<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني تحرير الرمادي ... بعض الملاحظات

 

 

 

تحرير الرمادي ... بعض الملاحظات

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

يحق للشعب العراقي وبكافة مكوناته واطيافه السياسية ان يفرح بتحرير مدينة الرمادي عاصمة الانبار، وكيف لا بعد ان تخلصت أكبر مدينة في الانبار من هذا الوباء والطاعون المسمى بتنظيم داعش. وتخلصت من سيف التكفيريين الوهابيين المسلط على رقبة كل فرد في المدينة، وكلنا امل ان تتخلص منطقتنا بالكامل من هذا الوباء المنتشر في ربوع المنطقة بأكملها الذي ما زال يشكل خطرا رئيسيا لشعوب المنطقة.

ولكن هذا لا يمنع ان يكون لنا كما ولغيرنا بعض الملاحظات المرتبطة بهذا الحدث الهام والذي يعتبر تطورا مهما على الساحة العراقية والساحة الإقليمية على الأقل ان لم يكن له تأثير ولو غير مباشر على الساحة الدولية وما تشهده من صراعات وتجاذبات هامة، التي سيكون لها ارتدادات على موازين القوى الفاعلة والتي تبشر بميلاد نظام عالمي تختفي فيه هيمنة القطب الواحد الذي جثم على صدور العباد لأكثر من عقدين.

ما يجب ان نستحضره هنا هو ان الولايات المتحدة منذ ان بدأت حربها المزعومة على تنظيم داعش كانت قياداتها السياسية والعسكرية تصرح بان الحرب على داعش ستأخذ عدة سنوات والبعض ذهب للقول ان تحرير الرمادي او الموصل سيستغرق ثلاث سنوات أما القضاء على داعش فقد يمتد الى ما بين 10-30 سنة. وعلى ان الجيش العراقي غير مؤهل للقيام بالمهمة، هذا مع انه صرف اكثر من عشر مليارات من الدولارات لإنشاء الجيش العراقي وتدريبه طيلة فترة الاحتلال الأمريكي للعراق منذ 2003 ولغاية الانسحاب عام 2011 . وحتى عندما بدأ الجيش العراقي والحشد الشعبي بمحاربة داعش تمنعت الولايات المتحدة من تزويد العراق بطائرات F-16 القاذفة كما تمنعت من تسليمهم طائرات الاباتشي والصواريخ الموجهة. وكانت حكومة المالي آنذاك قد دفعت اثمان هذه الأسلحة ولكن الإدارة الامريكية كانت تريد ان تستخدم هذه الورقة كما هو الحال الان للابتزاز السياسي للحكومة العراقية.

التسريع من جانب الولايات المتحدة بالعمل مع الجيش العراقي في الفترة الأخيرة بتوجيه الضربات الجوية لمواقع داعش في الرمادي جاء على خلفية النجاحات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حربهم مع المجموعات الإرهابية من داعش والنصرة ومن لف لفهم الذين تحاول السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة تصويرهم وتسويقهم بالمعتدلين. الدخول الروسي كشف عورة الولايات المتحدة وزيف "التحالف الدولي" الذي تقوده في محاربة إرهاب داعش في سوريا والعراق.

وتسريع الولايات المتحدة بتقديم المؤازرة للجيش العراقي في تحرير الرمادي انما اتى في تقديري خوفا من دخول روسيا على الخط في العراق حيث أبدت روسيا استعدادها لتقديم الدعم للجيش العراقي في حربه على الارهاب إذا ما قامت الحكومة العراقية بطلب ذلك رسميا. وما يجب ان يؤكد عليه هنا هو ان روسيا قد امدت العراق بالطائرات القاذفة والطائرات شبيهة بالأباتشي الامريكية والصواريخ الموجة التي كانت بأمس الحاجة اليها عندما تمنعت الولايات المتحدة من تقديمها. ولقد وضعت الإدارة الامريكية كافة الضغوط على الحكومة العراقية بعدم التعاون ضمن غرفة العمليات المشتركة لتبادل المعلومات بين روسيا وسوريا وإيران والعراق بشأن محاربة الارهاب. الولايات المتحدة تحركت في العراق بعدما ايقنت ان عدم تحركها ربما يفقدها ورقة هامة في المنطقة في اية حلول قادمة الى المنطقة. فخسارتها في سوريا كان لا بد من تعويضها قبل فوات الأوان وبالتالي فان تحركها كان شيئا فرضته الوقائع الميدانية وخاصة في سوريا ودخول روسيا على خط الازمة هذا التدخل الذي قرأه البعض وبحق على انه يعني الكثير بالنسبة للمنطقة كما للساحة الدولية، وفيه تحدي واضح للهيمنة والسطوة الامريكية.

 وربما جانب مهم أيضا ان الولايات المتحدة تريد ان تقطع قيام أي تعاون بين الجيش العراقي والجيش السوري في محاربة الارهاب والتنسيق الكامل بينهم في عملي ضبط الحدود المشتركة لمنع استخدامها من قبل ارهابيي داعش والقاعدة وغيرهم ومنع تهريب النفط من سوريا عن طريق العراق.

الولايات المتحدة أصرت على عدم اشتراك الحشد الشعبي في معركة تحرير الرمادي تحت الحجة الواهية ان هذه المنطقة ذات اغلبية سنية، وعلى ان الحشد الشعبي هو "ميلشيا شيعية" وبالتالي فان اشتراكه من الممكن ان يسبب نوع من الحساسية. الولايات المتحدة بهذا الطرح انما ارادت ان تعمق الفتنة المذهبية والطائفية وتكرس النظام السياسي الطائفي والمذهبي الذي انشأته في العراق بعد الغزو عام 2003. وكانت تصر بشكل مستمر على ضرورة تسليح العشائر السنية وانشاء جيش أو ميلشيا سنية مدربة ومجهزة بالسلاح والعتاد العسكري اللازم لتحرير المناطق السنية من تنظيم داعش. ولقد استقبلت الإدارة الامريكية بعض رؤساء العشائر السنية بالإضافة الى بعض الوزراء السنيين من داخل الحكومة وخارجها وحتى انها أبدت استعدادا لتسليح وتدريب هذا الجيش خارج إطار الحكومة المركزية.

ولكن الأخطر من ذلك ان تسليح العشائر السنية في منطقة الانبار ورفض مشاركة الحشد الشعبي مع الجيش العراقي والعشائر في المنطقة كان وما زال يهدف الى نقطتين أساسيتين من المنظور الأمريكي. فهي من ناحية تريد عملية تفتيت العراق الى ثلاثة كيانات سنية وشيعية وكردية متناحرة فيما بينها. وتحرير الرمادي أو منطقة الانبار على ايدي الجيش والعشائر يتبعها تسليم إدارة المنطقة وترتيب رجوع المهجرين تحت اشراف الادارة السنية دون تدخل مباشر من الحكومة المركزية وهي ما تخطط له الولايات المتحدة وهذا يعني ببساطة خلق كيان سني بإدارة ذاتية على أفضل الأحوال. كما ان إبقاء منطقة الانبار تحت الادارة الذاتية السنية المتعاونة مع الولايات المتحدة، يعني إبقاء الحدود مع سوريا مفتوحة لتحرك المجموعات الإرهابية من والى سوريا، وهذا ما تهدف له الولايات المتحدة من ذلك. نحن لا نقول ان هذا سيتحقق بل ما أردنا التأكيد عليه هو ان الولايات المتحدة تسعى الى تقسيم العراق وهو ليس بالشيء الجديد. فهذا الهدف سبق وان ذكرته العديد من الصحف ومراكز الأبحاث الاستراتيجية الامريكية وذكره بصراحة جون بايدن نائب الرئيس أوباما.

وقد يتساءل البعض كيف تسمح الولايات المتحدة بتحركات داعش في الوقت الذي كانت "تدك" مواقعها في الرمادي وقامت طائرات التحالف بما فيها الامريكية الفرنسية والبريطانية بما يقرب من 360 طلعة على الرمادي خلال يومين "لضرب" مقاتلي تنظيم داعش في المدينة؟

مع هذا العدد الضخم من القصف يخيل لك ان معظم مقاتلي داعش قد قتلوا بالقصف قبل دخول القوات العراقية لها التي كان من مسؤوليتها الاجهاز على ما تبقى من هذه الحثالة من الإرهابيين. والمفاجأة كانت ان عدد القتلى من عناصر التنظيم كان قليلا جدا فلم يكن في وسط المدينة ربما أكثر من 150 مقاتل على حسب التقديرات. والسؤال الذي يجب ان يطرح اين ذهب ما يقرب من 2000 مقاتل من داعش كانوا يتواجدون في المدينة؟ وكيف استطاعوا الانسحاب والخروج من المدينة بالرغم من كل هذا القصف المتواصل؟ هل عميت أم أعميت كاميرات "التحالف الدولي" عن رؤية هذه الاعداد الكبيرة المنسحبة والمتحركة في أرض صحراوية منبسطة كالكف؟ أم ان هنالك ممرا آمنا قد ترك لهم للانسحاب دون ان تتعرض سيارات الدفع الرباعي التي يستخدموها لأي عملية قصف من قبل "التحالف" المزعوم؟ ولماذا منعت الطائرات العراقية من التحليق والقصف الى جانب قوات "التحالف" العتيد في مرحلة معينة؟ الا يثير هذا الكثير من الشكوك حول غض الطرف عن انسحاب العديد من قيادات التنظيم وعناصره المقاتلة ممن تركوا الرمادي قبل دخول القوات العراقية اليها؟ أسئلة تفتش عن إجابات وبالتأكيد هذه لن تأتي من قبل "التحالف" المزيف لمحاربة الارهاب. واغلب الظن ان أعداد كبيرة ممن كانوا في المدينة قد توجهوا ووصلوا آمنين الى منطقة أخرى سواء داخل العراق كالفالوجة مثلا أو خارج العراق عبر الحدود مع سوريا.

ويبقى السؤال الأخير الذي يجب ان يطرح ماذا بعد تحرير المدينة؟ هل ستعود الى حضن الدولة والحكومة العراقية أم انه سيتم تسليمها الى من يعمق الشرخ الطائفي والمذهبي في العراق تحت ترتيبات ضبابية لتخفي النوايا الامريكية التي من المؤكد انها ستلقى بعض السياسيين في العراق والدول الإقليمية للولوج تحت العباءة الامريكية واستراتيجيتها في المنطقة التي تهدف الى التقسيم. ألم تلمح بعض القوى الإقليمية بالخفاء وتحت الطاولة انها على استعداد للاعتراف بدولة كردية في الشمال مقابل الاعتراف بدولة سنية في منطقة الانبار؟ ومن سيكون المسؤول عن إعادة اعمار المدينة وبعث الحياة بها مرة أخرى وعودة الأهالي الذين تركوا؟ هل هذا سيتم تحت برامج أمريكية ودعم من قبل قوى إقليمية وعلى راسها آل الفتنة من آل سعود؟ الكثير من الأسئلة تحتاج للإجابة عليها وربما هذا سياتي من الوقائع الميدانية الاتية.

 

bahij.sakkini@gmail.com

الدكتور بهيج سكاكيني

 

تاريخ النشر

31.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

31.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org