%@ Language=JavaScript %>
الشهادة التي دقت جدران الخزان
الدكتور بهيج سكاكيني
في رواية "رجال تحت الشمس" للشهيد الروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني الذي اغتالته الايادي الخسيسة للموساد الإسرائيلي بزرع عبوة ناسفة في سيارته عام 1972 في بيروت، اطلق صرخة "لماذا لم يدقوا جدران الخزان"؟ الرجال الفلسطينيون الذين تم تهريبهم من البصرة الى الكويت في خزان محمل على عربة لنقل المياه الى الكويت، لم يستطيعوا تحمل حرارة الشمس وهم بداخل الخزان فماتوا اختناقا. في تلك الرواية أراد الشهيد ان يسلط الأضواء على مأساة الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت أراد ان يعري الأنظمة العربية التي تآمرت على الشعب الفلسطيني والتي لعبت دورا رئيسيا مركزيا في حدوث نكبة عام 1948 بالإضافة الى ضعف القيادات وعجزها ولجوء البعض الى الحلول الفردية والتهرب من المسؤولية.
أكثر من أربعون سنة مضت وتم فيها اغتيال العديد من خيرة المناضلين الفلسطينيين وغيرهم والخيط الذي كان يجمع بينهم انهم باستشهادهم كانوا يعيدون تسليط الضوء على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية وعلى ان الصراع الرئيس في المنطقة هو صراع بين الكيان الصهيوني هذا الجسم الغريب الذي زرع بالقوة في منطقتنا وبين الشعوب العربية والتي ما زالت وبرغم كل الجراح والمصاعب والمصائب التي تكتنفها وتمر فيها المنطقة ما زالت تؤكد على صحة هذه المقولة. وأصبح من الواضح للقاصي والداني ان أحد الأهداف لتدمير الدول الوطنية وجيوشها ومقدراتها انما يأتي لضمان أمن الكيان الصهيوني الغاصب وتفوقه العسكري النوعي في المنطقة.
ويأتي استشهاد الشهيد سمير القنطار قبل أيام معدودة على ايدي الكيان الصهيوني على الأراضي السورية ليعيد ويؤكد ان الصراع مع العدو الصهيوني ما زال قائما وعلى ان هذا يشكل محور وجوهر الصراع في المنطقة، وليس الصراعات المفتعلة التي يحاول آل سعود ومن لف لفهم من الصهاينة العرب من انتاجها وترويجها وتفعيلها وتأجيجها في المنطقة الا وهي الصراعات الطائفية والمذهبية على وجه التحديد. وهو ما خصصت له بعض الدول الخليجية وعلى راسها آل سعود مليارات الدولارات لتنفق على وسائل الاعلام والفضائيات وتجنيد جوقة من المرتزقة من الكتاب والمحللين والإعلاميين ليقوموا بهذه الوظيفة على أكمل وجه.
الشهيد البطل الأسير المحرر الذي مكث في سجون الاحتلال الصهيوني ما يقرب من 30 عاما بعد ان تم اعتقاله لتنفيذ عملية في بلدة نهاريا في فلسطين المحتلة عندما كان عمره لا يتجاوز 17 عاما، هو لبناني المولد وفلسطيني الهوى والعشق ومستشهدا على الأرض السورية. هذه الجدلية في حياته واستشهاده ان دلت على شيء فهي تدل على ان المعركة واحدة بغض النظر عن الجغرافيا وهي المعركة مع هذا الكيان الغاصب ومع كل من يحاول حرف البوصلة عن فلسطين.
ولم يكن مستغربا ان يطلق عليه البعض شهيد فلسطين وهو الذي كرس حياته داخل السجن وخارجه من اجل فلسطين. ولم يكن غريبا ان تتبناه ام جبر الفلسطينية من غزة التي دأبت على زيارته في السجن. ولنتذكر ان القضية الفلسطينية والنضال والمقاومة الفلسطينية شكلت البوتقة التي صهرت فيها خيرة المناضلين العرب الذين توافدوا من العديد من الأقطار العربية للانضمام الى صفوف الثورة الفلسطينية عندما كانت متواجدة في بيروت باعتبار ان القضية هي قضية الشعوب العربية المركزية. وما زال الوطنيون الشرفاء والمقاومون المخلصون يدافعون ويستشهدون دفاعا عن القضية الفلسطينية، على الرغم من عملية الطعن بالظهر من قبل بعض القيادات الفلسطينية لبعض الذين ما يزالون يرفعون راية النضال من اجل فلسطين وان لم يراها البعض كذلك لعمى البصر والبصيرة ان كنا لا نريد ان نخوض أكثر في هذا الموضوع هنا.
وإذا أراد البعض ان يلومنا على ما ذكرناه هنا فليفسر لنا تأييد السلطة الفلسطينية للحرب الجائرة على اليمن وشعبه من قبل "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية. وليفسر لنا أيضا ظهور اسم فلسطين تحت لائحة الدول المنضوية تحت ما سمي "بالتحالف الإسلامي العسكري" لمحاربة الارهاب تحت القيادة السعودية. وليقول لنا ان كانت منظمة التحرير ام لجنتها التنفيذية على علم بالموضوع او تم استشارتها أو حصل اجتماع وعلى أي مستوى للموافقة على الانضمام الى التحالف المشبوه الساقط أصلا. وهل بانضمامها (السلطة) الى هذا التحالف ستقوم بإرسال جزء من 30000 عنصر أمني فلسطيني للقتال في بعض الدول العربية من اجل حفنة من الدولارات من آل سعود؟ وجود هذا العدد الضخم من رجال الامن الفلسطيني كان قد كشف عنه مؤخرا السيد كيري وزير الخارجية الأمريكي في حديثه مع نتنياهو. ولا شك ان وجود هذا العدد الضخم من رجال الامن الفلسطيني قد صدم الجميع وخاصة إذا ما علمنا ما هو الدور الذي يلعبه الامن الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
لم يكن مستغربا ان تلتقي كل الفصائل الفلسطينية باختلاف مشاربها الفكرية والسياسية على التنديد بعملية الاغتيال وان تقيم بيت عزاء للشهيد في قاعة دير الروم الكاثوليك في رام الله. فإقامة العزاء وفي هذا المكان تكتسب رمزية كبيرة لأنها بذلك تريد ان توصل رسالتين ربما ذات أهمية. أولهما ان طريق المقاومة التي مشى على دربها الشهيد سمير القنطار والذي لخصها في قوله الشهير بعد تحريره من السجون الصهيونية "خرجت من فلسطين لأعود اليها"، ان طريق المقاومة هي طريق التحرير. أما الثانية فهي تكمن في رمزية المكان الذي أقيم فيه العزاء وهو قاعة في كنيسة مسيحية لتدلل اننا نرفض وبشكل قاطع الصراعات المذهبية والطائفية التي يحاول البعض جر دول وشعوب المنطقة اليها وحرف جوهر الصراع فيها حتى ينعم الكيان الصهيوني بالأمان وهو يرى التدمير الحاصل في المنطقة.
لم يكن مستغربا ان تنبري بعض الأقلام في صحف صفراء عربية لتنعت الشهيد سمير القنطار بقاتل الأطفال , والدرزي المتشيع وغيرها من الالفاظ والنعوت التي ان دلت فإنما تدل على مدى الانحطاط والسفاهة السياسية والحقد الدفين الاعمى الذي وصل اليه البعض في هذا الزمن. وهذا بالتأكيد نابع من انحياز بعض الأنظمة العربية الى الكيان الصهيوني كما وأنه انعكاس لعملية زرع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية التي يقوم بها الصهاينة العرب وعلى المكشوف هذه الايام. وهو يدلل أيضا على مدى الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده المنطقة بين محور مقاومة للاستراتيجية الصهيو-أمريكية للمنطقة ومحور الاستسلام والخنوع لهذه الاستراتيجية والانخراط الفعلي والعملي لتحقيق هذه الاستراتيجية.
بعض الأطراف فيما يسمى بالمعارضة السورية اتهمت "المجموعات الإرهابية" بالقيام بهذا العمل الاجرامي، لان هذه الأطراف من المعارضة على ما يبدو لا تريد تحميل الكيان الصهيوني المسؤولية وهو الذي يمد البعض منها على الاقل بالسلاح والدعم اللوجيستي والطبابة في مستشفياته وغيرها.
اما البعض الاخر فكان أكثر ذكاء وخبثا (او هكذا يعتقدون) وذلك لمحاولتهم الاصطياد في الماء العكر. فظهر علينا من يظهر محبته للشهيد بكلمات لا تجد أي غبار عليها وتتفاعل معها ويمجد بالمقاومة ولكنه يضع السموم بعد ان يقنعك (يحاول) بانه حريص على المقاومة وحياة المقاومون اذ يكتب ويقول بعد ذلك بما مفاده "ان عملية اغتياله قد تكون حصلت ضمن صفقة بين النظام السوري وإسرائيل وثمنها هو موافقة إسرائيل على بقاء الأسد في السلطة". بكل هذه الوقاحة يرمي كم من جملة بعد العرض الطويل الذي يحاول ان يقنعك انه من صف المقاومة وما هو في الحقيقة الا طابور خامس ويريد ان يثير شكوك ويفرق الصفوف التي تقاتل العدو الصهيوني. وآخرون يظهرون علينا بصورة مشابهة ولكن هذه المرة مع الحليف الروسي، اذ يقولون ان العملية تمت بصفقة ما بين الروسي والإسرائيلي وهذا ربما يكون من التفاهمات التي اتفق عليها سابقا ضمن التنسيق بين الكيان الصهيوني وروسيا التي ضمنت تدخل الكيان عندما يرى ضرورة لذلك. والهدف من كل هذا الهراء هو زرع بذور الشك بين حلفاء المصير الواحد. والمتابع للأحداث يدرك المرات تلو المرات التي حاول فيها أعداء حلف المقاومة زرع بذور الشك بين روسيا وإيران وسوريا وحزب الله بفبركات اعلامية وأباطيل وقصص لا أساس لها من الصحة أو برواية تصريحات مبتورة لهذا المسؤول او ذاك.
في النهاية نود ان نقول ان استشهاد شهيد فلسطين المقاوم سمير القنطار ربما تدق جدران الخزان ليصحى البعض من الذين اما فقدوا البوصلة مع ان الكثيرين منهم لا أمل فيهم أو لتصحى بعض الأطراف الفلسطينية التي نسيت اننا ما زلنا نرزح تحت الاحتلال وان مظاهر الدولة الخادعة ما هي الا سراب وعلى ان الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف التي قامت من اجلها الثورة الفلسطينية هو طريق المقاومة. وهي تدق الخزان ليصحى أولئك الذين وضعوا المصالح الفئوية والشخصية فوق مصالح الشعب والقضية وأصبح همهم الرئيسي هو الحصول على المكاتب والمناصب والانتفاع من السلطة.
الدكتور بهيج سكاكيني
تاريخ النشر
28.12.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
28.12.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |