<%@ Language=JavaScript %> د. حسين سرمك حسن علي الوردي : (43) الهجوم على دور "نحاة السلاطين" لماذا ظهر النحو العربي في البصرة تحديداً دور معركة الجمل في خضوع النحو للمنطق الأرسطي (القياس)

 

 

علي الوردي : (43)

 الهجوم على دور "نحاة السلاطين"

 لماذا ظهر النحو العربي في البصرة تحديداً

دور معركة الجمل في خضوع النحو للمنطق الأرسطي (القياس)

 

 د. حسين سرمك حسن

بغداد المحروسة - 2015

 

 

# دعوة الوردي للتبسيط لم يوقفها قانون سلامة اللغة العربية :

وفي معرض مراجعته وتحليله لسيرة العلامة الوردي ، قال الدكتور ( عبد الأمير الورد ) :

( ثم كان آخر ما هاجم – يقصد الوردي – العربية ، كما وصلت إلينا ، وأعلن في إحدى الحلقات المتأخرة من كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) أنه بدأ بالخروج عن قواعد اللغة العربية فصار يكتب جمع المذكر السالم بالياء والنون مهما يكن إعرابه ، ويكتب المثنى بالياء والنون أيضا ، وأنه سيبدأ شيئا فشيئا بالخروج عن القواعد الأخرى ) (312) .

ورغم خطأ الدكتور "الورد" في اعتبار العربية آخر ما هاجمه الوردي في حين هي ، كما وثقنا ذلك تاريخيا قبل قليل ، أول ما هاجمه في عام 1951 ، إلا أنه يقدم ملاحظة أخرى ستثير إلتباسا في نفس من يتعاطف مع الوردي وموته المأساوي وإيمانه بأن الوردي قد أُهمِل طويلا وكثيرا ، حيث يقول :

( وصدر القانون الإعلامي ( قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية ) وأحس الوردي أنه لابد أن يكون هو المقصود بذلك القانون . ولا أشك أنه حمد الله تعالى ألف مرة لأنه لا يوجد للقانون أثر رجعي ، وإلا لكان قُدم للمحاكمة . وبالرغم من علمه أن هذا القانون للإعلام لا للتنفيذ ، وأنه لو نُفذ حقا لكان أول المدانين به رأس النظام نفسه ... التزم علي الوردي الصمت فلم يصدر من بعد ذلك شيئا . وجاءت الحوادث لتقول لعلي الوردي : إحذر فإنك تسبح واضحا ضد التيار ) (313) .

ولو راجعنا سلسلة الوقائع التي تلت إصدار قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية فسنجد أولا أن هذا القانون قد أصدره مجلس قيادة الثورة العراقي برقم 64 في سنة 1977 ، ويفترض الورد أن الوردي قد خاف وتراجع عن دعوته في حين نجد الوردي يكرّر ، بعد صدور هذا القانون بعشر سنوات ، آراءه نفسها ، القديمة والثورية ، في تبسيط اللغة وذلك في كتاب : " حديث الثمانين " :

( وصل التعقيد في القواعد النحوية إلى درجة جعلت التلاميذ في مدارسنا يحفظونها من أجل الامتحان ثم ينسونها بعدئذ ، ولم أجد سوى القليل منهم من يتابعها ويلتزم بها في حياته . وطالما سمعت بعض رجالنا المعروفين وهم يخطأون عندما يتحدثون ارتجالا ، ومنهم من يخطأون فيه عند إلقاء خطبهم المكتوبة ( ... ) وأعرف شخصا هو من أكثر الناس تعصبا للنحو ، وهو يتهم دعاة التيسير له بالعداء للعروبة ، ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس خطأ في النحو ، حتى في كلماته المكتوبة! ) (314) .

# "نحاة السلاطين" :

____________

وتصل مخالفة سلوك الوردي لما طرحه عبد الأمير الورد أقصى حدودها عندما نقرأ وصفا جديدا للوردي أكثر جذرية وأشد ثورية ، وذلك حين يشبه جهود "نحاة السلاطين" في تعقيد قواعد اللغة بجهود "فقهاء السلاطين" الذين عقدوا أمور الدين فجعلوه أصعب دين في الدنيا مثلما جعل النحاة النحو العربي أصعب نحو في الدنيا :

( يمكن تشبيه القواعد النحوية التي صنعها النحاة القدامى بالقواعد الفقهية التي صنعها الفقهاء . فنحن نعرف أن النبي محمدا ( ص ) جاء بتعاليم محدودة في شأن الطهارة والوضوء والصلاة والصوم والحج والمعاملات . لكن الفقهاء جاءوا بعدئذ فطوروا تلك التعاليم وعقدوها بحيث أصبح من الصعب على الإنسان أن يلتزم بها بحذافيرها . ومن يرد التزامها حرفيا قد يصاب بداء الوسوسة الذي لا يرجى شفاؤه . إن الذي يقرأ المجلدات الضخمة التي كتبها الفقهاء في موضوع الطهارة والنجاسة مثلا يجد بحرا لا نهاية له . وهم قد ينطبق عليهم قول النبي ( ص ) في بني إسرائيل حيث وصفهم بأنهم ( ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم ) ، فهم جعلوا الإسلام أصعب دين على وجه الأرض كمثل ما جعل النحاة اللغة العربية أصعب لغة على وجه الأرض ) (315) .

وتهمني هنا الإشارة إلى مسألة جوهرية تتعلق بإيماني الثابت بدور العوامل اللاشعورية (خصوصا الإنفعالية منها) في صياغة أفكار "المؤلّف" الذي لا يموت . وتكمن أهمية هذه الإشارة في أن الدكتور عبد الأمير الورد وقد ذكر معلومة خاطئة عن امتناع الوردي من التعرض النقدي الهجومي لأسس اللغة العربية خوفا من العقوبة بعد صدور قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية سنة 1977 ، يعبر عن رأي انفعالي لا صلة له بالوقائع الفعلية ، موقف تقوده الدوافع النفسية المتحمّسة ، وليس الدوافع العلمية الموضوعية التي تتطلب الروية والأناة في التحليل ومراجعة مسار الأحداث بدقة وتمعن . ومثل هذا الموقف قد يسبب " العمى النفسي " الذي تحدثنا عنه والذي يجعل الكاتب لا يرى حقائق واضحة – مثل تلك التي كشفها الوردي في نقده لمشروع "كوتولوف" في تحليل أسباب ثورة العشرين مما سنرى لاحقاً - ، ولكن الأهم – في مجال تناولنا لتحاملات الدكتور عبد الأمير الورد وانفعالاته المتحمسة – هو " عمى الذاكرة " وهو أمر أشد وطأة من الأول : " العمى النفسي " الذي تحدّثنا عنه . يقول الدكتور عبد الأمير الورد :

 ( هكذا عالج الوردي الحياة ، وهكذا عالج المجتمع بمشاكله قديمها وحديثها . وكانت له أحكامه القاطعة في كل ما يحاكمه ، سواء أكان الأمر قديما في تاريخ الأمة أم حديثا . وكان يتمنى أن يتمم كتابه ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) وكان مقررا أن يتوقف عند سنة 1948 ، وهو موعد مقصود لأنه في هذه السنة وُلد حزب البعث العربي الاشتراكي ، وصار لزاما عليه بعد ذلك أن يجعل البعثيين الذادة الرادة السادة القادة ) (316) .

إن من الأمور المعروفة  والمفروغ منها تاريخيا ، والذي لا يختلف فيه أي اثنين تابعا تاريخ نشوء الأحزاب السياسية في العراق والوطن العربي ، هو أن حزب البعث العربي الاشتراكي قد تأسس سنة 1947 ، وهو أمر شائع ومعروف لكل قاريء ، فكيف بمثقف موسوعي مثل الدكتور عبد الأمير الورد يعتبره عام 1947!! . هذا هو واحد من الأمثلة البارزة على الكيفية التي تتلاعب بنا بها الذاكرة العميقة التي تحكمها الدوافع اللاشعورية الدفينة .            

 # لماذا ظهر علم النحو في البصرة ؟ وتأثّره بالمنطق الأرسطي :

______________________________________

ومن الآراء الصائبة المهمة والريادية التي طرحها الوردي في مجال اللغة هي علاقة اللغة بالمنهج الصوري ( الأرسطي ) في الثقافة العربية وتحكمه بالعقلية العربية آنذاك وتعزيزها له . ولكن ينبغي أن نطرح الكشوفات المهمة للوردي في كيفية نشوء النحو العربي والتي يمكن اعتبارها " نظريات " فريدة في طابعها حيث تناولت أمور غفل عنها أغلب الباحثين العرب . فحول سبب وضع النحو يذكر الوردي ( 12 ) رواية جمعها الأستاذ عبد الكريم الدجيلي في كتابه : " ديوان أبي الأسود الدؤلي " ، لكنه يرفضها جميعا ويرى أن الرواية الصحيحة وهي التي لم يهتم بها المؤرخون تتعلق بزياد بن أبيه والي البصرة الذي كانت أمه بغيّاً يعيّره الناس بها ويرفضون تزويجه بامرأة عربية ، فاضطر للزواج من جارية مجوسية اسمها مرجانة وقد رُزق منها أولادا كان أكبرهم عبيد الله ، وكانوا كلهم يلحنون لحنا مستهجنا بسبب نشوئهم مع أمهم. وكان العرب يعدون اللحن عيبا في الشريف ودليلا على دناءة نسبه ، فكان أن طلب زياد من أبي الأسود الدؤلي أن يضع لأولاده رسما يستعينون به على تصحيح لغتهم .

ولكن لماذا نشأ النحو في البصرة دون غيرها من الحواضر الإسلامية ؟ ولماذا ظهر فيها دون غيرها أساتذة النحو وأساطينه مثل الدؤلي والخليل بن أحمد وسيبويه ؟

يرى الوردي أن السبب يعود إلى أن البصرة قد اختصت بميزة اجتماعية قلما نجد لها مثيلا في المدن العربية الأخرى، فهي الوحيدة التي تقع على حدود مجتمعين مختلفين هما مجتمع البادية العربية من جهة ، ومجتمع الحضارة الفارسية من جهة أخرى ، ولهذا كان مجتمعها زاخرا بالعرب والفرس في آن واحد ، واختلاط العرب والفرس فيها على هذا النحو الواسع لابد أن يؤدي إلى شيوع اللحن في لغة العرب ، وهذا بدوره يؤدي إلى البحث في القواعد والمباديء التي تعصم اللسان من اللحن : ( ومن مفارقات الدهر أن نجد الموالي يفسدون لغة العرب في أول الأمر ويدخلون فيها اللحن ثم يأتون أخيرا فيضعون القواعد في سبيل التوقّي من ذلك اللحن الذي أدخلوه . مر الشعبي بقوم من الموالي يتذاكرون النحو فقال لهم : " لئن أصلحتموه ، فإنكم أول من أفسده ) (317) .

# دور معركة "الجمل" في تأثّر النحو في البصرة بالمنطق الأرسطي :

________________________________________

ثم يتقدم بنا الوردي خطوة أخرى على طريق اكتشافه الهام حول أثر المنطق في نشوء النحو من ناحية ، وفي تعقيده من ناحية أخرى ، فيتساءل : لماذا كانت البصرة أول مدينة يترجم فيها ويترعرع المنطق الأرسطوطاليسي على يدي ابن المقفع ، ولماذا نشأ فيها مذهب الاعتزال على يد واصل بن عطاء ومعه علم الكلام ؟

يلتقط الوردي عاملا حاسما أغفله المؤرخون العرب والمستشرقون ولم يعطوه الأهمية الكافية التي يستحقها ، ويتمثل في نشوب معركة الجمل في البصرة ؛ فالوردي يعتبر هذه المعركة السبب الرئيس الذي أدى إلى ترجمة المنطق ونشوء مذهب الاعتزال وعلم الكلام في البصرة . وفي الوقت الذي نظر فيه المؤرخون إلى هذه المعركة مثلما نظروا إلى أية معركة حربية أخرى تحصل بين جيشين ، نظر إليها الوردي كمعركة ذات نتائج فكرية واجتماعية تفوق نتائجها السياسية والعسكرية . فهذه المعركة هي أول معركة تنشب بين المسلمين أنفسهم وهم على دين واحد وكتاب واحد ، في الوقت الذي كانت معاركهم سابقا مع أقوام من غير دينهم . في المعارك السابقة كان المسلمون واثقين من أن الحق معهم والباطل مع عدوهم فلا حاجة بهم إلى البحث في شروط الحق وشروط الباطل . لكن بعد معركة الجمل حصلت هزة عنيفة في المجتمع الإسلامي ، فبدأ أهل البصرة يتجادلون ويتناقشون، فقد كانوا حائرين يتساءلون عن الحق في أي جانب يكون ؟ . وحتى الآن وبعد أن مضى على هذه المعركة أربعة عشر قرنا ما يزال المسلمون يتخاصمون حولها دون أن يصلوا إلى نتيجة ، فكيف كان حالهم آنذاك يوم اشتد القتال ؟

لقد انشق أهل البصرة إلى فريقين متناحرين يتجادلان حول مفهوم الحق والباطل وفي المقاييس المنطقية التي تفرّق بينهما ، ولا عجب بعد ذلك أن يظهر في البصرة مذهب الاعتزال وعلم الكلام ، ثم يُترجم المنطق الأرسطي فيها قبل غيرها من المدن الإسلامية .

وهكذا ، وخطوة خطوة على وفق أسلوبية الوردي الاستدراجية المحكمة ، يصل بنا إلى استنتاج دقيق يرى أن نشوء النحو العربي في مثل هذه الأجواء المشحونة بالمجادلات المنطقية جعله يتأثر بالمنطق الأرسطوطاليسي فصار نحاة البصرة يعتمدون على "القياس" في وضع قواعد اللغة حتى أّطلق عليهم لقب "أهل المنطق". فقد كان المعروف عنهم أنهم كانوا يضعون القواعد أولا ثم يختارون من الشواهد واللهجات ما يلائم تلك القواعد ، وهذه من سمات المنطق الصوري . كما أنهم يرون أن لكل حركة إعرابية سببا وهو ما يسمونه بـ " نظرية العامل " ، وهذه أيضا من خصائص المنطق الأرسطوطاليسي . ثم أنهم ذهبوا إلى القول بأن اجتماع عاملين على معمول واحد أمر غير ممكن ، وهم يستندون في ذلك إلى قانون عدم التناقض الذي جاء به المنطق القديم .

وفي معرض حديثه عن الانتفاضات النحوية الصغيرة التي حصلت في تاريخ النحو والتي تعترض على استعمال القياس المنطقي في النحو ، يشير إلى أعظم ثائر على النحو العربي ظهر في عهد الموحدين في المغرب وهو ( ابن مضاء القرطبي ) الذي وضع ثلاثة كتب في هذا المجال هي : "المشرق في النحو" و "تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان" و "الرد على النحاة" ، والتي حاول فيها هدم نحو سيبويه وأقيسته ، يذكر الوردي ملاحظة مهمة حول وجود شبه كبير بين رأي القرطبي ورأي الأستاذ ابراهيم مصطفى عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة وعميد كلية دار العلوم في الخمسينيات ، وليس مستبعدا أن يكون مصطفى قد اقتبس من آراء القرطبي دون أن يشير إليه مادام الدكاترة طه حسين وعبد الرحمن بدوي وعز الدين اسماعيل وغيرهم قد اقتبسوا الكثير من الأفكار من آخرين دون أن يشيروا إلى مصادرها . 

# لمحة بسيطة عن جهود الوردي اللغوية :

________________________

من اللمحات البسيطة ولكن ذات المغزى ، هو أن بعض مجامع اللغة العربية في بعض الأقطار العربية اقترحت في نهاية الثمانينات استخدام مسمّيات الأدوات والأجهزة الأجنبية الأصلية مع تحوير بسيط ، مثل استخدام لفظة ( تلفاز ) بدلا من تلفزيون و ( سيما ) بدلا من سينما . فلنقرأ ما كتبه الوردي في هامش على الصفحة (249 ) من كتابه : ( الأحلام بين العلم والعقيدة - 1959) :

( أود أن أنتهز هذه المناسبة لأقول بأني أفضّل استعمال كلمة ( تلفاز ) بدلا من كلمة ( التلفزيون ) التي هي ثقيلة على اللسان العربي . ومن الجهة الأخرى نستطيع أن نشتق من هذه الكلمة فعلا ومصدرا فنقول : تلفز يتلفز تلفزة . فما هو رأي إخواننا النحويين في ذلك ؟ أفتونا مأجورين ) .     

       

 

 

 

 

تاريخ النشر

18.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

18.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org