<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي غضب العراقيين

 

 

غضب العراقيين

 

 

د. كاظم الموسوي

 

صَبرَ العراقيون طويلا وكثيرا وسيضرب المثل بهم، حتى يبز ايوب في صبره. العراق بلد الحضارات والثروات التي سال لعاب امم ودول كبرى او "عظمى" عليها، فتنكبوا مشقة المسافات والصعوبات لغزو ارض الرافدين، واحتلوها، ولكنهم، كما هو في صفحات التاريخ المعاصر مثلا، لم يتمكنوا ان يحتفظوا حتى بالتماثيل التي نصبوها لأبطالهم المزعومين، او الذين حسبوهم كذلك. وظل الشعب العراقي بطل الثورات والانتفاضات والوثبات والهبات الشعبية، رغم كل القمع والاضطهاد والاستبداد والدكتاتورية والعسف والحصار والقصف والخراب والدمار..

بقي التغيير عند الشعب العراقي مشعلا لدرب جديد. وكلما تتغير الاحداث يفكر بالجديد الفعلي وبفسحة الامل، ولهذا اعطى لمن جاء لحكمه فرصا كثيرة ليشعره بمهماته وبمسؤوليته الرسمية والتاريخية. حار في امره من جاء لغزوه واستعماره وحتى حكامه المحليون. التنوعات الجميلة في ارض الرافدين تتحكم في اتجاهات التغيير والإصرار على خط التقدم فيها. تستطيع ان تجبره على التحمل لفترة او فترات، مهما طالت ولكن لا تتمكن من التحكم في غضبه. متى ثار  ثار.. هذه صورة قلمية سريعة عن سمات العراقيين والعراق، شعبا وبلدا، ولهذا ففي هذه الايام لم يتحملوا اكثر مما تحملوا او وضعوا فيه. (للأسف يتمكن العدو الطبقي والامبريالي، احيانا، من كسب او توظيف بعض الافراد او الجماعات للتخادم معه، وحتى هذا او هؤلاء يشعرون بخطيئتهم بعد حين ويسترجعون انفسهم او يتعرون في ارتكابهم. وما عليه العراق اليوم يكشف ذلك او يسلط الضوء ويقدم الادلة عليه).

زمن الاحتلال الاخير، منذ عام 2003 والى اليوم، مرت على العراق جيوش وأساطيل وسفراء وحكومات ودورات برلمان، وكلها مجتمعة مع بعض التميزات، لم تقدم له ما كان ينتظره او يؤمله. زادت في الكوارث التي تحملها قبل مجيئهم وأضافوا له مآسي لم يعهدها عمليا. هل يعقل ان كل ثروات العراق لم تستطع حل مشكلة كهرباء او ماء نقي او خدمات اساسية؟، ما هي مهمات الحكومات ومجالس النواب اذاً؟. لماذا قدم هؤلاء العاملون انفسهم للعملية السياسية والواجهة الاعلامية والرأي العام؟. هذه اسئلة بريئة وأجوبتها لا تحتاج كثير عناء. ولكنها تمنح المحلل والمتابع والمراقب اجوبة اخرى وأدلة وإثباتات لما قام به الغازي والمحتل اساسا. وهذه هي الحقيقة المرة عن المسؤولية الرئيسية. لقد مارس الغزو والاحتلال سياسته الستراتيجية المعروفة بكل تفاصيلها. نهب الثروات وإغراء الافواه المعترضة او الرافضة له، وإشغال الشعب بهمومه ومعيشته وحتى بفئاته وألوانه الملونة وتمزيق ارضه وتشويه سمائه، وإدامة هيمنته ونفوذه وسيطرته على المفاصل الاساسية في الدولة والحكم والمنطقة من بعده. هذه هي سياسة الامبريالية عموما، او المكشوف منها دون لبس او تورية او محاباة..

 قوات الغزو والاحتلال، الملايين من العسكر والمرتزقة والخاصة والسرية، وقواعدها العسكرية العلنية والسرية، وأساطيلها في البحر والجو وصواريخها العابرة للبلدان وطائراتها بطياريها او بدونهم، لم تقدِم الى العراق لاعماره والاعتذار عن حصاره، ولم تحتله لبنائه وتمكين شعبه الى حكم رشيد وتنمية مستدامة. كما انها لم تأت لنزهة على شواطئ دجلته وفراته فقط وتتسلى اياما وترجع مبتهجة وملتقطة صورا تذكارية ومحملة بهدايا عراقية اثارية او حديثة خاصة. لم يكتف جون بايدن وصاحبه وضع خارطته الجديدة ورفعها للرف مؤقتا، ومغازلة البعض ووعد البعض الاخر وتكبيل العراق بها وعبر البعض هذا او ذاك وبتداعياتها، كلما رفع الشعب سبابته متسائلا او مستفسرا. انه الاحتلال  الصهيو امريكي الجديد في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين، في بداية الالفية الثالثة من التقويم الغربي. هكذا تتم الامور وتجري الاحداث وتحصل التطورات وتحدث المتغيرات. وهذا ما حصل ويحصل ويحدث امس واليوم وربما غدا، بانتظار ما يجري اليوم في الساحات، تحت ظروف الحرارة المتميزة، والمناخ المتغير، والتعقيدات المتراكمة، واحتلال داعش، الرمز السري للاحتلال الصهيو امريكي المتجدد في المنطقة، تنفرج الصورة وقد تكون اجراس الانذار الحالية قادرة على فهم الوقائع والعمل على التغيير.

غضب العراقيين يجري التعبير عنه الان في الساحات العامة، في المحافظات ومدنها وقراها، ولكن ايضا انحصرت في 11 محافظة، حسب ما اشارت له الوكالات الاخبارية الاجنبية قبل العربية، كجزء اخر من واجباتها في التفريق والتشتيت. ولكنها تطرح سؤالا ايضا، لماذا والعراق مقسم رسميا الى 18 محافظة. الاقليم الكردستاني في ثلاث محافظات شمالية، ودولة داعش تحتل محافظتين رسميا، وخارجهما بين بين، بين المناطق المتنازع عليها (!) او التي لم تجد بعد وضعها او مصيرها الذي تحدده موازين القوى والمتغيرات القادمة. هذه اسئلة مثيرة للاهتمام والتفكير بالمصير الوطني ودور القوى الوطنية الفاعلة على الارض فعلا، والالتزام بالوحدة الوطنية وخيارات المصير المشترك، والابتعاد عن المشاريع المبيتة والتي لم تعد سرية او مجهولة تماما عن الجميع. السكوت عليها او تمشيتها مشاركة فيها وفي اخطارها القادمة.

ما يحصل منذ نهاية شهر تموز/ يوليو، وبداية آب/ اغسطس من مظاهر حراك شعبي وتظاهرات عامة ترفع مطالب شعبية واضحة، بسبب ازمات الخدمات الاساسية، النقص الفادح في تزويد الكهرباء والماء الصافي وغيرها، في هذه الاجواء المناخية المتطرفة في ضغوطها على البشر في المناطق الجنوبية والفراتية والوسطى من جغرافية العراق، يعبر عن تفاقم الغضب وطول الانتظار. ويستدعي رفع الصوت والاحتجاج عاليا ودائما حتى إنهاء الكارثة التي زرعها المحتل ويتفرج على عواقبها وتداعياتها.

لقد عمل الاحتلال بكل مخططاته على زرع المحاصصة الطائفية والاثنية كمعوق رئيسي في اعادة بناء الدولة وتطويرها، وارسى اساليب الفساد الاداري والمالي كمواز لها لاستمرار التفكك وبروز التناقضات وتغذية التخادم والتواطؤ والارتهان، وأكمل بعدها دوره في انجاز مشاريعه في التخريب والتدمير لكل مؤسسات البناء التحتي والخدمية الاساسية وتبذير الثروات الوطنية ومستقبل الشعب والوطن. هذه كلها مؤشرات عن مخططات الاحتلال للعراق، ولابد من غضب العراقيين والرد عليها بما يناسبها وما يحملها المسؤولية ويضع بديلها الوطني، ويبدأ بمهمات التحرر منها، والعمل على اعادة اعمار العراق واحترام ارادة الشعب العراقي.

 

 

تاريخ النشر

14.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

14.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org