي يساعد في استمرار انهيار الأسعار.

هذه القضية هي حديث الساعة وهمها، ونحن نحاول أن نشارك في هذا الحديث وفي هذه الهموم، وهل هناك إمكانية للحل؟!. وبوضوح ليس الحديث عن حل عملي على المدى البعيد، وذلك للوصول إلى اقتصاد عراقي متوازن وغير أحادي، يستفيد من العائدات النفطية لبناء اقتصاد حقيقي لا ينهار بانهيار أسعار النفط أو انخفاضها. هذا الأمر ليس موضوع دراستنا؛ إذ يتعلق موضوعها بالسنوات الخمس القادمة.

كتبت في أواسط حزيران 2015(1)، ما يلي: "لقد استغلت السعودية في حزيران 2014 صعود الدولار مقابل الذهب والعملات الأخرى، وتباطؤ سحب النفط من قبل الهند والصين، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي فيهما نسبياً، وارتفاع الخزين النفطي الإستراتيجي والتجاري في الدول الصناعية، بالإضافة إلى بدء فصل الصيف حيث يقل الاستهلاك النفطي، مدعية خسارة أسواقها مقابل تمدد النفط الصخري، لتضخ إلى الأسواق النفطية بكل ما لديها من إمكانيات إنتاجية، مع إعطاء حسومات عالية أدت إلى انهيار الأسواق النفطية واستمرار انهيارها. وفي كل الأحوال فإن الأسعار ستبقى متدنية بوجود التخمة النفطية، ولن ترتفع لسنوات مقبلة ما لم يتم سحب الفائض، لاسيما عند عدم وجود بوادر نهوض قوي للاقتصاد العالمي واسترجاع عافيته".

لقد أقنعت السعودية الدول النفطية الخليجية، وكذلك العراق، على أن النفط الصخري يمثل خطراً يهدد الدول المنتجة والمصدرة للنفط، وأن الأزمة لن تطول لأن النفط الصخري سوف ينهار، وتعود الأسعار إلى سابق عهدها. والتزم العراق جانب السعودية إزاء الاقتراح الذي قدمته بعض دول أوبك (فنزويلا، وإيران، ونيجيريا، والجزائر)، لتخفيض الإنتاج بمقدار 10% أو حتى 5% لسحب التخمة من السوق، حيث تم رفض الاقتراح وأصبحت جميع دول أوبك تتدافع لتبيع أكبر كمية من النفط "لتحسين" عائداتها المالية، وازدادت التخمة، وانخفضت الأسعار أكثر وأكثر.

نحاول هنا أن نبين، هل أن نظرية السعودية حول دور النفط الصخري صحيحة، أم أن انهيار الأسعار كان بسبب إغراق السوق بالنفط العادي، على الرغم من استمرار تدفق النفط الصخري وعدم انتهائه؟. وتقسم الدراسة على أربعة محاور في ثلاثة فصول. نتحدث في الفصل الأول بإسهاب عن النفط الصخري من الناحيتين الفنية والاقتصادية. وفي الفصل الثاني نتحدث عن الأسعار وعلاقتها بالعرض والطلب. كما نتحدث عن النفط العراقي والموازنة الاتحادية ودور نفط الإقليم. ثم نفرد الفصل الثالث لمناقشة ما جاء في الفصلين الأولين، للوصول إلى استنتاج نراه منطقياً، نضع على أساسه الحلول الواجب اتخاذها لمعالجة الموقف.

وليعذرني القارئ إذا ما وجد توسعاً في هذه الدراسة، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع النفط الصخري، إذ أردت أن أوضح هذا الأمر بالتفصيل للمساهمة في إنهاء النقاش عن دوره في أسعار النفط.

 

فؤاد قاسم الأمير

8/11/2015

 

 

 

الفصل الأول

النفط الصخري Shale Oil

في البدء، نرى من الضروري إعطاء القارئ تعاريف واضحة لبعض المسميات "الجديدة" التي ظهرت في الصناعة النفطية، منذ سبعينيات القرن الماضي عندما وقعت "أزمة" النفط على النطاق العالمي، ومحاولة الدول الرأسمالية، والولايات المتحدة على الخصوص، البحث عن بدائل اقتصادية للطاقة وتقليل اعتمادها على استيراد النفط من الشرق الأوسط(2). لقد وضع كل الرؤساء الأميركيون ومنذ السبعينيات هذا الموضوع على رأس أولوياتهم، وأنفقت الدول –وعلى رأسها الولايات المتحدة- مبالغ هائلة في مجال بحوث المواد الهيدروكربونية وغيرها، وتحسين الأداء في استخدامات الطاقة وتقليل استهلاك النفط(3).

1- تعاريف ومسميات "جديدة" في الصناعة النفطية

على الرغم من ذكر كلمة "جديدة" في العنوان، فإن أغلب هذه المسميات والتعاريف هي قديمة وتغير استعمالها على مر السنين. ولكن ظهرت هذه المسميات بوضوح في سبعينيات القرن الماضي، وازداد تكرار استعمالها في الأدبيات النفطية الخاصة، أو في مواضيع النشر العام في تسعينيات القرن الماضي، وتركزت في أوائل هذا القرن، حيث برزت ظاهرة الغاز الصخري والنفط الصخري في الولايات المتحدة، وأخذت دوراً تجارياً مزدهراً.

وفي أدناه بعض هذه المسميات والتعاريف:

أ. النفط الصخري Shale Oil والصخر النفطي Oil Shale

إن صخور الطفال، أو الطفال الصخري Shale، هي صخور رسوبية متصلبة على هيئة رقائق تشكل طبقات. أما "الزيت oil" فهي كلمة تستعمل كتعبير عن النفط في الأدبيات النفطية العالمية (وخصوصاً الأميركية). وأحياناً تستعمل كلمة (بترول)، والمشتقة من "بتروليوم petroleum" للتعبير عن النفط. وانحدرت كلمة بتروليوم من أصول لاتينية، حيث إن petra تعني: الصخر، وoleum: الزيت، ومن ثم فإن بتروليوم تعني: "زيت الصخر". والأصل اليوناني أيضاً يعطي المعنى نفسه لكلمتي petra وolaion الواردتان في الكتب اليونانية التاريخية القديمة.

عرف النفط (البترول) منذ حوالي (4000) سنة، بشكل أو بآخر، وقد تحدث المؤرخ اليوناني هيرودوتس (425-484ق.م في كتابه: "التاريخ The Histories" عن استعمال القير في تبليط شوارع وأزقة مدينة بابل، وكذلك في البناء كمادة رابطة للطابوق، وما زال أثر القير في آثار بابل حتى الآن. وكانت بابل تأخذ القير من مدينة هيت الفراتية. كما كانت تشاهد نضوحات غازية (مثل النار الأزلية في كركوك)، أو نضوحات غازية ونفطية في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط استخدمت في المعابد الدينية ومنها معابد الزرادشتية.

إن النفط (زيت الصخر) هو بالأساس مزيج من مواد هيدروكربونية (أي هيدروجين وكاربون)، مع نسب صغيرة من المركبات الكبريتية ومركبات عضوية أخرى. أما الزيوت النباتية أو الحيوانية فهي بالأساس مواد كاربوهيدراتية (أي هيدروجين وكربون وأوكسجين)، وكليهما كانا يستعملان في الإنارة.

من هنا نجد أن للنفط العادي، اسم قديم وهو: "البتروليوم: الزيت الصخري"، ولكن ما نعنيه في عنوان موضوعنا "النفط الصخري، أو الصخر النفطي"، هو أمر مختلف, إذ أصبح يعبر به في الأدبيات الحالية عن حالة نفطية خاصة وليست عامة.

إضافة لذلك فهناك التباس عند البعض في المقصود من النفط الصخري shale oil، والصخر النفطي oil shale، بحيث يبادلون بالتسمية دون تفريق بينهما، بينما في واقع الأمر هناك بون شاسع جداً بين معنى الاسمين، سواء في نوعية النفط، أو في طريقة استخراجه، أو كلفتها. ولهذا اقترحت "وكالة الطاقة الدولية International Energy Agency IEA"(4)، تسمية النفط الصخري بـ"النفط الخفيف المحصور Light Tight Oil LTO"، بينما اكتفى "مجلس الطاقة العالمي World Energy Council WEC"(5)، بتسميته بـ"النفط المحصور Tight Oil" فقط. وفيما يلي صورة موجزة عن الصخر النفطي oil shale.

الصخر النفطي oil shale

يسمى هذا النوع من الصخور أحياناً بصخورالكيروجين kerogen shale، والكيروجين هي مادة قابلة للاحتراق في هذه الصخور، ويمكن اعتبارها نفوط غير مكتملة النضوج.

وهذه الصخور هي حبيبات دقيقة رسوبية غنية بالمواد العضوية، تحتوي على الكيروجين، وهو مزيج صلب لمركبات كيمياوية عضوية، يستخلص منها سوائل هيدروكربونية، تسمى أحياناً –خطأ- بالنفط الصخري، إذ إن الكيروجين ليس نفطاً بالمعنى المعروف للنفط.

إن الصخور النفطية موجودة في مناطق عديدة جداً من العالم، وباحتياطيات ضخمة في الولايات المتحدة وغيرها، إذ يقدر الاحتياطي العالمي لها بين (4,8) و(8) ترليون برميل كنفط موجود oil place، ولكن نسب الاسترجاع ضئيلة جداً، وكلف استخلاص الكيروجين عالية جداً، لذا فإن إنتاج الكيروجين ضئيل جداً إلى درجة أنه لا يحتسب ضمن النفوط المنتجة في الوقت الحاضر.

لقد اهتمت الحكومات والشركات بهذه الصخور عندما ارتفعت أسعار النفط، وكجزء من حملة البحث عن نفوط تعوض عن نفط الشرق الأوسط. إن كلف إنتاج الكيروجين عالية، فهي تشمل تكاليف القلع mining، إذ الرغم من وجود الصخور في مناطق على سطح الأرض، إلا أن النوعيات الجيدة موجودة تحت سطح الأرض، ويحتاج إستخراجها إلى مناجم سطحية أو عميقة. كذلك هنالك حاجة لنقل هذه الصخور إلى مناطق صناعية لمعالجتها، بالإضافة إلى ما يصاحب ذلك من مشاكل فنية وبيئية تزيد في الكلف.

إن أهم الطرق لمعالجة هذه الصخور، هي الطريقة الكيميائية المسماة: "hydrolysis التحليل الحراري بمعزل عن الأوكسجين أو الهواء"، وقد تسمى أيضاً: "التقطير الإتلافي distructive distillation"، أو "التقطير الجاف dry distillation". وهذه العملية الكيميائية تتم تحت درجات حرارة عالية، إذ هي عملية تحلل كيميائي حراري للمواد العضوية الموجودة في هذه الصخور، وبمعزل عن الأوكسجين/الهواء، أو أية هالوجينات مثل الكلورين أو الفلورين أو البرومين. وهذه العملية تؤدي إلى التفكك الحراري للمواد العضوية الصلبة المتكاثفة. وتستعمل هذه الطريقة الكيميائية (أي التحليل الحراري بمعزل عن الهواء hydrolysis) في صناعة إنتاج مختلف المواد الكيميائية من الخشب، مثل الفحم، والكربون المنشط، والكحول المثيلي، وغيرها من المواد الكيميائية.

يتم التحليل الحراري من خلال تسخين الصخور النفطية إلى درجة حرارة (300 درجة مئوية)، ولكن عادة ما يتم التسخين إلى درجات أعلى تصل إلى (450-500 درجة مئوية)، حتى يكون التفاعل بصورة أسرع وأتم. فتتحول الصخور إلى غاز، "ونفط" مكثف (وهو الكيروجين) الذي يتم تقطيره وجمعه، وكذلك ينتج بقايا مواد صلبة (رماد ash).

وتجرى هذه العملية الكيميائية في الأماكن الصناعية التي تنقل إليها الصخور، ولكن في التكنولوجيات الحديثة، يتم إكمال التحليل الحراري بمعزل عن الهواء، داخل المنجم وتحت الأرض، وذلك لتقليل الكلف وتحسين الاقتصاديات.

هناك طرق فنية أخرى، أقل استعمالاً وكفاءة، وأكثر كلفة من الطريقة السابقة، وذلك لاستخلاص الكيروجين، والتي تعتمد "الهدرجة hydrogenation"، أو "التحليل الحراري الاعتيادي thermal decomposition".

إن الصخور النفطية معروفة منذ زمن قديم، وتعتبر أول زيت صخري تم استعماله في أوربا. وهناك إشارات تاريخية لاستعماله منذ أوائل القرن الرابع عشر في سويسرا والنمسا. كما كان يستعمل في إنارة الشوارع في أوربا في القرن السابع عشر. ولكن استخلاص "النفط"/الكيروجين من الصخور النفطية وبصورة تجارية تم في فرنسا في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وفي سكوتلانده في أربعينيات القرن التاسع عشر، واستعمل "الزيت"/النفط المستخلص كوقود وزيت إنارة كبديل لزيوت الحيتان whale oil، والتي أصبحت نادرة وباهضة الثمن في ذلك الوقت.

كما تم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إنشاء مصانع لاستخلاص الزيت، اعتماداً على hydrolysis في أستراليا والبرازيل والولايات المتحدة. واستمر اعتماد هذه الطريقة في أوائل القرن العشرين في دول أخرى مثل الصين وإستونيا وجنوب إفريقيا وأسبانيا والسويد وسويسرا لاستخلاص هذه "النفوط". ولكن باكتشاف النفط في الشرق الأوسط، وبقية العالم، في أوائل القرن العشرين، وتطوير إنتاجه وتصفيته بكلف زهيدة وبنوعيات أفضل انتهت صناعة استخلاص الكيروجين من الصخر النفطي. كما أنهت اكتشافات النفط استعمال الصخر النفطي بصورة مباشرة، أو باستخلاص الكيروجين منه، وذلك في كل العالم عدا مكانين هما إستونيا والصين.

وكنتيجة لارتفاع أسعار النفط في سبعينيات القرن الماضي وفي العقد الأول من هذا القرن، بدأت محاولات جديدة لاستعماله، سواء من خلال استخلاص الكيروجين، أو من حرق الصخور النفطية مباشرة في محطات توليد الكهرباء. و في سنة 2008، فإن الصخور النفطية كانت تستعمل في البرازيل والصين وإستونيا وألمانيا وروسيا في محطات صغيرة تجارية أو تجريبية لتوليد الكهرباء.

و في سنة 2009، فإن 80% من الصخور النفطية المستخدمة في العالم، كانت في إستونيا، إذ إن لديها محطات لتوليد الكهرباء جاهزة لاستعمال الصخور النفطية مباشرة، ويمثل هذا الوقود (95%) من الطاقة الكهربائية المنتجة في إستونيا. أما في الصين فإن الطاقة الكهربائية المنتجة من وقود الصخور النفطية تعادل فقط (12) ميكاوات، وفي ألمانيا (9,9) ميكاوات، حيث تعتبر محطات كهرباء تجريبية. لقد استعملت إسرائيل ورومانيا وروسيا مثل هذه المحطات الصغيرة، ولكن تم إغلاقها أو تحولها إلى استخدام وقود آخر. هذا وتوجد خطط في كندا وتركيا لحرق الصخور النفطية مع الفحم الحجري في محطات الكهرباء التي تستعمل الفحم الحجري كوقود.

وتبعاً لمجلس الطاقة العالمي World Energy Council WEC، ، كان النفط (الكيروجين) المستخلص من الصخور النفطية في العالم كله في سنة 2008 يعادل (17700) برميل يومياً فقط، منه 40% في الصين، و38% في إستونيا، و22% في البرازيل. وهي كميات ضئيلة جداً، ليس لها حساب في الطاقة سواء على شكل صخور نفطية تحرق مباشرة، أو سوائل هيدروكربونية تستعمل كبديل للنفط.

ب. النفوط غير التقليدية Unconventional oils

إن النفوط غير التقليدية، هي على العموم نفوط تنتج أو تستخلص باستخدام تكنولوجيات غير التي تستخدم في إنتاج النفوط التقليدية conventional oil، والتي تتم من خلال الآبار النفطية.

وتبعاً لتقرير "مستقبل الطاقة العالمية 2001"، والصادر عن وكالة الطاقة الدولية IEA، فإن النفوط غير التقليدية تشمل: "الصخور النفطية التي تحدثنا عنها في الفقرة (أ) السابقة، والنفط المستخلص من رمال النفط oil sand في كندا، والنفوط الثقيلة جداً، والسوائل النفطية المنتجة من تصنيع الفحم، والتي سبق أن تحدثنا عنها بإسهاب في كتاب آخر(6). وكذلك السوائل المنتجة من تصنيع الحبوب والمخلفات النباتية biomass، والسوائل المنتجة من تحويل الغاز الطبيعي إلى سوائل نفطية، وتسمى "السوائل النفطية من الغاز gas to liquid GTL من خلال عمليات كيميائية لتحويل الغاز الطبيعي إلى سوائل نفطية.

أما تقرير تلك الوكالة لسنة 2011 فإنه يقول: "إن النفوط غير التقليدية تشمل النفوط الثقيلة جداً extra heavy oils، والقير الطبيعي، ونفوط الرمال النفطية، والكيروجين (من الصخور النفطية)، والسوائل والغازات الناتجة من تفاعلات الغاز الطبيعي لتحويله إلى سوائل، والسوائل الناتجة من تحويل الفحم إلى سوائل coal to liquid CTL".

في الواقع لا يوجد إجماع تام على تسميات النفوط غير التقليدية، ولا يزال النقاش مستمراً في المنظمات النفطية العالمية. وإن وزارة الطاقة الأميركية US Department of Energy DOE تؤكد أن: "النفوط غير التقليدية تحتاج إلى دقة أكثر في تعريفها". وإن تقسيم النفط إلى تقليدي وغير تقليدي هو أمر متغير وغير ثابت، ويعتمد على التطور التكنولوجي، وتغير كلف الإنتاج.

وكمثال، فإن ما كان يصنف كنفوط غير تقليدية، كبعض النفوط الثقيلة جداً، تحول إلى نفوط تقليدية تبعاً لكثافتها كما حدث للنفط الثقيل جداً الموجود في حزام أورينوكو Orinoco Belt في فنزويلا، إذ اعتبرته جهات عالمية مسؤولة نفطاً تقليدياً، فازداد احتياطي فنزويلا به ليتجاوز الاحتياطي السعودي، ويصبح هو الاحتياطي الأول بين النفوط التقليدية بكمية قابلة للاستخراج قدرها (297,6) مليار برميلاً، مقارنة بالاحتياطي السعودي البالغ (267,9) مليار برميلاً، وبُدء الإنتاج منه في سنة 2007 بطاقة (600) ألف برميل يومياً بعد أن استثمرت الشركات الأجنبية والشركة الوطنية الفنزويلية مبلغ (20) مليار دولاراً لتطوير جزء منه(7ب).

وصنفت بعض الجهات النفط الصخري (أو النفط المحبوس shale oil/tight oil) كنفط غير تقليدي، ولكنه يعتبر الآن من النفوط التقليدية.

ج. التكسير الهيدروليكي Hydraulic Fracturing

إن عملية "التكسير الهيدروليكي Hydraulic Fracturing"، تسمى أيضاً باللغة الإنكليزية (hydrofracturing)، وكذلك hydrofrackring (وهي الشائعة)، أو fracking فقط (وهي شائعة أيضاً). وقد وجدت في بعض الأدبيات النفطية العربية أنها تستعمل كلمة "فراكنك"، ولكننا سنستعمل هنا الترجمة التي تعطي المعنى كاملاً، وهي التكسير الهيدروليكي.

تستخدم عملية التكسير الهيدروليكي في حفر الآبار، وتؤدي إلى تكسير الصخور في المناطق المحددة وذلك بحقن سوائل تحت ضغوط عالية جداً لتكسير الصخور المحصور في داخلها النفط أو الغاز.

تتألف السوائل بالأساس من الماء، ويمثل ما يقارب 90% من حجم هذه السوائل، مع مواد ساندة proppants معلقة في الماء بواسطة مواد مثخنة thicking agent، والمادة الساندة الشائعة هي رمل السليكا، وتمثل حوالي (9,5%) من حجم السوائل (سوائل التكسير fracking fluids)، والتي تتضمن أيضاً حوالي (0,5%) حجماً مواد كيمياوية مختلفة.

إن فكرة التكسير الهيدروليكي ليست جديدة، ففي ستينيات القرن التاسع عشر بُدء باستخدام المادة المتفجرة "النيتروكلسيرين nitroglycerin"، لتفجير الطبقات الصخرية داخل الآبار، وسجلت في نيسان 1865 براءة اختراع باسم "الطوربيد المتفجر Exploding Torpedo" تستخدم لهذا الغرض. ومنذ 1947 سجلت براءة اختراع باسم شركة هاليبيرتن للتكسير الهيدروليكي "fracking" واستخدمت في آبار النفط ولكن بضغوط قليلة، ولهذا فإن تكسير الصخور وتغلغل السوائل لم يتجاوز أمتاراً قليلة.

وما يتم حالياً في آبار النفط الصخري، وهو أمر متلازم مع حالة إنتاج النفط الصخري وهو: "التكسير الهيدروليكي الضخم massive hydraulic fracking"، ويسمى أحياناً: "التكسير الهيدروليكي عالي الحجم high-volume hydraulic fracking" والذي استعمل لأول مرة في الولايات المتحدة في عام 1968 من قبل شركة (بان أميركا بتروليوم)، حيث حقنت كميات كبيرة من السوائل وبضغوط عالية.

وبدء منذ عام 1971 باستعمال التكسير الهيدروليكي الضخم في الطبقات الصخرية واطئة النفاذية. والآن فإن استعمال مصطلح التكسير الهيدروليكي، أو التكسير fracking (وهو تكسير هيدروليكي في كل الأحوال)، أصبح أمراً متلازماً تماماً مع إنتاج النفط الصخري حيث العمل في صخور متدنية النفاذية جداً، وتغلغل السوائل في الصخور يجب أن يتم إلى مسافات بعيدة تصل إلى أكثر من مئة متر وقد تصل إلى مئات الأمتار.

إن الأمر الآخر الذي يتلازم مع إنتاج النفط الصخري هو الحفر الأفقي، الذي لم يعرف قبل ثمانينيات القرن الماضي. حيث طورت تكنولوجيات حفر البئر عمودياً، ثم التحول إلى الحفر الأفقي، (أي الانحراف بـ90 درجة)، في الطبقات الصخرية واطئة النفاذية والتي يراد استخراج النفط منها. ويصل طول الجزء الأفقي من البئر المحفور إلى (500-1500) متراً، ووصل في بعض الآبار إلى (3000) متر أفقياً. ويتم التكسير الهيدروليكي في عدة أماكن، وبهذا تكون كفاءة الآبار المحفورة أفقياً أعلى من الآبار العمودية، وفي الواقع تعادل عدة آبار محفورة عمودياً بعدد مناطق التكسير الهيدروليكي في الجزء الأفقي من البئر. والآن يعمل على تطبيق هذه التكنولوجية في الحفر الأفقي على آبار النفط التقليدي الاعتيادي لتقليل عدد الآبار في الحقل، وخصوصاً في الحقول النفطية الواقعة في مناطق مزدحمة بالسكان ويحظر فيها الحفر.

نود أن نشير هنا وبسبب النفاذية permeability الواطئة جداً للصخور الطينية الرسوبية المسماة shale، والمتواجدة بكثرة في المناطق النفطية في الولايات المتحدة الأميركية، فلقد أجريت بحوث كثيرة وتطبيقات عديدة لحل هذه المشكلة من أجل الحصول على النفط والغاز من هذه الصخور. وأغلب هذه البحوث والتطبيقات تمت بتمويل من الحكومة الأميركية، وذلك لتحقيق الغرض الإستراتيجي الأميركي بتقليل الاعتماد على النفط والغاز المستورد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي –إن أمكن-. ففي سنة 1976 قامت الحكومة الأميركية بتنفيذ ما سمي "مشروع الغاز الصخري الشرقي Eastern Gas Shale"، باستخدام شركات مختلطة حكومية-خاصة، مختصة بعمليات مشاريع التكسير الهيدروليكي. وحصل "معهد بحوث الغاز Gas Research Institute"، وهو تجمع بحثي عن الغاز الطبيعي، على دعم مالي كبير لتطوير وتطبيق البحوث في هذا المجال، من "الهيئة الفيدرالية لتعليمات الطاقة Federal Energy Regulatory Commission"، وهي هيئة حكومية. وبهذا أصبحت تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي جاهزة للاستخدام التجاري في مجال استخراج الغاز في سنة 1977، وتطورت أكثر باستعمال الحفر الأفقي لأول مرة في سنة 1991. وفي سنة 2013، ومع ارتفاع أسعار النفط، أصبح التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي مسألة مربحة تجارياً لاستخلاص الغاز والنفط في الولايات المتحدة وكندا والصين، وكانت هناك دول أخرى تخطط لمثل هذا النوع من إنتاج النفط وتوقفت بسبب انخفاض أسعاره.

الاعتراضات البيئية على التكسير الهيدروليكي، وبالتالي على استخراج النفط أو الغاز الصخري.

يوجد توجه عام لدى المنظمات البيئية، سواء أكانت حكومية أم مدنية، والمؤسسات التي تعنى بصحة الإنسان، لمعارضة إنتاج النفط الصخري في بلدانهم، ليس بسبب الأعداد الهائلة للآبار الواجب حفرها وعدم إمكانية العمل في المناطق كثيفة السكان فقط، وهو ما سوف نتحدث عنه في الفقرة (2) تحت عنوان: (النفط الصخري)، وإنما لتخوفات وتساؤلات بيئية حقيقية، تتعلق جميعها بعمليات التكسير الهيدروليكي الضخم. لهذا ارتأينا أن نتحدث عن هذا الموضوع الآن، دون تأجيله إلى الفقرة التالية.

تتعلق الاعتراضات البيئية بسوائل الحقن، من ناحية استعمال كميات كبيرة جداً من المياه، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من شحة عالمية في المياه، ومن ناحية نوعية المواد الكيمياوية المضافة إلى مياه الحقن، مما قد يسبب ضرراً كبيراً في الصحة والبيئة في حال تسربها إلى المياه الجوفية، والتي هي مصدر رئيسي للمياه في مناطق واسعة من العالم. كذلك تتعلق الاعتراضات على احتمالية حدوث هزات أرضية، نتيجة الحقن الكبير بضغوط عالية جداً، مما يؤثر في زعزعة الطبقات الأرضية القريبة من فوالق جيولوجية معروفة أو غير معروفة. كما أن هناك تخوف من تسريبات للنفط أو لسوائل الحقن، إلى سطح الأرض. واحتمالات تعرض صحة الإنسان للخطر نتيجة تسرب الغازات المصاحبة لإنتاج النفط إلى الجو حتى لو تم حرقها. إن مسألة تسرب الغاز أو حرقه، ومسألة التسريبات النفطية إلى سطح الأرض، هي مسائل تدخل أيضاً في إنتاج النفط التقليدي وتحددها القوانين والتعليمات البيئية، ولسنا بصدد التحدث عنها هنا.

تتشابه عمليات الحفر في مرحلتها الأولى بين الآبار التقليدية وآبار النفط الصخري، ما عدا الحفر الأفقي في الحالة الثانية. حيث تستخدم الحفارة الدوارة، مع وضع تغليف casing (وهو أنبوب حديدي) في حفرة البئر، ويتم عمل تغليف إضافي لهذا الأنبوب وتثبيته بالإسمنت. حيث يعطي هذا التغليف الإسمنتي متانة وثباتاً للبئر ويعزله عن المؤثرات الخارجية ويمنع انهياره. ويمنع التأثر أو التأثير بالمحيط الخارجي من مياه جوفية أو طبقات رملية أو حجرية أو طينية، وكذلك يشمل هذا العزل الطبقات النفطية أو الغازية التي لا يراد إدخالها في عملية الإنتاج في حينه. وبعدها تبدأ مرحلة "إكمال البئر well completion"، والتي تجعل البئر صالحاً لإنتاج النفط أو الغاز، حيث يتم تثقيب وتكسير التغليف casing، في منطقة الإنتاج. وفي الآبار الاعتيادية قد يستخدم ضخ حامض الهيدروكلوريك في الطبقات الكلسية المنتجة وذلك لتحطيم الصخور الكلسية المحيطة بالمنطقة المثقبة، للمساعدة في جريان النفط إلى البئر ومنه إلى الخارج. يتم أثناء الحفر استعمال ما يسمى (سوائل الحفر drilling mud)، وهي سوائل ذات كثافة عالية تساعد في التبريد وفي إخراج الأحجار والصخور المتكونة نتيجة الحفر، ورفعها إلى السطح من خلال الفراغ بين أنبوب الحفر والتغليف casing. وهذه السوائل تختلف عن سوائل التكسير في آبار النفط الصخري.

أما الفرق فيما يجري بآبار النفط الصخري، فهو وجود مرحلة ثالثة وهي التكسير الهيدروليكي tracking، والتي تعمل على تكسير الصخور الصلبة قليلة النفاذية من خلال ضخ كميات كبيرة من "سوائل التكسير" بضغوط عالية جداً. وهذه المرحلة هي التي تسبب قلقاً لدى دعاة حماية البيئة.

إذ إن سوائل التكسير تضخ بكميات كبيرة جداً، تصل إلى (1,2-3,5) مليون غالون، أي حوالي (4500-13000 متراً للبئر الواحد)، وقسم من الآبار يصل الاستهلاك فيها إلى (5) ملايين غالون، أي حوالي (19 ألف متر مكعب). هذا ويتم استعمال ماء إضافي عندما يتم تكسير المنطقة الصخرية، ليكون معدل استهلاك البئر الواحد من الماء حوالي (3-8) ملايين غالوناً أميركياً، (أو ما يعادل 11-30 ألف متر مكعب للبئر الواحد).

على الرغم من ذلك فإن إدارة المياه في ولاية تكساس، والتي تعتبر منتجاً كبيراً للنفط الصخري في مناطق "إيكل فورد Eagle Ford"، تقول إن موازنة توزيع المياه لديها هي (55,9%) للزراعة، بينما ما يستهلكه النفط الصخري يمثل (1,6%)، والصناعة (9,6%)، والماشية (1,8%)، ومحطات الكهرباء البخارية (4,1%)، وبقية الخدمات المدنية (26,9%).

نلاحظ مما سبق أن هذه النسبة ضئيلة في تكساس، ولكن الاستهلاك عال جداً لاسيما ونحن نتحدث عن آلاف الآبار، فتكون هناك مشكلة حقيقية في المناطق شحيحة المياه. هذا وإن "معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة Oxford Institute for Energy Studies"، يقول أن هناك حاجة أكبر للمياه عند الحفر في أعماق أكثر مما في أميركا، وإن أعماق آبار النفط الصخري في أوربا تصل إلى (1,5) مرة لما هي عليه في أميركا.

إن سوائل الحقن تضخ بضغوط عالية جداً تصل إلى (15 ألف PSI، أو ما يعادل 1020 ضغط جوي). وبكميات تصل إلى (265) لتراً/الثانية، (أو ما يعادل 954 متراً مكعباً/الساعة)، مما يتطلب مضخات ضخمة جداً، ويؤدي إلى تخلخل أرضي في منطقة الضخ، مما قد يسبب إلى زلازل صغيرة، والخوف من فوالق جيولوجية غير معروفة قد تتأثر بهذا الضخ وتؤدي إلى كوارث.

تشمل المواد المضافة إلى الماء في سوائل التكسير، مواد ساندة، وتمثل 9,5% من حجم هذه السوائل، وهي بالأساس رمل السيليكا Silica sand، وفائدتها هي منع الأحجار والصخور من غلق فوهات المناطق المثقوبة التي تم حقن سوائل التكسير فيها بعد انتهاء الحقن (ورفع الضغط الهيدروليكي). ويمكن استعمال رمل مغطى بمواد صمغية resins، أو البوكسايت، أو حبيبات سيراميك مصنعة لهذا الغرض. وهذه المواد تستعمل لوحدها أو لعدد منها اعتماداً على نفاذية الصخور وعلى القوة المطلوبة التي يجب أن تتحملها المواد الساندة. ففي بعض الأحيان تكون الضغوط عالية جداً تؤدي إلى تهشيم رمل السليكا الطبيعي (وهو المادة الأرخص)، وبهذا تكون هناك حاجة ساندة أكثر قوة مثل البوكسايت أو السيراميك المصنع.

تشكل المواد الكيمياوية (0,5%) من حجم سوائل التكسير، وهناك ما لا يقل عن (12) نوعاً من هذه الكيمياويات تضاف جزءاً أو كلاً لخليط سوائل التكسير وتدعي الجهات المعنية بالمحافظة على البيئة أن الشركات لا تفصح عن عدد من المواد الكيمياوية المستعملة، والتي تعدها شركات التكسير الهيدروليكي جزءاً من "المعرفة know-how" الخاصة بها، أي سر المهنة. ويمكن إيجاز المواد المضافة وفوائدها لخليط سوائل التكسير بما يأتي:

-         الحوامض، مثل حامض الهيدروكلوريك أو الخليك، والتي تستعمل في مرحلة ما قبل التكسر الهيدروليكي لتنظيف التشققات.

-         مواد لتقليل الاحتكاك وتحسين جريان السوائل مثل البولي أكريل أمايد poly acryl amide.

-         أملاح البورات لتثبيت اللزوجة.

-         مواد معقمة لقتل البكتيريا والفطريات.

-         صموغ تذاب في الماء، مثل: صمغ كور quar gum؛ ومواد أخرى مذابة بالماء مثل السيللوز والزيوت وفوسفات الألمنيوم، وغيرها لجعل الخليط هلامياً.

-         أملاح مختلفة ولأغراض مختلفة مثل: كاربونات الصوديوم والبوتاسيوم والبورات. كذلك مواد أخرى كأنواع مختلفة من الكحول، ومواد ضد التجمد.

-         مواد لتكوين الرغوة، وغازات مضغوطة مثل: النتروجين، أو ثاني أوكسيد الكربون، أو الهواء المضغوط.

ويبلغ حجم هذه المواد الكيمياوية في سوائل التكسير حوالي (4) آلاف غالون أميركي، أي ما يزيد على (150) متر مكعب.

هناك تقارير متناقضة حول مضار التكسير الهيدروليكي، سواء من الجهات الحكومية أو من المنظمات البيئية. وكل هذه القضايا دفعت الحكومات إلى التوجه لإصدار قوانين وتعليمات "صارمة" لاستخدام هذه الطريقة. وكانت فرنسا أول دولة في العالم تحرم استخدام التكسير الهيدروليكي، وبالتالي تحرم إنتاج النفط والغاز الصخريين. كما وضعت سكوتلانده تجميداً على نشاط هذه العمليات لحين استصدار القوانين والتعليمات الخاصة بها. أما الدول الأخرى التي وضعت حظراً مؤقتاً، مثل إنكلترا وجنوب إفريقيا، فقد رفعت الحظر وأصدرت تعليمات رأتها مناسبة لتقليل الأضرار. وأعلنت ألمانيا عن مسودة تعليمات للقبول بالتكسير الهيدروليكي على أراضيها، متبنية في الوقت الحاضر توصيات الاتحاد الأوربي بالعمل في الحدود الدنيا لاستخدام هذه الطريقة مع تأكيدها أن على الشركات الإعلان عن جميع الإضافات الكيميائية التي تستعملها.

أما الولايات المتحدة، بلد النفط الصخري، فقد أصبحت فيها ولاية فيرمونت Vermont أول ولاية أميركية تحظر عمليات التكسير الهيدروليكي في عام 2012، وفي 17/12/2014 أصبحت نيويورك ثاني ولاية تقرر حظر هذه العمليات، والسبب في كلتا الحالتين هو الخوف من "احتمالية حدوث مخاطر على البشر والبيئة"(7أ، 7ج).

 

 

2- إنتاج النفط الصخري Shale Oil: الحاضر والمستقبل، وتأثيره في الأسعار العالمية(7)

بعد أن تحدثنا في الفقرة (1) السابقة عن النفوط غير التقليدية والصخر النفطي، والتكسير الهيدروليكي المتلازم دائماً مع إنتاج النفط الصخري. سنتحدث الآن عن ظاهرة النفط الصخري مع بعض التفاصيل، لإطلاع القارئ على أسباب الضجة التي افتعلتها السعودية في التحذير من هذا المنتج بادعاءها أنه سوف يؤدي إلى نتائج سلبية على نفوط الشرق الأوسط، وبالنتيجة انخفضت الأسعار خلال سنة حوالي (50-60%) وما زالت مستمرة بالهبوط حتى فترة مقبلة ليست بالقصيرة. وسنتحدث عن النقاط التالية المتعلقة بهذا المنتج:

أ‌.          احتياطي النفط الصخري في العالم(7هـ، ج، د):

في حزيران 2013 أصدرت "الإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة US Energy Information Administration EIA"، التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، تقديراتها للنفط الصخري والغاز الصخري في العالم، وذلك في تقريرها: "مصادر الغاز الصخري والنفط الصخري الممكن إنتاجها فنياً: تقييمات (137) تركيباً صخرياً في 41 دولة خارج الولايات المتحدة"(7هـ).

وتقول الإدارة الأميركية في هذا التقرير، إن هذه التقديرات هي أرقام غير نهائية، وتحتاج إلى دراسات أخرى. وسنذكر في الجدول (1) أدناه احتياطيات النفط الصخري الممكن إنتاجه للخمس عشرة دولة الأولى في الاحتياطيات. ونلاحظ أنه يتحدث عن "الممكن إنتاجه فنياً"، بغض النظر عن اقتصاديات الإنتاج.

 

 

 

 

جدول رقم (1)

احتياطيات النفط الصخري الممكن إنتاجه فنياً

مليار برميل

الدولة

الاحتياطي مليار برميل

1-    روسيا

75

2-    الولايات المتحدة

48-58

3-    الصين

32

4-    الأرجنتين

27

5-    ليبيا

26

6-    أستراليا

18

7-    فنزويلا

13

8-    المكسيك

13

9-    باكستان

9

10-                      كندا

9

11-                              إندونيسيا

8

12-                              الجزائر

6

13-                              البرازيل

5

14-                              مصر

5

15-                              تركيا

5

المجموع

299-309

 

إن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا ازدهرت صناعة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة فقط، ولم تزدهر، بل حتى لم تبدأ في الدول الأخرى؟ والجواب، إن النفط الصخري لم ينتج تجارياً إلا في الولايات المتحدة، ولكن بسببه تأثر كل العالم سلباً أو إيجاباً نتيجة انخفاض أسعار النفط، وللأسباب التي سنذكرها في سياق الملاحظات التالية:

ب‌.        النفط الصخري في الولايات المتحدة

إن النفط الصخري، أو ما يسمى بـ"النفط المحصور tight oil"، أو "النفط الخفيف المحصور tight light oil"، هو نفط تقليدي conventional oil، ينتج في الولايات المتحدة؛ وهو نفط خفيف مع نسبة كبريت منخفضة، ومحصور في داخل تراكيب غير تقليدية unconventional formation فيها من المسامية المتناهية في الصغر والنفاذية القليلة ما يجعل عمليات استخراج المواد الهيدروكربونية منها صعبة للغاية. كما إن مستودعات النفط الصخري غنية بالطين المتصلب والتشققات، ومقسمة إلى طبقات تتضمن كميات هائلة من الصخور الطينية الصلبة التي قد تمتد إلى مئات، وأحياناً إلى آلاف الكيلومترات.

ولا تشبه تراكيب النفط المحصور التراكيب الطينية (الطفال) shale formation الاعتيادية، فهي مؤلفة من صخور رسوبية من مادة siltstone (وهي مزيج من الرمال ومواد أخرى أساسها الدولومايت وصخوراً كلسية وغيرها من المواد)(7أ). ولا نريد الدخول في التفاصيل أكثر تجنباً لإرباك للقارئ.

ومن الملاحظ أن النفط الصخري المنتج في الولايات المتحدة، هو نفط خفيف جداً، ومنخفض في نسبة الكبريت، والذي من المفروض أن يكون مرغوباً جداً وأسعاره أعلى من النفوط التقليدية الأخرى، ولكن على الرغم من ذلك نرى أن أسعاره في الولايات المتحدة منخفضة عن أسعار النفوط الأخرى الأعلى كثافة، وتحاول مصافي النفط تجنب استعماله بصورة مباشرة، والكثير منها يخلطه مع النفوط الأخرى. والسبب في ذلك وحسب مقالة صدرت في تموز 2013 في مجلة "Hydrocarbon Processing"، أنه توجد صعوبات جمة في تداوله، وفي جميع الخطوات من إنتاجه إلى نقله وتخزينه وتكريره(7ز)، بسبب كون النفط الصخري الأميركي خفيف وذو طبيعة شمعية waxy، فإنه يخلق الظروف الملائمة لترسب الإسفلتين، الذي يؤدي إلى ضرر كبير في معدات التبادل الحراري للمصافي، وفي الأنابيب، والأفران، بسبب ترسبات الشمع. وعلى الرغم من أن نسبة الكبريت واطئة في النفط الصخري، وهي صفة جيدة للنفط، إلا أنه في الوقت نفسه يحتوي على كبريتيد الهيدروجين والمركبتان (وهي مواد كبريتية) مذابة فيه تؤدي إلى تآكل معدات التقطير. كذلك هناك ترسبات للشمع في أثناء النقل في السكك الحديد والنقل النهري، ما يجعل التنظيف مستمراً لها، مع إضافة مواد كيمياوية للتقليل من هذه الأضرار، وبالنتيجة زيادة كلف النقل والتصفية(7ز).

في كل الأحوال فإن ظاهرة النفط الصخري (والتي تسمى أحياناً بثورة النفط الصخري)، هي ظاهرة أميركية بحتة، حتى الآن، ولم يتم تطبيقها تجارياً في أي مكان في العالم. وسنرى أسباب ذلك في الملاحظات القادمة.

(1)                           كثافة الحفر: الأساس في تطور إنتاج النفط الصخري

إن ازدهار إنتاج النفط الصخري (والغاز الصخري كذلك) يعتمد كلياً على حفر وإكمال أكبر عدد من الآبار النفطية، واستمرار حفرها. والسبب هو الانخفاض الكبير في إنتاجية البئر خلال أشهر قليلة من بدء إنتاجه. وكمثال على ذلك في كانون الثاني2012، ظهرت حاجة لإضافة (90) بئراً جديدة شهرياً، (أي 1080 بئراً جديدة على مدارالعام)، لغرض ديمومة الإنتاج فقط (وليس زيادته)، وذلك في أهم ثلاث مناطق منتجة لهذا النفط، وهي: "باكن ثري فوركس Bakken Three Forks" الواقعة في ولايتي داكوتا الشمالية ومونتانا، والتي تعد أكبر منطقة لإنتاج النفط الصخري في أميركا، وذلك لاستمرار الإنتاج على مستوى (770) ألف برميل يومياً، (كما في سنة 2012).

وازدادت كثافة الحفر بصورة كبيرة من بضعة مئات من الآبار في سنة 2011 إلى أكثر من 4000 بئر نفطي في عام 2012، وهو عدد يزيد عن عدد الآبار النفطية والغازية، التقليدية وغير التقليدية، التي تم حفرها في جميع أنحاء العالم (ما عدا كندا)(7أ).

تحتوي الولايات المتحدة لوحدها وضمن حدودها الجغرافية على (60%) من أجهزة الحفر الموجودة في العالم. إضافة إلى ذلك فإن (95%) من أجهزة الحفر الموجودة في الولايات المتحدة تستطيع القيام بعمليات الحفر الأفقي، والتي تعمل معاً مع التكسير الهيدروليكي fracking، والذي سبق أن تحدثنا عنه في الفقرة (1-ج)، فهما يمثلان أساس إنتاج النفط الصخري.

من الملاحظ أن وجود نسبة قليلة من السكان في معظم مناطق النفط الصخري الأميركي، تجعل من الولايات المتحدة مكاناً ملائماً للحفر الكثيف، وليس بإمكان أية دولة أخرى في العالم القيام بذلك بالسهولة نفسها. إذ لم تقم أية دولة في العالم بالحفر، حتى بنسبة بسيطة جداً لمثل هذه الكثافة من الحفر، والذي جعل ازدهار النفط الصخري والغاز الصخري ظاهرة أميركية بامتياز.

ولو نظرنا إلى مجمل الآبار المحفورة في الولايات المتحدة في سنة 2012، ومن ضمنها آبار النفط الصخري والغاز الصخري والنفط، لوجدنا أرقاماً لا تصدق. إذ إن الولايات المتحدة أكملت في سنة 2012، ما بلغ (45568) بئراً نفطياً وغازياً، وأنتجت من (28354) بئراً من الآبار المحفورة في تلك السنة، مقابل (3921) بئراً أكملت في جميع أنحاء العالم (ما عدا كندا)(7أ).

عندما بدأت عمليات الحفر في باكن Bakken، في سنة 2007، لم يكن في الحسبان أن هناك إمكانيات عالية لإنتاج النفط، وظل هذا الأمر حتى سنة 2011 يبهر ويفاجئ العالم والخبراء النفطيين. علماً إنه قد استعملت كلمة "حقل" مجازاً، إذ إن مناطق إنتاج النفط الصخري ليست حقولاً بالمفهوم التقليدي للحقل النفطي، ولذلك لا تسمى حقولاً، وإنما مناطق إنتاج، وسوف نستخدم كلمة (مناطق) بدلاً من حقول.

ثم دخلت مناطق "إيكل فورد Eagle Ford" من ولاية تكساس، فيما يسمى بـ"حوض غرب تكساس Western Texas Basin" في الإنتاج. كما دخلت مناطق النفط الصخري في "بيرميان Permian، في حوض بيرميان Permian Basin" الذي يقع بين غرب ولاية تكساس وجنوب شرق ولاية نيو مكسيكو، وبدأت ظاهرة الازدهار أو ما يعرف بـ"ثورة النفط الصخري"، وذلك بعد نجاح "ثورة الغاز الصخري" التي حققت الكثير من الطموحات الأميركية في الاكتفاء الذاتي للغاز الطبيعي. وفي نهاية 2012 وصل إنتاج النفط الصخري إلى (1,5) مليون برميل يومياً من إنتاج صفر في عام 2006.

لقد وجدت كميات كبيرة من النفط في المناطق الثلاث المذكورة أعلاه، وقدر النفط الموجود في باكن Bakken وحدها في نهاية سنة 2012 ما يعادل (900) مليار برميل، ولكن بسبب المسامية porosity والنفاذية permeability الواطئتين جداً، فإن تقدير النفط الممكن إنتاجه recoverable oil (وهو الاحتياطي النفطي)، لا يتجاوز في كل الأحوال 2% من النفط الموجود (أي لا يتجاوز 18 مليار برميلاً).

لقد أثبت النفط الصخري نجاحاً وغطى قسماً من حاجة الولايات المتحدة من خلال الحفر الكثيف، ولكن يبقى السؤال: هل هو ظاهرة محدودة و"فقاعة" كما يعتقد الكثير من المعنيين، وأنها سوف تنفجر في المدى المتوسط نتيجة السرعة الكبيرة في الإنتاج، وسوف تنتهي بنهاية الإنتاج من المناطق الجيدة كما يحدث الآن؟ والأهم من ذلك أن إنتاجية الآبار تنخفض بصورة كبيرة بعد أشهر من بدء الإنتاج. والجدول رقم (2) أدناه يبين معدل الانخفاض السنوي للآبار في المناطق الرئيسية الثلاث المنتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة(7أ):

جدول رقم (2)

نسبة الانخفاض السنوي

المنطقة

السنة الأولى

السنة الثانية

السنة الثالثة

السنة الرابعة

السنة الخامسة

باكن Bakken

43%

35%

30%

20%

20%

إيكل فورد Eagle Ford

55%

40%

30%

20%

20%

بيرميان Permian

50%

40%

30%

20%

20%

 

كما نرى فإن معدل فقدان البئر لإمكانياته الإنتاجية في السنة الأولى كان بين (43-55%) من معدل الطاقة الإنتاجية للشهر الأول من إنتاجه. وفي نهاية السنة الثانية كان البئر قد فقد (35-40%) من إمكانياته في نهاية العام الأول. وفي نهاية السنة الثالثة فقد (30%) عما كان عليه في نهاية السنة الثانية وهكذا. كما نرى أن هذا هو المعدل، ولكن هناك دراسات أخرى تفيد بأن فقدان السنة الأولى يصل إلى (72%) من الطاقة الإنتاجية في بداية الإنتاج(7ي). على الرغم من أن الجدول يرينا انخفاض الإنتاجية للبئر إلى السنة الخامسة، ولكن نادراً جداً أن يظل البئر في الإنتاج لمدة خمس سنوات حيث يترك البئر نهائياً عندما يصل الإنتاج إلى الحدود الاقتصادية. أي عندما تصبح قيمة إنتاجه لا تغطي الكلف التشغيلية له، وبضمنها الضرائب.

إن كثافة الحفر أكثر شدة في موقعي إيكل فورد وبيرميان، ففي الوقت الذي تم فيه حفر أكثر من (1600) بئراً جديداً (باستخدام 190 جهاز حفر) في موقع باكن، وصلت إجازات الحفر في موقع إيكل فورد إلى (5230) إجازة، وبوجود ما يعادل (232) جهاز حفر في كانون الثاني من عام 2013.

على العموم فإن كثافة حفر الآبار يعتمد على مساحة المنطقة التي يتم العمل فيها، وعلى المسافات بين الآبار التي تحدد الآبار في الأيكر الواحد acre، (ويعادل الأيكر 4046,86 متراً مربعاً، أو 4047 متراً مربعاً للتقريب).

وكمثال فإن أكبر الشركات في موقع باكن ثري فوركس Bakken Three Forks كانت تعتمد بئراً لكل مساحة (1280) أيكر، ثم تطورت إلى نصف المساحة، أي بئراً لكل (640) أيكر، ثم زادت في الكثافة لتصل إلى بئر لكل (320) أيكر، ثم بئراً لكل (160) أيكر، (مما يعني بئراً لكل 647 ألف متر مربع، أي حوالي مساحة 800م × 800م).

إن أقل مساحة مقدرة للمنطقة جيدة الاحتياطي في موقع باكن هي (12) ألف ميل مربع، والتي تعادل حوالي 31 ألف كيلو متر مربع، وتعادل 7,7 مليون أيكر). وهذا يعني لو اعتمدنا بئراً لكل (320) أيكر سنحتاج إلى حوالي (25) ألف بئر إنتاجي، والذي يعادل خمسة أمثال الآبار الإنتاجية الموجودة حالياً والبالغة (5000) بئراً، كما في نهاية عام 2012.

وإذا ازدادت الكثافة إلى بئر لكل (160) أيكر، فإننا سنحتاج إلى (50) ألف بئر لتطوير موقع باكن فقط!!!. هذا وإن حفر الآبار مستمر، وكلما ينتهي بئر يحل محله بئر آخر، وعملياً في السنة الثانية من الإنتاج علينا تعويض نصف الآبار نتيجة لفقدان ما يقارب من (50%) من الإمكانية للبئر في السنة الأولى. وكما لاحظنا فإن في موقع باكن، يتم التجديد الشهري لـ(90) بئر، (أي1080 بئراً في السنة)، وذلك بوجود (5000) بئر منتج. ولو تم استغلال الموقع كاملاً بحفر (50) ألف بئر، لوصل التجديد فقط إلى (11) ألف بئر سنوياً.

والأمر يصبح أكثر صعوبة في موقع إيكل فورد، إذ إن كثافة الحفر أكثر بكثير، إذ تصل إلى بئر لكل (65) أيكر (أي ما يقارب بئراً لكل 263 ألف متر مربع، وهي 512 متراً × 512 متراً). مما يعني احتمال وصول عدد الآبار إلى (58) ألف بئر لكل مساحة إيكل فورد (والبالغة حوالي 6000 ميلاً مربعاً). والآن (أي في سنة 2013) تعمل الشركة على تجربة اعتماد بئر لكل (40) أيكر، ليزداد عدد الآبار المستمرة في الإنتاج إلى (95) ألف بئر. وهو أمر لا يصدق، وليتصور القارئ إكمال (95) ألف بئر في مساحة (77 × 77) ميلاً، (أي 123 × 123 كيلومتراً). إن طول (123) كيلومتراً يعادل المسافة بين أطراف بغداد (أبو غريب)، أو من أطراف الكاظمية إلى الحلة. ولتقريب الصورة إلى القارئ أكثر، فإن مساحة بغداد بأطرافها تعادل (35 كيلومتراً × 35 كيلومتراً)، ويوضع فيها (7350) بئراً نفطياً مستمراً (ما عدا الآبار الواجب تجديدها). وللمقارنة والتوضيح فإن عدد أبراج الهاتف النقال (المثبتة على الأرض وعلى أسطح المباني)، وأبراج الإنترنت وغيرها من أبراج الاتصالات، لا تصل إلى (5000) برج في بغداد وضواحيها، والتي يراها الناظر منتشرة في كل مكان. وليتصور القارئ وضع أبراج للنفط في بغداد وضواحيها تعادل مرة ونصف لما موجود من أبراج الاتصالات هذه. لا يمكن أن يتم هذا في أي مكان في أوربا، أو في المناطق المكتظة بالسكان، وفي هذا ما يؤكد أن حالة النفط الصخري هي حالة أميركية.

إن حسابات عدد الآبار المطلوبة في المنطقة الثالثة المهمة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، أي بيرميان، فإنها ترينا كثافة أكثر للحفر وبالتالي عدد آبار أعلى، والتخطيط مستمر (ونحن في أوائل 2013) في حفر أكثر من (100) ألف بئر منتجة بصورة مستمرة، أي ما يعادل (10) مرات ضعف عدد الآبار الموجودة حالياً في هذه المنطقة(7أ).

أما عن إنتاجية الآبار، فقد نقرأ عن إنتاجية عالية لبعض الآبار المنتجة للنفط الصخري، مثل البئر المعروف Robert Heuer 1-17B، الذي بدأ إنتاجه في ولاية داكوتا الشمالية بكمية تعادل 2358 برميلاً/اليوم في سنة 2004، ولكن إنتاجه انخفض إلى 69% في السنة الأولى فقط. أو البئر 3H-Serenity-1، والذي بدأ بإنتاجية قدرها 1200 برميلاً/اليوم سنة 2009 وهبط إلى 100 برميل/اليوم فقط في منتصف 2013(7ب). ولكن الحالة العامة لإنتاجية الآبار الأولى (أي المرتفعة الإنتاج)، هي أقل كثيراً من الأرقام أعلاه، وتنخفض الإنتاجية سنوياً وفق الجدول (1) المشار إليه سابقاً.

وعند الحديث عن موقع باكن، نرى معدل الإنتاجية العليا للآبار في السنة الأولى تراوحت بين (62-142) ألف برميل في السنة الأولى (أي بمعدل يومي يتراوح قدره بين 170-390 برميلاً يومياً). لهذا يعتبر المعدل العام لإنتاجية الآبار في باكن هو (100) ألف برميل في السنة الأولى، أي بمعدل يومي قدره (274 برميل/اليوم).

ولو طبقنا الجدول (1) على إنتاجية (274) برميلاً/اليوم كمعدل للسنة الأولى في باكن، نرى أن معدل إنتاجية البئر اليومية سوف تكون في السنة الثانية (178) برميلاً يومياً، وفي السنة الثالثة (125) برميلاً يومياً، وفي الرابعة (100) برميل يومياً، وفي الخامسة (80) برميلاً يومياً.

إن الوضع في منطقة إيكل فورد هو أسوأ من سابقه، إذ إن معدل إنتاجية البئر في سنته الأولى العالية هو (80) ألف برميل/السنة، (أي 219 برميلاً/اليوم) في السنة الأولى، و(131) في السنة الثانية، و(59) برميلاً يومياً في السنة الخامسة.

علينا أن نلاحظ أن إنتاج النفط الصخري يصاحبه إنتاج الغاز الطبيعي والمكثفات (السوائل الغازية Natural Gas Liquids NGL)، وهي غير (liquefied natural gas) أي الغاز الطبيعي المسال لغرض النقل بناقلات الغاز المسال. إذ إن ما يقرب من (13%) من الإنتاج هو من السوائل الغازية والغاز الطبيعي، وذلك في موقع باكن (باحتساب المكافئ الحراري للمنتجات الهيدروكربونية)، وتصل النسبة إلى (25-30%) في الموقعين الآخرين (إيكل فورد وبيرميان).

ومن هنا نرى مقدار الاستثمارات الهائلة والكلف الباهظة في إنتاج النفط الصخري، ولكنه في الوقت نفسه يحقق أرباحاً جيدة لارتفاع أسعار النفط، ولهذا فليس من الغريب أن يتوقع المعنيون في النصف الأول من عام 2014 (وقبل بدء انهيار الأسعار)، أنه سيتم استثمار مبالغ إضافية في تطوير إنتاج النفط الصخري تصل إلى (150) مليار دولار في سنة 2015 لوحدها، حسب حديث الوكيبيديا عن النفط الصخري/النفط المحصور tight oil(7ج).

 

 

(2)                           الفروق بين الإنتاج في النفط الصخري والإنتاج في النفط العادي

يشبه الخبير النفطي ليوناردو ماكويري(7أ) في دراسته "The Shale Oil Boom: A US Phenomenon إزدهار النفط الصخري: ظاهرة امريكية"، الفروق بين إنتاج النفط الصخري والنفط التقليدي، بأن إنتاج الأخير يشبه عمل الجيش النظامي، بينما الأول يشبه عمل مجموعات حرب العصابات. إذ إن إنتاج النفط والغاز التقليديين تقوم به الشركات والحكومات من خلال خطط موسعة تأخذ بنظر الاعتبار احتياطي الحقل وعمره وطريقة الإنتاج منه، وتضع خطط الإنتاج والبيع على المدى القصير والمتوسط والبعيد. أما عمل الشركات المنتجة للنفط الصخري، فهي مثل عمل مجموعات حرب العصابات guerrilla groups، التي تعمل بتكتيكات يومية وفي نطاق عمل ضيق micro-scale، في مناطق متفرقة، وبمرونة عالية في اصطياد الفرص أول توفرها.

إن القطاع النفطي التقليدي هو عمل طويل الأمد –حسب عمر الحقل- ويحتاج إلى إمكانية فنية تنظيمية لسنوات عديدة، وأحياناً لعقود عديدة. فعند العثور على حقل يمكن تطويره اقتصادياً، فإنه يحتاج إلى تحضيرات وتصاميم للتطوير تصل إلى مدة تقدر بعامين، وقد تستغرق فترة 8-10 سنوات لبلوغ حالة الاستقرار في الإنتاج. وبهذا تحتسب الشركات والحكومات كميات الإنتاج وتدرس السوق ومتطلباته وتضع عدداً من الخطط البديلة.

كل هذا يتبدل جذرياً في إنتاج النفط الصخري، فهو يعمل في مناطق عديدة صغيرة يتطور الإنتاج فيها سريعاً وينتهي سريعاً. وفي الواقع لا تحتاج الشركات إلا شهوراً قليلة بين فترة الحصول على الإجازة حتى المباشرة بالحفر والإنتاج، مع أخذها بنظر الاعتبار الإنتاج بأقصى سرعة، لأن إنتاجية البئر سوف تتناقص إلى النصف تقريباً بعد سنة من بدء الإنتاج. لهذا تعمل بسرعة في الظرف السعري المناسب للنفط لاسترجاع الاستثمار والحصول على الربح قبل هبوط الأسعار. إن من الوهم الاعتقاد بإمكانية القضاء على النفط الصخري، إذ باستطاعته الرجوع إلى حفر الآبار، والرجوع إلى السوق خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة شهور، (أو حتى أسابيع قليلة)، وذلك عند تحسن الأسعار. لهذا يجب التعامل مع ظاهرة النفط الصخري بصورة معاكسة، وذلك في تحسين الأسعار النفطية، وجعل منتجي النفط الصخري يستنزفون مناطق إنتاجهم، وفي الوقت نفسه تبقى أسعار النفط عالية. لا يمكن إنهاء ظاهرة إنتاج النفط الصخري من خلال "هدم المعبد على رؤوسنا" بتخفيض الأسعار. إذ حالما تتحسن الأسعار يرجع ازدهار النفط الصخري، لذا علينا تشجيع إنتاجه لرفع أسعار النفط عالمياً.

إن الاختلاف الآخر بين إنتاج النفط الصخري والنفط العادي، هو وجود اختلافات كبيرة في إنتاجية البئر ضمن رقعة النفط الصخري، وذلك بين منطقة وأخرى قريبة، بسبب تعقيدات جيولوجية مهمة، تؤثر بشكل كبير في إنتاجية البئر. ونرى أن شركات النفط الصخري، وهي على العموم شركات نفطية صغيرة مستقلة، تركز على الربح السريع، وتركض وراء المناطق الأغزر إنتاجية ضمن رقعة امتيازهم، وحالما تكتشف مثل هذه المناطق الغزيرة الإنتاج تنقل حفر الآبار إليها مباشرة. ويرى معظم المراقبين أن هذا التوجه في طريقة الإنتاج الذي أدى إلى ازدهار إنتاج النفط سينتهي قريباً، ليس بسبب انخفاض أسعار النفط، وإنما بسبب نفاد النفط الصخري من المناطق غزيرة الإنتاج. وأن الرجوع إلى المناطق الأخرى الأقل إنتاجية ستكون بكلف أعلى، علاوة على ضياع الكثير من الاحتياطي الموجود فيها. لهذا كان من واجب الدول المصدرة تشجيع إنتاج النفط الصخري وعدم ترك تخمة هائلة في السوق النفطية، الأمر الذي أدى إلى انهيار الأسعار.

إضافة إلى ما سبق، فإن اقتصاديات النفط الصخري تتأثر كثيراً بالكلفة التي تدفعها الشركات لكل أيكر، فمثلاً عندما دخلت الشركات منطقة إيكل فورد لأول مرة فإنها كانت تدفع مقابل "رخصة الأيكر Acreage lease" بين (250-450) دولاراً للأيكر الواحد فقط، وذلك في السنوات 2007-2009، بينما الشركات التي جاءت لاحقاً، مثلاً في حزيران 2011، دفعت (21-22) ألف دولار للأيكر الواحد.

لهذا نجد أن الكلف الأساسية في إنتاج النفط هي كلف حفر البئر وقيمة الإجازة، وكلف الريع الذي يدفع إلى صاحب الأرض عند الإنتاج.

(3) بعض اقتصاديات النفط الصخري

طرأ تحسن كبير على اقتصاديات إنتاج النفط الصخري، منذ عام 2007 وحتى 2013، بسبب معرفة أكبر لجيولوجية الطبقات الصخرية، وتحسين أداء الحفر. إذ إن هناك تحسين في كفاءة المواد الكيمياوية المستعملة في التكسير الهيدروليكي، كذلك زيادة مراحل التكسير في القسم الأفقي من البئر (أي زيادة عدد مناطق التكسير ضمن البئر نفسه)، بحيث تؤدي إلى زيادة إنتاجية البئر. وأخيراً تم تطوير حفر عدة آبار في مكان واحد، مما ساهم في تخفيض كلفة الحفر، نتيجة تقليل تنقل أجهزة الحفر من مكان إلى آخر. إضافة لذلك، فبعد ازدهار "ثورة الغاز الصخري"، وانخفاض أسعار الغاز الأميركي بدءاً من عام 2011، تحولت الاستثمارات من الغاز الصخري إلى النفط الصخري، فوفرت الأموال ومعدات الحفر والمتخصصين للنهوض بعملية إنتاجه. إضافة إلى إجراء التطويرات والتحسينات في أداء معدات الحفر، والعمل على زيادة كفاءة العاملين عليها، ما خفض مدة حفر الآبار وإكمالها إلى النصف تقريباً.

فمثلاً في منطقة إيكل فورد، تم حفر عدد من الآبار إلى عمق (17) ألف قدم، -أي (5185 متراً)- في أقل من تسعة أيام، مقارنة بمدة (18) يوماً في 2010-2011.

إن كلفة ما قبل إنتاج البئر تختلف من منطقة إلى أخرى، حتى في الرقعة المجازة نفسها. ففي رقعة باكن، تصل الكلفة من (7,3-10,2) مليون دولاراً للبئر الواحد. يضاف إليها (1,5-2) مليون دولاراً/السنة (وهو ما يمثل الريع royalty، والكلف التشغيلية وغيرها. ويمثل الريع الذي يدفع لأصحاب الأراضي حوالي 15-20% من الكلف التشغيلية، التي تعادل 6-8 دولارات/البرميل) للبئر الواحد. ونجد الكثير من الآبار يسدد النفقات الاستثمارية والتشغيلية وكلفة الإجازة واسترداد رأس المال في سنة واحدة، عند افتراض أن سعر النفط (85) دولاراً للبرميل الواحد، (وهذا في فترة إعداد الدراسة الاقتصادية المشار اليها أعلاه في أوائل 2013)(7أ).

إن الكلفة الكلية للبئر تصل إلى:

(7,3 إلى 10,2) مليون دولاراً كلفة البئر + (1,5-2) مليون دولاراً أخرى، لنصل إلى (8,8-12,2) الكلفة الكلية (أو معدل 10 ملايين دولاراً للبئر).

إن معدل إنتاج البئر في السنة الأولى في باكن هو (100) ألف برميل، وعندما يباع هذا الإنتاج بمبلغ قدره (85) مليون دولاراً. فهو لا يغطي استرداد رأس المال في السنة الأولى. ولكن قسماً من الآبار ينتج أكثر من (100) براميل/السنة، وعند وصول إنتاجية البئر إلى (120) ألف برميل/السنة، فإن العائد يصل إلى (10,2) مليون دولاراً، فيغطي جميع التكاليف في السنة الأولى.

ما يجب ملاحظته أن الأسعار وصلت في 2013، والنصف الأول من 2014، إلى أكثر من (85) دولاراً للبرميل، كما أن البئر ينتج إضافة إلى النفط ما يعادل 13% من إنتاجيته من الغاز والسوائل النفطية، (كما ذكرنا سابقاً)، وبهذا فإن أغلب الآبار كانت تسترد ما أنفق عليها من السنة الأولى.

وهذا ما يؤكد مرة أخرى عدم إمكانية إنهاء صناعة النفط الصخري، كما يفسر كيفية بقاء النفط الصخري في السوق حتى مع  وصول الأسعار إلى (40-50) دولاراً للبرميل، إذ إن الاستثمارات مع الأرباح قد تم استردادها، وظلت الكلف التشغيلية لوحدها. وسنرى أن النفط الصخري لم يبق فقط بل زاد من إنتاجيته في السنتين 2014 و2015، على الرغم من انقطاع الاستثمارات الجديدة عنه، أو على الأقل قلت إلى درجة كبيرة، وذلك بانتظار ارتفاع الأسعار مجدداً. وسنعود إلى هذا الموضوع لاحقاً.

نود أن نضيف هنا، أن الدراسة المعنية التي أشرنا إليها، قد حددت نقطة التوازن Break-even point بـ(85) دولاراً/ البرميل للحصول على اقتصاديات جيدة للنفط الصخري، دون أن تأخذ عوائد الإنتاج الإضافي للغاز والسوائل الغازية (التي هي حتى أغلى من النفط). ولو أخذنا منطقة باكن كمثال، فإن معدل الغاز الطبيعي والسوائل الغازية فيها (13%)، ولذا فإن نقطة التوازن سوف تصل إلى (75) دولاراً/البرميل.

يضيف معد الدراسة قائلاً: "علماً –وللغرابة- فإن هناك منتجين للنفط الصخري وفي مناطق جيدة الإنتاج، تصل نقطة التوازن عندهم إلى (40) دولاراً للبرميل وأقل. وهذا يتم عندما تقوم الشركة بتقليص النفقات وتحسين الأداء". ويضيف: "إن الكلف قلت بين 2010 و2012 بحوالي 30%، وسوف يستمر السير في هذا الاتجاه".

إضافة لذلك فإن الشركات قد تستمر بالحفر، حتى لو انخفضت الأسعار بحدود معينة كي لا تفقد إجازات الحفر التي ينتهي مفعولها بعد ثلاث سنوات في حال عدم العمل في الرقعة المجازة أو توقف العمل فيها.

لقد قام كاتب الدراسة(7أ)، في وضع سيناريو لسعر West Texas Intermediate WTI يصل إلى (85) دولاراً للبرميل في 2013، و(80) دولاراً للبرميل في سنة 2014، و(75) دولاراً للبرميل في سنة 2015، و (65) دولاراً للبرميل في سنة 2017 وما بعدها. كما افترض استمرار التخفيض في تكاليف الحفر وإكمال البئر لتصل إلى (8%) سنوياً اعتباراً من 2017. كما افترض أيضاً إيجاد تسهيلات في نقل النفط الصخري (إذ ينقل حالياً بواسطة السكك الحديدية بكلف عالية)، مما سيؤدي إلى تخفيضات في الكلفة.

وافترض كذلك أن من سنة 2013 إلى 2017 سيتم إكمال (6000) بئر منتجة سنوياً، ثم وصل إلى الاستنتاجات التالية:

-       أن على الشركات في منطقة باكن Bakken أن تبيع النفط بسعر (60-65) دولاراً للبرميل لتحصل على (Internal Rate of Return IRR) يعادل 8%. أما في إيكل فورد فعلى الشركات أن تبيع النفط بسعر (55) دولاراً للبرميل الواحد لتحصل على IRR يعادل 8%.

-       إذا تم هذا السيناريو فإن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يصل إلى (5) ملايين برميل يومياً في سنة 2017، مقارنة مع نهاية 2012 والذي كان (1,5) مليون برميلاً سنوياً.

-       إن النفط الاعتيادي وصل ذروته في الولايات المتحدة وبطريق التنازل، ولكن الجهود الحقيقية لزيادة نسبة الاسترجاع recovering ratio، قد تؤخر ذلك. وضمن هذه الجهود استخدام تقنيات النفط الصخري، مثل الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي.

وعلى افتراض ثبات إنتاج النفط التقليدي توصلت الدراسة إلى الجدول (3) أدناه لتوقعات الإنتاج في الولايات المتحدة إلى سنة 2017 للسوائل الهيدروكربونية وغيرها.

جدول رقم (3)

توقعات إنتاج السوائل الهيدروكربونية وغيرها

في الولايات المتحدة (مليون برميل يومياً)

السوائل الهيدروكربونية وغيرها

معدل إنتاج 2012

الإنتاج الفعلي في نهاية 2012

الإنتاج في بدايات 2017

1-      النفط التقليدي

5,3

5,4

5,4

2-      النفط الصخري

1,14

1,5

5,0

3-      السوائل النفطية NGL

2,3

2,5

3,5

4-      البايوفيول وغيرها (الكحول)

1

0,9

1

5-      إضافات المصافي

1

1

1

-      مجموع النفط الخام 1 + 2

6,44

6,9

10,4

-      مجموع جميع السوائل الهيدروكربونية

10,74

11,3

15,9

         

-       إن إضافات المصافي، هي التي تتم بمعاملة النفوط بمواد أخرى مثل الهيدروجين، تؤدي إلى زيادة حجومها.

-       إن إنتاج النفط الخام والبالغ (10,4) مليون برميل يومياً سيكون أعلى معدل إنتاج للنفط الخام في الولايات المتحدة، منذ وصولها إلى قمة الإنتاج في سنة 1970 والبالغة (10,9) ملايين برميل في اليوم.

علماً إن الدراسة (والمعدة في أوائل 2013)، ذكرت أن هبوط أسعار النفط لمدة طويلة يؤدي إلى انخفاض في عمليات الحفر وبالتالي انخفاضاً في كميات النفط الصخري. وكذلك يؤثر انخفاض الأسعار في إنتاج النفط التقليدي، وذلك بتقليل عمليات التحري والتطوير النفطي الأميركي، خصوصاً في خليج المكسيك والمناطق البحرية العميقة جداً ultra-deep offshore، حيث يحتاج إلى استثمارات عالية جداً.

(4)       الإنتاج الأميركي للنفط

لقد أثارت السعودية ضجة إعلامية في أواخر 2013 والنصف الأول من 2014، مع إغراقها السوق العالمية بالنفط وبالتالي تقليل الأسعار، وانتشرت الضجة بين الإعلاميين العرب، (عن عدم معرفة وسوء تصور، أو بتأثير من السعودية)؛ وفحوى تلك الضجة أن النفط الصخري المنتج في الولايات المتحدة سيجعلها مكتفية ذاتياً، وأنها سوف تبدأ بتصدير النفط مما سيؤثر سلباً في أسواق النفط السعودية والدول المصدرة الأخرى!!. علماً إن الولايات المتحدة ما زالت تستورد 40% من احتياجاتها النفطية، وإن حوالي 50% من العجز التجاري الأميركي سببه استيراد النفط ومشتقاته لتغطية ذلك العجز والاستهلاك. "وإن ظاهرة النفط الصخري في الولايات المتحدة وما صاحبها من تهويل لن تؤثر لا من قريب أو بعيد في مستقبل النفط العربي. وببساطة فإن ما تستورده الولايات المتحدة من النفط الخام ومشتقاته يزيد عن إنتاج الكويت والإمارات العربية مجتمعتين"، كما يقول الدكتور عبد الحي زلوم(7ب).

ولننظر في إنتاج الولايات المتحدة لسنة 2013، وهي السنة التي قامت السعودية فيها بضجتها.

جدول رقم (4)

الإنتاج الأميركي في سنة 2013

مليون برميل/اليوم

1-      (7,4)

إنتاج النفط بما في ذلك (3,2) مليون برميل يومياً من النفط الصخري.

2-      (2,5)

من السوائل الغازية المصاحبة لإنتاج الغاز والنفط الصخريين.

3-      (1,0)

من البيوفويل biofuel، الميثانول، والإيثانول المنتج من المواد الزراعية.

4-      (1,3)

من اتحاد الهيدروجين مع السوائل النفطية المكررة (الهدرجة) في مصافي التكرير.

12,2

مجموع السوائل الهيدروكربونية وغيرها.

 

أنتجت السعودية في سنة 2013 ما يعادل (11,9) مليون برميل يومياً، مقارنة بكمية (7,4) مليون برميل للولايات المتحدة. ولو أضفنا لإنتاج السعودية السوائل الغازية والكميات الناتجة عن الهدرجة لتجاوزت الكمية المنتجة (12,2) مليون برميل/اليوم والمبينة للولايات المتحدة. علماً إن السعودية ستزيد من طاقتها الإنتاجية (2) مليون برميل يومياً خلال السنتين القادمتين(7ب).

أما الإنتاج الأميركي لجميع السوائل في 2014 فقد كان (12,6) مليون برميل يومياً، ولهذا قيل إن النفط الأميركي تجاوز الإنتاج السعودي لسنة 2014، والبالغ (10,3) مليون برميل في اليوم. وفي الواقع فإن هذه مقارنة خاطئة، فالإنتاج النفطي في الولايات المتحدة في سنة 2014، كان (8,7) مليون برميل/اليوم.

ووصل معدل إنتاج النفط الأميركي في سنة 2015 حوالي (9,36) مليون برميل يومياً مقابل (10,14) مليون برميل يومياً للسعودية (للنصف الأول من سنة 2015)(7ب).

ولو رجعنا لسنة 2014 لوجدنا أن الولايات المتحدة استهلكت (19,03) مليون برميل/اليوم من السوائل الهيدروكربونية، مقابل معدل إنتاجها البالغ (12,6) مليون برميل من هذه السوائل، لذا فإنها استوردت ما يعادل (6,4) مليون برميل يومياً من النفط ومشتقاته، وهذا يمثل 41% من حاجتها النفطية، و34% من حاجتها الكلية للسوائل الهيدروكربونية. هذا وإن الاستيراد الأميركي وصل ذروته في سنة 2007 وانخفض في سنة 2012 إلى (8,3) مليون برميل يومياً، ثم انخفض في سنة 2014 إلى (6,4) مليون برميل يومياً. إن تقليل الاستيراد ليس بسبب زيادة الإنتاج الأميركي فقط، ولكن بسبب زيادة كفاءة استخدام الطاقة في الولايات المتحدة.

مما سبق نرى أن ما اتخذته السعودية من إجراء لم يؤد إلى تقليل الإنتاج النفطي الأميركي، بل ازداد، مقللاً استيرادها إلى (6,4) مليون برميل يومياً بسعر أرخص جداً وموفراً لأميركا ما يقارب من (130) مليار دولار (بافتراض فرق سعر حوالي 55 دولار للبرميل) لسد العجز التجاري الأميركي.

إن السعودية لم تحقق ما ادعته أنه غايتها، فالنفط الصخري استمر وزيد في إنتاجه، إذ زاد إنتاج الولايات المتحدة، وحسنت العجز في ميزانها التجاري بما يعادل النصف. في الوقت نفسه خسرت السعودية مبالغ طائلة تزيد عن (200) مليار دولار، وأحدثت ضرراً بالغاً في اقتصاديات روسيا وإيران والعراق وفنزويلا وآخرين، في الوقت الذي تقوم فيه الدول الثلاث الأولى بمحاربة داعش والتصدي للإرهاب العالمي، كما تقف الأخيرة، أي فنزويلا، إلى جوار الدول المحاربة للإرهاب وتقوم الولايات المتحدة بشتى الوسائل لإسقاط حكومتها الاشتراكية.

وهنا يطرح سؤال نفسه، هل كانت تلك الخطوة نتيجة لغباء السعودية؟، هذا أمر أستبعده كثيراً، فالسعودية عندها من الخبراء السعوديين والأجانب الكثير. وإذا كنت أنا قد توصلت إلى ما توصلت إليه عن النفط الصخري، بإمكانيات فردية متواضعة جداً، فهل خفي هذا الأمر على "خبراء" السعودية. أم أن هذا الأمر كان مقصوداً، ومن باب "نظرية المؤامرة"، والسعودية خبيرة في ذلك، إذ اتخذت الأسلوب نفسه في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي(2)، ونجحت مع الولايات المتحدة في إضعاف الاقتصادين العراقي والسوفيتي في حينه. أما الآن فهي تعرف أن المتضرر الأول سيكون العراق، وهي تسعى لإسقاط نظامه وإنعاش الإرهاب وبث الفوضى فيه. كما تسعى لإضعاف الاقتصادين الروسي والإيراني، وهما الدولتان اللتان تقفان ضد السياسة الأميركية-السعودية في سوريا والعراق. أما إضعاف الاقتصاد الفنزويلي فهي خدمة مجانية إضافية تقدمها إلى الولايات المتحدة!!.

(5)                                  هل ينجح إنتاج النفط الصخري خارج الولايات المتحدة؟

إن الجواب على هذا السؤال أمر غير واضح. فالمشكلة البيئية وكثافة حفر الآبار يجعل من الصعب إنجاحه في المناطق المزدحمة مثل معظم أوربا. ولكن على العموم علينا ملاحظة ما يأتي:

في سنة 2012، كان هناك (3518) جهاز حفر في العالم ، منها (1919) جهاز موجود في الولايات المتحدة، تليها كندا، إذ يوجد فيها (356) جهازاً.

وبالنسبة لأجهزة الحفر في أميركا، فإن أكثر من 90% منها جاهزة للحفر الأفقي مباشرة، مقارنة بأقل من (10%) في بقية أنحاء العالم. إن في منطقة باكن وحدها يوجد حوالي (500) جهاز نشط في الحفر، بينما في جميع أوربا يوجد فقط (119) جهاز حفر.

إن من أسباب نجاح النفط الصخري في الولايات المتحدة، وصعوبة تقدمه في البلدان الأخرى، هو أن الشركات النفطية المستقلة (وهي المغامرة اعتيادياً) هي ظاهرة موجودة في الولايات المتحدة وغير موجودة في العالم. فمن الناحية العملية، نرى أن أكبر (20) شركة تعمل في باكن، وإيكل فورد – في أوائل 2013- هي شركات مستقلة صغيرة وعملها الأساس في الولايات المتحدة. هناك ثلاث شركات كبرى، وهي أكسن موبيل وكونوكو فيليبس وستات أويل النرويجية، قررت الدخول في مضمار النفط الصخري من خلال استحواذها على شركات مستقلة موجودة على الأرض. إن الشركات المستقلة الصغيرة الأميركية لها معرفة وخبرة بإدارة "الآبار الناضبة stripper wells"، وهذه الآبار هي التي تنتج بين (10-15) برميلاً يومياً. وحسب تعاريف EIA هي تلك التي تنتج (15) برميلاً يومياً، ولكن في الولايات المتحدة، فإن تعريف البئر الناضب يصل إلى (10) براميل يومياً.

كذلك فإن ما ساعد تطوير النفط الصخري الأميركي هو توفر الاستثمارات وبفائدة مصرفية بسيطة جداً، إذ إن سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) هي توفير الأموال لإيجاد الأعمال وتقليص البطالة، بالإضافة إلى أن هذا الأمر يساهم بصورة مباشرة بدعم السياسة الاستراتيجية الأميركية في محاولة الاكتفاء الذاتي النفطي، لهذا فإن هذه الشركات حصلت على دعم كبير، بضمنه الدعم المالي، في تطوير النفط الصخري.

إن المرشح الأول لتطوير النفط الصخري هي روسيا، وبوجود (75) مليار برميل احتياطي لهذا النوع من النفوط، وهو الأعلى في العالم (كما مبين في الجدول رقم 1). وخصوصاً في غرب سيبيريا، حيث التركيب الأعظم "Bazhev formation". والظروف المواتية للتطوير، حيث سيتم هذا الأمر من قبل الشركات الحكومية، كما إن روسيا مترامية الأطراف، ولكن روسيا لديها ما يكفي من الإنتاج النفطي الاعتيادي ومصدر نفط كبير، ولهذا ستترك هذا الأمر لظروف مستقبلية أنسب.

أما المرشح الثاني لتطوير النفط الصخري فهي الصين، فلديها الاحتياطي الثالث والبالغ (32) مليار برميل (الجدول رقم 1)، حيث ستكون الحكومة الصينية المستثمر الأساسي، وإن الصين هي المستورد الأكبر للنفط في العالم. ولكن الصين ترى هذا الاحتياطي هو ضمان جزئي للمستقبل. هذا وإن الشركات الصينية الحكومية والخاصة تستثمر في الغاز الصخري والنفط الصخري الأميركي، لغرض الحصول على المعرفة والخبرة، خصوصاً فيما يتعلق بالغاز الصخري حيث له احتياطي جيد في الصين.

(6)       النفط الصخري الأميركي: هل يشكل خطراً على نفط الشرق الأوسط؟

تحتوي هذه الفقرة على كمية كبيرة من الارقام التي قد تثير الارباك لدى القارئ، وقد اضطررت لايرادها من مصدرين مختلفين بسبب عدم وجود مرجعية واحدة متفق عليها ولكثرة المتغيرات والمستجدات في هذا الحقل، ولكن من المهم الاشارة الى ان المحتوى والاستنتاجات لكلا المصدرين متقاربة. ويمكن للقارئ الكريم ان يتجاوز التفاصيل وينتقل مباشرة الى نهاية الفقرة حيث تمثل خلاصة الاستنتاجات والاراء الذي تثبتها بشكل قاطع هذه الارقام.

دأب الصديق سعد الله فتحي على الكتابة المستمرة حول قضايا الطاقة في مقالات قيمة في الصحيفة الإماراتية الرصينة "أخبار الخليج"، بنسختها الإنكليزية "Golf News". ويعتمد سعد الله في كتاباته على مصادر معروفة ومتخصصة في بحوث الطاقة مثل "إدارة معلومات الطاقة الأميركية Energy Information Administration EIA"، و"وكالة الطاقة الدولية International Energy Agency IEA"، و"دائرة دراسات الطاقة لدول أوبك". وتكمن أهمية مقالاته في تحليلاته الرصينة، لاسيما أنه كان يشغل منصب "رئيس دائرة دراسات الطاقة في أوبك".

كتب عدداً من المقالات عن النفط الصخري وتأثيراته في السوق النفطية العالمية، وذلك منذ بداية بروز ظاهرة النفط الصخري وحتى الآن(7و-ي). وكنت أتمنى لو أن كتاباته هذه كانت باللغة العربية، لوضعتها كمرفق لهذه الدراسة. وعلى أية حال فقد أشرت إليها في مواضع عديدة، وأحاول هنا أن أختزلها بشكل رؤوس للأقلام، لتعضيد ما سبق ذكره. إذ يؤكد الأستاذ سعد الله دائماً أن هناك "تضخيماً وتهويلاً" لظاهرة النفط الصخري الأميركي، ويحذر –بصورة مباشرة أو غير مباشرة- من أن هذا "التهويل" قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير صائبة من بعض دول الشرق الأوسط. ولقد تم ذلك بالفعل ، حيث انهارت الأسعار، بعدما اتخذت السعودية قرارها في حزيران 2014 بإغراق السوق العالمي بالنفط، تحت ذريعة ما يحمله النفط الصخري من خطر على نفوط الشرق الأوسط، ولو استمر إنتاجه فسوف يؤدي إلى "ازدهاره"، وتصبح الولايات المتحدة دولة مكتفية ذاتياً من النفط، مع احتمالات تصديرها له –على حسب ادعاء السعودية-!!، ولذلك يجب على دول أوبك "إنهاء" صناعة النفط الصخري، بتحطيم الأسعار النفطية العالمية لإخراجه من السوق!!.

أشار الأستاذ سعد الله ساخراً في 10/2/2013(7و) إلى مقال نشر في صحيفة الواشنطن تايمز في 4/2/2013، إذ يقول: "هناك مدرسة حمقاء في تحاليلها التي تعتقد أن الإنتاج النفطي المزدهر في الولايات المتحدة، سيجعل استقلالها في الطاقة أمر بمتناول اليد، وأن الإنتاج من النفط الصخري، أو الرمال النفطية، أو الحفر في المناطق البحرية البعيدة، والمزدهر حالياً في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيرها، يقلق الكارتيل النفطي –يقصد دول أوبك-، وأن تجهيز الشرق الأوسط المهم للنفط سيكون قريباً شيئاً من الماضي". وكذلك يشير –وبسخرية- إلى مقال في صحيفة Reckoning Daily، التي تقول حول أميركا والمصادر النفطية الأميركية بأنها: "أرض تحوي كميات كافية من النفط والغاز الممكن استخراجه، ليجعلنا ننسى أمر الشرق الأوسط لبقية الدهر". ويقول آخر: "لن نقلق مرة أخرى بسبب استيراد النفط من السعودية، أو من هيوغو شافيز –فنزويلا- أو من ملالي طهران… فقد نرى ناقلات النفط تنتظر لتصدير النفط الأميركي الهائل إلى بقية أنحاء العالم"!!.

وفي المقالة نفسها يشير إلى الدراسة المهمة: "توقعات الطاقة السنوية 2013 Annual Energy Outlook 2013"، التي أصدرتها EIA، "الذراع البحثي لوزارة الطاقة الأميركية"، بقوله: "إن اعتماد الولايات المتحدة على الاستيراد انخفض من 60% في 2005 إلى 45% في 2011،…ويتوقع أن يصل إلى 37% في 2035". كما أشار إلى أن الانخفاض في الاستيراد الأميركي لم يكن بسبب زيادة الإنتاج النفطي الأميركي، وإنما كان في الانخفاض الكبير في الطلب على النفط، نتيجة الأزمة المالية المستمرة منذ 2008. وتقول EIA: "إن الاستيراد الأميركي لسنة 2012 بلغ (8,82) مليون برميل يومياً، ويتوقع أن يصل إلى (7,52) مليون برميل يومياً في سنة 2015".

أما شركة BP، كما جاء في المقال نفسه، فإنها تتوقع أن يصل إنتاج النفط الصخري إلى حوالي (6,5) مليون برميل يومياً في الولايات المتحدة، وحوالي (9) ملايين برميل يومياً في العالم.

وجاء في مقالة له نشرت في 26/5/2013(7-ح)، أن توقعات EIA الأخيرة تقول: "إن نسبة الاستيراد في أميركا في 2014 كانت 40% من الحاجة الأميركية (حوالي 8,5 مليون برميل يومياً)، واحتمال انخفاضها في 2014 إلى 32% في سنة 2014، وتتراجع تدريجياً إلى 37% بحلول عام 2040".

وفي مقالته في 2/2/2014(7ز)، يقول: وحسب توقعات شركة BP أن يزداد النفط الصخري إلى (4,5) مليون برميل يومياً في سنة 2025، ويتوقع البعض أن تتم هذه الزيادة في 2020، وبعدها ينخفض الإنتاج. وتبعاً لشركة BP، أنه وفي أحسن الظروف، فإن إنتاج النفط الصخري والسوائل الغازية قد يصل إلى (15) مليون برميل يومياً في سنة 2020. وفي كل الأحوال فإن إنتاج النفط الصخري، وإنتاج نفط الرمال والبايوفيول والسوائل الغازية، ستمثل إلى 15% فقط من الطلب العالمي للنفط في عام 2035.

وكان قد قال في 3/3/2013(7ط)، ونقلاً عن رويترز في 27/2/2013، إن أكبر تأثير لإنتاج النفط الصخري الأميركي كان في النفط الكندي، حيث أدى إلى قيام شركة Suncor Energy الكندية بإعادة النظر في خططها لصرف مليارات الدولارات لتطوير إنتاجها في شمال ألبرتا. كما وإن النفط الصخري الأميركي لم يؤثر في صادرات نفط الخليج العربي إلى الولايات المتحدة، والبالغ حوالي (2) مليون برميل يومياً، وهو أمر يتماشى مع استيراد أميركا لهذا النفط في العشرين سنة الماضية.

ونود أن نضيف هنا أن استيرادات أميركا في سنة 2013 كانت (2,2) مليون برميل/اليوم من كندا، و(2,2) مليون برميل يومياً من الخليج العربي، (منها 1,25 مليون برميل/اليوم من السعودية)، و(1,05) مليون برميل يومياً من المكسيك، و(0,95) مليون برميل يومياً من فنزويلا، و(0,5) مليون برميل يومياً من نيجيريا. وإن الضرر الكبير في استيرادات الولايات المتحدة سيكون على حساب نيجريا (حيث النفط الخفيف)، وعلى نفوط كندا وفنزويلا حيث الكلفة الإنتاجية المرتفعة جداً، أما فيما يتعلق بنفوط الشرق الأوسط، فإن المشكلة في تسويق نفطهم ستكون في التنافس فيما بينهم لغزارة إنتاجهم(7أ).

يتحدث السيد سعد الله في مقالة له في 4/10/2015(7ي)، والتي هي بالأساس حول توقعات العرض والطلب العالمي على النفط، ويرى فيها "التناقضات" التي تشوب المؤسسات البحثية العالمية المرموقة عن تلك التوقعات، وتأثير النفط الصخري الأميركي فيها. ونستمر مع ما جاء في هذه المقالة، لنصل إلى أن معدل أسعار 2015 هو الأدنى منذ 2005، إذ كان معدل آب 2015 هو الأدنى فيها. وآخر سعر وصله نفط برنت (وقت تاريخ نشر المقالة في 4/10/2015)، هو (48,23) دولاراً للبرميل، وسعر نفوط سلة أوبك (43,54) دولاراً للبرميل. وكما نرى فإن هناك فرقاً يدور حول (5) دولارات/البرميل ما بين أسعار برنت وسلة أوبك، كما وإن هناك فرقاً قد يزيد قليلاً عن (5) دولارات بين أسعار برنت والنفط الأميركي المتوسط، إذ إن برنت أعلى اعتيادياً من النفط الأميركي.

ويشير المقال إلى تقرير (وكالة الطاقة الدولية International Energy Agency IEA)، حول "تقرير السوق النفطية Oil Market Report"، لشهر أيلول 2015، والذي يتوقع أن ينخفض العرض النفطي من خارج أوبك بحوالي (0,5) مليون برميل يومياً، وهو أكبر انخفاض للإنتاج في عقدين، والمهم أن تجهيز النفط الصخري (العرض) سوف ينخفض بحدود (0,4) مليون برميل يومياً في سنة 2016. لهذا فإن الزيادة القياسية التي تمت في إنتاج النفط الأميركي والبالغة (1,7) مليون برميل يومياً قد بدأت بالانخفاض السريع في إنتاج النفط الصخري، والتي استمر فيها تقليل الحفر وإكمال الآبار.

بينما ترى دراسات منظمة أوبك شيئاً مختلفاً –ولكن بالاتجاه نفسه- حسب ما جاء بالمقال أعلاه، حيث ترى زيادة متوقعة في معدلات إنتاج 2016 من خارج دول منظمة أوبك تصل إلى (0,16) مليون برميل يومياً، وهي بالتأكيد أقل من الزيادة في إنتاج النفط الصخري لسنة 2015 والمتوقع أن تكون (0,45) مليون برميل يومياً. إذ إن أجهزة الحفر العاملة في مناطق النفط الصخري الآن تبلغ (864) جهازاً، وهي أقل من نصف الأجهزة التي كانت تعمل في العام الماضي، والتي سوف تؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي في 2016 عن 2015 بحوالي (0,220) برميلاً يومياً فقط، مقارنة بزيادة سنوية بمعدل مليون برميل يومياً في السنوات القليلة الماضية. إن معدل الزيادة السنوية في النفط الصخري انخفضت إلى النصف في 2015 ويتوقع أن تنخفض إلى الربع في 2016. وهذا يعني وجود زيادة جديدة في العرض النفطي العالمي في 2016 تؤدي بالتالي إلى توقع استمرار الأسعار المنخفضة.

والآن لنرى ماذا تقول الدراسات الأميركية الصادرة عن EIA:

ففي مقالة صادرة في 30/3/2015(7-ك)، ترى: "أن إنتاج الولايات المتحدة الأميركية من النفط (بضمنه السوائل الغازية)، قد ازداد في سنة 2014 بحوالي (1,2) مليون برميل يومياً، ليصل إلى (8,7) مليون برميل يومياً، وهي أكبر زيادة في الإنتاج السنوي للولايات المتحدة منذ بدء التسجيل في سنة 1900. لقد ازداد الإنتاج في 2014 بمقدار (16,2%) عن سنة 2013. وإن معظم زيادة الإنتاج جاءت من النفط الصخري"، وتستمر المقالة لتبين: "إن إنتاج النفط في الولايات المتحدة في تزايد مستمر في السنوات الست الماضية. وهذا التوجه بالزيادة تبع فترة انخفاض مستمر في الإنتاج بين السنوات 1985-2008". وتضيف المقالة: "على الرغم من أن الإنتاج النفطي سيزداد مجدداً في 2015 وأيضاً في 2016، ولكن لن تكون الزيادة كما هي في 2014. ومنذ أواسط 2014 فإن أسعار النفط هبطت إلى النصف، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج في مناطق متوسطة الإنتاجية، وتركيز الحفر والاستثمارات في المناطق المتطورة أكثر في مواقع النفط الصخري. إن الزيادة السنوية في الإنتاج ستكون أبطأ وتصل إلى زيادة قدرها (8,1%) هذه السنة (2,15) و(1,5%) في 2016. إن الزيادة في الإنتاج بين نهاية 2014 ونهاية 2015 ستكون 200 ألف برميل يومياً".

وجاء في مقال عن EIA صادر في 4/6/2015(7ل): "لقد ارتفع الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال ارتفاع إنتاج النفط الخفيف واطئ نسبة الكبريت. و(90%) من الزيادة التي تقارب ثلاثة ملايين برميل يومياً، بين السنوات 2011 و2014 هي لنفط منخفض الكثافة تصل إلى (40 API) أو أعلى، وقد يصل إلى كثافة (50 API)، ونسبة الكبريت تقل عن (3%)، (أي مشابه لنفط طق طق العراقي)، وهو النفط الصخري الأميركي المنتج في مناطق باكن وإيكل فورد وبيرميان. على الرغم من أن الزيادة في النفط الصخري تقل بعد سنة 2015، فإن الزيادة في الإنتاج بتقديرات EIA بين 2014 و2020 ستكون 56% من النفط الصخري، و33% من النفوط متوسطة الكثافة (27-35 API) من الحقول الاعتيادية الأخرى. سيستمر النمو في الإنتاج لسنتي 2015 و2016، ليصل الإنتاج (مع السوائل الغازية) في سنة 2016 إلى (9,2) مليون برميل يومياً.

كما إن تقرير EIA "توقعات الطاقة السنوية 2015"(7م)، يقول: "إن EIA تتوقع استمرار إنتاج النفط الأميركي بالنمو إلى 2020، حيث ستتعافى أسعار النفط المنخفضة جداً، … وعند وصول الإنتاج النفطي إلى (10,6) مليون برميل يومياً في سنة 2020، يبدأ بعدها الإنتاج الأميركي بالهبوط".

ولتوضيح سبب استمرار زيادة الإنتاج رغم انخفاض الأسعار، فإن EIA تقول في تقريرها(7ن): "إن الزيادة في الحفر، وزيادة كفاءة الحفر أدت إلى زيادة كبيرة في إنتاج النفط في منطقة إيكل فورد في جنوب تكساس. إذ تمت هذه الزيادات على الرغم من انخفاض إنتاجية الآبار بعد السنة الأولى من بدء إنتاج البئر، ولكن لتقليل انخفاض الإنتاجية الطبيعي استخدمت تكنولوجيات جديدة في تحسين الاسترجاع أدت إلى زيادة الإنتاج. إن استخدام الحفر الأفقي، وزيادة مراحل التكسير الهيدروليكي، زادت من إنتاجية الآبار في بداية الإنتاج مقارنة بالسابق. ولكن هذه الزيادة بالإنتاج رافقتها زيادة في سرعة انخفاضه، إذ وصلت نسبة انخفاض الإنتاجية في السنة الأولى إلى 60-70%، وفي الوقت نفسه فإن إنتاجية البئر للسنة الثانية زادت من 30% إلى 50%. ومنذ 2013 قام العديد من المنتجين باستخدام كميات أكبر من المواد الساندة في سوائل التكسير للمحافظة على فتحات التكسير بصورة أفضل".

من كل ما سبق نشاهد الفشل الذريع للسياسة النفطية السعودية "المعلنة" للقضاء على النفط الصخري، إذ استمر الإنتاج الأميركي بالارتفاع على الرغم من انخفاض الأسعار.

وفي كل الأحوال لا أستطيع أن أفهم من الناحية المنطقية أو الاقتصادية، أسباب التخوف من النفط الصخري، وهو الذي يساعدنا أصلاً في رفع الأسعار. فالنفط الصخري لا يمثل الآن أكثر من (5-6%) من مجمل إنتاج العالم للنفط. ولا يمكن أن يمثل هو مع السوائل الغازية والبايوفيول، وكل النفوط غير التقليدية أكثر من 15% من حاجة العالم للسوائل النفطية وإلى العقد الرابع من هذا القرن. إضافة إلى ذلك فإن احتياطيات النفط الصخري التي حسبتها الـEIA التابعة لوزارة الطاقة الأميركية وذراعها الرئيسي في تقرير سياسة الطاقة للحكومة الأميركية، تقول إن مجموع احتياطي الدول الخمس عشرة التي تملك أعلى الاحتياطيات من النفط الصخري تبلغ كما جاء في الجدول (1) أعلاه بين (299-309) مليار برميل، مقارنة باحتياطيات السعودية والعراق لوحدهما البالغة (320) مليار برميل، والعراق لا يزال أرضاً بكراً بالنسبة للاكتشافات النفطية. أليس من المنطق استنزاف احتياطيات النفط الصخري وبكميات لا تزيد في كل الأحوال عن (10%) من حاجة العالم، وبيع نفطنا بأسعار عالية. أما الاحتياطيات الأخرى من النفط الصخري، أو النفوط غير التقليدية، سيكون استخراجها بكلف أعلى من النفط الصخري الأميركي الحالي، لذا ستبقى الأسعار مرتفعة. وفي كل الأحوال لا يمكن للنفط الصخري أبداً أن يزاحم نفوط الشرق الأوسط سعرياً، بل سيكون دائماً مساعداً لارتفاع الأسعار. إضافة لذلك، وفي كل الأحوال، لا يمكن القضاء على النفط الصخري، إلا إذا استمرت الدول المصدرة بتخفيض الأسعار بشدة، واستمرارها بتخفيض السعر لعقود كثيرة لحين نفاد نفط الشرق الأوسط!!!.

إذن هناك أسباب أخرى لقيام السعودية بهذه اللعبة المشينة.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

العرض والطلب في سوق النفط العالمي والنفط العراقي

حذرت صحيفة النيويورك تايمز في 25/8/2015 من تداعيات الهبوط غير المسبوق لأسعار النفط على استقرار الدول التي يعتمد اقتصادها كلياً على إيرادات مبيعاتها النفطية مثل العراق، حيث كانت أسعار النفط قبل عام (يقصد في آب 2014)، تعادل (103) دولاراً للبرميل، ووصل سعر برنت في 24/8/2015 إلى (45) دولاراً للبرميل. وأبرز الدول المتأثرة بهذا الهبوط هي العراق وروسيا وفنزويلا ونيجيريا. كما أشارت الصحيفة إلى أن أبرز المتأثرين هو العراق، حيث يجابه تهديد داعش الإرهابي، مع وجود "التنافر الطائفي"، والاحتجاجات –والمقال يتحدث عن نهايات شهر آب 2015-، ولهذا فهو بحاجة ماسة إلى أموال طائلة لمحاربة داعش، وتقليل الاحتقان الطائفي في مجتمعه. وفي روسيا أدى هبوط الأسعار إلى هبوط قيمة العملة الروسية، ما أدى إلى مضاعفة الأعباء على المستهلك للمواد المستوردة. وفي فنزويلا ونيجيريا اللتان تعتمدان كلياً على صادرات النفط، برزت مخاوف من حدوث اضطرابات وعدم استقرار اقتصادي واجتماعي، والحال نفسه في الإكوادور. إذ قال وزير الطاقة السابق للإكوادور، والأمين العام السابق لمنظمة أوبك، إن تأثير هبوط الأسعار سيكون شديداً جداً في الدول التي كانت تحلم أن هبوط الأسعار أمراً مؤقتاً ولفترة وجيزة. وقدر الخسائر التي تكبدتها الدول المصدرة للنفط مجتمعة خلال 2014 بحوالي ترليون دولار، وإن خسائر 2015 ستكون أضعاف ذلك.

ولقد أضاف مقال النيويورك تايمز أعلاه، أن "كل الدول المصدرة في الشرق الوسط تتنافس حالياً فيما بينها للحفاظ على السوق الآسيوي، (وهو أمر يزيد من تدني الأسعار). إضافة إلى ذلك فإن وزير النفط الإيراني كان قد صرح لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن إيران ستزيد من إنتاجها النفطي مهما كلف ذلك من ثمن مؤكداً أن ليس هناك بديلاً آخر، (أى استرجاع إمكانياتها التصديرية السابقة والإبقاء على أسواقها)".

وفي أدناه سنتحدث عن العرض والطلب في السوق العالمي، ودور الخطط العراقية في زيادة الإنتاج مع تفصيل موقف إقليم كردستان من عائدات الموازنات العراقية لسنتي 2015 و2016، ومن عائدات الإقليم نفسه.

2- العرض والطلب في السوق النفطي العالمي

سيكون حديثنا هنا عن توقعات العرض والطلب على النفط في السوق النفطية العالمية لسنتي 2015 و2016 وما بعدها –إن أمكن- وصولاً إلى سنة 2020. وسنعتمد بذلك على المصادر العالمية المهمة، وهي تقارير "منظمة الطاقة الدولية"(8)، وتقارير منظمة أوبك(9)، وتقارير "EIA إدارة الطاقة" التابعة لوزارة الطاقة الأميركية، والتي سبق أن أشرنا إليها في الفصل الأول، وكذلك سنعتمد على المقالات والبحوث المنشورة التي اعتمدت في معلوماتها على المصادر الرصينة من التي ذكرناها وغيرها.

وبالنظر لعدم استقرار الأسواق، والتدهور المستمر في أسعار النفط، وتأثير ذلك في الخطط الإنتاجية والاستيرادية والتصديرية للدول والشركات المعنية، سنرى اختلافات في توقعات المصادر أعلاه، نتيجة التحليلات المتباينة لتوقعات المستقبل. ولكن سنحاول أن نجد طريقنا على الرغم من هذه التباينات.

إن الطلب العالمي على النفط يتضمن الاستهلاك العالمي الفعلي له، وكذلك يتضمن الاستهلاك لغرض خزنه ، سواء للخزين الاستراتيجي للدول أو الخزين التجاري له من قبل الشركات والحكومات العالمية.

أ‌.          الخزين الاستراتيجي والتجاري

بسبب الأسعار المنخفضة جداً لأسعار النفط، فإن جميع الحكومات والشركات المستوردة للنفط قد زادت من كلا الخزينين. وبين مدة وأخرى نرى صعوداً وهبوطاً نسبيين لأسعار النفط، بسبب زيادة أو نقصان الخزين الأميركي وهو الأكبر. ولكن من الممكن القول أن الخزينين، هما الآن الأعلى من أي وقت آخر، ومن الممكن أن تكون زيادات أخرى طفيفة على الخزين، وخصوصاً في الصين، اغتناماً لفرصة الأسعار المنهارة.

وصل  الخزين التجاري لدول OECD (دول التعاون الاقتصادي والتنمية)، وهي الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى –عدا روسيا والصين-(4)، إلى مستويات عالية لم يتم الوصول إليها من قبل، حيث بلغت (2,916) مليار برميل في أوائل آب 2015، بزيادة قدرها (210) مليون برميل عن معدلات السنوات الخمس الماضية تبعاً لتقرير IEA لشهر تموز الماضي(11). أما الخزين الاستراتيجي لدول OECD فيبلغ (1,588) مليار برميل. إضافة لذلك يوجد حوالي (900) مليون برميل موجود في ناقلات النفط في جميع بحار ومحيطات العالم.

عند جمع الخزين التجاري والاستراتيجي لدول OECD نصل إلى (4,504) مليار برميل، ولو أضفنا إليه ما موجود على الناقلات النفطية واعتبرناه خزيناً أيضاً، لوصلنا إلى خزين كلي يعادل (5,404) مليار برميل.

يكفي هذا الخزين الكلي (أي 5,404 مليار برميل) للاستهلاك العالمي الحالي لمدة (57,5) يوماً.

وفي تقديراتنا وعلى ضوء الأرقام السابقة، فإن الخزين الاستراتيجي والتجاري الموجود في الدول المستوردة للنفط، يكفي لسد احتياجاتها النفطية بحدود الشهرين، ولا تتجاوز الثلاثة أشهر في كل الاحتمالات.

ب‌.     العرض والطلب للنفط لسنتي 2015 و2016

بالنظر إلى العلاقة الوطيدة، بين نمو الاقتصاد العالمي ونمو الطلب على النفط، قامت منظمة أوبك في تقريرها في 11/8/2015(9)، برصد توقعات النمو الاقتصادي العالمي قبل وضع توقعاتها للطلب النفطي العالمي. لقد كررت أوبك في تقريرها أعلاه ما كانت قد ذكرته في تقاريرها المشابهة الشهرية السابقة، وهي أن توقعات النمو الاقتصادي العالمي في سنتي 2015 و2016، ستكون حوالي 3,2% و3,5% على التوالي. أما بالنسبة للاقتصاد الصيني فإن النمو الاقتصادي في سنة 2015 سيكون 6,9%، و6,5% لسنة 2016. وتوقعت اقتصاداً أكثر نمواً للهند، إذ سيكون لسنتي 2015 و2016، بنسب تقارب 7,5% و7,7% على التوالي. أما بالنسبة لدول OECD الصناعية العالمية (وبضمنها الولايات المتحدة وكندا وكل أوربا –عدا روسيا-) فستستمر بنسب نموها الاقتصادي المتواضعة والبالغة 2,0% و2,1% لسنتي 2015 و2016 على التوالي. أما روسيا والبرازيل، اللتان أظهر اقتصادهما ضعفاً في الفترة الأخيرة، فيتوقع أن يتغلبا على ذلك جزئياً في 2016.

إن الأرقام أعلاه ولتوقعات النمو الاقتصادي، التي ذكرها تقرير أوبك، كانت قبل تهاوي أسواق الأسهم الصينية وشملت بعدها مباشرة تهاوي أسواق الأسهم في العالم قاطبة، وذلك في أواخر آب 2015. وتراوحت مبالغ الضياعات المالية في قيمة الأسهم، على نطاق العالم، ما يعادل (3-5) ترليون دولار خلال خمسة أيام من بدء الأزمة، كما جاء في سلسة مقالات يومية صدرت في جميع الصحف المالية أو الصحف الرصينة الأخرى، التي توقعت أن تؤثر هذه "الفقاعة المالية" في مجمل نمو الاقتصاد العالمي عامة والصين خاصة. لاسيما وإن هناك تباطؤاً في النمو الصناعي في الصين (مع بقاء النمو الخدمي مستمراً) مما يتوقع أن تكون النتيجة نمواً يقل عن (6,9-7%) وهو ما كان متوقعاً سابقاً. إن النمو الصيني هو قاطرة النمو العالمي، وكلما تقل نسبته السنوية تقل نسبة نمو الاقتصاد العالمي. ولكن ولغرض هذه الدراسة سنعتمد الأرقام من غير أن نأخذ نتائج انهيار سوق الأسهم في أواخر آب 2015 بنظر الاعتبار.

ذكر تقرير أوبك أعلاه، توقع ازدياد الطلب العالمي على النفط في 2015 بمقدار (1,38) مليون برميل يومياً عن سنة 2014 والبالغ (91,28) مليون برميل يومياً. وأن يزداد مرة أخرى بكمية (1,34) مليون برميل يومياً ليصل إلى (94) مليون برميل يومياً في 2016. مما يعني أن نسبة الزيادة السنوية للنفط ستصل إلى حوالي (1,5). هذا وإن هناك جهات عالمية معروفة مثل IEA ذكرت أن الطلب العالمي على النفط سيزداد بكمية (1,6) لسنة 2015، و(1,4) مليون برميل يومياً لسنة 2016(11) و(8).

بينما الأرقام قد تختلف قليلاً في تقرير IEA والصادر في 12/8/2015(8)، حيث يذكر أن الطلب العالمي على النفط في بداية الفصل الأول من 2013 بلغ (91) مليون برميل يومياًـ وتوقع أن يصل إلى (96,5) مليون برميل يومياً في الفصل الأخير من 2016، وهي أرقام تزيد بحوالي (2,5) مليون برميل يومياً عن تقرير أوبك.

كما أضاف تقرير IEA أنه على الرغم من انخفاض الأسعار استمر العرض في النفط عالمياً بالزيادة، ويتوقع أن يضيف كلاً من السعودية والعراق كمية قدرها (2,7) مليون برميل/اليوم زيادة عن 2014، ووصل إنتاج دول أوبك إلى (31,8) مليون برميل يومياً عام 2015، وهو الأعلى منذ (3) سنوات. وكما ذكرنا أعلاه فأن تقرير IEA يتوقع أن يزداد الطلب العالمي على النفط بمقدار (1,6) مليون برميل يومياً في 2015، وأضاف التقرير أنه يتوقع أن يزداد الطلب في 2016 بكمية تزيد عن طلب 2015 تقدر بـ(1,4) مليون برميل يومياً، وذلك بسبب ترسخ النمو الاقتصادي، وانخفاض الأسعار مما يزيد الطلب.

إن أهم ما جاء في تقرير IEA هو: "إن موازنتنا الأخيرة ترينا أن هناك عرض زائد (تخمة) للنفط موجود في الأسواق العالمية. وبكمية عالية جداً تبلغ (3) ملايين برميل يومياً"، ويضيف: "بافتراض أن أوبك ستستمر بضخ (31,7) مليون برميل يومياً –وهو معدل ضخها للأسواق العالمية في الأشهر الثلاثة الأخيرة- وعلى طول سنة 2016، فإن هذه (التخمة) ستقل بحوالي (0,85) مليون برميل يومياً في الربع الرابع من 2016"، ويضيف أيضاً: "إن هذه التقديرات لا تشمل الاحتمال الكبير في دخول كميات أكبر من النفط من إيران بسبب رفع الحظر عنها"(8).

حسب تقديراتنا فإن حسابات IEA حول "التخمة" الحالية، على الرغم من أنها عالية جداً، ولكنها تفاؤلية، وفي الواقع قد تكون غير دقيقة لنقص المعلومات ولافتراضات "غير واقعية" وللأسباب أدناه:

لقد احتسب تقرير IEA الفائض (التخمة) في الأسواق العالمية بمقدار (3) ملايين برميل يومياً في آب 2015 اعتماداً على معدلات ضخ أوبك للأشهر الثلاثة الأخيرة السابقة لكتابة التقرير، أي لمعدلات أيار وحزيران وتموز 2015. كما افترض أن يستمر معدل ضخ أوبك على هذا النحو (أي 31,7 مليون برميل يومياً) حتى نهاية 2016. ولكن "الوضع الحقيقي" هو غير ذلك.

حسب توقعنا فإن ضخ حكومة إقليم كردستان العراق المستقل لم يؤخذ بالحسبان في تقديرات IEA. وإن المعلومات التي يرسلها ويعلنها العراق حول تصديره سواء إلى أوبك أو إلى المنظمات العالمية، هو ما يصدر من شركة سومو، الجهة الاتحادية المسؤولة عن التصدير، وهذه الأرقام لا تشمل ما يصدره الإقليم خارج المسلم منه إلى الحكومة الاتحادية (سومو). إضافة إلى ذلك، فإن تصدير الحكومة الاتحادية من الجنوب في زيادة مستمرة في كل شهر. وإن هذه الزيادة من تصدير الحقول الجنوبية والوسطى ستستمر بالازدياد في سنة 2016 وما بعدها إلى سنة 2020. إن ما أخذ بالحسبان بالنسبة لنفط الشمال (سواء نفط حقول كركوك أو حقول الإقليم)، هو النفط المسلم فقط من قبل الإقليم إلى الحكومة الاتحادية، والبالغ (415) ألف برميل يومياً في أيار، و(165) ألف برميل يومياً في حزيران، بينما صادرات الإقليم "الرسمية"، أي ما يسمى بالنفط المستقل قد تجاوزت هذه الأرقام كثيراً ووصلت إلى أكثر من (550) ألف برميل يومياً في حزيران وتموز 2015، كما وصلت إلى (650) ألف برميل يومياً في آب وأيلول، بالإضافة إلى ذلك هنالك ما يقرب من (50) ألف برميل أخرى يومياً، تسمى "البيع الداخلي" تهرب معظمها إلى الخارج ولا تدخل ضمن توقعات IEA، إذ إن ما تصدره حكومة الإقليم غير معلن وغير شفاف، ولا تجده في الإحصائيات العالمية عن العرض والطلب.

إضافة لما سبق، فإن الصادرات الإيرانية الإضافية آتية لا محالة، وفي الواقع فإن جميع ناقلات النفط الإيرانية محملة حالياً بالنفط، وموجودة في عرض البحار جاهزة للتفريغ في تشرين الثاني 2015 بعد رفع الحصار عنها. وهذا ما أكده وزير النفط  الإيراني في 26/8/2015 من أن إيران ستنزل بكامل ثقلها إلى سوق النفط العالمية، وكما سبق أن ذكرنا في الصفحات السابقة(11).

إن الزيادة "التخمة" في السوق العالمية التي توقعتها IEA، والبالغة (3) ملايين برميل يومياً، في آب 2015، ستزداد برأينا في نهاية 2015، إلى الأرقام التالية، آخذين بنظر الاعتبار فقط زيادات العراق و(كردستان) وإيران:

مليون برميل يومياً

-         0,300 فرق تجهيز الحكومة الاتحادية بين آب ومعدل الربع الرابع من 2015.

-         0,700 معدلات التصدير المستقل للإقليم (بضمنها نفط حقول كركوك) والبيع المستقل للخمسة أشهر الأخيرة من 2015.

-         0,250 إضافة في مبيعات إيران كمعدل للثلاثة أشهر الأخيرة من 2015.

-         المجموع 1,250 مليون برميل إضافة إلى (3) ملايين لتصبح "التخمة" في الأسواق العالمية (4,250) مليون برميل يومياً في أواخر 2015.

ولنستمر في توقع ما سيحدث في 2016 وما بعدها:

إن خطة العراق الجديدة المعدلة للتصدير إلى سنة 2020، ومقدرة بمليون برميل يومياً، هي حسب الجدول رقم (5) أدناه:

 

 

 

جدول رقم (5)

تصدير النفط الاتحادي

2015

2016

2017

2018

2019

2020

3,3

3,6

4,0

4,750

5,150

6,0

 

افترضت الخطة وجود كمية ضمن هذه التقديرات تصل إلى (250) ألف برميل يومياً فقط من الإقليم، وثابتة لجميع السنوات أعلاه!!. كما توجد كمية تصل إلى (300) ألف برميل يومياً من الحقول الشمالية الاتحادية (بضمنها حقول كركوك) لسنتي 2015 و2016، ترتفع إلى (463) ألف برميل يومياً للسنوات 2017-2020.

لا نعرف لماذا تم وضع (250) ألف برميل يومياً فقط من الإقليم إلى سنة 2020، ونحن نعلم أن في نية الإقليم الوصول إلى تصدير مليون برميل يومياً كمعدل لسنة 2016، ويستمر بالصعود ليصل إلى مليوني برميل/اليوم بحدود 2019-2020. كما لا نعرف مصير النفط الاتحادي في كركوك والحقول الشمالية، وسنفترض أنها ستكون من "حصة" الإقليم على الأقل لسنة 2016 أيضاً!!. ولكن  طالما أننا نتحدث عن زيادة سنوية في النفط المصدر، فلا يفرق هنا لمن يعود هذا النفط!!.

وفيما يتعلق بسنة 2016، فهناك زيادات أخرى من العراق (مع كردستان)، وإيران تقدر بما يلي:

مليون برميل يومياً

-         0,300 كمية إضافية من الحكومة الاتحادية.

-          0,250 من كردستان (بضمنها الحقول الاتحادية الشمالية).

-         0,750 من إيران إضافة إلى الإضافة التي تقدر بـ(250) ألف برميل يومياً في 2015. علماً أن الزيادة (750) ألف برميل يومياً لسنة 2016 هي زيادة مخفضة، إذ إن إيران تصدر الآن مليون برميل يومياً (وقبل رفع الحصار عنها)، وتطمح للعودة إلى الأسواق بكامل قدرتها التصديرية البالغة (2,5) مليون برميل يومياً. وهنا افترضنا أن في سنة 2016 سوف تصل إلى (2) مليون برميل يومياً، بإضافة (250) و(750) ألف برميل يومياً لسنتي 2015 و2016 على التوالي.

(1,3) مليون برميل يومياً إضافة جديدة في 2016 من العراق (وكردستان) وإيران فقط، ليصبح المجموع (5,55) مليون برميل يومياً، (أي 4,25 في سنة 2015 + 1,3 في نهاية سنة 2016).

أما "التخمة" في نهاية 2016 فستكون الرقم السابق مطروحاً منه الزيادة المتوقعة للطلب في 2016 والبالغة (1,6) مليون برميل يومياً:

لذا التخمة في نهاية 2016 هي (5,55 – 1,60 = 3,950 مليون برميل يومياً)، ولهذا لا يتوقع أي تحسن في الأسعار لسنتي 2015 و2016.

ولنستمر لنرى ماذا سوف يحدث بعد سنة 2016، وسنأخذ أيضاً الزيادات في تصدير العراق (ما عدا كردستان)، وكردستان، وإيران فقط. وسنفترض عدم وجود زيادة في العرض من النفط الصخري في 2017، وتقليل إنتاجه تدريجياً إلى نهاية سنة 2019. ستكون الزيادة في العرض كما يلي:

-         1,550 مليون برميل يوميا زيادة السنوات 2017-2019 من تصدير الحكومة الاتحادية، كما مبين في الجدول رقم (5).

-         0,500 مليون برميل يوميا زيادة في صادرات الإقليم بين 2017-2019، آخذين بنظر الاعتبار تصريحات وزير الموارد الطبيعية للإقليم والتي تبين أن تصدير الإقليم سيصل إلى (2) مليون برميل يومياً في سنة 2019-2020. وهنا افترصنا أن التصدير المستقل سيصل إلى (1,5) مليون برميل يومياً بنهاية 2019.

-         0,750 مليون برميل يوميا زيادة في صادرات إيران 2017-2019، لتصل صادراتها إلى (2,750) مليون برميل يومياً.

وبذلك سيبلغ مجموع الزيادة في العرض من قبل العراق (وإقليم كردستان) وإيران 2800 مليون برميل يوميا في نهاية 2019، مقارنة بنهاية 2016.

ولو افترضنا الزيادة في الطلب العالمي على النفط، كما في الجدول رقم (6) أدناه، من 2017 وإلى نهاية 2020، وكما يأتي:

جدول رقم (6)

الزيادة في الطلب العالمي

مليون برميل يومياً

2017

2018

2019

2020

1,800

2,000

2,300

2,500

 

وبذا سيبلغ مجموع الزيادة في الطلب العالمي بين 2017-2019 مقدار (6,1) مليون برميل يومياً.

لقد احتسبنا "تخمة" في السوق النفطي العالمي في أواخر سنة 2016، وقدرها (3,950) مليون برميل يومياً. يضاف إليها زيادة مقدرة في العرض النفطي بين 2017 وإلى 2019، والبالغة (2,8) مليون برميل يومياً، (كما مبين أعلاه)، لنصل إلى (6,750) مليون برميل يومياً، مقابل (6,1) مليون برميل يومياً زيادة في الطلب من 2017 إلى نهاية 2019.

وبهذا نرى أن الفائض "التخمة" ستمتد إلى سنة 2020، وستكون في بداية 2020:

6,750 – 6,100 = 650 ألف برميل يومياً.

إن انخفاض الأسعار كان بسبب "التخمة" في السوق النفطي، وليس لسبب آخر. ونرى مما سبق، أن التخمة في 2016 تقارب جداً التخمة الموجودة في 2015، لهذا فمن يتوقع ظهور تحسن في أسعار 2016 عن أسعار الربع الأخير من 2015 فهو واهم. إضافة إلى ذلك نرى أن التخمة ستسمر إلى أوائل 2020، ولكن عند ذلك ستكون بحدود (0,65) مليون برميل يومياً فقط، بدلاً عن التخمة في نهاية 2016 والبالغة حوالي (4) مليون، (3,950) مليون برميل يومياً.

قد يتوقع تحسن طفيف في أسعار النفط في 2019، والنصف الأول من 2020، لأن الفائض/التخمة سيتراجع عن أرقامه العالية جداً في 2015 و2016 وأيضاً 2017.

نؤكد هنا مرة أخرى، أن ما عرضناه أعلاه يبين أن الوضع الحالي هو نتيجة محاولة كل دولة التوسع في إنتاجها النفطي، للحصول على "عائدات أعلى"!!، وهو طريق خاطئ وفاشل، وإن "السوق النفطي" لا تحل مشكلته في انتظار سنوات عديدة لحصول "توازن في العرض والطلب" وذلك بالرجوع إلى مفهوم أن السوق يحل مشاكله بنفسه!!، للرجوع إلى الأسعار التي يستحقها النفط (ونحن نتحدث هنا عن 80 دولار فأعلى) في أواخر 2020. ولكن الحل يكمن في أن تتخذ الدول المصدرة أو قسماً مهم منها إجراءات استثنائية، لتستطيع أن تصل بالأسعار إلى (70) دولاراً للبرميل الواحد في بداية 2016، هذا لو اتخذت تلك الإجراءات، وهو ما سنتحدث عنه في فصل لاحق من هذه الدراسة.

إن ما ذكرته سابقاً من استمرار تدني الأسعار وفق التوقعات المبينة أعلاه، كان قد توصل إليه صندوق النقد الدولي في نتائج مشابهة، وذلك في تقرير صدر في النصف الثاني من تشرين الأول 2015(19). يتوقع أن عجز ميزانيات دول الخليج سوف يتجاوز ترليون دولار خلال خمس سنوات بسبب انخفاض أسعار النفط، وإن بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط قد خسرت في العام الحالي وحده ما يقارب (360) مليار دولاراً بسبب انخفاض الأسعار. ويتوقع التقرير أن يبلغ العجز هذا العام في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 13%. والمهم أن الصندوق ينصح دول الخليج النفطية "الغنية" بتخفيض الإنفاق وتنويع الدخل لمواجهة العجز المالي المتوقع و"التكيف للواقع الجديد المتعلق باستمرار انخفاض أسعار النفط"!!، وهو يتحدث عن "السنوات الخمسة القادمة"(19).

هذا ما يتوقع له أن يحدث في دول الخليج العربي الغنية، فيا ترى ماذا سيحدث للعراق وهو في أمس الحاجة لأموال يحارب بها الإرهاب ويحرر أراضيه من داعش!!.

ج. هل السعودية هي القاطرة في تحريك الأسعار؟

لا شك من أن الأسواق النفطية العالمية تتطلع دائماً نحو إنتاج السعودية لمعرفة مآل الأسعار العالمية للنفط، وتعتبر إنتاجها المؤشر الأول لتوقعات الأسعار، فهي قاطرة تحريك الأسعار هبوطاً أو صعوداً. فقد كانت القاطرة التي أدت إلى انهيار الأسعار في أواسط 2014، بإغراق السوق ولا تزال كذلك. فهي تمانع وبشدة من تقليل "التخمة" الحالية في السوق النفطية، على الرغم من اقتناع جميع الدول المصدرة الآن من أن هذه "التخمة" هي سبب الانهيار. ففي الوقت الحاضر هي التي تستطيع تحريك الأسعار نحو الارتفاع. وسنناقش هذا في فصل لاحق من هذه الدراسة، ولكن هل توجد إمكانية بتعديل الأسعار بمعزل عن السعودية، وهل يكتب لمثل هذا التحريك النجاح؟

لقد أكدت محطة "سي إن بي سي CNBC" الاقتصادية الأميركية المتخصصة نقلاً عن وكالة "داوجنز"، في أواخر تموز الماضي، أن السعودية تخطط لتخفيض إنتاجها النفطي اعتباراً من أيلول المقبل(13). وتقول صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية –التي نقلت الخبر-: "أن هذه الخطوة تعكس تراجعاً سعودياً عن سياسة تبنتها مطلع هذا العام بعدم تخفيض إنتاج أوبك عن ثلاثين مليون برميل يومياً، في إطار خطة لخفض الأسعار لإلحاق ضرر بالاقتصادين الإيراني والروسي، وإفلاس الشركات التي تنتج النفط الصخري، خاصة في أميركا، والمعروف بتكاليف إنتاجه العالية".

وقد استبعدت أن تقوم السعودية بذلك عندما قرأت الخبر في حينه، حيث لا توجد مؤشرات لتبديل السعودية لخططها في محاربة إيران وروسيا والعراق اقتصادياً، وتجاوز إنتاج أوبك (31) مليون برميل يومياً، كما ذكرنا سابقاً. وتستمر الصحيفة لتقول: "ولا يستبعد أن تكون هذه الخطوة نتيجة اتفاق سعودي روسي تبلور أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، والمسؤول عن الملف الاقتصادي النفطي في بلاده، لموسكو قبل شهرين، والعجز الكبير في ميزانية بلاده الذي وصل إلى 150 مليار دولاراً".

إن الأسواق النفطية تطلعت إلى هذه الزيارة وانتظرت نتائجها، وصادفت انخفاض صادرات السعودية في أيار الماضي، وتوقعت أن زيادة أسعار النفط هي "الرشوة" التي ستقدمها السعودية إلى روسيا لتبديل مواقفها من الشرق الأوسط. وإن "رشوة" شراء الأسلحة الروسية، هي "رشوة" بسيطة جداً لا يمكن مقارنتها بزيادة الأسعار النفطية، ولقد أثير في حينه موضوع "رشوة" الأسلحة لأن الأمير محمد بن سلمان هو أيضاً المسؤول عن ملف الأسلحة أيضاً بصفته وزيراً للدفاع. في كل الأحوال لم تسر الأمور على ما تشتهي السعودية، وبقي الموقف الروسي من أحداث الشرق الأوسط كما هو، وفي الواقع ازداد تصلباً في حماية الحكومة السورية من المجموعات الإرهابية التي عملت على تدمير سوريا بتأييد ودعم قطر والسعودية وتركيا.

لقد ظهر لاحقاً أن تخفيض السعودية لصادراتها من النفط الخام في أيار 2015، وهو أمر يحدث لأول مرة منذ خمسة أشهر، لم يكن تخفيضاً فعلياً، وإنما أمراً سعودياً داخلياً، يتعلق بتوزيع النفط الخام حسب متطلبات الطاقة وتصدير المنتجات النفطية في السعودية(12).

إن الهبوط في تصدير النفط السعودي كان قد صرحت به السعودية نفسها إلى منظمة "Joint Oil Data Initiative JODI المبادرة المشتركة لمعلومات النفط"، والتي تضم أوبك وIEA وعدد من منظمات الطاقة العالمية المعروفة. وما أعلنت عنه السعودية لشهر أيار 2015 هو التالي:

مليون برميل يومياً

-         10,333 الإنتاج لشهر أيار، وهو أعلى بقليل من شهر نيسان.

-         6,935 التصدير في أيار مقارنة بالتصدير لنيسان والبالغ (7,737) مليون برميل يومياً.

-         2,400 التكرير المحلي للنفط مقارنة بنيسان والبالغ (2,2) مليون برميل يومياً، وأعلى من تكرير العام الماضي في أيار بحوالي 20%.

-         0,677 الحرق المباشر كوقود، مقارنة بكمية (0,358) مليون برميل يومياً في نيسان. وكمية الحرق قد تكون أكثر.

10,012 المجموع والبقية (0,321) مليون برميل يومياً ذهب إلى الخزين (بالإضافة إلى الحرق كوقود). وللسعودية إمكانيات كبيرة جداً للخزن، سواء في الحقول أو الموانئ أو المصافي، وتزيد السعة الخزنية عن (300) مليون برميل تجنباً لأية مشاكل قد تعيق الإنتاج والتصدير.

نود أن نوضح هنا أن أرقام الإنتاج والتصدير أعلاه، هي الأرقام "الرسمية" للسعودية وأن الكثير من المعلومات تشير إلى أن الإنتاج والتصدير المعلنان من السعودية، هما أقل من الأرقام الفعلية الحقيقية، إذ إن القدرات الإنتاجية للسعودية تقارب (11,7) مليون برميل يومياً، وإنها تزيد في إغراق السوق العالمية وبكميات لا تعلن عنها.

لنستمر في الحديث عن حالة الإنتاج السعودي في شهر أيار 2015، والذي أدى إلى زيادة أسعار النفط.

أدى توقف الكثير من المصافي الصينية في أيار لأغراض الإدامة السنوية، إلى انخفاض التصدير السعودي للصين كما إن السعة السعودية في تكرير النفط تبلغ (2,9) مليون برميل يومياً، سواء للاستهلاك الداخلي أو التصدير، ولهذا عندما رفعت معدل تكرير النفط من (2,2) إلى (2,4) مليون برميل يومياً، فإنها زادت من تصدير المنتجات المكررة بدلاً من تصدير النفط الخام.

تقول EIA (الأميركية): "إن السعودية هي أكبر مستهلك للنفط في الشرق الأوسط، فالسعوديين يستهلكون (2,9) مليون برميل يومياً في 2013، وهو ما يعادل تقريباً ضعف استهلاكهم لسنة 2000، وذلك بسبب النمو الصناعي العالي عندهم، ودعم أسعار النفط. وضمن الاستهلاك الداخلي هو حرق النفط مباشرة لتوليد الكهرباء، حيث إن الغاز الطبيعي والنفط الأسود fuel oil غير كافيين لتوليد الكهرباء لذا تلجأ السعودية لحرق النفط الخام"(12).

إن معدل استخدام النفط الخام كوقود لهذا الغرض بين سنتي 2009-2013 بلغ حوالي (0,5) مليون برميل يومياً. يقل الاستهلاك في حرق النفط كوقود في الشتاء ليصل في كانون الثاني إلى (0,3) مليون برميل يومياً، ثم يرتفع إلى حوالي (0,7) مليون برميل يومياً كمعدل بين حزيران-أيلول (في أشهر الصيف)، ويصل في آب إلى حوالي (0,9) مليون برميل يومياً، ويتوقع أن الاستهلاك كان أكثر من ذلك في صيف 2015.

إن توليد الكهرباء في السعودية يصل حالياً إلى 58 كيكا وات (GW)، ومخطط لها أن تصل في 2032 إلى 120GW. وإن الاستهلاك الداخلي الفعلي للكهرباء تضاعف في 2012 عن سنة 2000، ووصل إلى (232) مليار كيلو وات/ساعة (kwh)، لسد حاجة الخدمات المدنية والصناعية والزراعية وغيرها.

تعتبر السعودية خامس دولة في إنتاج الغاز، وهو الغاز المصاحب لإنتاج النفط. والغاز المستعمل فعلياً لا يكفي لتوليد الكهرباء والصناعة الهائلة للبتروكيمياويات. والسعودية تحرق الغاز هدراً، وهو أمر لا يمكن تفسيره. إذ إن السعودية استهلكت (3,6) ترليون قدم مكعب في سنة 2013، أي حوالي (10) مليارات قدم مكعب يومياً، والذي يمثل حوالي 70% من الغاز المصاحب المنتج لديها. ولهذا تعتبر السعودية من البلدان التي تحرق الغاز الطبيعي هدراً، حسب تقرير للبنك الدولي.

وهناك خططاً للسعودية لتطوير حقلين غازيين في المياه البحرية offshore لإنتاج الغاز بطاقة (2500) مقمق يومياً –مليون قدم مكعب يومياً-. والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً لماذا لا تتخذ السعودية الإجراءات اللازمة لإيقاف حرق الغاز المصاحب هدراً، واستيراد الغاز الطبيعي لسد بقية حاجاتها من الطاقة بدلاً من حرق النفط الخام.

هذا وبسبب ارتفاع كميات حرق النفط الخام لأغراض توليد الكهرباء، ولسد الحاجة المستقبلية المتزايدة للكهرباء، فإن السعودية تسير في خطط لإنشاء محطات كهرباء شمسية بسعة تعادل (41GW)، ومحطة نووية لتوليد الكهرباء بسعة (18GW)، و(4GW) من مصادر أخرى من الطاقة المتجددة renewable energy(12).

لقد دخلت السعودية عام 2015، وهي تحمل ثالث أكبر احتياطي نقدي عالمي يبلغ (776,7) مليار دولار، بعد احتياطيات الصين واليابان. أما الاحتياطيات النقدية للدول الخليجية الأخرى فهي قليلة جداً مقارنة بالسعودية، ولا توجد أي دولة فيها تقع ضمن احتياطيات أعلى 20 دولة في العالم، آخرها الدنمارك والبالغة احتياطياتها النقدية حوالي 84 مليار دولاراً(2).

وكان من الممكن أن تكون احتياطيات السعودية أعلى بكثير، لولا قيامها بشراء الأسلحة بصورة مستمرة، (ونحن نتحدث عن السنوات القليلة الفائتة، وليس عن الربع الأخير من القرن الماضي والذي كانت فيه السعودية الممول الرئيس للحروب الأميركية في الشرق الأوسط، بصورة مباشرة أو غير مباشرة). بحيث ارتفع الإنفاق العسكري للسعودية بنسبة 17% في 2014 (عن عام 2015) حسب ما قاله أحدث تقرير للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم(17). وقال هذا التقرير أن قيمة ميزانية التسلح السعودي الإجمالية لسنة 2014 بلغت (80) مليار دولار. وأرجع المعهد هذه الزيادة الكبيرة، إلى الصراعات في الشرق الأوسط، إذ تعتبر هذه الزيادة بأنها الأكبر من نوعها في العالم. ليتذكر القارئ بأننا نتحدث عن عام 2014، حيث لم تدخل السعودية "أغنى دولة في العالم" بعد في حربها المدمرة ضد اليمن "أفقر دولة في العالم"، لتدمر جميع البنى التحتية لهذا البلد العربي الجار، في حملة "عاصفة الحزم" التي مضى سبعة أشهر على إعلانها، على الرغم من قول السعودية أن الحرب لن تطول أكثر من سبعة أيام، وسيتم خلالها انهيار المقاومة اليمنية للحرب، ونحن الآن في نهاية الشهر السابع من بدئها ولم تنته الحرب!!. إن إستمرار دعم السعودية للجماعات المسلحة  في سوريا والعراق في عام 2014 بالسلاح والمال، ودخولها في 2015 في حرب مستمرة في اليمن لن تنتهي منها قريباً، سيؤدي الى زيادة النفقات العسكرية كثيراً هذا العام، والذي سيؤثر في ميزانيتها الحالية والمستقبلية.

والسؤال الآن، ما مدى تأثير ذلك في الاقتصاد السعودي على ضوء تدني الأسعار النفطية، والذي كانت السعودية نفسها سببه ومحركه واستمراره؟!. لنحاول أن نلقي بعض الضوء على هذا الأمر.

سحبت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودية) خلال الأشهر الستة الأخيرة، (أي منذ نيسان إلى أواخر أيلول 2015)، ما يصل إلى (70) مليار دولار من ثروتها المودعة لدى مختلف المؤسسات المالية في العالم، في سياق المملكة للسيطرة على العجز المالي المتنامي في الميزانية، وتمويل حربها في اليمن، حسب مقال نشر على موقع بلومبرغ في 28/9/2015(18). وأشار مقال بلومبرغ أيضاً إلى أن الاحتياطيات من السندات الأجنبية التي تحتفظ بها السلطة النقدية السعودية، قد تدنت بنحو 10% في تموز من العام الجاري، لتصل إلى (661) مليار دولار نزولاً عن (737) مليار دولاراً في آب 2014.

وفي سياق متصل تشير مجلة "الإيكونومست The Economist" في مقال نشرته في 3/9/2015 إلى تكبد شريحة واسعة من "السعوديين العاديين" من المواطنين خسارة في مدخراتهم في سوق الأسهم المحلية، الأمر الذي أدى إلى خسارة مستمرة على مدى السنة الجارية. حيث انخفض مؤشر "التداول" المرجعي بأكثر من 30% حسب الإيكونومست نقلاً عن موقع بلومبرغ . ويتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير تناولته الفاينانشل تايمز، في مقال نشرته في شهر أيلول، أن يصل عجز الموازنة السعودية في العام الجاري إلى 20% من ناتجها المحلي(18).

وحسب تقرير لموقع "سي إن إن CNN" الإخباري الأميركي المتخصص في الشؤون المالية، فإن السعودية رفعت موازنتها العسكرية بنحو 17% في العام الماضي، لتبلغ حصتها من الناتج المحلي حوالي 10%، وتشكل إيرادات النفط 80% من مجمل إيرادات الموازنة. ويشير التقرير إلى المستوى العالي للبطالة في السعودية، إذ تبلغ بطالة الشباب 40%، مع نمو نشط للقوى العاملة يبلغ 5% سنوياً. ويشير التقرير أيضاً إلى "إصلاحات" اقترحها صندوق النقد الدولي على السعودية تتضمن إلغاء الدعم لسعر مبيعات المشتقات النفطية في السوق المحلية، وتقليص رواتب العاملين في القطاع العام، وزيادة كفاءة الاستثمارات، وتوسيع الإيرادات غير النفطية عن طريق فرض ضرائب جديدة، أولها الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على العقارات. ويرى الصندوق في تقريره، أن من شأن عدم تطبيق "الإصلاحات" أن يتحول صافي الثروة المالية للمملكة (أي الودائع الحكومية بعد تنزيل الدين العام)، إلى السلبية في عام 2018(18).

ويرى الاقتصادي سايمون وليمز، في مصرف HSBC في مقال نشره موقع بلومبرغ في 28/9/2015، اعتماداً على محللين، أن استخدام السعودية المتزايد لاحتياطياتها النقدية في الخارج، لغرض تقليص عجز موازنتها، من شأنه أن يهدد تصنيفها الإئتماني. كما تحدثت صحيفة فاينانشل تايمز في عددها الصادر في 5/8/2015 عن خطط سعودية لإصدار سندات دين بقيمة (27) مليار دولار نهاية العام الجاري. وأعلنت السلطة النقدية السعودية في تموز الماضي، عن إصدار ما قيمته (4) مليارات دولار من سندات الدين الداخلي للمرة الأولى منذ 2007.

وتوقع مصرفيون أن يمتد برنامج الاستدانة هذا إلى عام 2016، بحسب صحيفة الفاينانشل تايمز نفسها، وتشير الصحيفة إلى إصرار السعودية على عدم خفض الإنتاج النفطي (وبالتالي إنتاج نفط بقية دول أوبك)، للدفاع عن حصتها النفطية في الأسواق العالمية، ولاسيما في مواجهة منافسها الجديد منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة!!!.

وتقول الصحيفة أعلاه إن برنامج إصدار سندات الدين سيغطي جزءاً من عجز الموازنة، مستعيدة تصريحاً لوزير النفط السعودي، علي النعيمي في كانون الأول من العام الماضي، حين قال: "إن عجز الموازنة سيكون أمراً واقعاً. نستطيع أن نقترض المال، وأن نحتفظ باحتياطياتنا النقدية، أو نستعمل جزءاً منها"!!(18).

وبالفعل قامت وكالة ستاندرد أندبورز بتخفيض التصنيف الإئتماني للسعودية في 31/10/2015، إلى +A، بعد أن ارتفع العجز في موازنة المملكة. ولم تستبعد الوكالة تخفيضاً إضافياً في العامين القادمين، إذا عجزت المملكة عن تخفيض العجز بشكل كبير وإيقاف استمراره في النمو. وقالت الوكالة إن العجز في موازنة السعودية بلغ (16%) من الناتج القومي الإجمالي، مقارنة بعجز قدره (1,5%) في عام 2014، وذلك بسبب الهبوط الحاد في أسعار النفط، وفق (بي بي سي BBC العربي)(18-أ). وقال وزير المالية السعودي وحسب الـ(بي بي سي العربي) أيضاً في 1/11/2015، إن قرار وكالة ستاندرد أندبورز تخفيض التصنيف الإئتماني للسعودية أمر غير مبرر(18-ب).

هذا هو واقع السعودية إثر انخفاض أسعار النفط، وهي الدولة الأغنى، والتي دخلت حرب اليمن بشراسة وقسوة متناهية، ونترك للقارئ تقدير حال دولة الإمارات شريكتها الفعالة في هذه الحرب.

ولكن هل هناك سبب اقتصادي يدعو السعودية لدخول اليمن ويدفعها إلى إصرارها على الاستمرار بالحرب، على الرغم من أن ما عملته حتى الآن، وبعد سبعة أشهر، هو فقط تدمير شامل لليمن وقتل جماعي لشعبه وأغلبهم من المدنيين العزل، ولم تستطع أن تحقق أية نجاحات استراتيجية. فهل هناك سبب خفي غير معلن عنه لهذه الحرب؟!.

كشفت محطة التلفزيون الأميركية "سكاي نيوز" إن أكبر مخزون نفطي في العالم يقع في اليمن ويمتد قسم منه إلى السعودية، بجزء بسيط منه، ويقع على عمق (1800) متر. وإذا كانت السعودية تملك 34% من المخزون العالمي للنفط –حسب ما جاء بخبر سكاي نيوز-، فإن اليمن تملك مقدار الاحتياطيات السعودية نفسه، ويضيف الخبر أن مناطق النفط تقع في مناطق الحوثيين بين السعودية واليمن في محافظة الجوف(15). وأثار الموضوع بعض الضجة، ولكنه اعتبر جزءاً من "فرقعات" الحرب اليمنية الحالية، فلو كان الأمر كذلك لماذا لم نسمع به من قبل؟

نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية مقالاً مهماً عن الموضوع(16). تحدث عن الخزين النفطي أعلاه وعن علاقة السعودية باليمن في أمور عديدة نحاول أن نوجزها.

لقد شنت السعودية منذ تأسيسها الكثير من الحروب على اليمن، ابتداءً من عام 1934 التي انتهت باحتلال السعودية للمحافظات اليمنية الثلاث (جيزان، وعسير، ونجران)، والتي تجري فيها حالياً اشتباكات مع اليمنيين لا تذكر الصحافة العالمية عنها شيئاً!. كما أدت حروب السبعينيات إلى احتلال السعودية لمدينتي الوديعة والشرورة. أما العدوان الحالي فهدفه واضح وهو السيطرة على محافظة حضرموت، (للوصول إلى بحر العرب).

يمتلك اليمن، وخصوصاً في محافظات مأرب والجوف وحضرموت، واحداً من أضخم الاحتياطيات النفطية. وقدرت أبحاث علمية وشركات عالمية للتنقيب أنه يفوق نفط الخليج كله (!!!). وهو ما يفسر الجهد المتواصل من دولة الوصاية السعودية، ومنذ ثلاثة عقود على الأقل، لعرقلة أية استفادة لليمن من مخزونها النفطي.

إن شركة أجيب النفطية الإيطالية حصلت سنة 1979 على امتياز حق العمل في شرق اليمن، وبالتحديد في حضرموت. وفي عام 1982 أعلنت الشركة اكتشافات واعدة في أكثر من موقع، وتم الإعلان عن ذلك بواسطة الإعلام الرسمي لدولة اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي قبل الاتحاد مع الشمال). ولكن ما حصل هو الانسحاب السريع والمفاجئ للشركة الإيطالية، والذي تبين سببه فيما بعد أن الشركة تعرضت لضغوط إقليمية ودولية من أجل التوقف عن العمل. وفسر السبب أن معظم استهلاك النفط في إيطاليا، هو من السعودية، كما وإن الشركة أبرمت عقوداً كبيرة في السعودية قبل أن تعلن في وقت لاحق تجميد عملها في اليمن (الجنوبي حينذاك).

كشفت الوثائق المسربة عبر موقع "ويكيليكس" عن الخارجية السعودية، أن لجنة عليا شكلت برئاسة الأمير سلطان عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع والمكلف بالإِشراف على اليمن، وعضوية وزير الخارجية السابق سعود الفيصل ورئيس المخابرات وآخرين, وكلفت اللجنة بالعمل على مشروع هدفه شق قناة من الخليج العربي إلى بحر العرب من خلال محافظة حضرموت، بغية الاستغناء عن مضيق هرمز أولاً، ومضيق باب المندب أيضاً. ولم توضح الوثائق الأسباب التي حالت دون تنفيذ المشروع. ولهذا اهتمت السعودية كثيراً بأن لا تكون هذه المحافظة بيد القوات المعادية لها في الوقت الحاضر، وسلمها عملياً "الرئيس"، عبد ربه منصور إلى "القاعدة"، وبعلم السعودية قبل فراره من اليمن. وفي أواخر آب الماضي وقع رجال أعمال وتجار من حضرموت، يقيمون في جدة، على عريضة تطالب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بضم حضرموت إلى المملكة، الأمر الذي جاء متزامناً مع تسريع الخطى في منح الجنسية السعودية إلى عدد كبير من سكان المناطق الحدودية، الذين ينتمون إلى قبائل في حضرموت.

هذا فيما يتعلق بنفط حضرموت. أما ما يتعلق بنفط محافظة مأرب، فلقد دخلت الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي إلى الساحة اليمنية. وذلك بعدما تبين أن نهاية الحرب العراقية-الإيرانية لن تكون بإسقاط النظام الإيراني، فشعر الأميركيون أن هناك خطراً يهدد مصالحهم في الخليج، وبالتالي يهدد الموارد النفطية، لذا قررت الولايات المتحدة التنقيب عن النفط في اليمن. ومنعاً لإثارة حساسية السعودية، أوكلت مهمات التنقيب إلى شركات صغيرة، أبرزها شركة "هنت" الأميركية (والتي كان لرئيسها ومالكها، علاقة بالمخابرات المركزية، إضافة إلى كونه صديق جورج بوش الأب). أدت الخطوات الأميركية في التقارب مع اليمن إلى خطوات مماثلة من قبل الحكومة اليمنية، حيث دعي نائب الرئيس الأميركي (في حينه) جورج بوش الأب إلى حفل افتتاح مصفاة مأرب في عام 1986، وكذلك لوضع الحجر الأساس لمبنى السفارة الأميركية الجديد في صنعاء. ولم يتحفظ بوش الأب على التصريح بأن واشنطن وجدت بديلاً عن نفط الخليج الملتهب!!. والمفروض أن احتياطيا نفطيا ضخما تم إكتشافه في محافظة الجوف، وأعلنت شركة هنت الأميركية الاكتشافات الجديدة، لكنها توقفت فوراً عن أعمال التنقيب، دون ذكر للأسباب. أن أحد السياسيين اليمنيين الذي عايش تلك المرحلة قال لصحيفة "الأخبار" أن: "واشنطن بعد أن أمنت البديل النفطي، وأصبح متاحاً في اليمن، فضلت الإبقاء عليه كمخزون في باطن الأرض، ويبقى استخدامه رهن القرار الأميركي، وطالما استمر تدفق النفط السعودي، فلا حاجة لإزعاج ملكها"!!

كذلك كانت الفرق السوفيتية للاستكشافية الجيولوجية قد قامت باكتشاف كميات "هائلة" من النفط في اليمن الجنوبي، خصوصاً حضرموت ومثلث: حضرموت، شبوة، مأرب. وأن استغلال هذه الثروة من قبل النظام الاشتراكي الموالي لموسكو في اليمن الجنوبية في حينه كان سيغير موازين القوى بين شطري اليمن لصالح الجنوب. وكانت هذه الاكتشافات هي إحدى الأسباب التي عجلت في إعلان الوحدة بين شطري اليمن.

في بداية عام 2014 قامت وزارة النفط اليمنية بتنشيط عمليات الاستكشاف النفطية في عدد من المحافظات اليمنية، بينها الجوف، التي تم تلزيمها للشركة النفطية اليمنية "صافر". وبعد فترة قصيرة من المسح الميداني، بوشر بأعمال الحفر والاستكشاف الأولي، وأعلنت وجود إمكانيات هيدروكربونية نفطية وغازية. واضطرت "صافر" للتوقف عن التنقيب في الجوف، بعد أن بدأت السعودية بطرد العمال اليمنيين وتحريك القبائل الموالية لها، على الرغم من أن الشركة لم تصل الحدود السعودية وأبقت التنقيب على بعد (40) كيلومتراً من الحدود(16).

نسأل هنا، ما هي دقة ما سبق من كلام؟ فكما نرى أن جميع ما جاء أعلاه عمومي، فلم تذكر ماهية الاحتياطيات الدقيقة أو حتى التقريبية. ولكن ما هو أكيد هو وجود إمكانيات جيدة للنفط في اليمن، وهو سبب لتدخل السعودية بإصرار وبالخصوص في محافظة حضرموت، لاسيما لو أخذنا مسألة القناة المشار إليها أعلاه بنظر الاعتبار.

كشف رئيس مركز "القرن العشرين" للدراسات في الرياض، سعد بن عمر، عن إعداد دراسة متكاملة لربط الخليج العربي بحراً ببحر العرب من خلال قناة مائية(14).

وقال هذا الباحث، أن هذا المشروع كنا نطلق عليه "قناة العرب"، وأخيراً أطلقنا عليها "قناة سلمان" تيمناً بالعاهل السعودي الحالي الملك سلمان، والذي يؤمل أن يكتمل المشروع في عهده. وأضاف رئيس المعهد أن الدراسة تعتمد على مسار رئيسي ومسارين احتياطيين. وتستطيع قطر والإمارات والكويت أن تصدر نفوطها عبر هذه القناة إلى بحر العرب، بعيداً عن مضيق هرمز. والدراسات الأولية تفيد بأن القناة يبلغ طولها (950) كم، وتمتد في الأراضي السعودية (630) كم، وفي الأراضي اليمنية (320) كم، ويبلغ عرض القناة (150) متراً، والغاطس (25) متراً". وأضاف: "إن التقديرات الأولية تشير إلى أن الكلفة تصل إلى (80) مليار دولار لكامل القناة". هذا وإن القناة ستضيف (1200) كم من السواحل النفطية في منطقة الربع الخالي إلى السعودية، و(700) كم إلى اليمن، والتي ستنشأ عليها المدن والمنتجعات السياحية، إضافة إلى مشاريع الطاقة وتحلية المياه. وهناك تخطيط لمدن سكنية وصناعية وبحيرات عديدة على جانبي القناة لمزارع الأسماك وصيانة السفن.

ونرى في الخرائط المرفقة بالمقال تفرعات للقناة في السعودية أحدها يذهب إلى حضرموت ثم إلى بحر العرب، والآخر يذهب لبحر العرب عن طريق عُمان، وكما يظهر إن الطريق المختار هو الذي يمر في اليمن. هناك مشاكل ستواجه القناة هي الارتفاع في الحفر، خصوصاً في الجانب اليمني أو العماني، فأعلى ارتفاع في الأراضي السعودية يصل إلى (300) متراً، أما في الجانب اليمني أو العماني فتصل الارتفاعات إلى (700) متراً عن سطح البحر. هذا وإن القناة ستوفر ما لا يقل عن مليون فرصة عمل طيلة مدة بناء المشروع.

بالتأكيد إن مشروع هذه القناة سيكون عملاً جباراً يخدم السعودية واليمن، وهو سيكون استثماراً جيداً للسعودية واليمن.

على ضوء ما مر، هل للنفط الدور الرئيسي في اعتداء السعودية على اليمن، أم إن دوره يعتبر جانبياً؟!. إن الأمر يعتمد على مقدار الاحتياطيات النفطية اليمنية، كما وإن السعودية تعمل على إيجاد موطئ قدم لها (أو محافظة يمنية كاملة) على بحر العرب.

د. الموازنة العراقية لسنة 2015 ولسنة 2016

لسنا هنا بصدد مناقشة موازنتي 2015 و2016 الاتحادية، ولكن سنتحدث عما يتعلق بالصادرات النفطية، التي هي أساس إيرادات هاتين الموازنتين. لغرض تسهيل قراءة الموازنتين، فإني اعتمدت الدولار بدلاً من الدينار، وبالسعر الرسمي الذي اعتمدته الموازنتين، وهو أن الدولار يعادل (1180) دينار، وذلك تسهيلاً للمتابعة، إضافة إلى أن الواردات النفطية هي أصلاً بعملة الدولار.

 

التفاصيل

مليار دولار موازنة 2015 النافذة

مليار دولار موازنة 2016 (المقترحة)

·     إجمالي الإيرادات، منها:

79,07

71,25

-         نفطية

66,65

59,13

-         نسبة الإيرادات النفطية

84%

83%

·                 إجمالي النفقات

101,2

96,2

·                 العجز المخطط

21,5

25,0

·                 سعر النفط (دولار/البرميل)

56

45

·                 كمية النفط المصدر (مليون برميل يومياً)

3,3

3,6

-         منها خط جيهان تركيا، وتتضمن:

0,550

0,550

-         نفط الإقليم

0,250

0,250

-         حقول كركوك

0,300

0,300

 

نلاحظ أن وزارة المالية اعتمدت سعراً للدولار يعادل (1180) ديناراً عراقياً، وهو أمر صحيح، إذ هو الرقم الفعلي الذي تستلمه من البنك المركزي لقاء بيع الأخير للدولار في "المزايدات". ولكن سعر السوق متغير، واعتيادياً –عند ثباته- سوف يتغير السعر بين 1222-1240 بين البيع والشراء. أي إن قيمة الدينار الفعلية في الأسواق العراقية تقل بحدود (3,3-5%) مقارنة بالسعر الرسمي للدينار مقابل الدولار، وذلك في الظروف الاعتيادية، وقد تتجاوز ذلك بكثير كما حدث قبل شهور.

كما نلاحظ أن كمية التصدير المتوقع لسنة 2016، من خط جيهان، هو كما كان في موازنة 2015، ويبلغ (550) ألف برميل يومياً. أي تطبيق الاتفاق الذي تم في أواخر 2014 بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، حول تصدير كميات تصل إلى (250) ألف برميل يومياً من الحقول الموجودة في الإقليم (نفط الإقليم)، و(300) ألف برميل يومياً من حقول كركوك، وهي بالأساس حقل كركوك (قبتي باب وآفانا)، وحقل باي حسن، وحقل جمبور، والتي تدار أصلاً من خلال الحكومة الاتحادية، ولكنها الآن ضمن المناطق التي وضعتها قوات البيشمركة تحت حمايتها، إثر اجتياح داعش لمحافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار. وبهذا يصل مجموع النفط المصدر من خط التصدير إلى جيهان (550) ألف برميل يومياً، دون الأخذ بنظر الاعتبار الزيادات الكبيرة للتصدير في هذا الخط، والذي هو تحت سيطرة حكومة الإقليم.

أما فيما يتعلق بما  سيتم تصديره من قبل الحكومة الاتحادية، من نفط الجنوب والوسط، فلقد إزداد بكمية تصل إلى (0,3) مليون برميل يومياً مقارنة بعام 2015.

وقدر سعر النفط المصدر بـ(45) دولاراً للبرميل في موازنة 2016، مقارنة بسعر (56) دولاراً للبرميل في موازنة عام 2015 المرتفع جداً كما أثبتت الوقائع. هذا وكما رأينا في سياق ما ذكر في هذه الدراسة، فإن سعر النفط المقدر والبالغ (45) دولاراً للبرميل هو أيضاً سعر عال، ولن يكون السعر للنفط العراقي المصدر في 2016، بأكثر من معدلاته في الشهور الأخيرة من 2015، والمفروض وضع سعر للنفط لموازنة 2016 يعادل (40) دولاراً للبرميل، وسنناقش هذا الأمر لاحقاً.

هـ. الموازنات الاتحادية ونفط الإقليم والتصدير المستقل

ما أثار استغرابي واستهجاني خبر نشره موقع شفق نيوز، (القريب من حكومة إقليم كردستان)، في 12/10/2015، تحت عنوان: "كوسرت رسول يطالب عمار الحكيم بالضغط على بغداد لإرسال ميزانية ورواتب الإقليم"(20). ويقول الخبر: "طالب النائب الأول للأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني كوسرت رسول علي، اليوم الاثنين –أي في يوم نشر الخبر-، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمار الحكيم ببذل مساعيه لتقوم الحكومة الاتحادية بإرسال ميزانية ورواتب موظفي إقليم كردستان، مؤكداً أنه يواصل مساعيه لتهدئة الأوضاع بعد التوترات والتظاهرات التي شهدها الإقليم"، وذلك حسب ما جاء في بيان صادر عن المكتب الإعلامي للسيد كوسرت، إثر اتصال السيد الحكيم هاتفياً به للتباحث معه بشأن الأوضاع على الساحتين العراقية والكردية. وتابع البيان: "إن كوسرت طالب خلال مكالمته مع عمار الحكيم أن يبذل مساعيه لتسرع الحكومة الاتحادية بإرسال حصة الإقليم من الموازنة ورواتب موظفيه في أقرب وقت"!!.

إن السيد كوسرت لا يطلب مساعدة، وإنما يقول ان طلبه جاء نتيجة "تقصير" الحكومة الاتحادية في "إرسال حصة الإقليم من الموازنة" ورواتب الموظفين،  ويطلب تلافي ذلك في أقرب فرصة، أي إنه يطالب ڊ"حق مضاع"، وليس معونة!!. إنه لأمر معيب أن يصدر مثل هذا الأمر عن أحد قياديي كردستان، وكأن عدم استلام الموظفين لرواتبهم في الإقليم هو نتيجة لتخلف الحكومة الاتحادية عن إرسال حصة الإقليم، وليس نتيجة للقرار "السيء وغير الدستوري" الذي اتخذته القيادات الكردية، بكل أحزابها في حزيران الماضي بالسير وفق ما أسموه "التصدير المستقل". حيث أرسلت حكومة الإقليم في حزيران الماضي أقل من ربع ما يجب أن ترسله من نفط، لتصديره عن طريق سومو الاتحادية، وفق الاتفاق معهم ووفق موازنة 2015 المقرة من قبلهم، ولم ترسل بعد ذلك ولا قطرة نفط. لقد قامت سلطات الاقليم بتصدير نفط الإقليم والنفط الاتحادي المنتج من كركوك، تحت عنوان "التصدير المستقل"، ولم تسلم الحكومة الاتحادية أي مبلغ عن النفقات السيادية وغيرها.

إن السيد كوسرت يعرف ذلك حق المعرفة، فهو أحد الموافقين على ذلك القرار، وإن كان لا يعرف فسنوضحه له الآن في الفقرات التالية.

يصدر الإقليم الآن ضمن ما يسمى ڊ"التصدير المستقل" ما لا يقل عن (700) ألف برميل يومياً حسب ما أعلنه وزير الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم، الدكتور أشتي هورامي، في 12/9/2015، ونقلاً عن شفق نيوز (22)، فأن" معدل صادرات النفط عبر الأنبوب الكردي إلى ميناء جيهان التركي وصل إلى (700) ألف برميل يومياً، مؤكداً أن الزيادة التي حصلت في معدلات التصدير كانت بالتنسيق مع الحكومة العراقية"!!. ولم يحدد مع أية جهة في الحكومة العراقية تم التنسيق والاتفاق، وموقف الحكومة العراقية كان ولا يزال ضد "التصدير المستقل"، كما وإن الإقليم لم يسلم أية كمية من النفط إلى الحكومة الاتحادية منذ منتصف حزيران 2015.

ويستمر السيد هورامي في حديث له مع فضائية KNN التابعة لحركة التغيير، وتابعته شفق نيوز، بالإعلان أن: "معدل التصدير وصل (700) ألف برميل يومياً، موضحاً أن المعدل السابق كان يتراوح ما بين (600-650) ألف برميل يومياً"(22).

لن نضع الـ(700) ألف برميل اليومي في حساباتنا التالية، وإنما سنأخذ معدل (650) ألف برميل يومياً. وبما أن تصدير الحكومة الاتحادية من الحقول الجنوبية والوسطى، بلغ حوالي (3) ملايين برميل يومياً، فإن التصدير الكلي للعراق بلغ (3,650) مليون برميل يومياً، وبهذا تكون حصة "التصدير المستقل" لحكومة الإقليم 17,8% نفطاً، مقابل حصة مالية في الموازنة قدرها 17% تستقطع منها "النفقات السيادية والحاكمة". وباستقطاع "النفقات السيادية والحاكمة"، تصل إلى حوالي 11%، (وهو ما كان يكرره وزراء المالية والنواب الكرد من أنهم لا يستلمون 17% وإنما 10,5%، متناسين النفقات السيادية والحاكمة)(21). وقد تكون النفقات السيادية أقل من 6% في الوقت الحاضر، وبذا قد تصل حصة الإقليم إلى 12%. وليتذكر القارئ أن اعتبار حصة الإقليم 17% هو قرار اعتباطي أصلاً، إذ كل الدلائل تشير إلى أن نفوس الإقليم (محافظات أربيل والسليمانية ودهوك)، لا تتجاوز 13% من نفوس العراق(25).

لقد استلمت حكومة الإقليم كميات نفطية وصدرتها لتصل إلى 17,8% من مجمل تصدير العراق، بدلاً من 11-12% من حصتها بعد استقطاع النفقات السيادية والحاكمة، ولا يزال السيد كوسرت وغيره من القادة الكرد يطلبون المزيد!!.

وفي واقع الأمر إن نسبة النفط الذي صدره الإقليم (ودستورياً هربه)، هو أكثر من ذلك، إذ إن السيد هورامي كان واضحاً في ذلك حين قال: "صادرات النفط عبر الأنبوب الكردي إلى ميناء جيهان"، ولم يتطرق إلى تهريب النفط بالصهاريج وعبر ما يسمى "البيع الداخلي"، الذي يصل إلى حوالي (50) ألف برميل يومياً، ليصل مجمل النفط المصدر (المهرب) إلى حوالي 19% من صادرات العراق، وكله ذهب إلى حكومة الإقليم. كما إن من المعلوم أن سعر النفط المصدر من جيهان يزيد بحوالي (2) دولاراً للبرميل عن النفط المصدر من موانئ البصرة.

ماذا يريد أن يقول السيد كوسرت وغيره من القادة الكرد، الذين أيدوا التصدير المستقل. هل يريد أن يقول أن نفط إقليم كردستان جميعه لكردستان، وأن لحكومة الإقليم حصة الـ17% من بقية نفط العراق. هذا وإن جزءاً كبيراً من صادرات كردستان الحالية، تؤخذ من حقول كركوك التي هي أصلاً حقول تابعة ومدارة من الحكومة الاتحادية.

إن مثل هذا الطلب هو "عيب"، فهو سرقة من جياع الوسط والجنوب، وإن استجابة الحكومة الاتحادية بالإيجاب له –إن تم- أكثر عيباً، وتأييدا مساهمة بالسرقة والنهبعلى حساب الفقراء والمقاتلين ضد الغزاة الدواعش.

إنني أتألم وأساند مطاليب موظفي الإقليم لصرف رواتهم المتأخرة لعدة أشهر لتأمين قوتهم وقوت عائلاتهم، ولكن "سرقة" هذا القوت يقع على عاتق حكومة الإقليم، ويجب البحث عنه هناك، أين ذهبت مبالغ (19%) من الصادرات النفطية؟!. وفي واقع الأمر لا أستطيع أن أفهم أين ذهبت هذه المبالغ.

قد يكون من المنطقي أن تحتج الجماهير الكردية على الحكومة الاتحادية، لإهمالها قضية معاشاتهم، وعدم معارضة "التصدير المستقل" قانونياً وفي المحاكم الدولية، إذ إنها بالتأكيد كانت ستنجح في إيقاف مهزلة "التصدير المستقل"، أي التصدير من الإقليم خارج الحكومة الاتحادية، ولكان موظفو الإقليم قد استلموا رواتبهم.

كانت شفق نيوز قد نشرت أيضاً في 5/7/2015 خبراً تحت عنوان: "نائبة كردية: مستحقات كردستان المترتبة على بغداد تجاوزت 43 ترليون دينار"(24). حيث أفادت النائبة عن التحالف الكردستاني في مجلس النواب السيدة نجية نجيب، (وأعتقد أنها من أعضاء اللجنة المالية في المجلس)، في مؤتمر صحفي عقدته في 5/7/2015، أن مستحقات إقليم كردستان المترتبة على بغداد منذ عام 2005 قد بلغت أكثر من 43 ترليون دينار، (أي حوالي 36,5) مليار دولار!!. وبينت في مؤتمرها الصحفي أن: "مستحقات الإقليم على بغداد تبلغ 27 ترليون و21 مليار و470 مليون ديناراً، يضاف إليها 16 ترليون دينار، وهي حصة الإقليم في موازنة عام 2014 التي لم ترسل له بسبب عدم إقراره الميزانية". وأضافت أن تلك المبالغ توزعت على أساس النفقات السيادية، وهي 10 ترليون و682 مليار و414 مليون دينار (حوالي 9 مليارت دولار). وكذلك الحاكمة وبلغت 5 ترليونات و741 مليار و854 مليون دينار، (أي حوالي 4,9) مليار دولار، وتشمل البطاقة التموينية والأدوية والوقود وهيئة المنازعات والانتخابات والحبوب، وحصة البترودولار البالغة 455 مليار و400 مليون دينار، (أي حوالي 386) مليون دولار، وإيرادات المنافذ الحدودية، (حوالي 700 مليون دولار). وتنمية الإقليم (حوالي 1,3) مليار دولار، بالإضافة إلى حصة الإقليم من موازنة 2014 المذكورة أعلاه والبالغة حوالي (13,6) مليار دولار.

عندما قرأت الخبر ضحكت وشر البلية ما يضحك!!. فالنائبة اللبيبة دخلت في تفاصيل "مستحقات" الإقليم على الحكومة الاتحادية. فهي بالنتيجة تريد أن لا يتحمل الإقليم النفقات السيادية والحاكمة، وتريد حصة الإقليم من موازنة 2014، والإقليم لم يسلم ولا قطرة نفط واحدة، لا في سنة 2013 ولا في سنة 2014، ناهيك عن السنوات السابقة لها، وفوق هذا تريد مبالغ البترودولار!!!.

كل ما نستطيع قوله للسيدة النائبة المحترمة، هو أن تقوم بالاطلاع على تفاصيل موازنة 2013، ومسودة موازنة 2014 (التي لم تقر)، وعلى الموازنات والاتفاقات السابقة و(الحالية) بين الحكومة الاتحادية والإقليم، لترى من الذي له مستحقات عند الآخر؟!.

لقد كتبت في موضوع المستحقات على الإقليم، والتي تعتبر ديوناً على الإقليم، في أكثر من كتاب، نتيجة تهريب نفط الإقليم وعدم تسليمه لشركة سومو الاتحادية المختصة بتصدير النفط، في الوقت الذي يستلم فيه الإقليم كامل حصته من الموازنة. إن الحكومة الاتحادية ارتكبت خطأ قانونياً فادحاً بتسليم الإقليم كامل مستحقاته (وفق الموازنة) لسنة 2013 ولشهرين من سنة 2014 –كسلف- دون أن يسلم لها النفط المثبت في الميزانية. في الواقع إن المستحقات الحكومية الاتحادية على الإقليم ومنذ 2005 وحتى الآن تتجاوز بكثير (40) مليار دولار… وهنا لا أتحدث عن حصة الإقليم البالغة 17% بدلاً من 13%، والتي تقول كل الموازنات الاتحادية (وهي قوانين) أن الفرق في الحصة يرجع للطرفين، وذلك بعد حصول التعداد السكاني العام. وبالتأكيد فإن حصة الإقليم ستكون أقل من 17% تبعاً لعدد نفوسه.

على ضوء ما جاء أعلاه، رأيت من المناسب الدخول مجدداً في بحث مسألة نفط الإقليم، وبشروحات إضافية، وخصوصاً فيما يتعلق بسنة 2015 وقسم من 2014، حيث سبق أن غطيت هذا الموضوع إلى حزيران 2013، وذلك في كتابي: "الجديد في عقود النفط والغاز الموقعة من قبل إقليم كردستان والسياسة النفطية للإقليم"، والصادر في حزيران 2005(25).

(1)             الاتفاق الأخير بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان

إن أنابيب تصدير النفط إلى تركيا من حول كركوك (أي حقل كركوك بقبتيه بابا وآفانه، وحقلي جمبور وباي حسن)، تتجه جنوباً إلى منطقة الفتحة، ثم تعبر دجلة إلى الجانب الغربي منه بخطين، ثم تتجه شمالاً لتصل إلى الحدود العراقية التركية في فيشخابور. ومنها تنقل إلى ميناء جيهان في تركيا، بواسطة خطين إلى مركز تخزين وتصدير النفط في ميناء جيهان، وكل المنشآت في الأراضي التركية تعود إلى شركة حكومية تركية، تدفع لها الحكومة العراقية الأجور المتفق عليها لنقل وتحميل النفط. وعندما احتلت داعش محافظتي نينوى وصلاح الدين، وقعت خطوط نقل النفط تحت سيطرة داعش، وستبقى كذلك لحين تحرير الجبهة الغربية من دجلة بصورة كاملة. وكان ينقل أيضاً في هذين الخطين، أية نفوط يمكن توفرها وتصديرها من الحقول الصغيرة التابعة لإدارة الحكومة الاتحادية، مثل حقل عين زالة أو خباز وغيرهما، وهي في كل الأحوال كميات صغيرة. كما ينقل في هذين الخطين النفط الذي كان يصدر من الإقليم، كلما تم الاتفاق في السابق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم على تسليم الأخيرة لنفطها لغرض التصدير عبر الحكومة الاتحادية. ولم يقم الإقليم بإرسال أية كمية من نفطه إلى خط التصدير منذ كانون الأول 2012، مما أدى إلى توتر العلاقة بين الحكومتين.

على ضوء ما مر، تم الاتفاق الأخير في أواخر 2014 بين الحكومة الاتحادية، ممثلة بوزير النفط العراقي، الدكتور عادل عبد المهدي، وبين حكومة الإقليم ممثلة بالدكتور اشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية. ووافقت الحكومة الاتحادية على الاتفاق، كما وافق مجلس النواب عليه ضمن إقرار موازنة 2015.

وينص الاتفاق على أن تقوم إدارة الإقليم بنقل (550) ألف برميل يومياً لحساب سومو (الحكومة الاتحادية) إلى ميناء جيهان، منها (250) ألف برميل يومياً من نفط كردستان، و(300) ألف برميل يومياً من النفط الاتحادي إلى المنتج من حقول كركوك وغيرها مثل عين زالة. ويتم النقل من خلال الأنبوب الذي أكمله الإقليم في أواسط 2013، ليرتبط بأحد الخطين التركيين من فيشخابور إلى جيهان، واستعمل الخط الآخر قبل احتلال داعش لنينوى وصلاح الدين لنقل النفط الاتحادي. قامت الشركة التركية المسؤولة عن نقل النفط العراقي بتقسيم الخزانات النفطية الموجودة في جيهان والمعدة لتحميل الناقلات النفطية، وكذلك أجهزة التحميل والرصيف النفطي، بين نفط الإقليم والنفط الاتحادي، والذي يعني موافقة الحكومة التركية على "التصدير المستقل" للإقليم وتسهيل مهمته، ضمن اتفاق بين الحكومة التركية وحكومة الإقليم، تنازلت فيه الأخيرة عن الكثير من الحقوق(25).

على إثر ذلك اعترضت الحكومة العراقية في 2013 على هذه الإجراءات واعتبرتها خرقاً للاتفاق الموقع سابقاً مع الحكومة التركية لنقل النفط العراقي. وقامت بمتابعات قضائية في المحاكم الدولية، ضد الجهات الناقلة في تركيا، ومالكي ناقلات النفط من الموانئ التركية، والجهات المشترية له، ونجحت بذلك كثيراً بالاعتماد على النصوص الدستورية، باعتبار أن النفط "المصدر" من الإقليم هو نفط مهرب.

إن النص الدستوري الذي اعتمدت عليه الحكومة العراقية هو ما جاء في المادة (110 أولاً) من الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية، وفيها: "…وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وإبرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية والخارجية السيادية"، كلها أمور حصرية للحكومة الاتحادية. لذا كان السؤال هو: عن أية بضاعة أخرى -إن لم يكن النفط- حصرياً بيد السلطة الاتحادية، تتحدث عنها هذه الفقرة من الدستور؟.

كما إن برلمان إقليم كردستان، كان قد أصدر قانوناً في 23/4/2013، وبموافقة (99) نائباً، مقابل (12)، سمي "قانون تثبيت وتحصيل المستحقات المالية لإقليم كردستان من العائدات النفطية الاتحادية"، ينذر به الحكومة الاتحادية بقوله: "إذا الحكومة الاتحادية فشلت في إعطاء حصة كردستان من العائدات العراقية، عند ذلك سيكون للإقليم الصلاحية بأن يبيع نفطه دون التشاور مع بغداد لسد فروقاته النفطية"، وأعطى بغداد مهلة (120) يوماً… ويخول البرلمان وزارة الموارد الطبيعية بعد ذلك بالمباشرة بتصدير النفط بصورة مستقلة عن بغداد!!. ونلاحظ في القانون أنه يتحدث عن "العائدات النفطية الاتحادية"، والإقليم في ذلك الحين ومنذ كانون الأول 2012 وإلى أواخر 2014 لم يسلم قطرة نفط واحدة إلى الحكومة الاتحادية للتصدير. ولهذا نجد كأن قانون برلمان الإقليم يعني أنه يريد حصة الإقليم بنفط الوسط والجنوب، دون أن يشارك الإقليم في النفط العراقي المصدر، رغم استمرار الإقليم بتهريب النفط عبر الصهاريج، إذ لم يكن الأنبوب الخاص به قد اكتمل. ولكن الحكومة الاتحادية استمرت بإعطاء الإقليم حصته المالية لجميع سنة 2013 وإلى آذار 2014، دون استلام أية كمية من نفط الإقليم، الأمر الذي أثار استغراب واستنكار الكثيرين!!. وفي كل الأحوال كان هناك توتر كبير بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، واستمر الإقليم بالتصدير من الأنبوب الخاص به منذ النصف الثاني من 2013 إلى نهاية 2014، وعمل في هذا الوقت على توسيع طاقة الأنبوب التصديرية(25).

قامت الحكومة الاتحادية بالاتفاق المشار إليه بتصدير (550) ألف برميل يومياً، وبموافقة مجلس النواب عليه من خلال المصادقة على ميزانية 2015، وذلك لغرض حلحلة التوترات بين الإقليم والحكومة الاتحادية السابقة في ظروف مكافحة الإرهاب التي أصابت الجميع، وكذلك في المساعدة لتصدير (300) ألف برميل يومياً من النفط الاتحادي في كركوك لم يكن بالإمكان تصديرها لسيطرة داعش على المناطق التي يمر بها أنبوبي التصدير إلى تركيا.

لقد كانت هناك معارضة لهذه الاتفاقية من قبل العديد من متابعي تصرفات حكومة الإقليم فيما يخص النفط –ومنهم كاتب هذه السطور-، لأن التجربة السابقة علمتنا أن حكومة الإقليم لم تلتزم بالاتفاقيات بخصوص تصدير نفطها من خلال الحكومة الاتحادية (شركة سومو)، إذ إنها أخلت بالاتفاق الذي تم توقيعه في أوائل 2011، وبدأ التصدير في شباط 2011، ثم توقفت عن تجهيز النفط لخط التصدير في أواخر آذار 2012، حتى توترت العلاقة بين الحكومتين. وجرت مفاوضات جديدة في النصف الثاني من 2012، وتم التوصل إلى اتفاق ثان في أيلول 2012، واعتبر هذا الاتفاق الثاني "اختراقاً للعلاقات النفطية المتوترة بين الإقليم والمركز"!!. ولكن الاتفاق الثاني إنهار في كانون الأول 2012 بامتناع حكومة الإقليم عن تسليم نفطها (وفي الحقيقة جزءاً من نفطها، إذ كانت تهرب ما بقي منه). وفي الوقت نفسه استمرت باستلام حصتها كاملة من موازنة 2013(29). ولهذا كانت هناك معارضة لاتفاق حكومة العبادي، بوجود شكوك قوية أن حكومة الإقليم ستخرق هذا الاتفاق –مثلما خرقت الاتفاقين السابقين- وذلك بعد أن تحصل على ما تريد، وعندما تكون مستعدة بصورة كاملة للتصدير المستقل، باختراقها السوق النفطية العالمية "بمساعدة" الحكومة الاتحادية غير المباشر، عن طريق غض الطرف عن تصريف الكميات الإضافية التي تزيد عن حصة (250) ألف برميل يومياً المذكورة في موازنة 2015. وهنا يكمن السبب الأهم لمعارضة الاتفاق.

إن للإقليم إمكانية تصديرية للنفط، فائضة عن إمكانيات التصفية في داخل الإقليم في المصافي الرسمية الثلاثة، تصل إلى 400-450 ألف برميل يومياً في أواخر 2014. ولذا من غير المنطقي أن تكون الاتفاقية لتسليم (250) ألف برميل يومياً فقط، للتصدير الرسمي. وماذا سيحدث لكمية (150-200) ألف برميل يومياً الأخرى، بالتأكيد سيقوم الإقليم بتصديرها تحت مظلة هذه الاتفاقية لاسيما أنه لم يذكر في الاتفاقية، أن "جميع" إنتاج كردستان يجب أن يسلم إلى الحكومة الاتحادية، ما عدا النفط المكرر في المصافي الرسمية الثلاثة.

وتبين لاحقاً، وكما سنرى في سياق هذه الدراسة، أنه كانت هناك معارضة أيضاً لهذه الاتفاقية، داخل حكومة الإقليم (وعلى رأس المعارضين الدكتور اشتي هورامي)، إذ إنها كانت تريد التصدير المستقل لكل نفط الإقليم وعدم تسليم الحكومة الاتحادية أي كمية من النفط، سواء كان من نفط الإقليم أم من النفط الاتحادي من كركوك.

وأثبتت وقائع سنة 2015 أن جميع شكوك المعترضين كانت بمحلها، وأن حكومة الإقليم تصرفت ضمن هذه الشكوك، وانتهى الأمر بإنهاء تسليمها لنفطها ونفط الحكومة الاتحادية من كركوك في حزيران 2015. وشرعت بـ"التصدير المستقل"، ليس لنفطها فحسب، بل "أخذت" نفط الحكومة الاتحادية، وصدرته مع نفطها ولحسابها الخاص فقط، دون أن تحرك الحكومة الاتحادية أية دعوى أو ملاحقة قضائية ضد حكومة الإقليم في المحاكم الدولية، كما فعلت الحكومة السابقة ونجحت، حماية لمصالح العراقيين كلهم، وبضمنهم الكورد، الذين ظلت رواتب موظفيهم متأخرة لثلاثة شهور، ولا يعرف أحد (غير السادة مسعود ونيجرفان وهورامي)، أين ذهبت مبالغ "التصدير المستقل" تلك.

ذكرت وكالة شفق نيوز (القريبة من حكومة الإقليم)(27)، في 22/12/2014، أي إثر توقيع الاتفاقية الأولية بين حكومتي المركز والإقليم في أواخر تشرين الثاني، بأن "أشتي هورامي أعلن في 22/12/2014 أن وزارته سترفع إنتاج النفط إلى (500) ألف برميل يومياً خلال الربع الأول من 2015، لافتاً النظر إلى أن كردستان ستكون شريكاً رئيساً لميزانية العراق مع نهاية العام المقبل". وقال هورامي في كلمة له في المؤتمر الرابع للنفط والغاز في إقليم كردستان المنعقد في لندن وتابعته "شفق نيوز" عن "اعتقاده بأن نظرائهم في الحكومة الاتحادية في بغداد سيسحبون دعاواهم ضد مشتري النفط الكردستاني في خلال المدة القصيرة المقبلة". وأضاف هورامي: "إن مشكلات تصدير نفط الإقليم بشكل مستقل عن بغداد لم تحل لحد الآن"، ثم استدرك قائلاً: "إنه متفائل لأول مرة بشأن سير المفاوضات مع الحكومة الاتحادية".

وأضافت الوكالة "أن أربيل وبغداد كانتا قد اتفقتا الشهر الماضي على قيام كردستان بتصدير (250) ألف برميل يومياً من نفطها و(300) ألف برميل يومياً من نفط محافظة كركوك، ابتداءً من مطلع العام المقبل عبر حساب شركة تسويق النفط الوطنية العراقية (سومو) مقابل قيام بغداد بإرسال حصة الإقليم من الميزانية بواقع 17% وتمويل قوات البيشمركة باعتبارها جزءاً من منظومة الدفاع العراقية".

نلاحظ مما سبق أن همّ السيد هورامي الرئيسي، هو قيام الحكومة العراقية الاتحادية ڊ"سحب دعواها ضد مشتري النفط الكردستاني"وما زالت مشاكل "التصدير المستقل" للإقليم لم تحل، أي إن التصدير المستقل مستمر ولكن يجابه بمشاكل لم يحددها!!. وطبعاً المشكلة الرئيسية له هي الدعاوى المقامة ضد المشترين والناقلين والبائعين له. ومن الأمور المهمة المذكورة أعلاه، أن إنتاج نفط كردستان سيرفع إلى (500) ألف برميل يومياً خلال الربع الأول من 2015. وسنرى لاحقاً أنه لم يتم تمرير إلا جزءاً بسيطاً من هذا الرقم عبر حساب سومو.

وفي 11/1/2015(28) أعلنت حكومة كردستان ، وأيضاً نقلاً عن شفق نيوز، بأنها "ستقوم خلال الأيام القليلة المقبلة بتوزيع رواتب الموظفين لشهر تشرين الثاني من العام الماضي مبتدئة بوزارة البيشمركة، ولافتة النظر إلى أنها باعت منذ شهر أيار الماضي حمولة (42) سفينة من نفطها الخام بمبلغ إجمالي قدره ثلاثة مليارات دولار أميركي". وذكر "أنه ومن أجل تأمين الرواتب فإن الحكومة بحاجة إلى (850) مليار دينار"، أي حوالي (708) ملايين دولاراً شهرياً، باعتماد سعر للدولار يعادل (1200) ديناراً.

وبشأن مبيعات النفط الكردي أكد سفين دزيي –المتحدث الرسمي باسم حكومة الإقليم- "أن حكومته مستمرة في بيع النفط الخام، مستدركاً أنه بموجب الاتفاق الأخير مع الحكومة الاتحادية والذي بدأت الحكومة بتنفيذه منذ بداية العام الحالي فقد تناقص نفط الإقليم. وأوضح أن حكومته بدأت بتصدير النفط ابتداءً من شهر أيار العام الماضي –أي 2014- عبر أنبوبها إلى ميناء جيهان بتركيا وقامت ببيعه  هناك، لافتاً إلى أنه تم لحد الآن بيع 42 حمولة من النفط الخام بمبلغ إجمالي قدره ثلاثة مليارات دولاراً". وتابع: "إن حكومته تعالج مسألة قيام بغداد بقطع حصة الإقليم من الموازنة، (يقصد في سنة 2014)، والأزمة المالية التي خلفها القرار بالإيرادات الداخلية وبيع النفط"(28). ويضيف موقع شفق نيوز: "يعاني إقليم كردستان من أزمة مالية خانقة منذ مطلع العام الماضي من أثر قرار رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي بقطع حصة الإقليم من الموازنة العراقية العامة على خلفية المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل فيما يخص ملف تصدير النفط من الإقليم من جانب واحد تحديداً(28).

من تصريحات سفين دزيي، المتحدث باسم حكومة الإقليم، نرى أن الإقليم كان قد أكد ما كنا قد ذكرناه سابقاً من أنه بدأ "التصدير المستقل" ومن خلال أنبوب التصدير المتوقع إكماله في أوائل 2014(25). وهنا لم يتحدث عن البيع الداخلي (التهريب عبر الصهاريج)، الذي كان يزيد عن (100) ألف برميل يومياً. ويظهر أن البيع الداخلي قد قل بعد التهريب "الرسمي" عبر أنبوب التصدير، ولكن لم يتوقف ولم يقل عن (50-60) ألف برميل يومياً، حيث إن الشركات اشتكت في الربع الأول من 2015 (بعد الاتفاق مع الحكومة الاتحادية)، من أن حكومة الإقليم تضغط عليها لتقليل البيع الداخلي الذي كان في ذلك الوقت لا يقل عن (50) ألف برميل يومياً. إن الشركات تفضل البيع الداخلي، إذ تستلم أقيامه مقدماً، وبهذا تضمن العائدات، على الرغم من أن سعره ينخفض عن سعر التصدير بين (30-50%) اعتماداً على ظروف البيع.

كما أكد السيد سفين أن حكومته "مستمرة في بيع النفط الكردي… ولكن تناقص هذا البيع منذ بداية عام 2015 بموجب الاتفاق الأخير مع الحكومة الاتحادية"!!. فهو ليس فقط يؤكد أن حكومة الإقليم مستمرة بالتصدير المستقل على الرغم من توقيع الاتفاقية مع الحكومة الاتحادية، ولكن يعطي الانطباع أن التصدير المستقل قد قل بموجب الاتفاق، وأن الحكومة الاتحادية موافقة على التصدير المستقل للفائض من نفط الإقليم!!!.

لم يذكر السيد سفين الكميات التي تم بيعها، ولكن تحدث عن بيع (42) شحنة وعن قيمتها البالغة (3) مليارات دولار. ونحاول هنا أن نحتسب الكمية بافتراض أن المقصود بالشحنة هي حمولة ناقلة نفطية، والناقلات التي تستخدمها حكومة الإقليم لتصدير النفط من جيهان هي ناقلات في حدود حمولة مليون برميل (كما سنرى ذلك لاحقاً). وبهذا تكون الكمية حوالي (42) مليون برميل بقيمة (3) مليارات دولار، أي بمعدل سعر يعادل (71,4) دولار للبرميل.

إن هذا السعر قد يكون سعراً منخفضاً، إذ إن معدل سعر 2014 للنفط المصدر من البصرة يعادل (91,65) دولاراً للبرميل، مما يعني أن سعر النفط المصدر من ميناء جيهان التركي يصل إلى حوالي (94) دولاراً للبرميل وهو يمثل معدل سعر لكل سنة 2014. ولكن الأسعار بدأت بالانخفاض منذ آب 2014 واستمرت على ذلك، لهذا فإن معدل سعر النفط المصدر من جيهان قد يصل إلى (80-85) دولاراً للبرميل كمعدل للثمانية أشهر الأخيرة لـ2014. مما يعني أن هناك سماحات في السعر المصدر بحدود (9-14) دولار للبرميل، وهي ضمن المعقول إذ إن النفط يعتبر نفطاً مهرباً وملاحقاً قضائياً في المحاكم الدولية.

ولو كان رقم الكمية المصدرة منذ أيار إلى نهاية 2014، والمذكورة أعلاه هي فعلاً (42) مليون برميلاً، فإن كمية التصدير في أنبوب التصدير الجديد لا تتجاوز (200) ألف برميل يومياً، وهو رقم يقل عن الأرقام التي كانت تذكر عن كميات نفط الإقليم الواصلة إلى جيهان التي تصل إلى أكثر من (300) ألف برميل يومياً، والتي تنسجم مع الأرقام التي قدمها الدكتور أشتي هورامي حول وصول إنتاج نفط الإقليم في الربع الأول من 2015 إلى (500) ألف برميل يومياً.

إن (3) مليارات دولار تعادل (3,6) ترليون دينار (بسعر 1200 دينار للدولار الواحد). وهي تكفي لتغطية رواتب موظفي الإقليم لمدة (4,24) شهراً. وحسب قول السيد سفين دزيي، من أن إجمالي الرواتب المطلوب شهرياً هو (850) مليار دينار، نجد أن ما جمع من مبالغ يكفي لتغطية رواتب أربعة أشهر وأسبوع فقط. والسؤال المطروح ماذا عن رواتب بقية الأشهر وماذا عن النفقات الأخرى التي يحتاجها الإقليم؟ سنرى أن السيد هورامي كان قد ذكر في أيلول 2015 بأن حاجة الإقليم هي (850) مليون دولار شهرياً، وأنه قام بتوفيرها من مبيعات التصدير المستقل، منها (700) مليون دولار لرواتب الموظفين –وهو ما ينسجم مع تصريحات السيد دزيي-، و(150) مليون دولار للنفقات الأخرى!!!.

ما كان يساعد الإقليم في توفير نفقاته هو البيع الداخلي للنفط، والذي وصل إلى (100-120) ألف برميل يومياً. وهو تهريب للنفط لا عن طريق الأنبوب بل عن طريق النقل بالصهاريج!!.

ليتذكر القارئ، أنه لو كان الإقليم قد سلم كامل نفطه إلى الحكومة الاتحادية (شركة سومو)، لاستلمت وزارة مالية الإقليم كامل حصته، ولاستلم الموظفون كل رواتبهم دون تأخير، ولكان الأمر قد تم في شفافية عالية، بحيث تعرف كل جهة أين تذهب مبالغ النفط. ولكننا نرى أن الجميع تقريباً في الإقليم، وبضمنهم المتحدث باسم حكومة الإقليم، وكذلك موقع شفق نيوز، يتحدثون عن الأزمة المالية في كردستان وكأن سببها السيد المالكي، بادعاءات أنه "قطع حصة الإقليم من الموازنة العراقية العامة"!! أن "الجميع" –كما يبدو-  يتوقع استلام الإقليم حصته كاملة من الموازنة، دون أن يساهم بكامل التزاماته بتسليم نفطه الجاهز للتصدير إلى الحكومة الاتحادية، وبالكمية المحددة في الموازنة العامة على الأقل!!.

(2)                      تنفيذ الاتفاق الأخير وموازنة 2015

عند تنفيذ الاتفاق الأخير وفق موازنة 2015، كانت الحكومة الاتحادية تتوقع قيام الإقليم بالتزاماته من الشهر الأول، وذلك بنقل (550) ألف برميل يومياً (300 ألف برميل من النفط الاتحادي في كركوك + 250 ألف برميل نفط الإقليم) إلى جيهان لحساب شركة سومو الاتحادية، ليسلم للإقليم 17% (استحقاقه) مطروحاً منه الكلف السيادية والحاكمة، حسب المبالغ المستلمة فعلاً وليس المكتوبة في الموازنة. وقد  ظهر للحكومة الاتحادية ومنذ الشهر الأول أن ما يسلم من إيرادات مالية للخزينة الاتحادية هو أقل من 1/12 من مبالغ الإيرادات المذكورة في الموازنة (أي أقل من الإيرادات المفترضة لشهر واحد بموجب الموازنة)، وذلك لأن سعر النفط المحدد في موازنة 2015، كان (56) دولاراً أميركياً في حين أن السعر الفعلي المباع به النفط كان أقل من ذلك مع إستمرار الأسعاربالتدهور.

أما ما توقعته حكومة الإقليم (أو حلمت بأن يكون)، هو أن تسلم إلى الحكومة الاتحادية أية كميات تراها مناسبة من النفط (مع تصدير الباقي لحسابها فقط)، مقابل أن تسلمها الحكومة الاتحادية 17% من الموازنة (ناقصاً النفقات السيادية)، وبنسبة 1/12 شهرياً، وبالأرقام المحددة في الموازنة، دون النظر إلى العائد المالي الحقيقي للموازنة المالية الاتحادية سواء نتيجة انخفاض أسعار النفط أو عدم تطبيق الفقرات الأخرى للعوائد كالضرائب والمكوس وغيرها (وقسم من الأسباب هو عدم تطبيق الإقليم نفسه لها). ولكن "حلم" حكومة الإقليم لم يتحقق على الرغم من محاولة وزير مالية الاتحادي السيد زيباري تطبيق ما رغب فيه الإقليم. لذا جاء الإقليم بحكاية وجود اتفاقية للتدرج في تسليم النفط شهرياً، وذلك بالاتفاق مع الجهات العراقية، ولم يذكر الإقليم من هي الجهة العراقية التي اتفق معها، ولم تظهر أية اتفاقية مكتوبة بهذا الشأن. وكان جواب السادة رئيس الوزراء ووزير النفط الاتحاديين، أن كل ما اتفق عليه مثبت في الموازنة ولا يوجد أمر آخر غيره.

ولكن وكما يظهر كان هناك أمر آخر، وهو جدول لتسليم النفط إلى الحكومة الاتحادية، وظهر هذا الجدول في أواخر آذار عندما توترت الأجواء كثيراً بين الحكومتين، وصدرت تصريحات من السيد وزير المالية واللجنة المالية في مجلس النواب، بأن الإقليم نفذ التزاماته، لذا يجب استلام كامل استحقاقاته!!.

لنرى ما هو هذا الجدول، وهل نفذ الإقليم ما جاء بهذا الجدول؟!:

لقد اطلعت على التقرير الذي أصدرته وزارة الموارد الطبيعية في الإقليم في شهر نيسان 2015 والمتعلق بتصدير النفط. وهو تقرير شهري تصدره الوزارة، ولكنني لم أطلع على تقارير الأشهر السابقة، وإنما اطلعت على تقريري نيسان وأيار. إن تقرير وزارة الموارد الطبيعية لشهر نيسان والصادر في 4/5/2015(29)، يذكر بوضوح أن هناك اتفاقية وقعت في 23/1/2015 بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم، والتي على أساسها تم تمرير قانون الموازنة لعام 2015 بتاريخ 29/1/2015، ونصت الاتفاقية بأن يقوم الإقليم بتسليم الكميات المذكورة في العمود -2- من الجدول رقم (7) التالي إلى سومو كالتزام من حكومة الإقليم. لم نسمع أن أحداً من المسؤولين المعنيين قد اطلع على هذا الجدول، وكل ما يدّعوه أنه لا يوجد أي اتفاق خارج ما جاء بنصوص موازنة 2015. إنني أميل إلى ما يقوله الإقليم بوجود اتفاق مفصل أكثر مما موجود في الموازنة، يتضمن ما جاء في العمود -2- من الجدول أدناه، كذلك  يتضمن عدم ممانعة الحكومة الاتحادية من قيام الإقليم بتصدير الكميات الزائدة عما ورد في الاتفاقية (التي تم الإعلان عنها وتضمينها في الموازنة) لحسابه الخاص وبيعها داخلياً، وكذلك التوقف عن الملاحقة الدولية القضائية لهذا التصدير. ولكن لا يوجد لدي ما يؤكد ذلك، حيث لم تصدر أية جهة رسمية من الإقليم أو الحكومة الاتحادية نصاً مكتوباً لهذه الاتفاقية.

لقد أضفت إلى الجدول العمود -3- وهو يمثل الكميات المستلمة فعلاً من قبل وزارة النفط، وهي الكميات التي تم تحويلها من الخزانات التابعة للإقليم في جيهان إلى الخزانات التابعة لشركة نفط الشمال، أي خزانات الحكومة الاتحادية. كذلك أضفت العمود -4- الذي يبين معدلات الكميات التي ضخها الإقليم إلى ميناء جيهان، وكل هذه المعلومات موثقة:

جدول رقم (7)

جدول تسليم النفط من الإقليم إلى الحكومة الاتحادية

ألف برميل يومياً

-1-

-2-

-3-

-4-

الشهر

الكمية المخطط لها حسب الاتفاق

الكمية المستلمة في خزانات الحكومة الاتحادية

الكمية التي ضخها الإقليم إلى جيهان

2015

ألف برميل/اليوم

ألف برميل/اليوم

ألف برميل/اليوم

كانون الثاني

-

151

381

شباط

275-350

307

437

آذار

400-425

276

382

نيسان

450-500

505

559

أيار

550

415

568

حزيران

600

165

لا توجد معلومات

تموز إلى تشرين 2 2015

625

لم تسلم أية كمية

لا توجد معلومات

المعدل

552

303

-

من الواضح أننا حتى عند أخذنا بالجدول الذي أشار إليه الإقليم فإنه لم يلتزم به في الأشهر كانون الثاني وآذار وأيار وبالأخص في حزيران، حيث كان من المفترض أن يسلم (600) ألف برميل يومياً ولكنه سلم (165) ألف برميل يومياً فقط، بفارق (435) ألف برميل. أما في أيار فقد كان الفارق (165) ألف برميل يومياً. والأمر الأوضح أن تعهدات الإقليم في الأشهر الأربعة الأولى كانت أقل مما هو محدد في الموازنة والبالغ (550) ألف برميل يومياً، وعلى افتراض أنه سيزيد من معدلات تسليمه اعتباراً من حزيران ليكون المعدل العام المذكور بالجدول والبالغ (552) ألف برميل يومياً. ولكنه بدلاً من ذلك قلل تسليم أيار وحزيران بالكميات المبينة أعلاه، وتوقف كلياَ من شهر تموزعن تسليم أية كمية الى الحكومة الاتحادية عندما كان من الواجب عليه أن يسلم (550) ألف برميل يومياً أو أكثر. وحدث ما توقعه معارضو الاتفاق عند إعلانه، في شكهم في أن حكومة الإقليم ستخرق الاتفاق عند الوقت الذي ستنتهي فيه مصلحتها الخاصة، وتبدأ مصلحة العراق العامة وبضمنها مصلحة كردستان. وذلك عندما توصل الإقليم إلى توسيع أنبوب وأجهزة تصديره إلى السعات العالية، ووضع لنفسه "موقعاً" في السوق العالمي، وتخلص من الملاحقة القانونية.

لقد استلمت الحكومة الاتحادية في الشهور الستة الأولى (303) آلاف برميل بدلاً من (550) ألف برميل يومياً المثبتة في الموازنة. أما لو أخذنا الأمر إلى نهاية تشرين الأول، فيكون استلام الحكومة المركزية (182) ألف برميل شهرياً بدلاً من (505) آلاف برميل شهرياً، إذ لم يتم إرسال أية كمية من نفط الإقليم والنفط الاتحادي من كركوك منذ منتصف حزيران إلى حد الآن، وبالمقابل لم تسلم الحكومة الاتحادية حكومة الإقليم أية حصة بعد حزيران. على الرغم من ذلك نرى أن السيد كوسرت رسول وغيره من القادة الكورد يطالبون في تشرين الأول 2015 بإرسال "حصتهم" من الموازنة العامة.

ليلاحظ القارئ، أن حكومة الإقليم اعتبرت النفط الاتحادي في محافظة كركوك جزءاً من نفط الإقليم، وتصرفت فيه لحسابها الخاص علناً وغصباً!!.

والآن يبدأ الحديث مجدداً عن "إعادة الحيوية" لاتفاقية موازنة 2015، لتطبيقها في موازنة 2016 كما هي، وذلك وبعد أن وصل تصدير الإقليم إلى (700) ألف برميل يومياً. وتخطط حكومة الإقليم –نقلاً عن الدكتور أشتي-  الى رفع إنتاجها إلى (900) ألف برميل يومياً في نهاية هذا العام.

كما نلاحظ في الجدول رقم (7) في العمودين (3 و4)، أن الإقليم يرسل إلى جيهان دائماً كميات أكثر بكثير مما يسلمه إلى الحكومة الاتحادية، ووصل ما أرسله إلى جيهان في الأشهر الخمسة الأولى من 2015 ما معدله (465) ألف برميل يومياً مقارنة بما سلمه للحكومة الاتحادية في الأشهر الخمسة الأولى والبالغ (303) ألف برميل يومياً. ولو اعتبرنا كميات شهر حزيران مماثلة لشهر أيار نصل إلى أن الإقليم أرسل إلى جيهان ما معدله (483) ألف برميل للأشهر الستة الأولى  مقارنة بما سلمه إلى الحكومة الاتحادية والبالغ (303) آلاف برميل يومياً، وجميع الأرقام التي اعتمدتها هي من حكومة الإقليم. والذي يعني أن الإقليم كان يصدر لحسابه الخاص من جيهان ما معدله (180) ألف برميل يومياً، وهو في الوقت نفسه يعتبر نفسه قد أوفى بإلتزاماته مع الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي بتنفيذ موازنة 2015، أي تسليم جميع نفطه المصدر إلى الحكومة الاتحادية وهو امر تردده للأسف الحكومة الاتحادية ومعظم أعضاء مجلس النواب يعلنون عدم وجود دلائل على تصدير مستقل لنفط الاقليم في النصف الأول من 2015!! علماً أن السيد أشتي هورامي كان قد صرح في 3/6/2015، أن الإقليم صدر لحسابه الخاص (184) ألف برميل يومياً في أيار 2015، كما ذكرت شركة جنيل إنيرجي التركية البريطانية في تقريرها السنوي لسنة 2014 والصادر في 5/3/2014، بأن اتفاق الحكومة الاتحادية مع حكومة الإقليم الموقع في كانون الأول 2014 يضمن لحكومة الإقليم حق التصدير لحسابها الخاص لأية كميات نفط منتجة تزيد عن (250) ألف برميل يومياً الذي يمثل التزام مساهمة الإقليم في الموازنة الاتحادية لعام 2015(32).

كان الحديث في كل ما جاء أعلاه هو حول "التصدير المستقل" لحساب الإقليم الخاص، وخارج الموازنة، وعبر أنابيب تصدير النفط إلى ميناء جيهان التركي، ولكن ماذا عن البيع الداخلي؟

قالت شركة كلف كيستون (المالكة لحقل شيخان) في 29/6/2015(30)، بأنها وقعت عقداً أمده (6) أشهر مع مشتر للنفط في الإقليم "لتعزيز آفاق التدفقات النفطية للشركة التي ما زالت لها مستحقات مالية عند حكومة الإقليم". وحسب هذا العقد فإن الشركة ستزود بين (12-40) ألف برميل يومياً إلى مشتر محلي لم تكشف عن اسمه، وأضافت أنها تلقت بالفعل مبلغاً قدره (4,9) مليون دولاراً عن أول شحنات نفط. وأضافت الشركة "بأن حقل شيخان ينتج ما يربو على (40) ألف برميل يومياً".

كما ذكر تقرير الفصل الأول لعام 2015 والصادر عن شركة DNO النرويجية بأنه تم توقيع عقد بين الشركة وحكومة الإقليم يسمح فيه للشركات بالمبيعات الداخلية للسوق المحلي!!، علماً إن أساس تقسيم الأرباح مناصفة بين الإقليم والشركة، ويتم البيع الداخلي من خلال مزايدات على الأسعار العالمية (سعر برنت، وهو السعر المعتمد في جيهان). وأن الأسعار الداخلية المنخفضة التي يباع النفط بها كانت بحدود (24) دولاراً لبرميل نفط طق طق، و(36) دولاراً لبرميل نفط طاوكي مقارنة مع سعر برنت في وقت البيع والبالغ (50) دولاراً للبرميل. وأضاف التقرير أن معدل إنتاج حقل طاوكي لسنة 2014 كان قد بلغ حوالي (91) ألف برميل يومياً، وتم تصريف نصفه للبيع الداخلي والنصف الآخر للتصدير. وهذا هو حال جميع الشركات العاملة في كردستان!!.

يربط "البيع الداخلي" دائماً مع مصافي كردستان!!. لقد كنت قد تحدثت عن هذا الموضوع، وعن الكميات الهائلة التي تباع إلى تلك المصافي غير الرسمية، وعبرها كطريق للتهريب وذلك عندما كان عدد المصافي يصل في حزيران 2013 إلى (80) مصفى نفطياً غير مرخص في الإقليم، وإن حكومة الإقليم كانت قد شكلت "لجنة لتنفيذ قرار إغلاق تلك المصافي، منذ عام 2010". وتوصلت فيما كتبته إلى "عدم وجود نية حقيقية لغلقها… إذ إن لهذه المصافي غاية أخرى، وهي وسيلة للتمويه وتهريب النفط". ولم أكن أتحدث في حينه عن المصافي الثلاثة الرئيسة المجازة، وهي: بازيان وكلك، والمصفى المشيد ضمن منشآت شركة DNO النرويجية (حقل طاوكي)، والتي كانت بمجملها بطاقة كلية قدرها (100) ألف برميل يومياً. وأكدت أنه لا توجد في العالم دولة لها هذا العدد من المصافي، لا سيما وأنها مشيدة من غير إجازة على الرغم من خطورتها الهائلة(25).

ولكن ما ظهر في أيلول كان أمراً لا يمكن تصديقه!!، إذ أصدرت وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم (وزارة النفط) أمراً بإغلاق (164) مصفى نفطياً غير مجاز، وذلك في 15/9/2015(33)!!، والهدف من الإغلاق هو: "تنظيم نشاطات قطاع النفط والغاز وحماية البيئة وصحة المواطنين"!!. كما قررت استمرار عمل (26) مصفى بشروط الالتزام بالتعليمات الصحية والسلامة البيئية خلال ثلاثة أشهر، على أن تلغى المصافي خلال الأشهر الستة القادمة ويتم تنظيفها. وطالب البيان وزارة الداخلية أن تقوم بتنفيذ القرار"!!. والظاهر أنها كانت "تجارة" رائجة جداً، إذ تضاعفت أكثر مرتين خلال سنتين!!.

كما أعلنت منظمة "دور للمعلومات النفطية" في إقليم كردستان، نقلاً عن شفق نيوز(33)، في تقريرها الشهري الذي حمل عنوان: "مصافي إقليم كردستان"، عن: "وجود (190) مصفى نفطياً غير قانوني يستهلك يومياً (70) ألف طن من النفط الخام". وجاء في تقرير المنظمة "إن إقليم كردستان، ما عدا امتلاكه لثلاثة مصاف رئيسية (كلك وبازيان وطاوكي) بطاقة إنتاجية (180) ألف برميل يومياً، فإنه يملك (190) مصفاة خاصة تعمل بصورة غير قانونية، تم إنشاؤها خارج التعليمات، وتضم (453) وحدة تصفية، وتستهلك (68) ألفاً و(706) أطنان من النفط الخام يومياً، وتنتج النفط الأسود والأبيض –الكيروسين- والبنزين، واطئ المواصفات. وعدد المصافي في حدود أربيل (124) مصفاة وهي الأغلبية، والأقل عدداً في محافظة السليمانية وتضم (29) مصفاة".

باعتقادي أن هناك خطأ في الأرقام، لأن (68706) أطنان يومياً تعني حوالي (500) ألف برميل يومياً، وهذا رقم كبير جداً، حتى لو كانت معظم هذه المصافي لأغراض التهريب كلياً أو جزئياً (أي تهريب النفط بعد استخراج أحد المنتجات منه).

هذا وإن الحدود الإيرانية هي التي كان يهرب منها الكثير جداً من النفط، قبل إكمال الخط "الكردي" إلى تركيا، وذلك لتهريبه إلى أفغانستان وبحر الخرز وإلى بندر عباس ليهرب بعد ذلك إلى دبي. هذه الحدود تم إغلاقها أمام النفط الخام، وبقيت مفتوحة للمنتجات النفطية، وما يمر من خلال هذه المصافي يعتبر "منتج نفطي" حتى لو كان نفطاً خاماً!!. كذلك أعتقد أن مجمل طاقات هذه المصافي هو أكثر من (70) ألف برميل يومياً، وقد تصل إلى (120-150) ألف برميل يومياً لتنسجم مع مبيعات النفط الداخلي.

من الملاحظ أن وزارة الموارد الطبيعية قد أبقت على (26) مصفى، ما يعني التقليل من المبيعات الداخلية، بسبب حيازتها الآن على خط للتصدير يتم العمل على رفع طاقته إلى مليون برميل يومياً في سنة 2016، وإنها تتصرف بجميع العائدات لذا تعتقد أن باستطاعتها إعطاء الشركات مباشرة "نفط الربح" تبعاً لعقود المشاركة، والتي قد تصل إلى 25% من المبيعات الداخلية. اعتيادياً تسمح حكومة الإقليم للشركات بالبيع الداخلي للحصول على الكل أو الجزء من نفط الربح. قد يكون عدد المصافي المتبقية والبالغ عددها (26) مصفى، وعلى الأغلب ذات السعات الأعلى، كافياً لإعطاء قسم من "نفط الربح" من خلال هذه المبيعات. وقد يكون الأمر كله "دعاية" إعلامية، ولن يتم غلق أي منها.

في كل الأحوال في حالة تمشية موازنة 2016، المقدمة إلى مجلس النواب بنفس طريقة تمشية موازنة 2015، فإن الكثير من هذه المصافي "غير القانونية" سيبقى في العمل لغرض "البيع الداخلي".

من المفيد أن نضيف هنا بأن عدم توصيل النفط الكافي إلى خزانات الحكومة الاتحادية في جيهان، لليوم العاشر على التوالي في حزيران، أدى إلى قيام شركة سومو إلغاء شحنتين تعودان لشركة "BP"(31)، حيث كانت هناك ناقلتان تنتظران في جيهان لنقل النفط الاتحادي، ولكن عدم توفر النفط أدى إلى مغادرة الناقلتين ميناء جيهان فارغتين. كذلك كانت هناك حمولة ثالثة تعود لشركة ثيسبا الإسبانية، متعاقدة مع سومو أيضاَ لتحميلها، واضطرت الشركة إلى إلغاء الشحنة بعد أن كان من المقرر تحميلها في أواخر حزيران، وذلك بسبب عدم كفاية النفط في خزانات سومو في جيهان. وأدى هذا الأمر ليس فقط إلى خسارة في المبيعات وإنما مطالبة الشركتين أعلاه بالتعويض عن الأضرار، وستضطر سومو قانونياً إلى دفعها!!. كما وإن رسالة صدرت من حكومة الإقليم إلى إدارة ميناء جيهان تقول: "ابتداءً من تموز فإن أية شحنة إلى سومو سيتم الموافقة عليها من حكومة الإقليم حصراً، وسيتم النظر فيها حالة بحالة، إلى أن يتم تحميل جميع ناقلاتنا في بقية الشهر"(34)!!!.

على ضوء ما جاء في أعلاه، نرى أن يتم تغيير جذري للموازنة المقترحة من الحكومة لعام 2016 إلى مجلس النواب، وذلك بأن تكون مجمل الصادرات التي تنقل إلى جيهان من قبل الإقليم لا تقل عن (750) ألف برميل يومياً، بضمنها (300) ألف برميل يومياً من النفط الاتحادي لمحافظة كركوك. مع التأكيد في صلب قانون الموازنة، أن "التصدير المستقل" محظور لأية كمية كانت، وأن جميع النفط المصدر يتم عن طريق سومو، ولا يوجد تحميل خاص لحكومة الإقليم. كما يضاف أيضاً منع "البيع الداخلي" بأي شكل كان، وأن حصة الإقليم ستقلص بمقدار "التصدير المستقل" و"البيع الداخلي"، وتجمد حصتهم لحين إنهاء انتهاكات حكومة الإقليم للصيغة أعلاه.

إن أية حكومة تقدم موازنة بالشكل الذي قدمت فيه موازنة 2015 فيما يتعلق بنفط كردستان، ولا تأخذ بنظر الاعتبار ما جاء أعلاه، هي حكومة مجحفة بحق الشعب العراقي، ومنهم الكرد، الذين عانوا من التصدير المستقل والبيع الداخلي، ولم يستلموا رواتبهم.

كما وإن أي نائب يصوت على مثل هكذا ميزانية يكون قد خان أمانة من انتخبه وأوصله إلى المجلس، ويكون قد ساعد بصورة قانونية على سرقة ونهب عوائد النفط العراقي.

 

(3)             تصدير نفط الإقليم إلى إسرائيل

لن أتحدث عن هذا الموضوع من باب الالتزامات الأخلاقية والإنسانية، ولا من باب الالتزامات القانونية والدستورية، لأن العراق لا يعترف بإسرائيل وبالتالي فإن التجارة معها أمر محظور وتجاوز كبير على صلاحيات الحكومة المركزية وخرق سافر للدستور، وكذلك لن أشرح هذا الأمر لمن "لا يصدقه أو ليس لديه أدلة ملموسة عنه". فجميع هذه القضايا ليست من اهتمامات حكومة الإقليم، أو عدد كبير من أعضائها، وبالتأكيد ليس من اهتمامات من يمسك بالملف النفطي في الإقليم. إنني أتحدث عن الموضوع من باب أن حكومة الإقليم "مضطرة" إلى اتخاذ هذه الخطوة، بعدما أصبح مجال تجارتها محدود جداً بسبب الملاحقة القضائية للنفط المصدر (المهرب) منها، فهو نفط يعود بمجمله إلى كل الشعب العراقي متمثلاً بالحكومة ومجلس النواب الاتحاديين.

كان النجاح الأول لإقليم كردستان لتصدير النفط بواسطة الأنابيب إلى جيهان، حين استأجر ناقلة نفط charted ship، تسمى United Emblem، التي أبحرت بحمولتها من النفط، ثم نقلت حمولتها إلى ناقلة أخرى، وهذه بدورها أوصلت النفط إلى ميناء عسقلان Ashkelon الإسرائيلي في 20/6/2014. إن وجهة التحميل أثارت "مشكلة علاقات عامة" في كردستان، ولكنها كانت "إنقاذاً" حيث إن العراق لا يعترف بإسرائيل لذا لا يمكن أن يثير مسألة قضائية.

لقد زاد "تصدير الإقليم المستقل" في تموز الماضي وحملت على الأقل (10) ناقلات نفط، لحساب الإقليم الخاص، حمولة كل ناقلة مليون برميل، وهو ما يعادل تحميل حزيران، تبعاً لمعلومات اطلع عليها "تقرير نفط العراق Iraq Oil Report"، بالتعاون مع "خدمة مراقبة ناقلات النفط tankers monitoring services"(34).

والناقلات العشر، بحمولة مليون برميل لكل منها، تم تحميلها في (15) يوماً، وأدناه أسماء الناقلات وتاريخ مغادرتها ميناء جيهان النفطي:

United Leadership 1/7/2015, United Emblem 2/7/2015, United Seas 3/7/2015, MT Bonita 4/7/2015, MT Tamara 6/7/2015, United Dynamics 8/7/2015, United Leadership 9/7/2015, United Fortitude 11/7/2015, United Seas 13/7/2015, United Emblem 14/7/2015.

ونلاحظ أن قسماً من الناقلات النفطية حملت مرتين، بعد تسعة أيام، مما يعني أن مكان تفريغ الناقلات لم يكن بعيداً.

أي أنه من 1/7/2015 إلى 15/7/2015، تم تحميل (10) ملايين برميل، وبمعدل تصدير قدره (666,7) ألف برميل يومياً.

على الرغم من أن هذا النفط هو جزء من نفط العراق، ولكن تجارة حكومة الإقليم هي خارج نطاق النفط المسجل، وخارج سيطرة سومو، بحكم الواقع. واعتيادياً فإن المعلومات المسجلة عن كميات تصدير وعوائد العراق هي ما يصدر من قبل سومو، وهو الذي تسجله أوبك والجهات العالمية للنفط العراقي. وما يصدر من حكومة الإقليم هو أمر خارج هذه الحسابات، وكما كنا قد ذكرنا ذلك عند مناقشة العرض والطلب العالمي للنفط.

إن الكميات والأسعار والمشترين والعائدات كلها أمور غير معروفة فيما يتعلق بالتصدير المستقل للإقليم، لانعدام الشفافية. ومن المفروض أن الحكومة العراقية "لا تزال" عندها جهات قانونية عالمية لمتابعة هذه الحالات، ولكن هناك مشكلة في المتابعة القانونية، على الأقل فيما يتعلق بالمشتري الرئيسي وهي إسرائيل.

تقريباً كل تصدير لحكومة الإقليم يتجه إلى المياه الإقليمية الإسرائيلية(34)، ثم أين تذهب الناقلات بعد ذلك فهو أمر غير محدد. ولكن من المؤكد أن إسرائيل تكرر وتتعامل مع النفط الكردي، أو تصدره بعد ذلك (أو قبل ذلك) من خلال النقل من ناقلة إلى أخرى. والعراق لا يعترف بإسرائيل ولذلك لا يتمكن من إقامة الدعاوى ضدها، ولكن يمكنه إقامة الدعاوى ضد الشركة التركية المالكة لأنابيب النقل ومعدات التحميل، وكذلك إقامة الدعاوى ضد الشركة التجارية المشترية للنفط، والشركات المالكة لناقلات النفط.

إن الناقلات العشر المذكورة أعلاه اتجهت نحو المياه الإسرائيلية حسب التقارير التي اطلعت عليها في "تقرير نفط العراق"، وبالتعاون مع "خدمة مراقبة ناقلات النفط"، ولكن عند دخولها للمناطق القريبة من إسرائيل، أغلقت الناقلات أجهزة التتبع، ولا يعرف ماذا حدث بعد ذلك.

وكما سنرى لاحقًاً أن استهلاك إسرائيل بحدود (260) ألف برميل يومياً، وأنها تعتمد في 75% من استهلاكها على نفط كردستان، لذلك فإن أكثر من نصف النفط الكردي المصدر من جيهان يباع إلى جهة أخرى غير إسرائيل، ولكن بمساعدتها. إذ إن تبديل حمولة الناقلات يتم بمعاونة الجهات الإسرائيلية، ومنها إلى جهات أخرى في العالم، على اعتباره "نفطاً إسرائيلياً"!!. والكل يشتري إذا كانت هناك حسومات في الأسعار خصوصاً الدول القريبة ولها علاقات طيبة مع إسرائيل مثل قبرص واليونان، وحتى مصر والأردن، وغيرها من الدول.

ذكرت "الفاينانشل تايمز The Financial Times" الصحيفة المعروفة عالمياً (36 و37)، في 24/8/2015، تحت عنوان: "إسرائيل تتجه نحو الكرد للتجهيزات النفطية"، "إن الشركات والمصافي النفطية الإسرائيلية اشترت أكثر من (19) مليون برميل بين شهر أيار وآب، وفقاً لبيانات الشحن، ومصادر تجارة النفط، ونظام تعقب الناقلات المتصل بالأقمار الصناعية". وأضافت أن: "الكلفة الكلية لهذه الكميات تقدر بمليار دولار بحسب الأسعار العالمية في تلك الفترة، وتمثل حوالي (77%) من معدل الطلب الإسرائيلي". وذكرت في تقريرها أيضاً: "أن قسماً من النفط قد يكون مخزوناً لدى إسرائيل، أو أعيد تصديره إلى جهة ثالثة… حسب تحاليل المتاجرين بالنفط، فإن من الممكن لإسرائيل أن تحصل على هذا النفط بسعر منخفض، أو تشتري النفط الكردي كطريقة إعطاء مساعدة مالية للكرد بصورة غير مباشرة".

ويضيف التقرير: "إن تجارة النفط هذه تتم عبر صفقات سرية مدفوعة الثمن مقدماً بواسطة الشركات الكبرى لتجارة النفط والمنتجات النفطية في العالم، ومن بينها شركتي فيتول وترافيجورا". ويضيف أيضاً: "أن هناك العديد من الدول، إلى جانب إسرائيل، تشتري النفط الكردي، حيث إن المصافي الإيطالية تشتري حوالي 17% من حاجتها من نفط شمال العراق، واليونان تستورد 8% من حاجتها من هذا النفط، وتركيا تستورد 9% من حاجتها. إضافة إلى قبرص التي تستورد 17% من حاجتها من نفط شمال العراق".

هذا ولقد ذكرت الصحيفة أيضاً: "أن حكومة الإقليم أنكرت أنها تبيع النفط إلى إسرائيل (بصورة مباشرة أو غير مباشرة)، ولكن كان جواب مسؤول كبير في حكومة الإقليم للصحيفة: (إنهم لا يهمهم أين يذهب النفط، بعد أن نسلمه إلى تجار النفط… وإنهم بحاجة كبيرة للمال لمحاربة داعش وتوفير رواتب الموظفين)".

إن شركتي فيتول وترافيجورا المذكورتين أعلاه، كان قد تم تحديدهما في تقرير لوكالة رويتر صدر قبل أكثر من ثلاث سنوات، في 2/10/2012، بشرائها النفط من حكومة الإقليم(25). حيث تم في حينه شحن مكثفات نفطية براً من حقل غاز خورمور –دون علم الحكومة الاتحادية– إلى تركيا، ومن ثم حمل على ناقلات في مطلع تشرين الثاني 2012 لحساب الشركتين أعلاه. اعتذرت شركة ترافيجورا –وقتها– للحكومة الاتحادية بعد إثارة الموضوع معها. وتزود هاتان الشركتان الحكومة الاتحادية بالمشتقات النفطية، ولها تجارة نفطية كبيرة مع الحكومة الاتحادية.

ونلاحظ في الخبر أعلاه، أن بالإضافة إلى إسرائيل وإلى الشركتين، هناك عدد من الدول الأخرى تشتري نفط الإقليم، مثل قبرص واليونان وإيطاليا وتركيا، مما يؤيد قول السيد أشتي بأن الحكومة الاتحادية أوقفت الملاحقة القضائية العالمية لهذا النفط، أو على الأقل جمدت عمل الجهات القانونية العالمية التي كانت تلاحق الموضوع لحساب الحكومة الاتحادية.

ثم جاءت الصحيفة الإسرائيلية، الناطقة باللغة الإنكليزية، "جُروسِلِم بوست The Jerusalem Post"، بخبر مشابه، وفي التاريخ نفسه، أي في 24/8/2015، وتحت عنوان: "غالبية النفط الإسرائيلي مستورد من كردستان"(35). يشير إلى ما نقلته صحيفة الفاينانشل تايمز أعلاه، وتضيف معلومات أخرى. حيث تقول الصحيفة: "إن استيراد النفط من أربيل، قد يكون أمراً مرغوباً فيه من القدس –يقصد عاصمة إسرائيل–، لأسباب اقتصادية وجيوسياسية، كما يقول الخبراء."، وتضيف: "إن النفط الكردي يصل ميناء عسقلان Ashkelon النفطي منذ فترة طويلة… وإن النفط يخزن لدى منشآت شركة أنبوب آيلات أشكلون Eilat Ashkelon Pipeline Lowpary، لأغراض تجارية من قبل الشركات النفطية التجارية العالمية ومن قبل المستثمرين. وبعدها تقوم المصافي الإسرائيلية بشراء النفط من هذه الشركات". وتضيف أيضاً: "إن استيراد النفط الكردي سيكون مفيداً من النواحي الجيوسياسية والنواحي الاقتصادية، على الرغم من عدم اعتقادنا أن الكورد يلاقون صعوبات كبيرة في هذه الأيام في تصدير نفطهم. إن من المنطقي للمصافي الإسرائيلية شراء النفط الكردي المصدر من ميناء جيهان النفطي، حيث إن رحلة الناقلة تستغرق يوماً واحداً للوصول إلى أشكلون. كما وإن استيراد إسرائيل لنفط كردستان، سيؤدي بصورة غير مباشرة لخدمة القضية الكردية".

وأخيراً نريد أن نختم هذا الموضوع بما جاء في حيثيات محكمة الاستئناف الأميركية في الدائرة الخامسة Fifth Circuit في نيو أورلينز New Orleans، وذلك بأن الناقلة التي كانت تحمل نفط الإقليم والمراد بيعه في الولايات المتحدة، قد اتجهت نحو الشرق الأوسط وأفرغت حمولتها في ميناء عسقلان الإسرائيلي تحديداً، وجاء ذلك في سياق الحكم الذي صدر في النصف الثاني من أيلول 2015(38).

والآن نتساءل ماذا يريد المشككون في صحة أن نفط الإقليم يغذي 77% من نفط إسرائيل، أو الذين يزعمون عدم وجود "أدلة دامغة" على هذا الأمر. هل يريدون كتاباً رسمياً صادراً من نتنياهو، ومصدق من كاتب العدل في إسرائيل، ومرسل إلى وزارة الخارجية في بغداد بالطرق الدبلوماسية، عن طريق وزارة الخارجية الأميركية، مع كل "الدمغات" الروتينية اللازمة، يقول فيه نتنياهو: "أقسم لكم بأننا نستورد النفط من كردستان"!!، ليصدقوا حينئذ أن نفط كردستان يغذي إسرائيل؟

ويتساءل صائب خليل وبسخرية لطيفة حول طلب السيد كوسرت رسول في 12/10/2015 من السيد عمار الحكيم، التدخل كي تقوم الحكومة الاتحادية بإرسال حصة الإقليم من الميزانية،وليجيب على طلب كوسرت: "ثلاثة أرباع استهلاك إسرائيل من النفط، ألا تكفي لرواتب كردستان؟"(21).

(4)             محاولة حكومة إقليم كردستان تصدير النفط إلى الولايات المتحدة

لقد كانت الحكومة الأميركية دائماً معارضة لقيام الكورد بالتصدير المستقل. وحتى "قانون بايدن" غير الملزم والسيء الصيت والذي يسمى "قانون تقسيم العراق"، اعتبر النفط أمراً مركزياً!!، إذ صدر هذا القانون، وهو ما يسمى أيضاً "قانون بايدن–غيليب" في أيلول 2007، والرامي إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم عاصمتها مركز بغداد. ولو نقرأ القانون وتفسيراته وشروحات بايدن له، فيما يتعلق بالنفط، نجد أن مسألة النفط برمتها، بدءاً من الخطط الإنتاجية إلى التعاقد إلى الإنتاج إلى التصدير إلى توزيع الأرباح هي مسألة مركزية من صلاحيات بغداد حصراً، وتم وضعها مع قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية(39).

ولكن لم يكن الموقف الأميركي بالوضوح الكافي تجاه عمليات توقيع العقود والإنتاج، مثلما كان واضحاً فيما يتعلق بالتصدير، باعتباره أمراً يخص الحكومة الاتحادية حصراً حسب نصوص الدستور، ولقد كتبت عن ذلك في عدد من كتبي(25 و39). حيث إن التصريحات الأميركية العلنية بمعارضة "التصدير المستقل" لم تكن بالطريقة الصريحة الآمرة، وإنما كانت "على استحياء"، وخصوصاً منذ الإعلان الرسمي عن مثل هكذا تصدير من قبل حكومة الإقليم. آخر هذه التصريحات هو ما جاء على لسان وزير الطاقة الأميركي أرنست مونيز في 4/10/2015 على هامش مؤتمر وزراء الطاقة لدول الـG20 المنعقد في تركيا(40). حيث أعلن "أن مسألة صادرات النفط العراقي ونفط إقليم كردستان أمر ضروري، مستدركاً أن التصدير يجب أن يكون في إطار الدستور"، مضيفاً: "أن على العراق وتركيا التنسيق فيما بينهما في عملية تصدير النفط وإيراداتها، معلناً عن دعم حكومته الكامل لعملية تصدير النفط من الإقليم إلى الخارج شريطة أن تكون في إطار الدستور العراقي". ونلاحظ تكرار عبارة "في إطار الدستور العراقي"!!.

أما بشأن ما يقوم به الإقليم حالياً من تصدير لنفطه بصورة مباشرة عن طريق الأراضي التركية، عبّر مونيز "عن اعتقاده أن هناك اتفاقاً بين أربيل وبغداد، مستدركاً أن المهم أن تكون تركيا قد بدأت حواراتها فيما يخص هذه العملية".

يمكن إيجاز الموقف الأميركي، بأن التصدير من مسؤولية الحكومة الاتحادية حصراً حسب نصوص الدستور. ويمكن للحكومة العراقية أن تخول الإقليم تصدير النفط بدلها بصورة رسمية. وفي الوقت نفسه لا تريد أن "تزعل" الحليف القوي لها، وهي حكومة الإقليم بالتدخل بالموضوع، لاسيما أن الحكومة الاتحادية الحالية، لم تعط الموضوع الأهمية المطلوبة.

على ضوء ما تقدم، أرادت حكومة الإقليم أن تجعل مبيعات نفطها في الولايات المتحدة أمراً مسموحاً به، وبذلك تكسر طوق ممانعة الحكومة الاتحادية. وقد يكون هذا القرار نتيجة نصيحة "أصدقائها ولوبيها ومحاميها" في الولايات المتحدة، وعلى افتراض أن باستطاعتهم الضغط باتجاه إكمال عملية البيع في الولايات المتحدة بنجاح، وبذلك –وعند إكمال عملية البيع–، وعدم تدخل الحكومة الأميركية، يمكن التصدير إلى أي مكان في العالم. ولم يكن في حسبانهم أمر القضاء الأميركي، والملاحقة القضائية العراقية.

قامت حكومة الإقليم في تموز 2014، وبعد فترة قصيرة من "التصدير المستقل" التجريبي وغير المعلن رسمياً، وفي ظروف سياسية معقدة، في العراق فيما يتعلق بوزارة المالكي ومجيئ العبادي، باستئجار ناقلة النفط United Kalavryta، من الشركة اليونانية الكبيرة "خدمات إدارة البحار Marine Management Services MMS"، وحملتها بأكثر من مليون برميل، ووجهتها إلى الولايات المتحدة لمشتر لم يذكر اسمه، وبالذات إلى خليج المكسيك في محاولة لتفريغ حمولتها في ميناء "كالفستون Galvestone" في تكساس(38). وتعذر التفريغ نتيجة حدوث مشاكل قضائية في عائدية النفط وإمكانية التفريغ في هذا الميناء. وفي 4/9/2014، قدم مكتب محاماة يمثل الحكومة العراقية دعوى في محكمة في تكساس، وكذلك تعديلاً لدعوى أخرى قدمت سابقاً، على ناقلة نفط مملوءة بالنفط المصدر من كردستان تعود إلى الحكومة العراقية، وإن الناقلة تنتظر التفريغ في سواحل تكساس (خليج المكسيك)، وذلك مقابل دعوى من حكومة الإقليم تطلب من المحكمة إصدار أمر إبطال دعوى سابقة من الحكومة العراقية، والسماح للناقلة بالتفريغ، باعتبار أن الحكومة العراقية الاتحادية لا علاقة لها بتصدير نفط الإقليم(43).

لقد نجحت الدعوى التي أقامتها الحكومة العراقية، إذ أصدرت "محكمة المنطقة الجنوبية لتكساس The Southern District Court" حكماً لصالح الحكومة العراقية في 7/1/2015، حيث أكدت فيه المحكمة أن "وزارة النفط الاتحادية لها كامل الحق في إقامة الدعوى، لأنها قدمت ما يكفي من الأدلة على أن الدستور العراقي يمكن أن يفسر على أنه يعطي وزارة النفط الاتحادية حق ملكية النفط على الناقلة، وإن للمحكمة الصلاحية الكاملة للنظر في دعوى الوزارة"(42).

اعتبر هذا الحكم نصراً للحكومة العراقية الاتحادية، وانتكاسة لمحاولات حكومة الإقليم في التصدير المستقل. ولكن الإقليم لم يعتبر هذا القرار القضائي نهائياً، واستمر بالإجراءات القضائية في الولايات المتحدة باستئناف حكم محكمة البداءة في تكساس، محاولاً إيجاد مخرج قانوني لإنجاح التصدير المستقل.

بعد النطق بالحكم أعلاه مباشرة ، غادرت ناقلة النفط United Kalavryta خليج المكسيك عائدة نحو البحر المتوسط، وأفرغت حمولتها في ميناء عسقلان الإسرائيلي، وفق معلومات "خدمات تتبع سير الناقلات". إن مغادرة الناقلة فور صدور الحكم يمكن تفسيره أن هناك تخوفاً من إصدار حكم آخر بمصادرتها، وإعطائها لوزارة النفط الاتحادية (وهو الاحتمال الأرجح)، أو أنها تأخرت في خليج المكسيك لشهور طويلة، ولا أمل هناك في بيع النفط في أميركا. في كل الأحوال فإن مغادرة الناقلة، قد يكون أضر بالاستئناف القضائي لحكومة الإقليم، وكما سنرى.

قامت حكومة الإقليم بالطعن بالحكم السابق، وذلك في "محكمة الإستئناف الطوّافة الخامسة Fifth Circuit Court"، في نيو أورلينز New Orleans. (وتعبير الطوّافة Circuit Court، يستعمل للمحاكم المسماة "الطوّافة أو الدورية" التي تنعقد في فترات مختلفة).

وحكمت محكمة الاستئناف هذه برفض طعن الإقليم بحكم محكمة تكساس المذكورة أعلاه، لم يتناول الحكم موضوع النظر فيما لو كانت حكومة الإقليم تستطيع أن تصدر أو لا تصدر بصورة قانونية، وإنما أخذ بأمر محكمة البداءة في تكساس والتي أعطت بغداد الحق القانوني لأن تقاضي محاولات حكومة الإقليم للتصدير إلى الولايات المتحدة. مع إضافة –وكما جاء في نصوص ما قاله القاضي– بأن "حكومة الإقليم قد جعلت من استئنافها الحكم أمراً افتراضياً mooted this appeal، وذلك من خلال قرارها، وبصورة طوعية، أن تفرغ شحنة النفط في إسرائيل"(38).

إن هذا الحكم يؤكد أن حكومة الإقليم ستجابه مشاكل قانونية معقدة، لو حاولت أن تنقل أية شحنة نفط وتبيعها في منطقة المحكمة الأولى تكساس (أي Southern District Court). وإذا قامت حكومة الإقليم بإرسال النفط إلى غير هذه المنطقة في الولايات المتحدة، قد يأخذ الأمر مجرى آخر، ولكن الجهات القانونية العراقية (أو حتى غير العراقية)، تنفي هذا الاحتمال، إذ مع إن الحكم السابق لا يعتبر سابقة قانونية ملزمة، ولكنه سيكون أمراً مقنعاً في أية محكمة أخرى في الولايات المتحدة. وفي كل الأحوال فإن حكم محكمة تكساس ومحكمة الاستئناف الأميركيتين يمثل عقبة كبيرة أمام تصدير أي نفط من إقليم كردستان إلى الولايات المتحدة(38).

ولكن حكومة الإقليم "فهّمت" أو حاولت أن "تقنع" الآخرين، بأن ما صدر من حكم قضائي في الولايات المتحدة هو لصالح تصديرها المستقل!، إذ تقول وزارة الموارد الطبيعية وبشكل مضلل، فيما نقلته عنها وكالة "شفق نيوز" في 23/9/2015(44)، بأنه: "لا يوجد أي مانع قانوني من قيامها بتصدير النفط إلى أميركا أو أية جهة أخرى، بعد صدور قرار من محكمة أميركية بشأن إنتاجها النفطي ورد شكوى الحكومة العراقية" وجاء في بيان وزارة الموارد الطبيعية أيضاً: "إن قرار المحكمة الأميركية بشأن إعادة الاستئناف في قضية بيع نفط إقليم كردستان أثبت أن على وزارة النفط الاتحادية أن تسحب جميع تلك الشكاوى التي لا أساس قانوني لها والمسجلة ضد حكومة الإقليم". وأود أن أؤكد المقطع الثاني من بيان وزارة الموارد الطبيعية نفسه، حيث يقول: "إن طلب المحكمة الأميركية بشأن الاستئناف يعني أن وزارة النفط العراقية يجب أن تقوم بسحب الاتهامات التي وجهتها ضد حكومة الإقليم في الفترة الماضية، لأن نفط الإقليم تم بيعه ووصل إلى المكان "المقصود"!!. والمكان المقصود –كما يظهر– في هذا البيان، هو إسرائيل. وكان على كاتب البيان أن لا يقع في هذا الخطأ، والاعتراف الضمني بالتصدير إلى إسرائيل.

في كل الأحوال إذا كان الأمر كما يقول بيان وزارة الموارد الطبيعية، فما هي إذاً المشكلة في قيام الإقليم بإكمال مسيرته في "التصدير المستقل" والتصدير إلى الولايات المتحدة؟، إذ حسب البيان يستطيع الإقليم قانونياً، وحسب قرار المحكمة الأميركية، أن يصدر إلى أي مكان في العالم!. إذاً لماذا التعتيم والعمل بسرية، وعدم نشر معلومات عن المشترين والبائعين والناقلين والكميات ومناطق اتجاه الناقلات، والأهم هو عدم نشر الأسعار والمبالغ المستلمة، وهذه جميعاً هي متطلبات منظمة الشفافية. فإذا لم يكن التخوف من أمور قانونية فإن إخفاء هذه المعلومات عن العالم، وفي مقدمتهم الشعب الكردي ونوابه، هو لأسباب أخرى متداولة على كل لسان!!.

نحن لا نرى في بيان وزارة الموارد الطبيعية للإقليم إلا استهزاءً بالآخرين، وقد يكون محاولة منها لزعزعة الثقة، أو إعطاء "الحجة" لمن لا يريد أن تستمر الحكومة الاتحادية بمتابعة دعاويها. ولكن واجب الحكومة الاتحادية هو المتابعة المستمرة لانتزاع حقوق العراقيين كاملة ممن يريد سرقتها.

(5)             هل حقق "التصدير المستقل" طموحات الإقليم الاقتصادية والمالية والنقدية؟

سيجيب الكثيرون –وهم على حق–عن السؤال بـ: كلا!!، والبرهان هو هذه المظاهرات التي خرجت في كردستان تطالب بمطلب اعتيادي وبديهي لا يتجاوز الحد الأدنى من المطالب المعقولة، وهو المطالبة بالرواتب المتأخرة لثلاثة أوأربعة أشهر وحتى خمسة اشهر!!. وكما لاحظنا في كل ما مر بنا، أن المجموعة التي تدير الملف النفطي، لم تتمكن لسبب أو لآخر أن توفر الحد الأدنى من الحقوق لمواطنيها، وهي الأجر مقابل العمل الذي قام به الأجراء والموظفين والعاملين والمقاتلين في الإقليم، على الرغم من أن الإقليم يأخذ أكثر من حقه نفطاً في موازنة الدولة وبما يزيد على 50% عن بقية المحافظات العراقية وذلك بتصديره المستقل للنفط.

لقد بدأ تهريب النفط من كردستان منذ سنوات عديدة، إلا أن بدايات "التصدير المستقل"، كانت في النصف الثاني من 2013 وعلى  إمتداد عام 2014 بصورة سرية وذلك من خلال أنبوب التصدير "الكردي". وأصبح الأمر علنياً ومن خلال مذكرات رسمية مرفوعة إلى الحكومة الاتحادية في حزيران 2015. وخسر الجميع إلا تركيا!!

دور تركيا النفطي في إقليم كردستان

إن تركيا هي التي شجعت وساعدت الإقليم في مد أنبوبه وربطه، بالأنبوب العراقي التركي إلى جيهان، ووفرت له كل إمكانيات التصدير ونكثت بالاتفاقيات الموقعة مع الحكومة الاتحادية حول تصدير النفط، وذلك مقابل منافع عديدة على حساب العراق وبالأخص الكورد. فلقد حصلت على نفط رخيص، وعلى رقع تنقيب وتطوير نفطية كثيرة ومهمة في الإقليم، وفي أغلبها بالتعاون مع شركة أكسن موبيل الأميركية، وأصبح السيد مسعود البارزاني حامي مصالح الأتراك في العراق على حساب الكورد والعرب. ووقعت اتفاقية في مجال الطاقة لمدة (50) عاماً مع الإقليم لا يعرف مضمونها أحد، إلا ما يصدر من الأتراك أنفسهم أحياناً.

وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي تانريلدز في آب الماضي(45): "إن بلاده ستشتري الغاز الطبيعي من العراق –يقصد من كردستان– عام 2017، ولكن ليس بنصف سعره عالمياً، وإنما أقل من نصف السعر باعتبار أننا بلد مجاور". ويضيف: "إن تركيا تلعب دوراً رئيساً في نقل نفط إقليم كردستان العراق إلى الأسواق العالمية، مؤكداً أن ذلك لا يمكن أن يتحقق من غير تركيا وموافقة الحكومة المركزية في بغداد". مشيراً إلى العلاقات "المهمة" والاتفاقيات والعقود المبرمة التي تربط أنقرة ببغداد!!.

ويضيف –في الخبر نفسه– رئيس المجلس التنفيذي العام للطاقة في تركيا محمد سربيل أن: "مشروع الغاز الطبيعي هو أهم مشروع تركي سينفذ في شمال العراق لأن تركيا تشتري الغاز من روسيا وإيران، وستحصل عليه بأسعار أقل بكثير، لذا سنخفض سعر الغاز الطبيعي الذي نشتريه الآن بسعر (12–13) دولاراً للمليون (وحدة حرارية بريطانية BTU) إلى (7) دولارات حسب الاتفاقيات التي أبرمت"(45).

لم يسبق أن كانت هناك موافقات من الحكومة الاتحادية على تصدير نفط الإقليم بصورة مستقلة، وحتى اتفاقية تصدير (550) ألف برميل يومياً والمذكورة في موازنة 2015، لم تذكر إمكانية تصدير الإقليم لنفطه بصورة مستقلة. لذا لم تكن هناك أية موافقات للحكومة المركزية على التصدير المستقل للإقليم الذي بدأ في النصف الثاني من 2013، بل بالعكس لدينا طلب للتحكيم قدم في أيار 2014 في مجلس التجارة الدولي chamber of commerce في باريس ضد الحكومة التركية وضد الشركة الحكومية التركية المشغلة لأنبوب النفط العراقي-التركي بوتاس Botas، وذلك لنقضهم اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة سنة 1946، واتفاقية خط أنبوب تصدير النفط العراقي من خلال تركيا والتي جددت آخر مرة سنة 2010 بحصر التصدير النفطي بالحكومة المركزية. وكذلك لم توقع الحكومة الاتحادية على تصدير للغاز إلى تركيا، لأننا أصلاً لا يوجد لدينا غاز كافٍ للتصدير حتى سنة 2020. لهذا فإن الاتفاقيات المبرمة هي مع حكومة الإقليم. والمعلومات لدينا أن سعر الغاز في هذه الاتفاقيات يصل إلى أقل من (7) دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، وقد يصل إلى (5–6) دولارات –كما قال وزير الطاقة التركي في تصريحه أعلاه–. ولكن لا توجد أرقام معلنة، ما عدا المذكورة أعلاه، إذ إن الاتفاقيات "سرية جداً"!!، وعلى الرغم من هذه السرية تتسرب بين الحين والآخر بعض المعلومات حولها.

لقد نشر في "موقع نقاش" بتاريخ 23/4/2015، مقال بقلم هونر حمه رشيد، يتضمن بعض المعلومات حول الاتفاقية التركية الكردية ورد فيها: "إن حكومة الإقليم برئاسة نيجرفان بارزاني وقعت في 2013، وأثناء الفترة التي كان فيها في حكومة تصريف الأعمال اتفاقاً مع الحكومة التركية لمدة (50) سنة، تتضمن (13) نقطة، أهمها النفط والطاقة وهو الهدف الرئيسي من الاتفاق. وتنص على تعاون تركي في توصيل نفط الإقليم إلى جيهان عبر أنابيب وصهاريج ومستودعات خاصة به، وتعاون تركيا في تصديره إلى الأسواق العالمية. ويقع على عاتق الجانب الكردي تجهيز السوق المحلية التركية بالنفط والغاز بأسعار مناسبة.

وقال السيد علي حمه صالح، نائب رئيس لجنة الطاقة والثروات الطبيعية في برلمان كردستان أن هذا الاتفاق، هو الاتفاق الوحيد الذي لا يعلم عنه شيئاً سوى عدد قليل من الناس (فقط القيادات الكردية العليا)، ولا يعلم عنه حتى وزير المالية والاقتصاد ريباز محمد حملان.

ولقد كان موقف رجب أردوغان واضحاً فيما يتعلق بالشأن العراقي، والاتفاق مع حكومة الإقليم بمعزل عن الحكومة الاتحادية، حين تحدث في آذار 2013 لقناة CNN TURK، وذكر أن تركيا على وشك التوصل إلى اتفاق مع أكراد العراق، وأضاف، مانحا لنفسه حق تفسير الدستور العراقي، بأنه: "لا يوجد في الدستور العراقي ما يمنع حكومة الإقليم من إبرام الاتفاقيات، ويحق لكردستان العراق بموجب الدستور العراقي استخدام مواردها من الطاقة مع الدولة التي تختار"!!. ولا عجب في يتعامل اردوغان مع حكومة الاقليم كدولة مستقلة، وهو الذي يشن حربا على مواطنيه الاكراد المدافعين عن ابسط حقوقهم القومية، حيث باعت له حكومة الاقليم ورهنت ثرواته النفطية بثمن بخس لخمسين سنة قادمة.

وإكمالاً للحديثنا عن "التصدير المستقل"، نرى أن نبدأ بتفصيل العلاقات ما بين وزارة الموارد الطبيعية (النفط) ووزارة المالية والاقتصاد لمعرفة نتائج هذا التصدير.

 

العلاقات بين وزارة المالية والاقتصاد ووزارة الموارد الطبيعية في الإقليم

قالت وزارة المالية في الإقليم في بيان ورد عن شفق نيوز في 22/8/2015(52)، "إنه كان الأجدر أن يقوم كل طرف بأداء واجباته بموجب القوانين السارية من أجل تأمين رواتب موظفي الإقليم بدلاً من نشر البيانات التوضيحية"، وهو هنا في أواخر شهر آب ويتحدث عن رواتب شهر حزيران، ومشيراً إلى وزارة الموارد الطبيعية (النفط) في الإقليم!.

ويضيف البيان "إنه بموجب القوانين السارية فإنه لا يجوز أن تقوم وزارة الموارد الطبيعية بإنتاج النفط وبيعه واستخدام إيراداته بنفسها". وتابع "بأن وزارة المالية والاقتصاد ليست مسؤولة بأي شكل من الأشكال عن تأخير رواتب حزيران الماضي، لأنه قبل شهر واحد عقد اجتماع في وزارة الثروات الطبيعية، بحضور وزيري المالية والثروات الطبيعية وسكرتير مجلس الوزراء وذلك من أجل نقل حساب حكومة الإقليم من مصرف (هالك بنك) التركي إلى وزارة المالية والاقتصاد بناءً على أمر رئيس الوزراء نيجرفان بارزاني "مضيفاً" أن وزير الثروات الطبيعية قال في الاجتماع إن ذلك الحساب سيتم العمل به اعتباراً من الأول من شهر أيلول المقبل وستبقى الإجراءات كما هي لذلك الحين، كما قال أشتي هورامي أنه لن يذهب إلى تركيا من أجل تحويل الحساب في وقت تحتاج هذه العملية لحضور الطرفين ليتم نقل السلطات إلى وزير المالية بالكامل".

وبشأن الأرقام التي أوردها بيان وزارة الثروات الطبيعية بشأن تحويل مبلغ مليار و240 مليون دولار إلى حساب وزارة المالية، أوضح بيان وزارة المالية، "إن جميع تلك المبالغ يتم نقلها من حساب (كوميرز بنك) في ألمانيا لحساب مصرف كردستان الدولي، وبدوره يحولها لحساب وزارة الثروات الطبيعية". وأضاف: "إن مجموع المبالغ التي تم تحويلها تبلغ مليار و220 مليون دولار لحساب وزارة المالية التي قامت بصرفها بالشكل التالي: رواتب الشهر الرابع 2015 التي وصلت من الحكومة العراقية –الاتحادية– (508) مليارات دينار، ثم تم صرف (357) مليار ديناراً من المبلغ المحول من إيرادات النفط لاستكمال رواتب ذلك الشهر…". ثم يستمر في تفاصيل المبلغ.

ليعذرني القارئ على الدخول في بعض التفاصيل المذكورة أعلاه، لأنني لم أعرف قبل اليوم، أن عائدات النفط تذهب إلى وزارة الموارد الطبيعية وليس إلى وزارة المالية والاقتصاد، وتقوم الأولى بتوزيع تلك المبالغ على بقية الوزارات!!!. ولم أشاهد مثل هذا الترتيب في حياتي. ولهذا سيجد القارئ تفاصيل أخرى عن هذه الأمور لاحقاً. ونود أن نضيف أن الوضع أخذ بعداً سياسياً، فالسيد ريباز محمد حملان وزير المالية والاقتصاد هو من حركة (كوران/التغيير)، أما الدكتور أشتي هورامي فمحسوب على الحزب الديمقراطي الكردستاني (مجموعة السيد مسعود بارزاني)، ويعتبر أهم وأثبت وزير مقرب إلى رئيس كردستان ورئيس وزرائها. ولكن كما نلاحظ أن السيد ريباز يتحدث بمهنية عالية عن توزيع المهام بين الوزارات، ولا يتحدث من منطلق حزبي، وبالنتيجة أقصي بشكل تعسفي عن الوزارة في أواخر تشرين الأول 2015.

وقد تحدثت وزارة الموارد الطبيعية في 21/8/2015(50 و51) حول الموضوع نفسه، ووضعت صورة وردية لعائدات الإقليم المالية من بيع النفط، وألقت باللوم على وزارة المالية والاقتصاد في تأخير الرواتب. إذ أعلنت في بيان لها في 25/8/2015 أن واردات النفط فاق ما وعدت به وبلغت (1,5) مليار دولاراً. كما أشارت إلى أنها ضمنت توفير (850) مليون دولار شهرياً للإقليم حتى عام 2016، عن طريق البيع المسبق بالاتفاق مع الشركات التجارية النفطية العالمية. وأكدت وزارة الموارد الطبيعية "أن حكومة الإقليم والأحزاب الكردية الخمسة صادقت على اتفاقية النفط بشكل مباشر منذ حزيران الماضي واستطاعت الحكومة توفير مصاريفها ورواتب الموظفين ودفع مستحقات الشركات النفطية لضمان بقائهم ورفع الصادرات النفطية والذي يعتبر مهما جداً لإنعاش اقتصاد الإقليم". ولفتت الوزارة الانتباه إلى أن "الإقليم كان يتوقع أن تصل صادراته إلى 850 مليون دولاراً لتسديد المصاريف ورواتب الإقليم المتأخرة"، وأضافت: "إن وزارة المالية مسؤولة عن استلام مبالغ الصادرات النفطية من مصرف كردستان الدولي وهالك بنك في تركيا".

وكما نرى فإن وزير المالية لحكومة الإقليم يقول إنه لم يستلم أية مبالغ عن مبيعات النفط في حزيران وتموز، وطلب من وزارة الموارد الطبيعية في الإقليم توفيرها له لتوزيع الرواتب. أما وزارة الموارد الطبيعية فلقد ألقت باللوم على وزارة المالية لفشلها في استلام المبالغ.

وكان مجلس النفط والغاز Oil and Gas Council في الإقليم قد قرر في أواخر أيار إن على وزارة المالية استلام جميع الواردات النفطية، وهي التي تقوم بتوزيع مستحقات الجهات المختلفة وحسب موازنة الإقليم. وتمت المصادقة على هذا القرار من قبل حكومة الإقليم في حزيران(46). ولكن على الرغم من ذلك لحد أواخر آب لم تستلم وزارة المالية أية دفعة من العائدات "الموجودة"، باسم وزارة الموارد الطبيعية، في مصرف "هالك بنك HalkBank" التركي في تركيا، لذا لم يتم دفع الرواتب للموظفين في تموز وحزيران!!.

استمرت المشكلة ولم يتم حلها إلى شهر تشرين الأول، الأمر الذي أدى إلى مظاهرات واضطرابات. إذ لم تسلم وزارة المالية الحساب النفطي في بنك هالك التركي والذي كان في عهدة وزارة الموارد الطبيعية. واستغربت أشد الاستغراب عندما قرأت "قصة" استلام وزارة المالية لحساب وزارة الموارد الطبيعية للعائدات النفطية لكردستان، المودعة في المصرف التركي HalkBank، وأرى أن يطلع القارئ عليها لمعرفة شكل "الإدارة المالية لعوائد النفط في كردستان"، سواء قبل الإعلام الرسمي للتصدير المستقل أو بعده.

يقول السيد وزير المالية والاقتصاد ريباز محمد حملان لمحطة إخبارية محلية NRT في مقابلة له معها في 8/9/2015، بأنه ذهب في أيلول إلى بنك هالك في تركيا لاستلام الحساب، فوجد مفاجأة، إذ إن الحساب يتضمن (14) مليون دولاراً فقط!. وإن هذه المبالغ كانت نتيجة وضع عوائد لبيع النفط الكردي لشحنتين، الأولى في 20/6/2014، والثانية في 29/12/2014، (أي إن الشحنتين في عام 2014 والمبلغ زهيد جداً، ونحن نتحدث عن عوائد 2015 إلى حد أيلول). وتبين للسيد الوزير لاحقاً، بأن مبيعات النفط من أنبوب التصدير ومنذ بداية 2015 وحتى الآن (أي في أيلول)، تودع في بنك ألماني يدعى CommerzBank وليس هالك بنك التركي، وبعد ذلك ينقل إلى مصرف كردستان الدولي Kurdistan International Bank KIB. وعندما سؤل السيد شيركو جودت (رئيس لجنة الطاقة والنفط في البرلمان) عن الحساب الثاني في البنك الألماني، أجاب: "ليست لدي أية معرفة عن حساب CommerzBank"، كما وإن وزير المالية رفض التعليق فيما إذا لدى وزارته السيطرة على الحساب الموجود في البنك الألماني. بعد ذلك أصدر رئيس الوزراء السيد نيجرفان بارزاني قراراً يقضي بوجوب ذهاب جميع مبالغ مبيعات النفط إلى هالك بنك التركي، ومنه إلى KIB في أربيل(47).

وكما رأينا أن مجلس النفط والغاز أصدر أوامره في أواخر أيار بأن تستلم وزارة المالية حساب عوائد المبيعات النفطية العائد لوزارة الموارد الطبيعية في هالك بنك التركي. ثم يؤيد مجلس الوزراء هذا القرار في حزيران 2015، ولم يتم تحويل أي مبلغ لحد آب حين حدث الاختلاف العلني بين الوزارتين حول العوائد النفطية، وتؤكد وزارة الموارد الطبيعية أثناء هذا الخلاف وبصورة علنية ومن خلال بيانات، بأن عائدات النفط موجودة في هالك بنك التركي وعلى وزارة المالية استلامه. ثم يذهب وزير المالية بمفرده إذ رفض وزير الموارد الطبيعية مرافقته، إلى بنك هالك لاستلام حساب مبالغ مبيعات النفط، ليتسنى له توزيع الرواتب وبقية نفقات الإقليم، فلا يجد في الحساب غير (14) مليون دولاراً عن مبيعات سابقة تم تنفيذها في 2014. ويتبين لوزير المالية أن حساب العائدات المالية لمبيعات النفط ليست في هالك بنك التركي، وإنما في كوميرز بنك الألماني، ولم يكن يعرف لا هو ولا غيره بوجود حساب لمبيعات الكورد في هذا البنك!!. وعند اكتشاف هذا الأمر يأمر رئيس الوزراء في أيلول بتحويل جميع مبالغ مبيعات النفط إلى بنك هالك التركي ومنه إلى البنك الكردي KIB في أربيل. ولا يعرف حتى الآن هل إن جميع عوائد المبيعات النفطية تذهب إلى وزارة المالية، كما هو العرف المالي المعروف في العالم أجمع، أم فقط جزءاً منها؟!. وهل تم تنفيذ "أوامر" السيد رئيس وزراء الإقليم، وهل إنها تشمل جميع عوائد المبيعات السابقة والحالية واللاحقة، وهل هي موجودة الآن في حساب وزارة المالية في بنك KIB الكردي في أربيل وفي بنك هالك بنك في تركيا؟!!. لا أحد يعرف، لاسيما وإن الوزير الذي تابع هذه القضية بهمة وجدية، السيد ريباز حملان، قد أقيل تعسفاً من منصبه في أواخر تشرين الأول 2015، ولأسباب "سياسية" متعلقة بالعلاقة المتوترة بين حركة  التغيير والحزب الديمقراطي الكردستاني. وفي الواقع لا أستطيع أن أؤكد على ضوء ما مر أن إقالة الوزير كانت لآسباب "سياسية"!!، إذ اختفت "الشفافية" تماماً في عمل وزارة الموارد الطبيعية، وكان لوزير المالية دور رئيسي في الكشف عن ذلك.

عندما أعلنت وزارة الموارد الطبيعية عن "التصدير المستقل" لأول مرة في كانون الأول 2014، فإنها أعلنت في الوقت نفسه بأنها "ستعطي تفاصيل كل شحنة، وستقوم بنشرها فوراً. وإن جميع المبيعات ستكون بواسطة عروض، ويتم اختيار العرض على أساس المنافسة وتعتمد الأسعار العالمية. وستكون هناك شفافية كاملة، وسيكون هناك مراقبين مستقلين في كل عملية  بيع، مع وجود ممثلين للشركات العاملة(47)!!.

لم يتم اتخاذ أي من الإجراءات أعلاه. وعلى الرغم من أن وزارة الموارد الطبيعية تصدر تقريراً شهرياً مفصلاً بما يمر في الأنبوب إلى تركيا وكميات التصدير. ولكن التقرير لا يتضمن جداول التحميل والمشترين وأسعار النفط أو شروط البيع. كذلك لا تصدر الحسابات الاعتيادية التي توثق البيع وعوائده.

لقد ظهرت بعض المعلومات عن بيع النفط الكردي، والتصرف بعوائده، وأصبحت معلومات عامة فقط بسبب الخلافات بين وزارة المالية والاقتصاد ووزارة الموارد الطبيعية، وليس بسبب من "الشفافية" التي أعلنت الوزارة الأخيرة أنها ستسير وفقها، أو وفق ما جاء بقانون النفط والغاز في كردستان الصادر في 2007. إذ كان عليها اتباع التعليمات والأصول التي تفرضها "منظمة الشفافية العالمية Extraction Industries Transparency Initiative EITI"، حيث لم تحصل وزارة الموارد الطبيعية في الإقليم حتى الآن على موافقة هذه المنظمة على تقارير الوزارة، لأنها لا تنشر كل المعلومات وإنما تنشر ما يلائمها. وحتى أن الوزارة تعترف أن ليس باستطاعتها الحصول على شهادة هذه المنظمة، بعكس وزارة النفط الاتحادية التي حصلت على شهادة هذه المنظمة لأكثر من مرة(25).

وبعد تذمر وزير المالية والاقتصاد لعدة مرات من تصرف وزارة الموارد الطبيعية غير الشفاف في تداولها لعوائد النفط، أصدرت الأخيرة في 20/8/2015 البيان الذي سبق الحديث عنه وذكرت بأنها "وقعت في حزيران 2015، عقوداً مع شركات عالمية ذات خبرة في تجارة النفط، ومن قبل مشترين لتصريف نفطها… ومقابل ذلك فإن المشترين يضمنون (850) مليون دولاراً عوائد شهرية للإقليم". ولكن لم يعلن عن كميات النفط لهذه المبيعات التي يكون الدفع فيها مقدماً، ولم يعلن عن كمية المبالغ التي تعتبر ديوناً على حكومة الإقليم، ولو أنها أعلنت أنها مطلوبة لهذه الشركات النفطية التجارية مبالغ استلمتها حكومة الإقليم في عام 2014. وإن مناوئي هورامي يقولون أن مبالغ المبيعات هذه، التي استلمت مقدماً لم تصل جميعها إلى الإقليم لدفع الرواتب(47)!!.

لقد تعرض الدكتور أشتي هورامي إلى ضغوط كبيرة جداً في الأشهر الأخيرة، وخصوصاً أثناء المعارك السياسية والمتعلقة بموضوع رئاسة الاقليم، وذلك لاعتماد السيدين مسعود بارزاني ونيجرفان بارزاني عليه كثيراً، على اعتبار أنه الوزير الأهم ويمثلهما شخصياً، كما وإن إضعافه يضعف مواقف رئيس الإقليم. وكانت الأزمة المالية هي التي أشعلت الموقف على مستوى القيادات والمستوى الشعبي.

لقد قام النائبان شيركو جودت وسوران عمر، (وكليهما من الأحزاب الإسلامية)، في أيلول 2005 بتقديم اتهام رسمي إلى المدعي العام في الإقليم ضد هورامي، متهمين إياه بتنفيذ عمليات بيع للنفط الأسود يشوبها الفساد. وقدما نسخاً من الأمر الوزاري موقعة من هورامي، وتبعاً لهذه الوثائق (التي اطلع عليها "تقرير نفط العراق")، تعطى كميات من النفط الأسود fuel oil من مصفاة كلك إلى شركة اسمها Zibo مقدارها (120) ألف طن، وبسعر (130) دولار يرتفع إلى (170) دولاراً للطن، وأن سعر النفط الأسود المباع من مصفاة كلك هو 400 دولار للطن!. والشكوك هي حول السعر المنخفض أولاً، كما وإن هوية الشركة مجهولة. والأمر تحت التحقيق الرسمي، وما زاد الأمور غموضاً استقالة المدعي العام في 22/9/2015 لأسباب غير واضحة. من الممكن تفسير الأمر "بحسن النية"، جزئياً على الأقل، وهو حاجة حكومة الإقليم الماسة إلى الأموال، وذلك بعد استدانتها مئات الملايين من الدولارات، لمحاولة دفع قسم من الديون بالنفط الأسود بسعر منخفض(47). لقد ذكرت هذه القصة لأوضح للقارئ المستوى الذي وصلت إليه الأمور ضد السيد هورامي.

تعقدت القضايا أكثر ضد السيد هورامي!، بسبب عدم توفر الكهرباء لنقص في إمدادات الغاز, إذ إن المشاكل القانونية والتحكيم العالمي مع شركة دانة غاز، العراقية والإماراتية، المشغلة لحقلي غاز خورمور وجمجمال، انتهت بأن حكمت محكمة التحكيم في لندن لصالح الشركة ضد الإقليم، على أن يدفع الإقليم (1943) مليون دولاراً للشركة عن إنتاج لم يقم الإقليم بدفع مستحقاته، في حقل خورمور وحده. وهناك دورة أخرى من التحكيم قد تعرض حكومة الإقليم إلى خسارة مالية إضافية. هذا الأمر أدى إلى عدم توفر غاز طبيعي كاف لتشغيل محطات الكهرباء، واضطرار الإقليم إلى استعمال زيت الغاز –الغاز أويل– زيت الديزل بدله. وإن كلفة استعمال زيت الغاز بلغت في سنة 2014 حوالي (4) ملايين دولاراً يومياً، أي قرابة (1,5) مليار دولار لتلك السنة نقلاً عن مسؤول في وزارة الموارد الطبيعية. ويتم التجهيز من خلال الاستيراد لزيت الغاز، أو استخدام المنتج منه محلياً والذي يسلم إلى محطات توليد الكهرباء مجاناً. ترينا موازنة الإقليم التي اطلع عليها "تقرير نفط العراق"، بأن استيرادات الإقليم للمنتجات النفطية في 2014 بلغ (888) مليون دولاراً(47)!!. وفي الإقليم ما يقارب من (170) مصفاة نفطية!!!.

يتساءل السيد هورامي في حديث له مع صحيفة "آوينه Awene" الكردية في أيلول الماضي(47): "لماذا يعتبرونني المسؤول عن الأزمة المالية؟ إن الأحزاب السياسية لم توافق إلا قبل شهرين على التصدير المستقل لتغطية موازنة الإقليم. بدلاً من ذلك فإنهم كانوا يريدون مني أن أسلم النفط إلى بغداد"!. ويضيف هورامي: "لو كان التصدير المستقل قد تم في أوائل العام لكانت موازنة الإقليم (1,5) مليار دولاراً شهرياً"!!.

ويقول الدكتور أشتي هورامي عن نفسه: "إنني استلم عدداً لا يمكن حسابه من الإيميلات من المشترين يسألون هل ما زلت وزيراً أو لا، ويعلمونني بأنهم لن يشتروا النفط إلا إذا كنت أنا المسؤول، لأنهم لا يعرفون بمن يثقون"(47)!!!.

إن هورامي لا يذكر هنا بأن المشكلة وقعت بعد "التصدير المستقل" الذي بدأ به –علنياً– في أواسط حزيران 2015، ولا يتحدث عما جاء في بيان وزارته في 20/8/2015، والذي تحدث فيه عن الأمور المالية في الإقليم، وعن كيفية المشاركة في الموازنة الاتحادية لسنة 2015ـ حيث إنه يقول: "إن حكومة الإقليم، وبمساندة الأحزاب الكردستانية الخمسة قررت في نهاية 2014، وبعد مناقشات جديدة مع الحكومة الفيدرالية، إعطاء فرصة للحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العبادي، الذي كان يتضمن توفير قسم محدد من نفط الإقليم لشركة سومو أمام مستحقات الإقليم الكاملة من ميزانية الحكومة الفيدرالية والتي تصل إلى مليار دولار شهرياً، وتم التصديق على ذلك في ميزانية الحكومة العراقية لعام 2015"(50). وهو هنا يؤكد أن النية بالمشاركة في الموازنة الاتحادية هو للحصول على مليار دولار شهرياً من الميزانية الاتحادية، مقابل توفير قسم محدد من نفط الإقليم لشركة سومو. والذي يعني التصدير المستقل للباقي من النفط الذي ينتجه الاقليم، والذي هو أكثر مما حدد من كمية لشركة سومو، ليكون مجموع الموازنة الشهرية للإقليم (1,5) مليار دولار.

 أذا كانت هذه الأرقام عن موازنة الاقليم التقديرية التي قدمها السيد هورامي صحيحة، إذن كان الحري ان يكون الاقليم قد حصل على ما يقاربها (أي حوالي 1,5 مليار دولار شهرياَ) عندما قام بالتصدير المستقل لكامل النفط المنتج في الاقليم منذ اواسط شهر حزيران مضافاً إليه النفط الاتحادي من حقول محافظة كركوك، ومع ذلك لم يسلم الى وزارة مالية الاقليم ما يكفي لدفع رواتب الموظفين للاشهر الاربعة الاخيرة!!.

 

ديون وزارة الموارد الطبيعية (وبالتالي الإقليم) بسبب السياسة النفطية الخاطئة

لن نتحدث هنا عن ديون حكومة الإقليم للحكومة الاتحادية نتيجة السياسة الخاطئة في تهريب النفط، فلقد سبق أن تحدثنا عنها في مكان آخر(35)، ولا عن ديون الإقليم نتيجة الحكم الذي حصلت عليه شركة دانة غاز بتاريخ 2/7/2015 لصالحها، من محكمة لندن للتحكيم ضد حكومة الإقليم، حيث أقامت دعواها للتحكيم في تشرين الأول 2013 وحصلت على قرار ملزم في وجوب دفع حكومة الإقليم لها لمبلغ يصل إلى (1943) مليون دولار، عن خروقات لعقد بين حكومة الإقليم وشركة دانة غاز، لم تعلن أية جهة عن نصوصه حتى الآن، على الرغم من أن العقد تم توقيعه في نيسان 2007(39).

الحديث في السطور التالية عن ديون الإقليم للشركات الأجنبية في سنتي 2014 و2015، نتيجة قيامه بالتصدير المستقل!!.

حسب ما جاء في "تقرير نفط العراق" في 24/8/2015(38)، فإن وزارة الموارد الطبيعية قامت ببيع كميات كبيرة من النفط، اعتماداً على اتفاقيات غير واضحة مع الشركات الكبرى المتاجرة بالنفط، تجنباً لمعرفة المشتري النهائي والملاحقات القانونية. لقد جلبت هذه الاتفاقيات المبالغ التي سعت اليها حكومة الإقليم، ولكن حاصرته في الوقت نفسه بديون كبيرة. إن الشركات المتعاقد معها هي بالأساس شركتان سويسريتان مهمتان في تجارة النفط والمنتجات النفطية، وهما شركتا "فيتول Vital وترافيغورا Trafigura"، وإن تسعيرة النفط تعتمد تسعيرة شركة سومو في جيهان، مع حسومات إضافية.

لقد أعلنت وزارة الموارد الطبيعية في آب، عن أن النفط يباع بشروط دفع مقدم pre-financed. حيث تدفع الشركات مقدماً لكميات محددة من النفط، وإن هذه الاتفاقيات وقعت في حزيران 2015 (حين كان سعر النفط المعلن في جيهان حوالي 55 دولاراً للبرميل)، وتسمح الاتفاقيات بتوليد (850) مليون دولار شهرياً عن تصدير أكثر من (500) ألف برميل يومياً. هذا وإن التمويل المقدم من هذه الشركات كان منفذاً منذ 2014، لقاء نفط يجهز لاحقاً، بحيث لا تزال حكومة الإقليم مدينة للشركات بحوالي (1,5) مليار دولار عن نفط مصدر في 2014، وتقول وزارة الموارد الطبيعية بأنها ستعطي هذه الشركات نفطاً في 2016 مقابل هذه الديون. ويقول "تقرير نفط العراق" أيضاً(38)،  بأن الوضع بالنسبة لكردستان أصبح أكثر سوءاً بوجود هذه الديون الكبيرة، إذ من الصعب عليها الحصول على ديون جديدة، وإن "من المستحيل أن تستطيع حكومة الإقليم أن تتوصل إلى اتفاقية جديدة مع الحكومة الاتحادية قابلة للاستمرار، لأن نفطها لسنة 2016 ملتزم به لدفع ديونها للشركات".

ويستمر تحليل "تقرير نفط العراق"، الصادر في 24/9/2015 بالقول، وعلى الرغم من ذلك فإن "الإقليم يصدر أكثر من (700) ألف برميل في اليوم، وهو معدل نقل نفط حكومة الإقليم في شهر أيلول إلى جيهان. وإن تحميل ناقلات النفط كان بمعدل (665) ألف برميل في اليوم –لشهر أيلول– تبعاً لتقديرات جمعها "تقرير نفط العراق" اعتماداً على معلومات من ميناء جيهان وعلى معلومات من (خدمة مراقبة الناقلات tank monitoring services). وللمقارنة مع شهر آب وتموز، فإن الإقليم كان قد أعلن بأنه صدر بصورة مستقلة ما معدله (391) ألف برميل يومياً في آب، و(492) ألف برميل يومياً في تموز. وإن التصدير في تموز وآب تأثرا بسبب التخريب بأنابيب التصدير والسرقة في الجانب التركي من أنبوب التصدير، بينما لم تحدث مثل هذه العوائق في شهرأيلول".

وإن المعلومات التي استقاها "تقرير نفط العراق" من الحقول ساعدت في تحديد وتأكيد كميات النقل إلى ميناء جيهان. حيث إن معدل تصدير حقل طاوكي –في أيلول– بلغ حوالي (200) ألف برميل يومياً، كما وإن إنتاج حقل طق طق بلغ (160) ألف برميل يومياً، منها (120) ألف برميل يومياً للتصدير، والباقي يباع داخلياً. وهناك (190) ألف برميل على الأقل من قبة افانا وباي حسن للتصدير (والذي يعتبرهما الإقليم الآن جزءاً من حقوله). كما وإن هناك كميات أخرى تعود إلى الحكومة الاتحادية ترسل للتصدير بين (140–150) ألف برميل يومياً من حقل كركوك (قبة بابا) ومن حقل جمبور. إضافة لحوالي (30) ألف برميل يومياً من حقل شيخان، الثقيل الذي تبلغ كثافته (17API)، يمزج مع النفط، والباقي يباع داخلياً.

ولقد حمّلت، إلى قبيل تاريخ 24/9/2015 (16) ناقلة نفط في أيلول بحمولة (15,3) مليون برميل. وإن (8) ناقلات منها، محملة بـ(8,1) مليون برميل أفرغت حمولتها في ميناء عسقلان الإسرائيلي، حسب معلومات وتقارير خدمة مراقبة الشركات التي اطلع عليها "تقرير نفط العراق".

وأصدر "تقرير نفط العراق" تقريره الموسع والصادر في 29/10/2015 والمتضمن معلومات إضافية حول ديون الإقليم بسبب "التصدير المستقل" ومخاطره بالنسبة لكردستان(48). ويقول التقرير:

"عندما غادرت حكومة الإقليم الاتفاق مع الحكومة الاتحادية في حزيران 2015، فإنها كانت قد قامرت بأنه سيكون باستطاعتها إيجاد دخل مستقر وإصلاح أزمتها المالية الآيلة إلى السقوط، وذلك من خلال التصدير المستقل. ولكن وبعد أشهر وجدت أن الأمر ليس كذلك، ففي الوقت الذي قامت وزارة الموارد الطبيعية بزيادة العائدات، ولكن في الوقت نفسه أضافت مليارات الدولارات من الديون للشركات التجارية العالمية النفطية، وتتحول عائداتها إلى حالة غير مستقرة"، ويضيف التقرير "كان الأمر يبدو في الظاهر سهلاً وبسيطاً، وأن خطة أشتي هورامي بدت وكأن الأمور ستكون وردية. إذ كان قد صرح علناً بأن شركات تجارة النفط ضمنت دفعات مقدمة بمبلغ قدره (850) مليون دولار شهرياً، وأن يتم تزويدهم بنفط بمعدل (525) ألف برميل يومياً". هذا وقد خفضت وزارة الموارد الطبيعية الرقم المضمون إلى (820) مليون دولار شهرياً.

ولكن الاتفاقية تلاقي مشاكل عديدة:

أولى هذه المشاكل هي أن الإقليم لا ينتج النفط الكافي ليجابه التزاماته. ولكي يعوض عن الفرق فإن أكثر من ربع صادراته كانت من حقول الحكومة الاتحادية، (ويقصد بها قبة بابا وحقل جمبور وعين زالة)، وثلث التصدير من حقول يقول الإقليم أنها تعود له، ولكن كانت جزءاً من إدارة شركة نفط الشمال (ويقصد به قبة أفانا وحقل باي حسن)، مما يؤدي إلى تعقيدات سياسية وقانونية مقبلة. وهنا يفترض كاتب التقرير أن الحكومة الاتحادية ستأخذ الإجراءات القانونية لملاحقة هذا النفط، وهو أمر سكتت عنه الحكومة الاتحادية الحالية وتناسته!!.

وثاني هذه المشاكل، هو أن الاتفاقات النفطية مع الشركات التجارية النفطية، تضع حكومة الإقليم في دوامة الديون الخارجية. ففي اتفاقيتي حزيران الماضي مع هذه الشركات، استلمت حكومة الإقليم مبالغ لقاء إمدادات نفطية مقبلة، وذلك عندما كان سعر النفط متجهاً نحو الهبوط، وبالنتيجة فإن على حكومة الإقليم أن تحول جزءاً كبيراً من صادراتها النفطية لدفع هذه الديون التي صرفت أصلاً. والمقصود أنه عندما تم أخذ القرض في حزيران 2015، والبالغ (850) مليون دولاراً، كان يعادل حوالي (506) ألف برميل في اليوم (بسعر 56 دولاراً للبرميل)، واليوم على حكومة الإقليم أن تعطي الشركات التجارية النفطية ما يعادل (578) ألف برميل يومياً (بسعر يقارب 49 دولاراً للبرميل). وإذا انخفض السعر أكثر يتوجب على حكومة الإقليم تسليم الشركات كميات إضافية أخرى لتسديد ديونها. لهذا خفضت الوزارة تعهدها من (850) إلى (820) مليون دولار شهرياً، وستخفضه أكثر!!.

لقد كانت حكومة الإقليم مدينة لهذه الشركات بنهاية عام 2014، بمبلغ قدره (1,147) مليار دولار، تبعاً لحسابات رسمية حكومية اطلع عليها "تقرير نفط العراق"، وفي سنة 2015 ازدادت الديون ووصلت إلى حد الآن بين (1,5–1,8) مليار دولار حسب مسؤولين حكوميين.

وثالث هذه المشاكل، يتعلق بصيغ الاتفاقيات الموقعة نفسها. إذ ليس لحكومة الإقليم ضمانة أكيدة ironclad guarantee لاستمرار عوائدها. وحسب الاتفاقيات لو أن حكومة الإقليم أعطت الشركات الدائنة لها نفطاً أقل من 90% من التزاماتها المالية الشهرية، فإن قيمة هذه الكمية من النفط تستقطع فقط من الديون التي سبق أن أعطتها الشركات لحكومة الإقليم، ولا تقبل الشركات بالدفع المقدم عن الشهر القادم. وحتى لو جهز الإقليم جميع التزاماته من النفط، فإن من المحتمل جداً أن يقع الإقليم في ديون أكثر لو أن أسعار النفط انخفضت أكثر. وبسبب انخفاض الأسعار وقلة التصدير، فإن وزارة الموارد الطبيعية تتوقع أن تكون العائدات الشهرية أقل مما توقعت بحوالي (160) مليون دولار. أي أقل من (700) مليون دولار شهرياً، بدلاً من (850) مليون دولار.

هذا وإن حكومة الإقليم تبيع النفط في جيهان، وتستلم عوائد تقل بحوالي (5) دولارات للبرميل عما يمكن استلامه لو كان البيع قد تم من قبل شركة سومو. ولو تمت البيع من قبل سومو لكان مجموع المبالغ المستلمة من منتصف حزيران إلى وقت كتابة التقرير في 29 تشرين الأول قد زاد بحوالي (200) مليون دولار. لقد استلمت حكومة الإقليم مبلغ (2,17) مليار دولار منذ (23) حزيران إلى حوالي (23) تشرين الأول، بدلاً عما كان يفترض استلامه من مبلغ يعادل (3,28) مليار دولار حسب الاتفاقيات مع الشركات، كنتيجة لهبوط الأسعار منذ توقيع الاتفاقيات في حزيران 2015.

والآن لننظر إلى موازنة 2016، إذ حتى لو تم الإبقاء على صيغة 2015 نفسها، (أي 300 من الحقول الاتحادية و250 ألف برميل يومياً من حقول الإقليم)، وهو أمر نرفضه رفضاً باتاً، فإن الإقليم لن يتمكن من الالتزام بهكذا اتفاقية مع الحكومة الاتحادية، إذ سوف لا يكون قادرا على دفع ديونه المالية إلى الشركات التجارية النفطية. ويستطيع الإقليم الإنتاج أكثر بكثير من الحقول العائدة له، ولكن الشركات المنتجة وفي ظروف الأسعار المنخفضة أوقفت استثماراتها الجديدة في كردستان أو قللت جداً منها. كما وإن الإقليم مدين إلى الشركات المنتجة بحوالي (3) مليارات دولار عن الإنتاج السابق حسب عقود المشاركة بالإنتاج، لقاء "نفط الربح". منها مليار دولار إلى شركة DNO النرويجية التي تدير حقل طاوكي، و(400) مليون دولار إلى شركة جينل إنيرجي التركية–البريطانية التي تدير حقل طق طق.

أكد رئيس حكومة إقليم كردستان نيجرفان بارزاني في 4/11/2015، فيما نقلته وكالة شفق نيوز خلال كلمة له في ملتقى مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث "MERI" في مدينة أربيل، أن من حق الكورد المطالبة بالاستقلال مشدداً على أنهم لا يريدون البقاء ضمن العراق مرغمين!!. ولافتاً إلى أن "العودة إلى بغداد لا تعني فشل السياسة النفطية لحكومة الإقليم"، متطرقاً إلى إلغاء اتفاق العام الماضي مع بغداد بشأن النفط بالقول: "إن الإقليم لا يستطيع الاستمرار مع أناس لا يمكنه الوثوق بهم"(53)!!. وجاء حديثه أيضاً في موقع "المسلة"(54) بأن: "سياستنا النفطية في إقليم كردستان لم تفشل، وإن الإقليم لن يعود مرة أخرى تحت سيطرة بغداد في مسألة بيع النفط… وأن عودتنا للمناقشات مع بغداد لا تعني فشلنا في السياسة النفطية"، معرباً عن أمله "في الوصول إلى اتفاق مع بغداد عبر زرع الثقة بين الطرفين"، لافتاً إلى أن "أولويات حكومة الإقليم، الأمن والاستقرار، وتنظيم البيت الكوردي"(54).

قبل التعليق على تصريحات نيجرفان، أود أن أوضح بأن المعلومات عن تصدير النفط "الكوردي" في تشرين الأول قد صدرت واطلع عليها السيد رئيس حكومة الإقليم بالتأكيد، ونجد أن من المفيد جداً أن يطلع عليها القارئ، لنرى عن أي "زرع للثقة" يتحدث السيد نيجرفان، أو ماذا يقصد من أن "الإقليم لا يستطيع الاستمرار مع أناس لا يمكنه الوثوق بهم"؟!.

لقد حمّلت من ميناء جيهان (22) ناقلة نفط تعود لحكومة الإقليم، (محددة بالأسماء وتاريخ التحميل واسم الميناء الذي أفرغت حمولتها فيه)، وذلك ما بين 1/10/2015 و30/10/2015، ولكمية نفط إجمالية تصل إلى 20,06 مليون برميل، حسب معلومات حصل عليها "تقرير نفط العراق" بالتعاون مع أجهزة متابعة تحرك الناقلات(55)، أي بمعدل تحميل للناقلة الواحدة يعادل (910) آلاف برميل، وبمعدل تصدير يعادل (667527) برميلاً يومياً، مقارنة بتحميل الناقلات في البصرة للشهر نفسه (أي تشرين الأول)، والبالغ (2,708) ملايين برميل يومياً، أو(83,948) مليون برميلاً لكامل شهر تشرين الأول. كذلك قام الإقليم بالنقل من اقليم كردستان وكركوك من خلال الأنبوب "الكوردي" إلى جيهان، وفي الشهر نفسه، ما يعادل (595) ألف برميل يومياً (مقارنة بالشهر الذي قبله –أي في أيلول– لكمية تعادل 635 ألف برميل يومياً).

ضمن كمية (595) ألف برميل المنقولة يوميا في تشرين الأول، تم نقل (220) ألف برميل يومياً من حقلي باي حسن، وقبة أفانا (حقل كركوك) الذين استولت عليهما حكومة الإقليم بعد احتلال داعش للموصل وصلاح الدين، واعتبرتهما جزءاً من حقول الإقليم!!. وبهذا أكمل الإقليم الاستيلاء على قبتين من حقل كركوك، الأولى "قبة خورماله"، والتي استولى عليها الإقليم في 2005، والثانية قبة أفانا التي استولى عليها الإقليم أيضاً واعتبرها جزءاً من حقوله خلال هذه السنة. إضافة إلى ذلك فإن القسم الآخر من النفط المصدر لحساب الإقليم كانت هناك كمية تصل إلى (157) ألف برميل يومياً من "قبة بابا" في حقول كركوك، والذي لا يزال الإقليم يعتبرها من حقول الحكومة الاتحادية وكذلك من حقل جمبور، وقد يكون ضمن هذه الكمية أيضاً حوالي (4000) برميل يومياً من حقل عين زالة في نينوى. وبهذا نرى أن نفط الحكومة الاتحادية (إلى ما قبل احتلال داعش)، والذي هو من قبتي أفانا وبابا من حقل كركوك، وحقل جمبور وباي حسن، والبالغ كميتها (220 + 157 = 373) ألف برميل، يمثل 63,3% من النفط المصدر، استلمت حكومة الإقليم مبالغه بالكامل دون أن تسلم الحكومة الاتحادية ديناراً واحداً منه.

إضافة إلى ذلك فإن تصدير (20,026) مليون برميل في شهر أيلول يمثل (19%) من مجمل تصدير العراق. ولأن سعر النفط المصدر من جيهان يزيد في الوقت الحاضر عن نفط البصرة بـ(5) دولارات للبرميل على الأقل، فستكون النسبة أعلى مالياً، وكما يأتي:

-         (3,320) مليار دولار قيمة نفط البصرة لشهر تشرين الاول، الذي كان سعره (39,55) دولاراً للبرميل في شهر تشرين الأول.

-         (901,16) مليون دولاراً قيمة نفط "كردستان" المصدر في تشرين الأول والمفروض ان سعره (45) دولاراً للبرميل على الأقل.

لهذا تكون حصة الإقليم المالية لشهر تشرين الأول (21,3%) من مجمل الواردات المالية للعراق، مقارنة بحصة (17%) والمحددة بالموازنة، ومطروح منها (النفقات السيادية والحاكمة، وبضمنها رواتب و مخصصات النواب والوزراء الكورد في الحكومة والبرلمان الاتحاديين وكلف مكاتبهم وحراسهم وموظفيهم)!، وعلى الرغم من ذلك فإن رواتب موظف الإقليم متأخرة لشهرين أو ثلاثة. يا ترى أين تذهب مبالغ صادرات الإقليم؟!.

إضافة لذلك، وكما في الأرقام أعلاه، فإن حكومة الإقليم اعتمدت في صادراتها على النفط الاتحادي، و"نهبت من الشعب العراقي" (63,3%) من صادراتها لشهر تشرين الأول 2015. إن الاعتماد في الصادرات على النفط الاتحادي، أدت بالتالي إلى وفرة في نفط الشركات العاملة في الإقليم، وهذا الأمر أدى بالتأكيد إلى زيادة "المبيعات الداخلية" من قبل الشركات العاملة لديها، والتي تبيع نفطها بسعر مضمون تدفع نصفه إلى حكومة الإقليم. ولا أستغرب أن تكون المبيعات الداخلية قد وصلت إلى (80) ألف برميل يومياً أو أكثر!!.

وما يثير الإستغراب في تقرير نفط العراق ، وجهات متابعة لناقلات النفط، إنه تضمن اسم (22) ناقلة وتاريخ تحميلها ووجهة تفريغها. لم تكن ضمن هذه الناقلات سوى واحدة أفرغت حمولتها في ميناء عسقلان الإسرائيلي، والبقية في قبرص وموانئ بأسماء يونانية وإيطالية. مما يعني علنية بيع الإقليم للنفط –بضمنه النفط الاتحادي– دون أية متابعة قانونية من المركز!!.

يتحدث السيد نيجرفان، عن أن "الإقليم لا يستطيع الاستمرار مع أناس لا يمكنه الوثوق بهم"، لا ندري عن اية معايير للثقة يتكلم عنها خصوصاً إن من وقع معهم الاتفاق الذي ادخل في موازنة 2015، والمصادق عليها من النواب الكورد أيضاً، لا يزالون في الحكم سواء رئيس الوزراء الاتحادي أو وزير النفط الاتحادي. من الذي نقض الاتفاقات وبهذا الشكل الفض الذي لم يترك للمتفقين معه وجها يدافعون به عن اتفاقاتهم، ثم لماذا لا يثق بهم؟!. هل نقضوا اتفاقاً كان يعطي الإقليم صلاحية التصدير المستقل لما زاد عن (250) ألف برميلاً من نفطهم، أو عدم الملاحقة القانونية للنفط المهرب؟ وهذا إجراء لم يتخذوه، إذ لم تحاسب الحكومة الاتحادية الإقليم على التصدير  فوق حصته ولم تلاحقه في المحاكم الدولية!. هل هناك اتفاق إضافي بأن  يصدر الإقليم ما يشاء لحسابه، ويعطي الحكومة الاتحادية ما يشاء من النفط، ويستلم 17% من مبلغ الموازنة. إن التصدير المستقل لما يزيد عن (250) ألف برميل لصالح الإقليم وحده وعدم الملاحقة القانونية في المحاكم الدولية للنفط المهرب، هو أمر مرفوض ويجب أن يحاسب عليه قانونياً أي شخص كان في موقع المسؤولية عند تنفيذ هذا الاتفاق.

إن السيد نيجرفان يقول إن عودتنا لبغداد لا تعني فشل سياستنا النفطية!!. إن سياسة الإقليم النفطية فاشلة منذ توقيعها لما يزيد على (50) عقد مشاركة بالإنتاج. وفشلت أكثر منذ التصدير المستقل، (39,25) والبرهان هو عجزها عن تسديد رواتب موظفي الدولة على الرغم من أن حكومة الإقليم تصدر ما يزيد عن (19%) من نفط العراق لحسابها الخاص.

 إن فشل السياسة النفطية في كردستان يكمن في عدم التفاهم مع الحكومة الاتحادية، وعدم الثقة بها أصلاً . لقد وثقت حكومة الإقليم بكالبريث والشركات النفطية وتركيا وسارت وبدفع منهم في تفسير الدستور من جهة نظر واحدة مع تصادم مستمر ومتعمد مع شركاء الوطن، ليس لمصلحة الشعب الكوردي –وكما افتضحت النتيجة مؤخراً– وإنما لمصالح أخرى.

لقد كان للسيد ريباز حملان، وزير المالية والاقتصاد في حكومة الإقليم، الدور الرئيسي في فضح أهم أسباب الفشل، وهو عدم وجود الشفافية وبصورة مطلقة في أروقة وزارة الموارد الطبيعية وفي الملف النفطي عموماً. والسؤال المنطقي الذي تابعه بمهنية هو "أين أموال النفط؟!"، ولهذا تم إبعاده.

 أعتقد –وبلا أدنى شك– أن الخلاف بين حركة التغيير والحزب الديمقراطي الكردستاني، هو ليس خلافاً سياسياً. وكما إن الموقف الحاد الذي أتخذ ضد الأحزاب الكوردية الرئيسية، وبالأخص التغيير، بما يمثل "انقلاباً" على الشرعية الديمقراطية، لم يكن إلا نتيجة قيام وزير المالية والاقتصاد الكردستاني بمحاولة اجتياز "الخط الأحمر"، وطرحه التساؤل الملحّ: "أين هي موارد الإقليم النفطية؟!".

إن كانت حكومة الإقليم تريد أن "تزرع الثقة" في مفاوضاتها المقبلة مع الحكومة الاتحادية، وتمرير موازنة 2016، يتوجب بالمقابل على الحكومة ومجلس النواب الاتحاديين أن "يزرعا" الثقة في الجماهير العراقية بالحفاظ التام على مصالحهم وحمياتهم من "الفساد"، إذ إن ما قامت به حكومة الإقليم، فيما يتعلق بالمسألة النفطية، هو منتهى الفساد والنهب لحقوق وأموال المواطنين العراقيين عرباً وكرداً.

لهذا فإن من واجب الحكومة العراقية ومجلس النواب الاتحاديين أن لا ينخدعا ثانية وثالثة ورابعة، سواء عن دراية أو عدم دراية بنوايا المجموعة نفسها التي تدير الملف النفطي الكوردي منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق وحتى الآن. إن التنازل عما ذكرناه على صفحات هذه الدراسة، وما سنوجزه في الفصل القادم، هو أمر لا يمكن أن تقبل به الجماهير العراقية الفقيرة والمحاربة على جبهات القتال، والتي تحارب ضد الفساد ، وبالأخص الفساد الذي يحاربها في قوتها ورزقها ونهب لقمة عائلاتها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

ما المطلوب؟

من جميع ما ورد في الصفحات السابقة، نرى أن المطلوب هو ما يأتي:

1-      الموازنة الاتحادية 2016

على ضوء أسعار النفط المستمرة في الهبوط على مستوى العالم، وبالأخص في الأشهر الثلاثة الأخيرة، حيث تم بيع النفط العراقي من موانئ البصرة بحوالي (41,12) دولاراً للبرميل في آب 2015، و(40,68) دولاراً للبرميل في أيلول، و(39,55) دولاراً للبرميل في تشرين الأول 2015، ولعدم وجود أية إشارة بتحسن الأسعار، وإنما توجد إشارات معاكسة، نرى أن السعر المقترح للنفط في الموازنة لسنة 2016 والبالغ (45) دولاراً للبرميل هو سعر عال، ومن الواجب تخفيضه إلى (40) دولاراً للبرميل في أحسن أحواله ’ على افتراض عدم وجود نية لقيام الدول المصدرة باتخاذ إجراء صارم لخفض الإنتاج.

أما فيما يتعلق بكمية النفط المصدر عن طريق كردستان وميناء جيهان التركي، فقد أعادت موازنة 2016 أرقام موازنة 2015 ذاتها ’ وبشروط فقراتها نفسها.

إن موازنة 2016 يجب أن تتضمن (300) ألف برميل يومياً من حقول الحكومة الاتحادية في كركوك، أي من قبتي بابا وأفانا في حقل كركوك، وحقلي جمبور وباي حسن، وأية حقول أخرى صغيرة كانت تديرها وزارة النفط الاتحادية. و(450) ألف برميل يومياً من حقول الإقليم، ليصبح المجموع الكلي (750) ألف برميل يومياً. مع التأكيد في فقرات الموازنة نفسها، وبصورة واضحة على عدم السماح للإقليم بتصدير أية كمية خارج هذه الكميات لحسابه الخاص، وكل ما يصدر يكون من خلال شركة التسويق الاتحادية سومو. إضافة إلى ذلك فإن من الواجب تثبيت منع البيع الداخلي للنفط، فهو ليس سلعة تباع داخلياً. وإن تم ذلك ولأغراض المصافي المسجلة والرسمية والحرق في أفران الإسمنت أو محطات توليد الكهرباء، فإن عوائدها تكون للحكومة الاتحادية حالها حال ما يتم في بقية أنحاء العراق.

في حالة رفض الإقليم الموافقة على مثل هذه الموازنة، أو خرقها بالتصدير المستقل لصالح الإقليم، فإن من واجب الحكومة الاتحادية الملاحقة القضائية في جميع أنحاء العالم باعتباره نفطاً "مهرباً مسروقاً" من الدولة العراقية، سواء أكان هذا النفط من إنتاج حقول الإقليم أم من حقول الحكومة الاتحادية في محافظتي كركوك ونينوى، وخصوصاً ما يسرق من الحقول الاتحادية.

في كل الأحوال لا ندري كيف سيتم التوصل إلى اتفاق جديد مع حكومة الإقليم لميزانية 2016، وأغلب نفطها لسنة 2016، كان قد تم بيعه مقدماً واستلم الإقليم مبالغه في 2014 و2015، وصرفها!!.

2-             النفط الصخري

لقد كنت قد توقعت في كتابي: "الطاقة: التحدي الأكبر لهذا القرن"، والصادر في أيلول 2005(3)، بأن دور النفط سينتهي في أواخر هذا القرن لسببين، الأول يتعلق بنضوبيته ونفاده، والثاني المهم هو دوره السيء في ظاهرة الاحتباس الحراري وأن الاتفاقيات الدولية، (مثل اتفاقية كيوتو، التي يعمل على استبدالها قريباً لانتهاء مدتها)، تفرض تخفيض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج من حرق المواد الأحفورية، وهي الفحم والنفط والغاز الطبيعي. ولكن جميع المؤشرات الحديثة تدل على أن النفط سيستمر إلى العقدين أو الثلاثة الأولى من القرن القادم، كما تمت اكتشافات جديدة للنفط، منها النفط الصخري. وفي كل الأحوال، فإن النفوط التقليدية في الشرق الأوسط تمثل النفوط الأقل كلفة.

إن أسعار بيع النفط لا علاقة لها بكلفة الإنتاج، ويجب أن يباع النفط بسعر البديل. فالنفط مادة ثمينة ناضبة، لهذا فإن بيعه بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة هو جريمة بحق الأجيال القادمة، والأجيال الحالية أيضاً. يجب أن تكون سياسة بيع النفط هو سحب الفائض من السوق، ليرتفع السعر، إذ ليس هناك بديل أرخص منه.

إن النفط الصخري لا يشكل بديلاً رخيصاً للنفط التقليدي، بل إنه يدعمه سعرياً. كما إن إمكانيات إنتاج النفط الصخري لا تمثل أكثر من 6% من متطلبات النفط العالمية في الوقت الحاضر، وقد تصل إلى 10% في المستقبل ولكن بكلف إنتاج عالية مما يساعد في بقاء سعر النفط عالياً.

إن السياسة التي تقول بالحصول على عائد أكثر بزيادة كميات النفط المباع وانتشار أسواقه بغض النظر عن سعر البيع، هي سياسة خاطئة وخطرة، وتؤدي إلى المزاحمة بين المنتجين أنفسهم، مما يؤدي الى خفض أكثر في اسعاره.

كما وإن من يعتقد أن باستطاعته القضاء على ظاهرة النفط الصخري، والتي هي حالة خاصة في الولايات المتحدة للأسباب التي سبق أن تحدثنا عنها، هو واهم. فقد استمر إنتاجه بعد إغراق السوق من قبل السعودية في النصف الثاني من 2014 وأدى الأمر إلى انخفاض الأسعار. وزادت "التخمة" في الأسواق النفطية، لأن كل قطر منتج بدأ بضخ كمية أكبر من النفط، للحصول على عائدات مالية أكثر. وكلما يضخ أكثر "للحصول على عوائد مالية أكثر" يزاد الفائض/التخمة وتنخفض الأسعار أكثر.

إن النفط الصخري في الولايات المتحدة لم يستمر فقط وإنما ازداد إنتاجه في 2014 و2015 مع احتمالية وجود زيادة أخرى له في 2016، وقد تتوقف الزيادات في الإنتاج سنة 2017 باستمرار هبوط الأسعار الحاد. ولكن حالما تحدث زيادة في أسعار النفط إلى (70) دولار فما فوق، سيرجع النفط الصخري إلى السوق وبقوة خلال أسابيع لا تتجاوز الثلاثة شهور من ارتفاع الأسعار. لهذا لا يمكن القضاء عليه –كما يعتقد البعض–، إلا إذا قررت الدول المنتجة أن تحطم نفسها بنفسها وذلك بالاستمرار في إغراق السوق وتخفيض الأسعار لمدة طويلة حتى يحدث "التوازن بعد سنوات طويلة"… أي بعد أن تتهدم بنيتها الاقتصادية والاجتماعية!!، وهو ما يحدث الآن لبعض الدول ضعيفة الاقتصاد، ليس بإرادتها وإنما غصباً عنها، كما هو الحال في العراق، حيث لا يستطيع العمل لوحده لإزالة الفائض من الأسواق العالمية، الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب اجتماعية وخيمة!!.

3-      "التخمة" هي السبب في انهيار الأسعار، ما العمل؟

توجد في الوقت الحاضر "تخمة" في الأسواق النفطية تزيد قليلاً عن أربعة مليون برميل يومياً. أي إن المعروض من النفط الخام في الأسواق العالمية، يزيد عن الطلب العالمي المقدر حالياً بحوالي (95) مليون برميلاً يومياً بكمية تصل إلى (4–4,250) مليون برميل لسنتي 2015 و2016. وتستمر هذه "التخمة" لتنخفض إلى ما يقارب (0,650) مليون برميل يومياً في 2020 لكي يبدأ التحسن في الأسعار.

ولكن هل ننتظر إلى ذلك الوقت كي تتحسن الأسعار، أم نضخ المزيد لكي نرفع من العوائد المالية، وبالتالي تزاد "التخمة" أو تستمر مدة أطول، وتنخفض الأسعار أكثر؟!.

لقد صرح مندوب الكويت في أوبك في أواسط أيلول الماضي(57)، وفهم منه أن أوبك ليست على وشك تخفيض إنتاجها بشكل طارئ إذ قال: "إن سوق النفط ستصحح نفسها بنفسها، وإن المطلوب هو الصبر"!!. وانخفضت الأسعار أكثر. هل نريد الانتظار و"الصبر" أكثر لكي تتصحح الأسعار من تلقاء نفسها، وهذا الأمر لن يتم قبل 2019–2020، عندها يكون العراق قد غرق بمشاكل اقتصادية اجتماعية لا نهاية لها.

وفي الوقت نفسه، أي في أواسط أيلول، وهي ذكرى تأسيس أوبك في بغداد في أيلول 1960، أعلنت فنزويلا على لسان رئيسها أنها تريد اجتماعاً طارئاً لأوبك ومنتجين من خارجها لوقف هبوط الأسعار، مما يعني إتخاذ قرارات بتخفيض الإنتاج. وأعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن بدء معركة متواصلة بالتعاون مع منظمة أوبك، ومن دول مصدرة من خارجها، لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط، مجدداً دعوته لعقد اجتماع لرؤساء المنظمة. وقال في كلمة له في كاركاس خلال فعالية أقيمت في الذكرى الـ(55) لتأسيس أوبك: "نعلن بدء معركة متواصلة من أجل تحسين أسعار النفط، ومن أجل تحالف جديد ضروري للاقتصاد العالمي والإنساني". لافتاً إلى أن "الوضع الحالي في أسعار النفط يضر بالاقتصاد العالمي واستثمارات العالم"، ودعا إلى فرض قيود على زيادة الإنتاج، وإلى عقد مؤتمر قمة لأوبك ومن غير الأعضاء أيضاً". كذلك أعلنت روسيا: "أنها مستعدة للنظر في تخفيض الإنتاج لحد تحسين الأسعار"(57).

أما بالنسبة للعراق فإنني كنت قد حذرت وبشدة في 2012 من التوسع في الإنتاج إلى ما إستهدفته دورة التراخيص بالوصول إلى إمكانية إنتاجية تصل إلى (13) مليون برميل يومياً(56). مؤكداً إن محاولة الوصول إلى طاقة إنتاجية مساوية للسعودية، أو محاولة الحلول محلها، سيؤدي إلى إغراق السوق بواسطة العراق لوحده، أو بالتنافس مع السعودية وتكون النتيجة تخفيض هائل في أسعار النفط. مذكراً أن في خطط منظمة أوبك الوصول إلى إنتاج (33,2) مليون برميل يومياً في 2020 مقارنة بكمية (29,3) مليون برميل يومياً في 2010 وفق تقارير أوبك في ذلك الحين. ولو أعطت أوبك جميع الفرق بين 2010–2020، والبالغ (3,9) مليون إلى العراق، لأصبحت حصة العراق (6,2) مليون برميل يومياً (وهو أمر لن توافق عليه أوبك في كل الأحوال)، ولوصلت حصة العراق الإنتاجية إلى نصف ما مخطط له من قبل وزارة النفط العراقية حينذاك. لذا طلبت تخفيض الخطط الإنتاجية، للحفاظ على أسعار النفط، والأهم تقليل الاستثمارات في هذا القطاع، إذ باستمرار زيادتها سيتعرض العراق إلى ديون كبيرة، وطاقة فائضة تعادل (6) ملايين برميل يومياً. وطلبت أيضاً العمل على تعديل الفقرة (12) من العقود النفطية تجنباً لدفع حوافز عن دفع مبالغ لنفط سوف لا يمكن تصديره(56).

إن ارتفاع سعر النفط العراقي إلى (70) دولار للبرميل –مثلاً–، يعني زيادة العوائد المالية النفطية بنسبة (75%). أما لو زاد السعر إلى (80) دولاراً للبرميل، فهذا يعني زيادة العوائد المالية النفطية (100%). لهذا نرى أن تقليل إنتاج العراق (مع دول أوبك والدول المصدرة الأخرى)، بنسبة (10–15%)، يزيد في العائدات المالية بحوالي (75–100%)، والذي يعني أن تخفيض الإنتاج لن يكون مضراً وإنما أمراً مفيداً جداً.

إن إنتاج دول أوبك في الوقت الحاضر حوالي (31,5) مليون برميل يومياً، وإن تخفيض 10% منه، يعني تخفيض (3,15) مليون برميل يومياً. وإذا دخلت روسيا بهذا العمل، يكون الإنتاج الكلي حوالي (42) مليون برميل يومياً، وإن تخفيض 10% منه يعني رفع الفائض/التخمة الموجود في السوق النفطي العالمي حالياً، حيث سيتم سحب حوالي (4,2) مليون برميل يومياً من هذا السوق.

نرى أن في الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها السعودية، والتي سبق أن تحدثنا عنها في سياق هذه الدراسة، أن من الممكن أن تقبل السعودية بتخفيض إنتاجها من خلال الاقناع والضغوط عليها، إضافة إلى الضغوط الداخلية التي تتعرض لها سياستها النفطية. وحتى لو لم تقبل السعودية الدخول في "حرب زيادة الأسعار"، فمن الممكن للدول المصدرة الأخرى مثل روسيا وفنزويلا وإيران والجزائر ونيجيريا والعراق أن تدير "معركة استرجاع أسعار النفط"، وأن بإمكانها النجاح أيضاً. خصوصاً أن عدداً من دول الخليج المصدرة للنفط لديها الآن مشاكل مالية كثيرة وعجز في الموازنات بدرجات متفاوتة.

ونطرح الآن السؤال الافتراضي التالي: ماذا لو قررت الدول المذكورة أعلاه، (ما عدا السعودية)، رفضها أن تبيع نفطها (مجتمعة) بأقل من سعر (70) دولاراً للبرميل –مثلاً–؟!، ماذا سيحدث؟!.

لقد لاحظنا أن الخزين العالمي الاستراتيجي والتجاري وما موجود في الناقلات النفطية لا يكفي الاستهلاك العالمي إلا لمدة شهرين أو ثلاثة في أقصى  الاحتمالات. إن الدول الصناعية وغيرها قد تقاوم شراء النفط بسعر (70) دولار، وتلجأ إلى الفائض في السوق النفطي. ولكن قسماً من الفائض هو لدى الدول أعلاه التي ترفض أن تبيع بأقل من (70) دولار. قد تستطيع السعودية أن تزيد مليون برميلاً يومياً. أما النفط الصخري فلن يقدر أن يزيد الإنتاج إلا إذا ارتفعت الأسعار. لذا سوف تستطيع الدول المستهلكة الكبرى المقاومة للشراء ولفترة قصيرة جداً لا تتجاوز الشهر، وفي هذا الأثناء يدخل المضاربون على خط الشراء و ترتفع الأسعار تدريجياً، وخلال أسابيع قليلة يرتفع السعر إلى (70) دولاراً للبرميل.

إن هذا الطرح ليس "مقامرة" او من باب التمنيات، إذ إن من المؤكد أن تضطر الدول المستهلكة للشراء بسعر (70) دولار للبرميل، وهو سعر منخفض أصلاً، لاسيما ونحن مقبلين على فصل الشتاء حيث يزيد الاستهلاك النفطي.

إننا نرى أن الهم الأول والأخير للسيد وزير النفط العراقي، هو العمل على زيادة سعر النفط، وليس التوسع في البيع بسعر منخفض جداً. والظرف الحالي يعتبر مناسباً لكي يقوم بذلك. لاسيما وإن دول أوبك (فنزويلا وإيران والجزائر ونيجيريا) كانت قد قدمت مثل هذا المقترح في العام الماضي ورفضته السعودية بحجة النفط الصخري. أما اليوم فإن روسيا وفنزويلا في مقدمة الدول الساعية لتعديل الأسعار، وكما إن فترة الأسعار المنخفضة قد طالت، وستطول لسنوات أخرى، لهذا سيكون هناك تلاحم كبير بين دول أوبك (مع شكوك حول موقف السعودية) وروسيا لتعديل الأسعار.

من المهم جداً أن يقتنع السيدان رئيس الوزراء ووزير النفط بإمكانية الوصول إلى نتائج إيجابية في تحسين الأسعار. وعند ذاك ستكون أمام وزير النفط مهام جمة وشاقة في إقناع الاخرين، وسيكون عليه السفر مراراً إلى روسيا وفنزويلا وإيران، وإلى السعودية كذلك، لإقناعهم بذلك، إذ إن العوائد المالية، ستتجاوز التخفيض في الإنتاج بمرات عديدة. وأن الضغط يجب أن يسير باتجاه اجتماع لدول أوبك، بحضور روسيا، وعلى مستوى القمة لرفع هذه الغمة.

إن سعي العراق الجاد يجب أن يتم الآن وبصورة مستمرة إلى أن يتحقق نجاح المهمة، وأن يعيد دوره عند تأسيس منظمة أوبك في بغداد قبل (55) سنة. وعلى العراق أن لا يتخوف من تقليل إنتاجه (بمعية الدول المصدرة الأخرى)، لأن العوائد المالية ستتجاوز دائماً، وبصورة أكيدة لا تقبل الشك، ما يستلمه العراق الآن من عوائد مالية، على الرغم من تخفيض إنتاجه. وقد يستطيع العراق إقناع الدول المصدرة الأخرى أن تكون نسبة تخفيضه أقل من الآخرين، لظروفه القاسية الحالية، في مواجهة داعش والإرهاب العالمي.

 

فؤاد قاسم الأمير

8/11/2015

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر والهوامش

1- "ملاحظات حول دراسة الخسائر والهدر في قطاع الطاقة"

فؤاد قاسم الأمير. 18/6/2015.

2- للمزيد من الاطلاع، يراجع كتاب:

"الدولار: دوره وتأثيره في أسعار الذهب والنفط والعملات الأخرى، ودور العراق المقبل في تسعير النفط". في الفصل المسمى: "أسعار النفط وعلاقتها بالدولار والذهب". في الصفحات 294-349.

فؤاد قاسم الأمير. أيلول 2014.

3- كتاب: "الطاقة التحدي الأكبر لهذا القرن"

فؤاد قاسم الأمير. أيلول 2005.

4- إن "وكالة الطاقة الدولية International Energy Agency IEA"، منظمة تأسست في 1974 ومقرها باريس، وذلك بعد "الصدمة الأولى" للنفط في عام 1973. ولقد تم تأسيس هذه المنظمة لأغراض متابعة قضايا النفط والطاقة وكمستشار في هذه المسائل لأعضائها، وتتعاون مع منظمات الطاقة العالمية ومع دول غير أعضاء فيها مثل الصين والهند وروسيا. وهي في الأصل ضمن تنظيم "مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية Organization for Economic and Development OECD".

يبلغ عدد الدول الأعضاء منظمة IEA (29) دولة، كما في سنة 2014، وتشمل الدول الصناعية الغربية بالأساس، وتتضمن الدول التالية: "أستراليا، النمسا، بلجيكا، الجيك، الدينمارك، إستونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، هنغاريا، إيرلندا، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزلندا، النرويج، بولندا، البرتغال، سلوفينيا، أسبانيا، السويد، سويسرا، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية".

5- "مجلس الطاقة العالمي World Energy Council WEC"، تأسس في تموز 1924، ومقره لندن، يهتم بشؤون الطاقة. ولدى المجلس في الوقت الحاضر أعضاء لجان في حوالي (90) دولة، تمثل ما يقارب (3000) منظمة كأعضاء بضمنهم حكومات (ومنها العراق)، وممثلي صناعات الطاقة، ومؤسسات بحثية واستشارية. إن عمل مجلس الطاقة يشمل جميع ما يتعلق بمصادر وتكنولوجيات الطاقة.

يقوم المجلس بعقد مؤتمرات عالمية للطاقة World Energy Congress كل ثلاث سنوات، وتعتبر من أهم المؤتمرات والبحوث التي تتعلق بالطاقة. كذلك يصدر بحوثاً ومنشورات مهمة في هذا المجال.

عقد (22) مؤتمراً في مختلف مدن العالم، أولها في لندن في 1924، والأخير في دياغو Duegu في 2013. كما تعقد سكرتاريته مؤتمرات سنوية آخرها في أديس أبابا في تشرين الأول 2015.

6- سبق أن تحدثنا عن الموضوع بإسهاب في كتابنا في المصدر (2) أعلاه، وذلك عند الحديث عن الحرب العالمية الثانية ونقص الوقود لدى ألمانيا. الفصل الأول من الكتاب صفحة (15-41).

7- لقد اعتمدت في كتابة هذا القسم، والفصل الأول بمجمله، على المصادر التالية:

7-أ. دراسة: "The Shale Oil Boom: A US Phenomenon"، تاليف ليوناردو ماوكيري Leonardo Maugeri. صدرت في حزيران 2012، عن: "Harvard Kennedy School-Belfer Centre for Science and International Affair".

وتعتبر مدرسة هارفرد جزءاً من جامعة هارفرد. ويقول الكاتب أن آراءه في الدراسة تمثله هو، ولا تعني أنها متبناة من جامعة هارفرد أو مدرسة هارفرد كيندي.

وكان الكاتب المدير الأعلى لشركة إيني ENI الإيطالية، حيث كان يشغل منصب نائب الرئيس لشركة إيني لشؤون التطوير والإستراتيجيات (2000-2010)، ورئيس فرع البتروكيمياويات في شركة إيني (2010-2011)، وترك الشركة في 31/8/2011. لقد أصدر أربعة كتب عن النفط والطاقة والبدائل، وحصلت جميعها على تقييمات عالية جداً. وكان محاضراً زائراً في المعهد العلمي الأميركي المشهور MIT (2009-2010).

7-ب. كتاب: "مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة". تأليف: د. عبد الحي زلوم. صدر في 2014.

ولقد نشر الدكتور زلوم، الفصل الحادي عشر من هذا الكتاب، والذي كان يحمل عنوان: "ضجة إعلامية كبرى، زيادة الإنتاج الأميركي، ومستقبل النفط العربي"، وبتصرف قليل آخذاً الظرف الحالي بنظر الاعتبار، ونشره في صحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية في 6/9/2015، تحت عنوان: "ما زالت أميركا تستورد 40% من استهلاكها من النفط…".

7-ج. موسوعة وكيبيديا Wikipedia، تحت العناوين التالية:

- Tight Oil.

- Hydraulic Fracturing/ Hydro fracking.

- Oil Shale/ Shale Oil.

- Unconventional oil

7-د. أوراق بترولية. تأليف: لهب عطا عبد الوهاب.

كتاب نشر كحلقات في صحيفة: "الصباح الجديد"، في آب 2015.

7-هـ. Technical Recoverable Shale Oil & Shale Gas Resources: An Assessment of 137 Shale Formation in 41 Countries Outside the United State.

EIA US Energy Information Administration. June. 2013.

7-و. "Shale Oil is no thread to oil production"، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 10/2/2013.

وكان الكاتب رئيس المؤسسة العامة للمصافي العراقية، ورئيس دائرة دراسات الطاقة في سكرتارية منظمة أوبك في فينا.

7- ز. ""U.S. domination of oil market a pipe dream، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 2/2/2014.

7-ح. "Too much of bluster building up over shale oil"، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 26/5/2013.

7-ط. "Is sale oil losing its luster?"، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 3/3/2013.

7-ي. "Oil prices close on the ripping point"، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 4/10/2015.

7-ك. "U.S Oil production growth in 2014 was largest in more than 100 years".

U.S Energy information Administration EIA 30/3/2015.

7-ل. "Increases in U.S crude oil production are predominantly, light, sweet crude".

اعتماداً على تقرير صادر عن EIA بعنوان: "U.S Crude Oil Producing to 2025".

U.S Energy Information Administration EIA 4/6/2015.

7-م. "Increasing domestic production of crude oil reduces net petroleum imports".

U.S Energy Information Administration EIA 21/4/2015.

7-ن. "New Eagle Ford Wells continue to show higher production".

EIA 29/9/2014.

8- "International Energy Agency IEA"

- "Oil Market Report". 12/8/2015.

- "Oil Market Report". 11/9/2015.

9-

- "Opec Monthly Oil Market Report". 11/8/2015.

- "Opec Monthly Oil Market Report". 14/9/2015.

10- أوبك: "منظمة الدول المصدرة للنفط "OPEC: Organization of the Petroleum Exporting Countries". تأسست ببغداد في أيلول 1960، إثر انخفاض أسعار النفط في حينه. وكانت تتألف عند تأسيسها من خمس دول أعضاء فقط، وهي: العراق، وإيران، والكويت، والسعودية، وفنزويلا، وهم الأعضاء المؤسسين.

ودخلت دول مصدرة أخرى إلى هذه المنظمة، وهي: قطر في 1961، إندونيسيا في 1962، ليبيا في 1962، الإمارات العربية في 1967، الجزائر في 1967، نيجيريا في 1971، الإكوادور في 1973، الغابون في 1975، أنغولا في 2007. فأصبح عدد أعضائها 14 دولة.

جمدت الإكوادور عضويتها في كانون الأول 1992 إلى تشرين الأول 2007، إذ رجعت إلى المنظمة. بينما أنهت الغابون عضويتها في 1995. كذلك جمدت إندونيسيا عضويتها في 1995، وأعلنت سكرتارية أوبك في 8/9/2015 أن إندونيسيا قدمت طلباً للرجوع إلى المنظمة.

11- "Don't set stock by the latest oil forcasts"، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 30/8/2015.

12- "Saudi Arabia's soaring domestic energy consumption"، وهي مقالة باللغة الإنكليزية صدرت في صحيفة "أخبار الخليج" الإماراتية، بنسختها الإنكليزية "Gulf News". لكاتبها: سعد الله فتحي، في 2/8/2015.

13- "السعودية تتراجع وتقرر خفض إنتاجها النفطي أول أيلول في محاولة لرفع أسعار النفط". صحيفة "رأي اليوم" اللندنية الإلكترونية. في 29/7/2015.

14- "قناة سلمان: (950) كم بـ(80) مليار دولار". صحيفة "الأخبار" اللبنانية. في 7/9/2015

15- "أكبر منبع نفط في العالم يصل إلى مخزون نفطي تحت الأرض هو في اليمن". يمن برس- سكاي نيوز عربية، في كانون الثاني 2013. وأعيد نشرها بعد حرب السعودية على اليمن في أواخر تموز 2015.

http: // yemen-press.com/mobile/news16767.html

16-  "أطماع آل سعود: السيطرة على نفط اليمن"، مقالة نشرت في صحيفة "الأخبار" اللبنانية، لكاتبها: لقمان عبد الله، في 7/9/2015.

17- "الإنفاق العسكري للسعودية". الغد برس: اعتماداً على تقرير المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم. 13/4/2015.

18- " ثمن الدور الوظيفي لآل سعود: إفلاس المملكة". مقالة نشرت في صحيفة "الأخبار" اللبنانية، لكاتبها: فراس أبو مصلح، في 6/10/2015.

18-أ. "وكالة ستاندرد أند بورز تخفض التصنيف الإئتماني للسعودية"

BBC العربية في 31/10/2015

18-ب. "السعودية: قرار خفض التصنيف الإئتماني غير مبرر"

BBC العربية في 1/11/2015

19- "صندوق النقد الدولي: عجز ميزانيات دول الخليج سيتجاوز ترليون دولار خلال خمس سنوات بسبب انخفاض أسعار النفط".

بي بي سي العربية في 21/10/2015.

20- "كوسرت رسول يطالب عمار الحكيم بالضغط على بغداد لإرسال ميزانية ورواتب الإقليم".

شفق نيوز في 12/10/2015.

21- "ثلاثة أرباع استهلاك إسرائيل من النفط، ألا تكفي لرواتب كردستان؟"

صائب خليل. 14/10/2015.

22- "كردستان تعلن عن وصول صادراتها النفطية لحاجز (700) ألف برميل يومياً".

شفق نيوز في 12/9/2015.

23- "كردستان تبدأ تصدير النفط للأسواق الدولية متحدية بغداد".

رويترز في 22/10/2012.

24- "نائبة كردية: مستحقات كوردستان المترتبة على بغداد تجاوزت 43 ترليون دينار".

شفق نيوز في 5/7/2015.

25- كتاب: "الجديد في عقود النفط والغاز الموقعة من قبل حكومة إقليم كردستان والسياسة النفطية للإقليم".

فؤاد قاسم الأمير. صدر في  حزيران 2013.

26- لمن يريد أن يطلع على تفاصيل العلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، يمكنه الرجوع إلى الكتاب المبين في المصدر (25) السابق، إذ ما ذكرته هنا عن الموضوع هو مختصر جداً لتفاصيل كثيرة موجودة في الكتاب وإلى فترة المنتصف من سنة 2013.

27- "هورامي: بغداد ستسحب دعاواها ضد المشترين وستكون شريكاً رئيساً لميزانية العراق".

شفق نيوز في 22/12/2014

28- "كردستان تعلن بيع (42) شاحنة نفط بـ(3) مليارات دولار وعن توزيع رواتب الموظفين".

شفق نيوز في 11/1/2015

29- Monthly Export Report/ April 2015

Annex C: Planned Oil Supply to Somo (Jan. 23d Agreement)

تقرير صادر عن وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان

30- "كلف كيستون توقع عقداً لبيع النفط في إقليم كردستان"

شفق نيوز في 29/6/2015

31- "نفط كردستان يتراجع و(بي بي) تلغي شحنتين"

شفق نيوز في 24/6/2015

32- "Genel Energy Annual report: 2014"

Issued at 5th March 2015

33-

-         "منظمة كردية: (190) مصفاة غير قانونية مستهلك (70) ألف طن يومياً من الخام في كردستان"

شفق نيوز في 21/9/2015

-         "حكومة كردستان تغلق 164 مصفاة نفط في الإقليم"

أرسل إلي الخبر في 19/9/2015، ويشير إلى قرار وزارة الثروات الطبيعية الصادرة في 15/9/2015 بإغلاق (164) مصفاة نفطية.

34- "Basra, Kurdistan oil export to keep momentum"

"Iraq Oil Report". Ben Lando 15.7.2015

35- "Majority of Israeli oil imported from Kurdistan"

"The Jursalem Post". 24.8.2015

36- "Israel turn to Kurdistan for oil suplies"

"The Financial Times". 24.8.2015

37- "إقليم كردستان يزود إسرائيل بثلاثة أرباع إمداداتها النفطية"

وكالة "واخ" في 24/8/2015

معتمدة على خبر الفاينانشل تايمز في المصدر (36) أعلاه.

38- "Court blocked KRG oil route to U.S as Export grows"

"Iraq Oil Report. Ben Lando". 24.9.2015

39- كتاب: "حكومة إقليم كردستان وقانون النفط والغاز". الصادر في كانون الثاني 2008.

فؤاد قاسم الأمير

40- "أميركا تتحدث عن شرط قيام كردستان بتصدير نفطها إلى الخارج"

شفق نيوز في 4/10/2015

41- "Analysis: Kurdistan's export quest remain unfinished"

Iraq Oil Report: 28.8.2014

42- "U.S. Court takes on Iraq oil disputes"

Iraq Oil Report: 9.1.2015

43- "UPDATE: Baghdad to file new claims against KRG"

Iraq Oil Report: 4.9.2014

44- "كردستان تكسب دعوى في أميركا بشأن بيع نفطها من دون موافقة بغداد"

شفق نيوز في 23/9/2015

45- "تركيا: سنشتري الغاز من العراق في 2017، وبأقل من نصف سعره عالمياً"

متابعة وكالة (أين) في 16/8/2015

46- "KRG Oil revenue entangled in presidency crisis"

Iraq Oil Report: 18.8.2015

47- "Pressure Mounts on Kurdistan's oil minister"

Iraq Oil Report: 6.10.2015

48- "New details of KRG deals reveal latent risks"

Iraq Oil Report: 29.10.2015

49- "UPDATE: Iraq files for arbitration against Turkey, and Botas"

Iraq Oil Report: 23.5.2014

50- "كردستان: واردات النفط لشهر آب فاق ما وعدنا به وبلغت مليار ونصف مليار دولار"

المستقلة في 22/8/2015

51- "إيرادات النفط في كردستان تتجاوز (1,5) مليار دولار خلال آب"

سومرنيوز في 23/8/2015

52- "المالية الكردستانية تنأى بنفسها عن تأخر صرف رواتب شهر حزيران"

شفق نيوز في 22/8/2015

53- "بارزاني: لا نريد البقاء ضمن العراق مرغمين… لن نستمر مع من لا نثق بهم"

شفق نيوز في 4/11/2015

54- "بارزاني: الإقليم لن يعود تحت سيطرة بغداد نفطياً"

المسلة في 4/11/2015

55- "Export slump on bad weather, political problems"

Iraq Oil Report: 2.11.2015

56- :كتاب: :الجديد في القضية النفطية العراقية"، الصادر في شباط 2012.

فؤاد قاسم الأمير. في الفصل الثالث: "نظرة في دورات التراخيص النفطية والغازية"، في الصفحة (187) وإلى الصفحة (294).

57- :"فنزويلا تعلن بدء معركة دعم أسعار النفط"

15/9/2015

 

 

تاريخ النشر

19.11.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

19.11.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org