<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي بعد داعش الكوليرا في العراق

 

 

بعد داعش الكوليرا في العراق

 

د. كاظم الموسوي

 

يتعرض الشعب العراقي في الراهن الملتبس الى كارثة اخرى، الى وباء اخر.. لم يكفيه نجاح خطط اجتياح ما سمي بتنظيم داعش لمدنه، وبعد الغزو والاحتلال الصهيو امريكي عام 2003. هذه الافة الجديدة غزت مدن العراق الوسطى والجنوبية والعاصمة بغداد، وكأنها رديف لتنظيم داعش الذي سمح له بالسيطرة على مدن الغرب والشمال الغربي من العراق، وتقاسما ارض الرافدين او اتفق "مشغليهما" على هذا الامر للأسباب التي دفعت او مهدت بأي شكل من الاشكال الى الهيمنة والاختلال والاحتلال، سواء في العراق او في المنطقة كلها.

تتضارب الارقام في اعداد المصابين بهذا المرض وكذلك الاعمال والمساعي لمعالجته والتخلص منه. وما زالت الاخطار منه متحركة وتتزايد يوما بعد اخر، مما يشير الى خطوات اشبه بما قام تنظيم داعش في زحفه وسيطرته. وإذا كان تنظيم داعش قد توفرت له الظروف والخطط والتجهيز والبيئة فان هذا المرض الاخر يفضح دور ووظيفة السلطات الرسمية وسياسات الدول الكبرى التي غزت واحتلت ودمرت مؤسسات العراق ولم تقدم له ما يستطيع ان ينهض بما يتوجب عليه الان لمكافحة هذا المرض والحيلولة دونه وغيره من الافات الفتاكة. والمرض ليس جديدا بمعنى ما، فقد تكرر انتشاره في العراق في فترات سابقة وظروف اخرى، كانت فيه البلاد في حالات غير ما هي عليه الان، او المفروض ان تكون. وقد يكون خطيرا اذا لم تنتبه له الجهات الرسمية وتعالجه بالسرعة المطلوبة وتوفر المضادات له وتعمل على التخلص من اسبابه وبيئته وعوامل انتشاره. وهي كلها بيد السلطات الرسمية والدول التي احتلته ودمرته وتفرجت عليه، وما زالت  منذ غزوها ولحد الان.

تشير اغلب الاخبار عن هذا الوباء في العراق الى الازمات والصراعات السياسية التي تتحكم في ادارة البلاد ومصير الشعب، والى تفاقم المعاناة من سوء الادارة والفساد والخدمات الصحية والعامة الاخرى اتي هي المهمات الاساسية للسلطات المركزية او المحلية. حيث لا يصدق امر هذه الامراض وانتشارها في العراق اليوم، وبعد كل التقدم العلمي والتطورات التقنية وثورات الاتصال والثقافة العلمية وغيرها ان تسمع او تقرا انتشار مثل هذه الامراض.

رغم تصريحات مسؤولي وزارة الصحة وتاكيدهم على إن "مرض الكوليرا في المحافظات كافة تحت السيطرة، وتم تزويد المحافظات بملايين من حبوب الكلور لتعقيم المياه". وان نسبة كبيرة من المصابين قد تماثلوا للشفاء. و"المرض موسمي ولم يتحول إلى وباء، وتجرى السيطرة على الحالات المصابة"، مشددين على "ضرورة التحقق من صلاحية مياه الشرب واحتوائها على مادة الكلور المعقمة". الا ان المشكلة لا تنتهي عند هذه الحدود فالمرض معروف في العراق وجيرانه.  ولا تزول الكارثة برغبة او تصريح رسمي، وخصوصا في العراق الان، حيث تتفاقم الازمات على جميع الصعد، السياسية والاقتصادية والثقافية، مترافقة مع الفساد وسوء الخدمات او انعدامها، لاسيما في فقدان الحصول على المياه النقية الصالحة للشرب، اذ تشير دراسات ان ما يقارب 70 في المائة من السكان لا يحصلون عليها، وان 17 في المائة فقط من مياه المجاري تعالج قبل صرفها في المجاري المائية، وتفتقد شبكات المجاري في اغلب المدن، وكذلك معامل المعالجة وغيرها. وتذكر منظمات دولية كاليونيسيف عن ان تفشي المرض يدل على أن ملايين العراقيين يعيشون بدون الضروريات الحياتية الأساسية كالمياه النقية، وهم بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية. وإن إعادة تخزين إمدادات العلاجات التي تساهم في إنقاذ الحياة كالزنك والأملاح المضادة لحالات الإسهال أمر في غاية الضرورة أيضا.

ليست مقارنة، وانما للتذكير او للاعتبار، ما حصل في التاريخ وما يحصل اليوم خطر مقلق لمن يعنيه الامر ويشغله الحدث، وتعصر قلبه ابعاد الكارثة. فالتاريخ قد سجل لنا روايته عن أوبئة توالت على العراق بمعدل مرة واحدة كل عشر سنوات، حسب ما تناوله الدكتور علي الوردي في كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ونقل في هذا السياق من مذكرات المبشر الانجليزي غروفز عن مشاهداته للطاعون الذي اجتاح بغداد عام 1831، والتي نشرها في كتاب عام 1832 بلندن، ذاكرا (ان عدد الموتي أخذ يتزايد يوما بعد آخر حني بلغ تسعة آلاف في اليوم الواحد. ويقول: إن الموت قد أصبح الآن مألوفا بحيث ان الناس صاروا يدفنون أقرب الناس اليهم من دون اكتراث يعتد به، كما لو كانوا يقومون بعمل اعتيادي. وعندما كان غروفز يتجول بالطرقات لم يصادف في طريقه اي انسان، عدا الذين كانوا يحملون الجثث والأشخاص المصابين بالطاعون الوبيل. وكانت صرر الملابس من مخلفات الموتى ملقاة بالقرب من كثير من الأبواب. وبدلا من ان تدفن الجثث حسب مراسيم الدفن المعتادة، صارت تلقى على ظهور الحمير والبغال ثم تؤخذ لتدفن في حفرة من الحفر. ووصل الحال أخيرا ان يسقط الناس في الطرقات، فتأتي الكلاب تنهش أجسامهم وربما كان بعضهم اثناء ذلك لا يزال يعالج سكرات الموت... وكان أشد المناظر إيلاما وإزعاجا وجود المئات من الأطفال الصغار في الطرقات، والكثيرون منهم لا يزيد عمرهم على عشرة أيام، وهم يتصارخون فيختلط صراخهم بزمجرة الكلاب التي كانت تنهش جثث الموتى(.

أليست هذه الصورة المنقولة من أقل من قرنين من الزمان هي عين المأساة وصورة المحنة التي يعشها الشعب العراقي ولو بأشكال اخرى؟. وكأنها تقول بدلالات اعادة الأحداث التاريخية. وفي كل الأحوال هذه أرقام مخيفة وأعداد مرعبة، السابقة والحالية، والاخيرة مخجلة ومثيرة واختبار للمسؤولية والادارة.. ألا تحرك ضميرا واهتماما وغضبا وتستثير همة ومدافعة إنسانية لإنقاذ العراقيين من عواقبها وخساراتها القادمة؟، ومتى يشعر العراقي بأن أوجاعه أصبحت محفزا لغيره في الانقاذ والخلاص؟. ومتى... متى يعيش العراقيون بدون كوارث ومحن ومآس؟!.

 

تاريخ النشر

16.10.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

16.10.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org