<%@ Language=JavaScript %>  الدكتور بهيج سكاكيني مصافحة الجزار ليست بروتكول ولا دبلوماسية...المطلوب تغيير المسار

 

 

 

مصافحة الجزار ليست بروتكول ولا دبلوماسية...

 

المطلوب تغيير المسار

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

في الوقت الذي تجري فيه الاعدامات الميدانية للأطفال الفلسطينيون على ايادي الجنود الإسرائيليون والمستعربين والمستوطنين القدامى والجدد منهم. وفي الوقت الذي تبنى فيها مزيد من الدشم الاسمنتية والحواجز وعزل المدن الرئيسية عن بعضها البعض على غرار الغيتوات في المانيا النازية. وفي الوقت الذي يبدأ ببناء مزيد من الوحدات السكنية في المستوطنات او بالأحرى المدن اليهودية التي بنتها إسرائيل في الأراضي المحتلة 1967 لتستكمل احتلالها لفلسطين، وفي الوقت الذي يطالب فيه المجرم نتنياهو السيد كيري وزير خارجية الولايات المتحدة باعتراف امريكي بالمستوطنات السرطانية، نرى رئيس السلطة السيد محمود عباس يبادر بمصافحة المجرم نتنياهو ومع ابتسامة أيضا في مؤتمر المناخ الذي عقد مؤخرا في باريس.

وعندما وجهت الانتقادات من البعض بهذا الشأن قيل ان الامر لا يتعدى البروتوكول المتبع والدبلوماسية. وهذا عذر أقبح من ذنب وخاصة ضمن الظروف التي تمر بها الأراضي المحتلة والقضية برمتها وهي لحظات مفصلية، ليس فقط نابعة من ممارسات الاحتلال الصهيوني على كافة الأراضي الفلسطينية التاريخية، بل أيضا للأسباب التي بات يعرفها الجميع الا وهي وجود اطراف عربية فاعلة على الساحة التي أصبحت تلعب على المكشوف في التآمر على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والتي حرفت طبيعة الصراع في المنطقة من صراع مع العدو الصهيوني الى اعتبار ايران العدو الرئيس الذي يهدد المنطقة تلك الدول الرجعية الخليجية خاصة على وجه التحديد حكام السعودية والامارات وقطر. والمصيبة الأكبر من كل هذا هو وجود أطراف فلسطينية متنفذة ومهيمنة على القرار الفلسطيني اما انها تضع راسها وتدفنه في الرمال مثل الزرافة وتدعي بانها لا ترى أو انها متآمرة بشكل او بآخر أو انها تنعق تلعن الظلام ولا تحرك ساكنا لتغير الواقع.

اما قضية الانقسام وقصص فتح وحماس فحدث ولا حرج والذي يبدو ان من يراهن على انهاء حالة الانقسام أصبح يراهن على حصان خاسر على الأقل لسببين:

أولهما ان كلا التنظيمين او القوى المؤثرة على القرار في كلا التنظيمين حتى نكون منصفين للأطراف الخيرة فيهما، لا تبدو ان لديها النية في اجراء المصالحة على الرغم من الكلام الحلو والمعسول الذي يطلق من بعض هذه القيادات بين الحين والأخر لإعطاء الانطباع الخادع بان المصالح وانهاء الانقسام سيكون غدا. ان تغليب المصالح الفئوية والذاتية على المصالح الوطنية ومحاولة تهميش وإلغاء الفصائل الأخرى وكأن الشعب الفلسطيني بأكمله اما فتح أو حماس، وكذلك تهميش دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية الا في المناسبات والاعياد القومية وفي الأوقات التي يراد للجنتها التنفيذية ان تكون شاهد زور على سياسة السلطة، كل هذا بالمجمل أصبح يشكل النمط السائد في التعاملات الفلسطينية على الساحة بين فتح وحماس وكان المشهد الفلسطيني قد اختزل في هذين الفصيلين.

ثانيهما ان كل فصيل منهما أصبح مرتهنا بطرف إقليمي او أطراف إقليمية للاستقواء على الطرف الاخر ولجمع مزيد من الأوراق لصالحه والتي في نهاية المطاف لا تصب لصالح قضيتنا. والمصيبة ان لكل من هذه الأطراف الإقليمية اجندته الخاصة والتي ليست بالضرورة متطابقة او قريبة من تلك الفلسطينية هذا إذا لم تكن تعمل بالضد منها حيث ان البعض يريد ان يصفي القضية الفلسطينية. وهذا ليس تجنيا على أحد بل انها الحقيقة العارية من كل زيف وان حاول البعض إخفاء هذه الحقائق او تجميل وجهها القبيح.

وبالإضافة الى ذلك فان هذا التمحور ان جاز التعبير حمل معه الأطراف الفلسطينية الى مواقع لا تتحمل القضية الفلسطينية ان تكون طرف فيها كما يقول البعض. كلا الطرفين يدعون بان سياستهم مبنية على الابتعاد من اخذ أي طرف في الصراعات التي تدور في الإقليم أو الصراعات التي تدور بين الدول العربية. والسؤال هنا هل هذه الأطراف ملتزمة فيما تدعيه؟ الإجابة على هذا هو بلا.

فالارتباط بتركيا وقطر من قبل قيادة حماس السياسية هو ارتباط بحكمها جزء من تنظيم الاخوان المسلمين العالمي. ربما وقبل بدء الازمة السورية ودخول تركيا وقطر على الخط والعمل ضد الدولة السورية قيادة وشعبا وجيشا، كانت الأمور تسلك بشكل عادي!!!. بمعنى ان قيادة حماس كانت تتخذ من دمشق قاعدة لها بحكم علاقتها الجيدة مع القيادة والدولة السورية وحرية تحركها دون قيود ووجود المخيمات الفلسطينية التي شكلت وما زالت الحاضنة للثورة الفلسطينية وفصائلها المقاومة. وعنما بدأت الازمة السورية وبعد التململ من قبل القيادة السياسية لحماس وتحت اغراءات مادية وسياسية ربما،  قامت هذه القيادة بالرحيل من دمشق والذهاب الى الدوحة. نحن لا نريد ان نناقش هنا تركها لدمشق والأسباب التي قدمتها الحركة التي كان على الأقل من قيادتها السياسية ان تختار مركزا غير قطر وهي تعلم انخراط قطر القذر في محاولة اسقاط النظام السوري وحشد وتمويل الإرهابيين لتنفيذ المخطط الأمريكي في تدمير الجيوش العربية والدول الوطنية في المنطقة.

وحتى عندما اتضح وبشكل مفضوح الدور القطري والتحركات المكوكية لوزير الخارجية حمد بن جاسم آنذاك من جامعة الدول العربية الى باريس الى مجلس الامن يحرض على التدخل العسكري في سوريا تحت البند السابع، لم تنطق القيادة السياسية حماس ببنت الشفة لتدين هذه السياسة المرتبطة بالاستراتيجية الامريكية للمنطقة التي كان وما زال تصفية القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها. بل على العكس من ذلك ففي تصريح شهير للسيد عزيز دويك العضو البارز في حركة حماس رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني دعا الى تنحية الرئيس الدكتور بشار الأسد وذهب الى حد القول ان "البرلمان الفلسطيني يساند نضال الشعب السوري ضد النظام السوري". هذا إذا ما أردنا عدم الولوج في الاخبار والتحليلات للبعض الذي ذهب الى القول بان عناصر من حماس كان لها دورا في مشاكل مخيم اليرموك لأنها سهلت دخول المجموعات الإرهابية اليه على الأقل في بداية الاحداث. وهنالك أخبار تناقلت عن مشاركة بعض عناصر حماس ضمن المجموعات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري وهو ما نفته حماس مبينة ان هؤلاء الذين انخرطوا في مقاتلة الجيش السوري انما هم افراد كانوا قد تركوا الحركة. نحن لسنا هنا لنقاضي ولكن لنبين ان الارتباط بالمحور المضاد للدولة السورية قيادة وشعبا وهي التي قدمت وما زالت تقدم الكثير هي وحلفائها وبالتحديد حزب الله اللبناني وإيران، قد أضر بشعبنا وقضيتنا.

والطرف الاخر ليس بأفضل من ذلك فيما يختص بالعلاقة مع بعض الدول الإقليمية واتخاذ المواقف الخاطئة والدخول بشكل مباشر او غير مباشر في تحالفات أضرت بالقضية، او السكوت عما يتعرض له شعب عربي ربما الى درجة اكثر وحشية من تلك التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني. نحن لسنا في مجال المقارنة حتى نقلل من وحشية الاحتلال وممارساته الفاشية والنازية بكل المعايير والمقاييس، بل لنبين ان ما يجري على سبيل المثال في اليمن على ايدي عدوان غاشم وحشي من قبل "التحالف العربي" الذي يقوده حكام السعودية بالنيابة عن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ولنفس الأغراض والاهداف للعدوان الكوني على سوريا. أشلاء الأطفال التي تتطاير في اليمن يوميا والاجساد المحروقة الى درجة لا يمكن التعرف عن أصحابها والابنية التي هدمت فوق رؤوس قاطنيها وهم نيام وتدمير البشر والحجر. السلطة الفلسطينية بمعنى فتح فهي صاحبة القرار دعمت التدخل "العربي" في اليمن. ولم نسمع كلمة ادانة واحدة للجرائم التي ارتكبت وما زال ترتكب في اليمن لا من السلطة ولا من فتح. هذا بالرغم ما قدمته اليمن وشعبها للقضية الفلسطينية فهنالك الالاف اليمنيين التحقوا بالثورة الفلسطينية وقاتلوا جنبا الى جنب مع إخوانهم من الفلسطينيون في لبنان. ما رأينا هو "السفير" الفلسطيني في دولة الامارات يقدم التعازي لحكام الامارات بموت عدد من القوات الاماراتية الغازية والمعتدية على اليمن عندما قصف معسكرهم في مأرب. ولم نسمع ان السيد أبو مازن قام بتقديم النصيحة او اقترح مبادرة على الملك السعودي لحل مشكلة اليمن بالحوار واتباع الطرق السياسية، كما اتحفنا البعض بالقول بان الرئيس أبو مازن قدم "مبادرة" الى الرئيس الاسد تتلخص بالنصيحة "بالتحدث" الى المعارضة. على قول المثل الفلسطيني "فلانة ما كنست بيتها راحت تكنس بيت الجيران".

بعد هذا السرد لا بد لنا من ان نؤكد على بعض الثوابت التي يمكن لأي انسان متابع ومدقق ان يستخلصها لعلها تفيد البعض او على الأقل تثير نوع من النقاش والجدل:

أولا: ان إسرائيل كونها دولة بنيت على قاعدة إستيطان كولونيالي لأرض فلسطين لا يمكنها ان تكون دولة مسالمة. فمن يستولي على ارض الغير يعلم تماما انه سارق وان هذه الأرض لا تعود اليه وبالتالي فانه يشعر بالغربة وعدم الأمان من محيطه مهما امتلك من عناصر القوة المادية فهو مجتمع فاقد للقوة المعنوية والأخلاقية بالدرجة الاولى. ومن هنا فان العدوانية المتأصلة حتى النخاع في مثل هذا المجتمع الاستيطاني لا يمكن ان يتعايش بسلام مع محيطه وسيبقى يسعى للتمدد آملا ان يصل الى مرحلة يشعر بها بالأمان المفقود، وسيقيم الحواجز والجدران العالية ليعزل نفسه عن المحيط، ولكن كل هذه الحواجز المادية وسياسة القتل والتدمير والتنكيل بأصحاب الأرض الاصليين لن تحقق له الأمان المنشود مهما فعل وتجبر. ومن هنا فان كل من ينشد طريق السلام مع هذا الكيان لن يحصل على شيء البتة. وهذا ليس نابع من خيال بل انه نابع من تجربة مريرة عمرها من عمر نشأة هذا الكيان، ومن تجربة مريرة ومضنية مع ما سمي بمسار "مفاوضات ومباحثات" امتدت من بداية تسعينات القرن الماضي في مؤتمر مدريد الى الان. 25 سنة مضت من اهم ملامحها هو سياسة قضم مستمرة للأراضي وتهويد للأرض الفلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية، وجلب "سلطة" فلسطينية لتدير الأراضي المحتلة عام 1967 ولتزيح عبئا امنيا واقتصاديا وسياسيا واخلاقيا عن إسرائيل مع ابقاءها أراضي محتلة أو "متنازع" عليها بأحسن الأحوال.

ثانيا: فشل الرهان على الولايات المتحدة وبإداراتها المختلفة ديمقراطية كانت ام جمهورية في زحزحة المواقف الإسرائيلية، وتبني الخطاب السياسي الإسرائيلي بحذافيره وبالتالي فشل التعويل عليها في تحقيق السلام القائم على ما سمي "بحل الدولتين" الذي التزمت فيه الإدارات الامريكية المتعاقبة لفظيا دون ان تقوم باي ترجمة له على ارض الواقع. وان أقصى ما استطاعت الولايات المتحدة تحقيقه وببراعة فائقة هو إدارة الصراع طيلة هذه السنوات العجاف. كما استطاعت الولايات المتحدة من احتضان إسرائيل في المحافل الدولية والدفاع عنها وتجنيبها من اية محاسبة اممية على ما قامت وتقوم به من تغير الوقائع على الأرض جغرافيا وديمغرافيا أو على جرائمها التي ارتكبتها وترتكبها بحق الشعب الفلسطيني وهي جرائم ومجازر ترقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحسب القوانين والأعراف والمقاييس الدولية. الى جانب ذلك عملت على تعطيل أي عمل إيجابي أو جدي للرباعية عن طريق تنصيب نفسها المرجعية الوحيدة التي يجب ان يتبعها الجميع.

ثالثا: فشل المفاوض الفلسطيني منذ البداية في ترتيب سلم الأولويات في العملية التفاوضية وذلك بعدم اعتبار ان الاحتلال هو سبب كل المصائب التي تعاني منها الأراضي المحتلة والإصرار على ذلك. وبالتالي وقعت أو أوقعت السلطة الفلسطينية وفريقها المفاوض في الدخول في مفاوضات على افرازات الاحتلال بدلا من الاحتلال وغرقت في هذه المسارات الجانبية مما أفقدها القدرة على تصويب البوصلة نحو مركز وجوهر الصراع أي الاحتلال بحد ذاته وضرورة انهائه بدلا من إدارة الاحتلال. ولعل اعتقاد البعض من الذين اعتبروا انهم يمثلون النخبة (وما هم بنخبة ) في السلطة الفلسطينية انه بالإمكان بناء مؤسسات "الدولة الفلسطينية" وكذلك بناء إقتصاد هذه الدولة المزعومة (لأنها لم تتواجد الا في مخيلة هؤلاء النخب) وبنيتها التحتية مع وجود سلطة الاحتلال، لهو اكبر مثال ودليل على قصر نظر هذه النخب وعدم درايتها بتجارب الشعوب وفشلها. الفشل الذي كان لدى البعض منهم الجرأة بالإعلان عنه بسبب وجود الاحتلال، ولكن بعد "خراب البصرة" كما يقول المثل.

وبناء على الملاحظات التي قدمت هنا لا بد من إعادة تقييم جدية مخلصة لكل المرحلة السابقة في سبيل وضع استراتيجية فلسطينية واضحة للمرحلة المقبلة تشارك فيها كل الأطراف والفصائل الفلسطينية دون استثناء. وهذه الاستراتيجية يجب ان ترتكز على المعطيات الإقليمية والدولية الجديدة والتي بدأت تتبلور بشكل متدرج وتحمل في ثناياها ميلاد نظام عالمي جديد قائم على التعددية القطبية واندثار فترة القطب الواحد التي صالت وجالت بها الولايات المتحدة ضاربة بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية. على القيادة الفلسطينية ان تستفيد من هذه المتغيرات الإقليمية والدولية في بناء استراتيجية مستقبلية وليس بناء تكتيكات انتهازية مقيتة فزمن "الفهلوة" الذي كان متاحا الى حد ما قبل الفرز والاستقطاب السياسي الحاد في المنطقة الذي نراه الان قد ولى الى غير رجعة . كما ان الاستراتيجية يجب ان ترتكز على الانطلاق من اننا ما زلنا حركة تحرر لا يغرنها مظاهر "الاستقلال" أو "السلطة" البراقة الخادعة، وبالتالي فانه من الضروري تبني كل اشكال النضال بما فيها النضال المسلح الذي شكل ويشكل العصب الرئيس في أي حركة تحرر عالمية كما يعلمنا تاريخ الأمم.

 

bahij.sakakini@hotmail.co.uk

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

تاريخ النشر

04.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

04.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org