<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي انا وعمر الشريف والنصيرات

 

 

انا وعمر الشريف والنصيرات

 

 

د. كاظم الموسوي

 

حين توفي الفنان المتميز عمر الشريف ونشر الخبر في اغلب وسائل الاعلام بمختلف اشكالها، تذكرت قصة طريفة حصلت معي في سنوات مضت لها علاقة به ممثلا كبيرا ونجما لامعا. كنت ادرس في موسكو واخرج مع رفيقي الفلسطيني "نائل" كل نهاية اسبوع في جولة مفتوحة في مركز العاصمة، نتنقل مبهورين في بعض محطات المترو، ونتسلى بمتابعتها وبما فيها من متاحف فنية جذابة ورائعة، نماذج تكتنز بها. وبعد ان نشعر بالتعب نذهب الى مطعم نغيّر فيه ونبتعد عن وجبات الطعام اليومية التي تتكرر في مطعم المعهد، المعروف بجدوله الاسبوعي.

مرة عاد الرفيق نائل الى الطاولة التى كنا جالسين عليها غارقا بالضحك. سألته ملحا الافصاح ومشاركتي بما يضحكه. طلب منى ان التفت الى طاولة في الزاوية البعيدة التي جاء منها. فنظرت ولم اجد فيها ما يضحك. طاولات عادية يحيط بها جلساؤها. عوائل .... شابات ... شباب. ركز وأشار بيده الى مكان محدد. شابتان روسيتان كما يبدو من ملامحهما. وماذا؟. سألتني واحدة منهما عنك وأجبتها ايجابا، بالموافقة، وهي تطلب مع صديقتها التعرف عليك. فكرت اولا انه يحاول المزاح معي و" النصب" علي، ولكننا لم نتعود على ذلك فيما بيننا. اقسم بجد وبشيء من عصبية فسلمت للأمر ووافقت دون نقاش اخر. ولكني ظليت مترددا من الحديث كله وكأنه عرف الدهشة في وجهي. فقال لي بوضوح: انها سألتني عنك وهي متأكدة من انك عمر الشريف الذي شاهدته ليلة امس في فيلم في التلفزيون الروسي. تاكيد على وجود الشريف في موسكو.. وأيدتها صديقتها ايضا. انا عمر الشريف!. لِمَ لا. ممثل عربي مشهور ومواقفه حينها لا خلاف عليها، لمع بكفاءته وجهوده ودخل سوق السينما الهوليودية بقدراته و"جماله".!.

تعرفنا على الصديقتين الروسيتين وطلبتا منا ان نواصل السهرة سوية ولم يخالجنا شك بذلك رغم وضعنا الخاص في المعهد الدراسي والقسم الداخلي وحراسه السوفييت والعراقيين خصوصا، وما يخزنون من عُقد وسلوك مبطن. وأمضينا الليل واليوم التالي معهما، وكانت مصادفة رائعة، تعرفنا فيها على حياة الناس مباشرة دون رتوش. الواقع كما هو.. كيف يعيشون اعتياديا، يومياتهم بكل تفاصيلها او ببعضها، على الاقل في يومين متتاليين، من خلال هاتين الشابتين. داخل السكن وخارجه. وحين ودعناهما بعدها وعدناهما بلقاءات اخرى في الاسابيع القادمة. ودعوناهما لمشاهدة بحيرة البجع في مسرح البولشوي قريبا. حيث يسهل لنا الحصول على تذاكر متى اردنا ان نحجز بينما لا يتيسر للمواطن السوفييتي ذلك بالسهولة نفسها. المهم عشنا حياة روسية، اهم من كثير من دروس نظرية عن المجتمع السوفييتي. مسجلة في كتب الدعاية المجانية، كما هي المزارع الخضراء في كازاخستان. ولكن كما هي العادة لدينا. لم تمر تلك الساعات الهنية بسلام. كانت عيون متربصة وادعاءات باستفسارات قلقة علينا وكذب صريح حولنا. من ادعياء حرص يبيتون سموما في دواخلهم. كيف نهنأ ولم تتوفر لهم فرصة مثلنا؟ وحين عرفوا القصة ازدادوا حقدا مدفونا علينا. شكوك واتهامات وافتراءات وبينها نفثات الكبت والحرمان. والمهم كان الفنان الكبير عمر الشريف قد منحنا فرصة نادرة واكتشفنا له وقعا شعبيا بين ابناء الشعب وبناته، دون ان يصرف عليه شيئا، اعلاميا او علاقات عامة. وبعكس ما حظي الشريف بتلك الصورة، حظيت بحملة ظالمة، اشبه او اقل من اختها في المعهد الموسكوي، علنا وبأسمائهم، من "رفاق" و"انصار" قضيت ردحا من سنوات العمر معهم. والقضية ايضا "نصيرات"!. و"نصيرات" اسم فيلم أخرجه وأعده انصار وبإمكانيات "انصارية"، عرض في قاعة في لندن، قبل ايام. تلقيت دعوة وذهبت لمشاهدته وإعادة ذكريات حميمة، كنت قد سجلتها في يومياتي في كتابين صدرا قبل سنوات... حين دخلت القاعة وجلست بين الحاضرين احسست بغربة، كتب عنها ماركس كثيرا في مخطوطاته ومقدمة راس المال، وكأن الزمن له مفاعيله فيها وفي تموجات العلاقات والصلات "الرفاقية"!، والبشرية. وتذكرت كيف شن بعضهم حملة تنضح عن أوانيه لما كتبه الدكتور عدنان الظاهر في قراءة له عن الكتاب الثاني وطرح اراء له في الموضوع كله و"النصيرات" منه. الموضوع المثير الذي اغضب من اغضب دون ان يطلعوا على النص الذي كتبته ويميزوا بين رأي الناقد والمحتوى الحقيقي. فلم يعرفوا القراءة السليمة ولم يكونوا اصحاب ضمائر صافية. او حريصون فعلا. المهم هنا ايضا، كتبت ردا، نشر حينها في عدد من المواقع الالكترونية وفي مدونتي، اعيد بعضه للذكرى، وللتذكير لبعض من يحاول متعمدا او بجهل خبيث تشويه الصورة وتزييف الوقائع والتهرب بادعاء بطولات ورقية وهوس مرضي بمناصب ظرفية وتسميات وهمية، له امتيازا فقط، متناسيا ذاكرة الاخرين!:

رسالة إلى الرفيقات النصيرات

تحية النضال

أصدرت كتابين عن تجربة الأنصار، كيوميات بعد أن كتبتها هناك، ونشرت الجزء الأول بعنوان: الجبال، عن دار الكنوز الأدبية - بيروت عام 1996، وكتبت في بدايته ما يلي: (هذه فصول من رواية لم تنته، كتبت في كردستان العراق أواخر عام 1982. في غرفة طين، تحت ضوء فانوس وبطانية رمادية اللون، أي قبل سنوات غير قليلة، وهي تحمل ذكريات، ويوميات فيها حرارة التجربة، ونبض الحياة، وحماس وتداعيات تلك الأيام، وصورا عن أولئك الناس الذين تقدموا في العطاء الإنساني والجود بأقصى غاية الجود. وهذه الصفحات لا تريد كشف الحساب قدر التسجيل والشهادة، لأولئك الذين حلموا بشمس عراقية تشرق في ارض الرافدين، لا في المهاجر والمنافي البعيدة.

إن تجربة الكفاح المسلح في العراق غنية بالدروس والعبر، وتتطلب الدراسة والتوثيق، منذ الشرارات الأولى، وعبر المراحل التاريخية التي مرت بها. وهذه مهمة جليلة، وبالتأكيد، ليست من أهداف هذه السطور.

لماذا النشر إذن؟، وقد ابتعدت الأيام، وتزايدت الأسئلة عن التجربة وحولها، جديتها، شرعيتها الواقعية، قياداتها، تطوراتها، والنتائج التي آلت إليها؟.

لا أظن الكتابة عن التجربة عملا يسيرا، إذ لابد من المسؤولية، والمساءلة الموضوعية، والحكم التاريخي. حيث لا تزال دماء الشهداء تضرج أديم الأرض وسبابات الضحايا مرفوعة، تحت التراب أو في المهاجر البعيدة عن الجذر والمشتهى!.

وكانت هذه الصفحات قد أرسلت للنشر مساهمة في الاحتفال بعيد الحزب الشيوعي العراقي عام 1984، لكنها رفعت إلى الرف، بحجة كشف سر المكان، وتلك ذريعة غير مقنعة، لاسيما عند مقارنة المواقع بين لجنة الاحتفال ومآثر أولئك الذين سطروا هذه الفصول التي تعبر عن نفسها، مثلا. واليوم، في المنفى، وجدت لزاما علي إعادة النظر فيها ودفعها للنشر، ذكرى وفاء وتحية وشهادة لكل الدماء الزكية، والأرواح النبيلة، والقيم الإنسانية التي ما تزال تعيش في الذاكرة والضمير والوجدان، مهما تباعدت المسافات والأزمان.

لقد استشهد عدد من أبطال هذه الفصول، وتأجل آخرون منتشرين تحت نجوم السماء، فعسى أن تذكر هذه الصفحات لهم شيئا من الجهد والعرق والحلم والأمل الذي دفعهم إلى السير في تلك الطريق، وفي تلك الأحداث، وفي هذه اليوميات).

وأنهيت الجزء بيوم وصولي إلى القاعدة المركزية التي أرحت فيها الركاب. وذكرت ما يلي فيه: في هذا الفصيل قابلت المرأة المناضلة الرفيقة خوشكا فروشته، ولينا، الفتاة التي لم تزل تذكر دفاترها ومدرساتها، وتحن إليهن، وتتحدث عنهن بشوق طفولي، وزيان، الطالبة الجامعية التي تمكنت من التخلص من الملاحقات البوليسية، والوصول إلى الجبل، تاركة جامعتها وزميلاتها ومختبرها ومتقدمة إلى السلاح والجامعة التي تختبر فيها قدراتها القتالية، كمشاركة نشطة في ساحات الوغى. الطفل وسام وأمه، أول طفل ولد بين بنادق الأنصار، وعائلة الشهيد، هكذا هو اسمها، أم صابرة وابنتان شابتان، استشهد والدهما واخوهما الكبير، والآخر في صفوف الأنصار، رفاق ورفيقات، وكل واحد له قصة وحديث.

وأصدرت الجزء الثاني بعنوان: بشت اشان.. فصيل الإعلام، عن دار خطوات- دمشق – أيلول 2007، وسجلت عليه أيضا، يوميات نصير في كردستان العراق، وأهديته إلى أرواح كل الشهداء الذين سبقونا أو الذين ينتظرون. وهو يوميات الممارسة العملية وما واجهته من اختبارات وإشكاليات التجربة وما حصل فيها من أحداث، من ضمنها مجزرة بشت آشان، ولا تخلو من كلمة الرفيقات، وإشارات لمشاركتهن فيما جرى ومن ضمنها الفقرة الخاصة بهن في بيان المكتب السياسي عن الأحداث وفرسان العمل الثوري.

كتب الدكتور عدنان الظاهر قراءة عن هذا الجزء، وبدأ كتابته بعد عرض موقفه من المجزرة بسؤالين كبيرين كما سماهما، عن دور الكفاح المسلح في حياة الحزب وأثره على أعضائه وعن دور الرفيقات، في مجتمع شرقي، وملاحظات أخرى (موجود نصه في موقعه وفي الحوار المتمدن) عبرت عن آرائه، مشيرا بوضوح إلى عدم وجود رد عليهما في كتابي، وكنت أجهز جوابا على مقاله فتفاجأت بتوضيح له واعتذار عن جملة أوردها بسياق سؤاله الثاني، ومبعثها كتابات سمى أسماء كتابها، ثم عرض موقفه الإيجابي من الرفيقات النصيرات. وعرفت انه اضطر بسبب الضغوط التي وجهت إليه إلى التوضيح، وفي مقاله وتوضيحه أكد على تساؤلاته من منطلق الحرص والأمانة ونقد التجربة من بعد، وكلاهما كتبهما بلغة عربية واضحة، استغرب كيف قرأهما البعض وتحركت شهامته ليرد على كتابي وعلي مؤكدا عدم قراءته له، دون مناقشة آراء الدكتور الظاهر، ولكنه ومن تبعه فضحوا أنفسهم بعدم معرفتهم القراءة وفقدان الوازع الأخلاقي وعقبى الضمير وتشجيعهم تصنيع جوقة شتم وسب دون سبب ورد على ما نشر في كتابي ومواقفي من التجربة وتلك الأيام. بينما ما أثارهم لم يرد في أي فصل من كتابيّ، وقد جاء في السؤالين ومصادرها مذكورة فيها، ولم تحرك ساكنا عندهم حينها. فيا لمأساة الاساتذة والجامعات التي خرجتهم؟!.

الرفيقات النصيرات العزيزات،

اكتب مواصلا تحيتي لكن ولمشاركتكن سوية في تلك التجربة، أدعوكن إلى عدم قبول اعتذارهم، إذا صحا ضميرهم بعد ذلك، وأسألكن حذف أسماء الجوقة من إهدائي للشهداء الراحلين والأحياء، أو إضافة: ما عدا جوقة الشتم والتخلف، التي أساءت لكّن قبل حروف الكتابة وشرف القضية وحق الاختلاف.

(...) تقبلن باقات الورد، للشهيدات منكن، لعوائلكن حيثما وجدتن، ولا يصح إلا الصحيح وما ينفع الناس وستكشف الأيام مثلما قال المتنبي في الكثير من أشعاره التي اقتطفت منها في ثنايا الكتاب. (انتهى النص المختصر)

مات عمر الشريف وبقيت اعماله الخالدات بكل ما عليها ولها، بقي اسمه الفني والحقيقي ماثلا للجميع، وشاهدا له عن مرحلة فنية وعن جيل احترم الفن والثقافة واخلص لها. هو وفاتن حمامة وكل الفنانين والمثقفين ولاسيما العضويين. وحملت تجربة النصيرات في الحركة الانصارية العراقية خصوصا، دلالتها المعنوية والسياسية والانسانية. تجربة .. اجل تجربة دفعت ثمنها شهيدات وعوائل وضحايا في العراق.. حاول الفيلم استذكار بعضهن.. لم تكن كتجربة في مجال واحد وانما لها توابعها وامثالها في ساحات الكفاح في مرحلة التحرر الوطني والبناء التقدمي. بينها كلها، او ما يجمع بينها، بين الفن والنضال، تبقى قيم الوفاء والصدق والاخلاص والنبل والنزاهة والامانة و.. تطلعا الى التحرر الانساني الحقيقي.

 

 

تاريخ النشر

25.07.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

25.07.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org