<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي قراءة في صراع سليم اسماعيل

 

 

قراءة في صراع سليم اسماعيل

 

 

د. كاظم الموسوي

 

كتابه الوحيد الذي ختم به صفحات من تاريخ، اجملها بالسطر الثاني بعد كلمة الصراع، عنوان الكتاب، مذكرات شيوعي عراقي، وأضاف (البصري) لقبا له على الغلاف وخاتمة الكتاب والإهداء. سليم اسماعيل، ابو عواطف، مناضل شيوعي وقيادي في الحزب الشيوعي العراقي، عضو لجنته المركزية ومسؤول منظمته الجنوبية وكادره الرئيس في بيوت الطباعة السرية للإعلام الحزبي خلال الفترات الصعبة من العمل السري في العهود المتلاحقة، الملكية والجمهوريات.

في الاهداء والشكر والتقديم اشارات معبرة عن تسجيله لما اورده في صفحات الصراع. ولم يشرح لماذا اختاره عنوانا لمذكراته. عن أي صراع يتحدث، وبأي فهم يعبر عنه، إلا انه اقتحم الاوراق وثبت ما لديه وما عاشه خلال الايام القاسية التي اختارها، انتماء وسيرة نضالية في حقب متنوعة ومتتالية. ورغم ذلك اكتشف انه بحاجة الى العودة الى الكثير من القضايا والحوادث في المستقبل، "وآمل من كافة الاخوة، ممن عاشوا هذه الاحداث، ان يوثقوها، وآمل منهم ذكر ما فاتني ذكره، مع شكري"!. كما في كلمات الاهداء اختصار لسيرته وتعبير عن مضمونها: "الى كل الذين ضحوا بحياتهم وبأعز ما يملكون من اجل حرية وطنهم، الى كل الذين استشهدوا وتغربوا وتيتموا، الى والدي اللذين ماتا دون ان احضر ماتميهما، الى كل من يقارعون الظلم والنظام الدكتاتوري في العراق....". وأكد في التوطئة: اسرد في هذه الرواية ان صح التعبير، فصولا من عملنا ونضالنا والمعاناة التي رافقتنا طوال سنين من اجل سعادة شعبنا ورفاهيته. (...) ان كل ما اورده هنا من ذكريات عبارة عن احداث حقيقية مستقاة من الواقع الذي عاشه صاحب هذه الرواية"....  في هذه الخلاصة صورة عن حياة الشيوعي العراقي الذي حاول المؤلف ان يستذكرها ويقدمها في صراعه النضالي اليومي.

فصول الكتاب الاولى مشوقة، وواضحة العناية بكتابتها باسلوب روائي، تشد قارئها عن قصة هروبه ورفيق له من سيارة السجن والانتقال بين الارياف والقرى وصولا الى مدينته البصرة وعائلته عائدا كما خطط للحزب والكفاح الوطني السري. وكرر هذه الحادثة في سرده المتسلسل بعدها في موقعها من السيرة التي يستمر فيها في خمسة اقسام وأربعة وعشرين فصلا، مجموع الكتاب الذي يلخص سيرته وحياته او يستجمع فيها ما بقي في الذاكرة وخطه قلمه. واختياره للعناوين اعطاها رونقا ادبيا اضافيا لما حملته من معان سياسية. الابطال فيها كثر، الامكنة وطيبة الناس، النساء والرجال والأطفال، الذين يساعدون الهاربين ويحمونهم ويتحملون اضطهاد السلطات وممارساتها القمعية، بروح عالية وشهامة انسانية متميزة. نجح الكاتب في تسجيلها، وحسب موقعها من السيرة والأيام. متواصلا الى القسم الثاني، الذي عنونه: البصرة.. البدايات والطريق الصعب. حيث التاريخ والطفولة والإرهاصات الاولى، العائلة والمدرسة والمدينة، التاريخ وتحولات الزمان.. وبقي خط السرد فيها متقاربا ومتموجا في تفاصيل مذكراته كما اراد لها ان تسجل، وباسلوب التتابع التاريخي مع انتقالات الامكنة، من المدينة الاولى واحيائها وقصباتها الى المدن الاخرى. ساعيا الى توثيق للمتغيرات وظروفها، وإشارات مهمة للتاريخ عما عاشه وسط التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ثبت اولى اللقاءات التي أثرت في وعيه ودفعته الى الانتماء الى الحزب، من خلال فعاليات لاتحاد الطلبة العام ونشاطات ثقافية عامة وفرق رياضية وأخرى سياسية ومشاركة في تظاهرات وصدامات. عام 1950- 1951  (هكذا سجله...) رشحه ابن عمته علي الشعبان، عضو الحزب الشيوعي، الى الحزب وزوده بوثائقه ومطبوعاته. ونشط في يوميات الكفاح والعمل الحزبي فشارك في الاضرابات والمظاهرات العمالية، ونوّه الى دور الرفيق حميد بخش، سكرتير المنظمة الحزبية في البصرة، وأطلق عليه صفة "الداينمو المحرك للعمل"، وكلف بمسؤولية اللجنة العمالية في شركة النفط. وبسبب نشاطاته اعتقل ورحّل مع منظمه الاول ابن عمته الى سجون بغداد، فحضر اول محاكمة له، كشيوعي، عام 1953. وبعدها كرّت فترات الاعتقال والسجون والهروب منها. من سجن رقم واحد في بغداد الى اخرى ومنها الى سجن مدينة الكوت.. حيث وصف الحياة فيه، التي تعكس مشهد السجن وفعالية الشيوعيين فيه، حيث يحولونه الى مدرسة نضالية. عاشها الشيوعيون في معظم السجون في تلك الفترة وكتب عنها اغلب من سجل مذكراته، لاسيما المجازر الدموية التي كابدوها في اغلب تلك السجون. ومن ثم التفكير بالهرب من السجن والعودة الى الحزب، وهو ما  تفرغ له او قدمه كصورة اخرى لمراحله النضالية التي شارك فيها، والتي تنقل خلالها بين بيوت مؤجرة لمهمات النضال السياسي السري وطباعة الصحف والبيانات الحزبية، وسجون موزعة في المدن العراقية. او يمكن اختصار سيرته/ مذكراته بينهما، بين السجون والعمل الحزبي السري، بين بيوت الطباعة ودروب الاختفاء. ولا ينسى الاشارة الى المحطات السياسية الداخلية والخارجية، من حكومات القهر واضطهاد الوطنيين والأحلاف مع المستعمرين الى الرعب من أي مظهر ثوري داخل او خارج العراق، مثلما حصل مع انتصار ثورة 23 تموز/ يوليو 1952 في مصر، حيث دفع الشيوعيون العراقيون، بعد الاحتفاء بها، حسب الاحصائيات المتوفرة، ثمنا باعتقال اكثر من 312 سجينا شيوعيا في بغداد (ص 114). وتوقف عند سجن "نقرة السلمان" الذي نقل اليه من سجن بعقوبة بعد فشل محاولة هروب. وكعادة الشيوعيين يحتفلون في اية فرصة تتاح لهم ويعملون بدأب لانجاز مهماتهم الوطنية، فيستذكر دور قيادة سلام عادل للحزب ونجاحه في لم شمله، وصدور جريدة مركزية باسم اتحاد الشعب، وانعقاد الكونفرنس الحزبي الثاني 1956. وواصل سيرته من السجن الى المراقبة الى الخدمة العسكرية الى الهرب من جديد والعودة الى مقرات الطباعة واللقاء بسلام عادل مواجهة والعمل سوية في الطباعة السرية. واصفا الغرف السرية للطباعة وخلايا العمل فيها، والتعلم منها بمواصفات وضعها لمثل هذه المهمة. ولم يخل هذا العمل من مخاطر الكشف والقبض عليه من الشرطة والعودة مرة اخرى للتحقيقات والسجن ودوران الدورة او الحلقة الاخرى في سلم السيرة الشخصية. وفي السجون التقى نماذج مختلفة من الاشخاص، مروا بحالات ضعف وانكسار او قوة وصمود. ذكر مثالا لها كما عاد من جديد الى الطباعة هاربا ومتفرغا لها، للحزب والكفاح الوطني.

في القسم الثالث وعنوانه: ثورة 14 تموز وفترة قاسم، افرد له الفصول التاسع والعاشر والحادي عشر، من التهيؤ للثورة والعمل في بغداد الى تقرير انحراف الثورة والاعتقال في البصرة عام 1962. منتقلا الى القسم الرابع وعنوانه: انقلاب 8 شباط 1963 وحكم العارفين. واضعا له خمسة فصول حسب التدرج التاريخي. في فصل التهيؤ شرح اللقاءات التي كان يعقدها سكرتير الحزب مع عضو المكتب السياسي جمال الحيدري وعمال المطبعة وظروفهم وبيانات الحركة السياسية، اضرابات الفلاحين والعمال والجنود، وجريدتهم السرية. ومن ثم النهوض الكبير للشعب كله، بعد انتصار الثورة، وتشكل النقابات التي قادها الحزب وضمت بين 250- 300 ألف عامل، والجمعيات الفلاحية التي ضمت اكثر من 400 ألف فلاح، وقادها الشيوعي المعروف كاظم فرهود. وضم اتحاد الشبيبة الديمقراطي حوالي 120 ألف شاب وشابة، الى جانب اتحاد الطلبة العام ورابطة المرأة التي عقدت مؤتمرها الاول في بغداد، وضمت 40 الف امرأة. كما تشكلت لجان المقاومة الشعبية المسلحة، ولجان الدفاع عن الجمهورية وأنصار السلام ومنظمات اجتماعية متنوعة ونقابات المهندسين والأطباء والاقتصاديين، وجمعيات الكسبة والحرفيين والنوادي الرياضية. (ص 202). ورغم كل هذا النشاط والحراك سجل ملاحظات على عمل الحزب بغياب ستراتيجية واضحة المعالم، من اجل حكم ديمقراطي حقيقي او استلام السلطة التي يهدف كل حزب سياسي او تنظيم ثوري لها. وأشار الى التراجعات التي حصلت وانحراف السلطة، وتكرار الاخطاء ايضا مع حزب البعث في السبعينات، وتقديم التضحيات. وبين كل ما ثبته من التواريخ التقريبية، سجل تاريخ 1/5/1961 يوم عقد قرانه من رفيقته ام عواطف. ومثل بعض من احال القاريء الى مصادر اخرى لمتابعة الاحداث والارتباطات والتشابك السياسي، قام هو ايضا، وهذا ما يلفت الانتباه عند من يتنكب لنشر مذكرات شخصية، اذ يمكنه الاعتماد على مصادر بحثية وأكاديمية داعمة او موضحة للحدث، ويثبت رأيه وموقفه منها هو شخصيا لتكون مصدرا للقاريء او الباحث، والإطلاع على دوره وقدراته ومعالجته للإحداث او المنعطفات، دون ان ينسى انها مذكراته هو شخصيا. وانتقل في الفصول التالية لدورة اخرى من السجن والهروب والعودة الى المطبعة في بغداد. وإصدار جريدة طريق الشعب بعد انتكاسة شباط 1963، كما ذكر، ومن ثم الاشارة الى الاحداث المأساوية وذكر بعض الاسماء دون تفاصيل عن ادوارهم التي قدمت الكثير للحزب والكفاح الوطني، والمفترض انه يعرف ذلك، وتلك حالة متكررة عند اخرين ايضا، لأسباب سياسية حزبية وتعبير عن وعي حزبي ضيق الافق والتوجه، انكار بعض الادوار الرئيسية والمهمة لمناضلين نذروا حياتهم للحزب والشعب والوطن، واجتهدوا في سبل نضالهم. والملاحظة هذه واضحة لان كل كاتب سيرة ومذكرات يتطرق الى ما يحيط به سياسيا وإنسانيا ويعكس ادراكه ومواقفه منها ايضا.

وينتهي الكاتب في القسم الخامس الذي وضع له عنوانا تفاؤليا: مسيرة الاعوام القادمة، في ثمانية فصول، بدأت مع مسيرة نشاطه في الكونفرنس الثالث، والمؤتمر الثاني للحزب، اب - ايلول 1970، وظروف العمل الحزبي، والصراعات الفكرية الداخلية والانقسامات والمواقف من تطورات الحركة الوطنية، وتجربة الكفاح المسلح والتحاقه بها ولقطات منوعة من يوميات الاحداث، وصولا الى المساهمة في عقد المؤتمر الرابع للحزب عام 1985 وتقييم الفترة السابقة وتوافقه مع طروحاته وما نتج عنه، وتكليفه بمهمة تنظيم كردستان، سكرتيرا لمنظمة الاقليم، وما حصل له فيها، وما حدث بعدها في العراق، من حروب الدكتاتورية وصراعات القوى السياسية الى نهاية المطاف في الخروج من كردستان واللجوء الى المانيا، خاتمة للسيرة والكتاب.

يستعيد القاريء للصراع الكثير من المحطات والنضالات التاريخية للحركة العمالية والفلاحية والوطنية عموما، وصور الكفاح السري وظروف التحدي للمناضلين والحزب في الطباعة وإعادة البناء الحزبي، ويطالع اراء للكاتب في سياسات الحزب وتنبيهات مهمة، قد يتفق القاريء معها او يختلف، ولكنها تبين مواقفا خاصة للكاتب، تثير اسئلة عنها وفي حينها فهل سيبقى في موقعه القيادي؟، وليس في وقت الكتابة للصراع في مسكن مريح في المانيا.

يبقى اصدار مذكرات شخصية، ومع التطورات التقنية الالكترونية، مهمة لمعرفة الاراء الشخصية والمواقف الفردية، التي لها موقعها ومكانها في التحليل والبحث التاريخي والسياسي، ولها مواصفات وشروط يتطلب تتبعها كي تكون فعلا حاملة اسمها ومعناها. وهنا تسجل ملاحظات عامة على الكثيرين الذين نشروا مذكراتهم من القيادات الحزبية في العراق خصوصا، من شتى الانتماءات، تتعلق بضرورة اعتماد الموضوعية وشحذ الذاكرة والاستعانة بالوثائق والدراسات الاكاديمية كمكملات لها واغناء لمحتوياتها وتعميق لصفحاتها وإضاءة الشهادة التاريخية الموثوقة. فيكون غريبا ملاحظة الانكار والتنكر او التجاهل المتعمد في صفحات كثيرة لادوار معروفة ولمشتركات معلومة ولجهود مبذولة تنقص من مصداقية المتنكرين لها اكثر مما يُستهدف منها او لا تعطي للمذكرات او الاستذكارات او المقالات نزاهة المناضل وشجاعة الكاتب وصدق الكتابة. لاسيما انها للتاريخ، وللتاريخ حساب وكتاب...

 

* اعتمدت في القراءة على نسخة الكترونية، لم تشر الى تاريخ ومكان اصدار النسخة الورقية.

 

 

تاريخ النشر

19.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

19.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org