<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني وهل من غرابة؟؟؟

 

 

وهل من غرابة؟؟؟

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

العديد من المحللين والسياسيين والمعلقين أبدو استغرابا ان تقوم أبو ظبي بافتتاح ممثلية دبلوماسية لإسرائيل لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "ايرينا" التي تتخذ أبو ظبي مقرا لها، في ظل هذه الأوضاع وخاصة الفلسطينية منها. وكان ان نشرت صحيفة هآرتس (27 نوفمبر 2015) الإسرائيلية هذا الخبر مؤكدة انه قد تم الاتفاق على افتتاح هذه الممثلية بين السلطات الإسرائيلية والاماراتية على ان يتم ذلك في غضون أسابيع قليلة.

طبعا من الطبيعي ان تلجأ دولة الامارات العربية بالادعاء ان هذا لن يغير من المواقف الرسمية للإمارات بشأن علاقاتها مع إسرائيل (كلام مبهم افهموها على كيفكم)، والتأكيد على ان هذه منظمة للأمم المتحدة وعضويتها مفتوحة لكل الدول وبالتالي فإنها لا تستطيع ان تمنع أي دولة من إقامة ممثلية دبلوماسية لإسرائيل على أراضيها. 

وقد وصفت هآرتس افتتاح الممثلية الدبلوماسية الإسرائيلية في أبو ظبي "بالإنجاز السياسي". ومن المؤكد ان هذا الوصف دقيق لان افتتاح الممثلية يعبر عن خرقا جديدا في جدار ما سمي بالمقاطعة العربية وخطوة جديدة علنية جريئة على طريق التطبيع ومحاولة كي الوجدان العربي والترويج للسياسة الانهزامية والقبول بالأمر الواقع والانحناء امامه ونشر ثقافة العجز وعدم القدرة على مجابهته. النظام العربي الرسمي لم يعد بحاجة الى تبرير انخراطه في المخططات الصهيو-أمريكية في المنطقة أو اللجوء الى السرية في التعامل والتحالف مع محور الأعداء للامة العربية وقضيتها المركزية القضية الفلسطينية.

دولة الاحتلال الصهيوني كانت تسعى الى التواجد بشكل رسمي وعلني في الدول الخليجية بعد سنوات من التعامل وراء الكواليس وزيارات متبادلة بين وفود خليجية وإسرائيلية وعلى مستويات رفيعة، كان من غير المسموح للإعلام الصهيوني بتعليمات مشددة من أجهزة الامن الإسرائيلية بالإشارة اليها خوفا من ان يؤدي ذلك الى تراجع في هذه العلاقات السرية وقد  لعبت إسرائيل في توظيفها للضغط على الطرف الفلسطيني وتمييع الصراع العربي الإسرائيلي وحرف بوصلة الصراع في المنطقة بتاجيج صراعات مذهبية وطائفية واعتبار إيران العدو الرئيسي وليس الكيان الصهيوني. وقد نجحت إسرائيل الى حد كبير في هذا المخطط الذي انضوت تحت مظلته العديد من الدول الخليجية على وجه التحديد بزعامة السعودية الذي بدأت تنافسها عليه على ما يبدو الامارات في الآونة الأخيرة.

من يتابع المسار الذي اتخذته دولة الامارات في السنوات الأخيرة وخاصة مع موجة ما سمي "بالربيع العربي" ( الذي يبدو ان من اخترع التسمية أرادها للتمويه على المصيبة التي حملت في ثناياها التآمر والدمار) يرى بوضوح ان خبر فتح الممثلية الدبلوماسية الإسرائيلية والعلاقات العلنية مع الكيان الصهيوني هي ليست بالحدث المنفرد والمعزول بل يأتي ضمن السياق العام للسياسة الخارجية لمثل هذه الدول الضالعة في رجعيتها وتآمرها ومن ثم فانه يأتي ضمن منظومة سياسية متكاملة ومنسجمة وبالتالي لا غرابة في مثل هذا التصرف.

هذا التصرف لم يكن ممكنا أو على الأقل ان يكون بهذه العلنية لولا وجود الاستقطاب السياسي الحاد في المنطقة الذي تجذر بعد ما سمي"بالربيع العربي" والذي كان الهدف منه تمزيق النسيج الاجتماعي للعديد من الدول العربية الوطنية وتدمير الجيوش العربية ومحاولة لإعادة تقسيم المنطقة بما يضمن الهيمنة الكاملة على شعوبها ومقدراتها لصالح الامبريالية العالمية التي تتزعمها الولايات المتحدة والاخطبوط المالي العالمي، وضمان أمن الكيان الصهيوني بعد ان أصبحت هنالك قوى ناهضة في المنطقة باتت تهدد وجوده لأول مرة بشكل جدي وتبين هشاشة هذا الكيان.

ولم يكن مستغربا ان تنخرط معظم الدول والامارات والمشيخات الخليجية ضمن هذه الهجمة الجديدة القديمة على المنطقة فهذه الكيانات ما هي الا محميات أمريكية وغربية بشكل عام لا تستطيع ان تتبنى سياسات مستقلة تعكس سيادة لان السيادة مسلوبة والاستقلال غير موجود بالأصل. هذه الكيانات ما هي الا أدوات لها دور وظيفي يجب ان تؤديه والذي كان الى فترة زمنية طويلة هو استخدام وارداتها من النفط في زعزعة الاستقرار في المنطقة والعمل ضد الدول الوطنية دون ان تتدخل مباشرة في هذا حيث اعتمدت في هذا على عملائها المحليين أو الإقليميين.

ومع التراجع الملموس للولايات المتحدة عن سياسة التدخل العسكري المباشر بعد الفشل الذريع الذي منيت به وخاصة في حربها في أفغانستان والعراق فقد اعتمدت الإدارة الامريكية سياسة جديدة تقوم على زج الأدوات والحلفاء في المنطقة في حروب الولايات المتحدة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الامريكية في المنطقة.

وأول باكورة هذا التغير على الساحة العملية في تصوري كان عدوان الكيان الصهيوني على لبنان عام 2006 في محاولة للقضاء على المقاومة اللبنانية كخطوة أولية ضرورية لتمرير مخطط ما سمي آنذاك بمشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي بشرتنا به السيدة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية في تلك الفترة.

والمتتبع للسياسات وللتدخلات الإماراتية على مستوى الإقليم يستطيع ان يستشف ان الإمارات من الدول الخليجية التي تحضر لان تلعب دورا أكبر في المنطقة بما يتناسب مع التوجهات الصهيو-أميركية في المنطقة وبما يحقق بعض المكاسب لها في آن واحد. وضمن هذا الإطار يندرج دورها في التدخل العسكري المباشر في اليمن تحت اطار "التحالف العربي" والذي شكلت فيه القوة العسكرية الإماراتية البرية القوة الرئيسية على الأرض التي تقاتل الجيش اليمني الشرعي واللجان الشعبية الممثلة بأنصار الله من الحوثيون ورجال القبائل ومجموعات أخرى مؤيدة لهم ومناهضة للغطرسة والهيمنة السعودية التي تريد تأبيد عبودية الشعب اليمني لآل سعود وترى في حربها على اليمن حربا ضد ايران وضد محور المقاومة. وهذا يعود بنا الى 2006 حيث كان العدوان على لبنان يهدف الى ضرب المقاومة اللبناني الممثل بحزب الله، التي شكلت وما زالت ضلعا أساسيا في محور المقاومة وبالتالي اضعاف المحور المعادي للهيمنة والاستعلاء الأمريكي. ولا يمكننا الا ان نرى الرابط العضوي بين كل ما يدور على الساحة الإقليمية وادوار الأدوات التي تنفذ على ارض الواقع ضمن الاستراتيجية والمظلة الامريكية.

والدور الاماراتي لا يقتصر على التورط في اليمن باعتبارها ضالعة في عدوان بربري غاشم حيث تساءل الكثيرون ما دخل الامارات في الموضوع ولماذا اقحمت القيادة الإماراتية نفسها مع السعودية في هذه الحرب القذرة؟  العائلة الحاكمة في الامارات اقحمت نفسها أو اقحمت في العديد من الملفات في المنطقة من سوريا الى مصر الى ليبيا واليمن. هذا بالإضافة الى الملف الفلسطيني ولكن هذا يجري من وراء الكواليس وليس بالشكل المفضوح كما هو الحال مع بقية الملفات.

ففي ليبيا شاركت طائرات إماراتية مع حلف الأطلسي بالعدوان على ليبيا عام 2011 بهدف اسقاط نظام العقيد معمر القذافي وكان من نتيجة العدوان عدا عن اسقاط النظام وقتل العقيد معمر القذافي تحويل ليبيا الى دولة فاشلة يحكمها امراء حرب ومرتعا للتنظيمات الإرهابية وتحكم بحكومتين واحدة في طرابلس والثانية في طبرق. وعملت الامارات على تزويد حكومة طبرق والجيش الليبي الذي يقوده العقيد حفتر بالأسلحة بعلم من الولايات المتحدة بالرغم من الحظر المفروض من الأمم المتحدة ومجلس امنها على إيصال الأسلحة لأي طرف من أطراف النزاع بحسب ما أورد في صحيفة نيو يورك تايمز . ولم تكتفي الامارات بذلك بل استطاعت عن طريق الاغراءات المالية ان ترشي بشكل او بآخر مبعوث الأمم المتحدة الاسباني برناردو لينحاز الى طرف دون الاخر في المباحثات الجارية في محاولة لإيجاد حلا سياسيا في ليبيا وذلك عن طريق إعطائه وظيفة براتب 50000$ شهريا لتدريب دبلوماسيين اماراتيين على ان يكون مديرا "للأكاديمية الدبلوماسية" في أبو ظبي (الجاردين البريطانية 4 نوفمبر 2015). وهو ما أدى بالأمين العام بان كي مون لتغيير المبعوث الاممي لاستكمال المباحثات ( ميدل ايست أي 23 نوفمبر 2015) واستبداله بدبلوماسي الماني.

أما في مصر فقد دعمت الإمارات مصر السيسي وخاصة بعد الإطاحة بحكم مرسي ممثل الاخوان المسلمين وقدمت بحسب بعض المصادر ما يقارب من 25 مليار دولار. ولكن الذي يبدو حديثا ان الامارات منزعجة من مصر السيسي وخاصة فيما يخص الموقف المصري من اليمن. فقد كانت الامارات تعول على مشاركة مصرية تتعدى المشاركة لقوات بحرية وجوية مصرية فقط دون ارسال قوات برية لتقاتل في اليمن الى جانب القوات الإماراتية. وما زلنا نذكر التصريح الذي ادلى به وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي أنور قرقاش الذي انتقد فيه بشدة موقف الباكستان الذي صوت برلمانها بأغلبية واضحة رفضه لإرسال جنود وسفن وطائرات باكستانية للقتال في اليمن بناء على طلب آل سعود الذين أبدو استعداد لدفع 10 مليارات دولار مقابل ذلك. عنها تنطح الوزير الاماراتي وهدد الباكستان بطرد العمال الباكستانيين الذي يصل عددهم الى ما يقرب من مليون ونصف عالم في دول الخليج، الى جانب سحب الاستثمارات الإماراتية من الباكستان وقائلا بكل وقاحة ان "لحظة الحقيقة تميز الحليف الحقيقي عن حليف الاعلام والتصريحات" .

ويقال ان محمد بن زايد ال نهيان الرجل الاول في الامارات غاضب لانه بالرغم من كل المبالغ التي دفعت الى مصر السيسي لغاية الان لم تتمكن الامارات من التأثير على الوضع الداخلي المصري سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي او الإعلامي وهو ما ستسعى اليه الامارات من الان فصاعدا وربطه بالمساعدات التي تقدمها. وكانت صحيفة ميدل ايست أي (21 نوفمبر 2015) قد اشارت الى ان الامارات ستطلب من الحكومة المصرية رفع الدعم الحكومي عن المحروقات بنسبة 30% قبل تقديم جزء متبقي من المعونة وعلى ان يتم بعد ذلك تخفيض بنسبة 40% سنويا. هذا بالإضافة الى ان الامارات ستطلب ان يكون لها دورا في تحديد صرف الجنيه المصري بالنسبة للدولار الأمريكي بمعنى التدخل في السياسة النقدية للدولة المصرية. كما انها ستطلب ان يكون لها دورا في سياسة تمويل الجامعات المصرية والأموال المقدمة الى وسائل الاعلام. ومن ينظر الى فحوى هذه الطلبات يظن ان مصر لا تتعامل مع دولة الامارات بل مع صندوق النقد الدولي وشروطه التي يحاول من خلالها التحكم في البلد. وهنالك أحاديث تدور حول سقوط ورقة السيسي والبدء بالتفتيش عن خلف له وهو ما تتسابق عليه كل من الامارات التي تسعى لان يكون أحمد شفيق والسعودية التي تفضل ترشيح سامي عنان وكلاهما شغلا مناصب عليا في الجيش المصري سابقا.

من الواضح ان النظام المصري يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل الامارات والسعودية لتغيير مواقفه من الحرب الدائرة في اليمن حيث يراد منه مزيدا من الانخراط والتناغم الكامل مع مواقف الدولتين للصراع في اليمن الى جانب الموقف من الحرب الدائرة في سوريا على وجه التحديد. ومن الواضح ان كلا الدولتين تريدان عبر المساعدات المالية التي يقدمانها الى النظام المصري ممارسة الضغوط لجر مصر الدولة الى مواقفهم العدائية لإيران والدولة السورية. وهذه الضغوطات لم تفلح لغاية الان فما زالت مواقف السياسية الخارجية المصرية وبالرغم من الضبابية التي تلفها تصر على الحلول السياسية وليست العسكرية في كلا الساحتين. والنظام المصري يدرك بان هذه الدول تسعى لان تبقي مصر ضعيفة وبحاجة مستديمة الى المعونات لمنع التهور الاقتصادي للبلاد وحدوث كارثة اجتماعية تعصف بالنظام ككل.

في النهاية نود ان نؤكد ان ما عرض هنا هو جزء من الممارسات والسياسات الإماراتية على وجه التحديد ولا يختلف الامر إذا ما تناولنا سياسة آل سعود او القيادة السياسية في قطر. كما ونعيد التأكيد على ان القضية ليست في هذا الحدث او ذاك وعلى انه يجب النظر الى الامر بكليته ومن منظور ان هذه الدول أو العائلات الحاكمة انما هي أدوات ضمن منظومة متكاملة اسمها الامبريالية الامريكية على وجه التحديد، وبالتالي فان سياساتها لن تخرج لتعارض هذه المظلة وان كانت هنالك هوامش مسموح لهم (الأدوات) اللعب فيها طالما انها لا تضر بالتوجه والمسار العام للاستراتيجية الامريكية.

ومن هنا فلا غرابة من ان تسمح الامارات للكيان الصهيوني بإقامة ممثلية دبلوماسية له على أراضيها، ولا غرابة ان تقود في المستقبل القريب حملة تطبيع علنية مع هذا الكيان حتى على مستوى ما يسمى "جامعة الدول العربية"   او مجلس التعاون الخليجي. ولا غرابة ان تمارس هي والسعودية على السلطة الفلسطينية الضغوط للعودة الى مفاوضات مع العدو الصهيوني. الغرابة في الامر ان لا تفعل ذلك، والغرابة ان البعض ما زال يعول على النظام العربي المهترىء ودوله التي باعت نفسها للشيطان ان تعود عن رشدها أو ان تصحح مسارها أو ان تدعم القضية المركزية للشعوب العربية القضية الفلسطينية.

فمن يدعم الارهاب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان ومصر ومن يسكت عن او يشارك في المجازر التي ترتكب بحق الشعب اليمني والفلسطيني والسوري والعراقي، ومن ما زال ينظر بعدم التشابه والتطابق بين ما يحصل في اليمن وما حصل ويحصل في فلسطين وخاصة في غزة وان اختلفت أسماء الدول او الكيانات التي تقوم بها، لا يمكن له الا ان يتصرف بها الشكل، وبالتالي نقول لا غرابه في هذا.

 

bahij.sakakini@gmail.co.uk

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

تاريخ النشر

02.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

02.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org