<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني لا اهلا ولا سهلا بغراب البين

 

 

 

لا اهلا ولا سهلا بغراب البين

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

درجت العادة أن يتحفنا السيد كيري وزير الخارجية الامريكية بزيارة "كريمة" كلما اشتد الخناق على رقبة الكيان الصهيوني وكلما تصاعدت التحركات الشعبية الفلسطينية المناهضة للاحتلال وممارساته الفاشية تجاه أهلنا في فلسطين المحتلة التي تزداد عنفوانا واتساعا يوما بعد يوم. ومن الواضح ان الزيارة التي قام بها في بداية التحركات الجماهيرية التي ابتدأت من القدس على أثر الاجتياحات المتكررة لباحات المسجد الأقصى الشريف للمستوطنين القدامى والجدد تحت الحراسة المشددة للشرطة وعناصر الامن الصهيوني لم تفلح في كبح جماح المقاومة الشعبية التي اتخذت من السكاكين والحجارة أدوات لها في مقارعة الاحتلال.

واليوم يعود الى المنطقة ولنفس الأسباب وتحت نفس العناوين التي سئم شعبنا من قراءتها في الصحف او التحاليل لأنها تدور في نفس المحور. وانا متأكد لو قرات مقال عن زيارة كيري السابقة أو التي سبقتها لوجدت نفس العناوين ووجدت نفس العبارات تستخدم بما يختص بالهدف من الزيارة. "كيري في المنطقة في محاولة لتهدئة الأوضاع" أو "كيري في المنطقة ليرى إمكانية عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى طاولة المفاوضات" أو شيء من قبل هذا او ذاك وكلها بمجملها لا تتعدى كما كان الحال منذ ان أشرفت الولايات المتحدة على "المفاوضات" بين الطرف الفلسطيني المفاوض والحكومة الإسرائيلية، نقول لم تتعدى مرحلة وإطار "إدارة الصراع" ولم تكن باي حال من الأحوال إيجاد الحلول. وكان الضغط دائما وابدا على الطرف الفلسطيني الذي كان الطرف الذي يقع عليه اللوم دائما بانه الطرف الذي لا يريد ان يقدم التنازلات المطلوبة. ولا ندري بعد كل هذه التنازلات المصيرية من الطرف الفلسطيني المفاوض ماذا تبقى للطرف المفاوض ان يتنازل عنه.

الولايات المتحدة الامريكية تعلن ليلا ونهارا انها ما زالت متمسكة "بحل الدولتين" وبين الحين والأخر تصرح ان المستوطنات اليهودية التي بنيت على الأراضي التي احتلت عام 1967 بأنها غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي. الكلام حلو وببلاش ولكن السؤال يبقى ماذا فعلت الإدارات الامريكية المتعاقبة لتحقيق ذلك منذ مؤتمر مدريد الدولي لغاية الان بهذا الصدد؟ على مدى سنوات كان الهم الرئيسي للولايات المتحدة بناء جهاز أمني فلسطيني وإبقاء التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية وذلك لضمان أمن دولة الكيان الصهيوني وإعطاء حقن التخدير بهذا المشروع الاقتصادي او ذاك وإبقاء "المفاوضات" العبثية لإعطاء الانطباع الكاذب بان السلام قادم، وإدارة الصراع بحرفية متناهية على يد أمثال دينس روس وغيره، وبناء شريحة اجتماعية فلسطينية طفيلية متعايشة ومتأقلمة ومنتفعة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من وجود الاحتلال ولها إمتداداتها الإقليمية العربية القوية مع اكثر الدول العربية رجعية.

والسيد كيري لا يترك مناسبة الا ويدين فيها "العنف" " واعمال الشغب" الفلسطينية ضد "المسالمين" من الإسرائيليين، ويؤكد كغيره ممن سبقوه على ضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري النوعي. هذا في الوقت الذي يجري فيها اعدامات ميدانية حتى للأطفال الفلسطينيين وتطويق المدن الرئيسية في الضفة المحتلة ومحاصرتها في "غيتوات" . وفي الوقت التي يتم فيها مداهمة واقتحام مدارس الأطفال والدخول الى صفوفهم وبث الرعب في نفوسهم وإطلاق التهديد والوعيد الى جانب الاعتقالات للقاصرين حتى لمن هم في سن 12 عاما أو أقل. وهذه ما لم نسمع بها الا في جنوب أفريقيا عندما كان نظام التمييز العنصري قائما. في "واحة الديمقراطية" هنالك ما يقارب من 420 طفل معتقل في السجون الاسرائيلية. والولايات المتحدة تجد الجرأة ان تحيط "الشعب الاستثنائي" والمميز " وشعب الله المختار" الذي يرتكب الجرائم والمجازر يوميا تجد الجرأة للدفاع عنه في المحافل الدولية، فهم على ما يبدو مشتركون في هذه صفة "الاستثنائية" و "شعب مختار". ألم يقل بوش الابن انه كان يسمع صوتا ربانيا يحثه على الترشح لان لديه مهمة "mission  " موكلة اليه من الله؟ وتبين انها كانت على ما يبدو تدمير العراق. ألم يقل من على سطح احدى البوارج الحربية التي عادت الى الشواطئ الامريكية بعد ان أمطرت بغداد العاصمة بمئات صواريخ التوم هوك والتي قتلت الالاف حتى أولئك المدنيين الذين كانوا في الملاجيء  "mission accomplished" . هذا ما نطق به وهذه كانت على ما يبدو "المهمة" لكن من المؤكد انها لم تكن الهية فقتل الانسان محرم في الأديان السماوية. ألم يقرفنا السيد أوباما في العديد من خطاباته وخاصة السنوية "الموجهة للامة" ب "الاستثنائية الامريكية" والمهمة والمسؤولية لأمريكا التي منحها الخالق سبحانه وتعالى وبان الأمم لا تجد ملجأ أو طلب المعونة الا من أمريكا من تخليص البنات الذين اختطفهم بوكو حرام الى معالجة ضحايا الايدز في افريقيا...الخ من المسلسل. واليوم نسمع المجرم نتنياهو بالقول بان "إسرائيل" تحارب اليوم وكما كانت دائما الارهاب (ويقصد الفلسطينيين) وان كل العالم يجب أن يقف معها أو ان العالم بأجمعه يقف معها في ذلك لأنها تدافع عن العالم "الحر". ويطالب أمريكا بالاعتراف بالمستوطنات اليهودية في الأراضي التي احتلتها عام 1967 . ولما لا والولايات المتحدة قد اعترفت مسبقا بالمستوطنة الأكبر التي اسمها "إسرائيل" وامريكا اليس هي "بلاد المستوطنين" الذين أتوا من خلف البحار واستولوا على "ارض الميعاد" وذبحوا وشردوا وقاموا بتجميع سكانها الأصليين من الهنود الحمر في معسكرات وتشريدهم في وطنهم الام أمريكا. يجدر بالعالم أن لا ينسى ذلك التأريخ الدامي الذي ارتكبه "المستوطنين". هل تجدون أوجه الشبه فيما حدث ويحدث في فلسطين أم أصبحنا الان من جماعة "انسى الموضوع" احنا أولاد اليوم ويجب أن نلتزم بالواقعية وان " يا أخي احنا ما نقدر عليهم" وما شابه من الذي أصبح يبث ضمن منظومة وحملة إعلامية موجهة ومبرمجة وعلى امتداد الوطن العربي.

وبعض الأحيان يجب علينا أن لا نلوم السيد كيري ونحن نرى ان البعض من العربان قد كشر عن انيابه وأصبح ينسق ويتحالف مع الكيان الصهيوني على العلن وعلى رؤوس الاشهاد بعد ان كانت الأمور تجري من تحت الطاولة بعيدة عن الاعين. بالإضافة الى اننا نرى ان بعض المأجورين وكتبة السلاطين والامراء والمشيخات يكتبون في الصحف الرسمية لبعض الدول الخليجية يلومون لا بل ويدين البعض منهم "العنف" الفلسطيني "والإرهاب" الذي يرتكبونه ضد المستوطنين والجيش الإسرائيلي هذا في الوقت الذي يبررون فيه القتل المتعمد للأطفال الفلسطينيين والاعدامات الميدانية فالطفل الذي يحمل سكينة هو إرهابي أما الذي نهب الأرض وهجر وقتل الفلسطيني فهو حضاري بامتياز.

والذي ربما يدمي أكثر اننا ما زلنا نسمع باستعداد القيادات المتنفذة في السلطة الفلسطينية بإمكانية العودة الى المفاوضات. ولنا كشعب فلسطيني ان نتساءل الم نشبع مفاوضات؟ وهي في الحقيقة كانت وما زالت املاءات حتى نعطيها اسمها الحقيقي. متى ستجد السلطة الجرأة الكافية والشجاعة الأدبية والسياسية بالوقوف امام شعبها والاعتراف بانها ارتكبت خطأ فادحا وان هذا المسار لم يجدي طيلة 25 سنة الماضية ولن يجدي؟ متى ستخرج الى العلن وتقول ذلك بدلا من القول نحن سنفعل كذا او كذا لامتصاص نقمة شعبنا؟ نحن لا نريد ان نسمع من بعض القيادات التي ظهرت على احدى المحطات الفضائية مؤخرا على اننا نحن الفلسطينيون جميعا متفقون على وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل ولا نرى أي تطبيق أي شيء من هذا الكلام على ارض الواقع. فلتعلن قيادة السلطة ذلك وعلى الملأ وستجد ان الشعب بأكمله سيقف الى جانبها. اليس الأولى على القيادة ان تراهن على شعبها بدلا من ان تراهن على الإدارة الامريكية؟

من المؤكد ان السيد كيري سيقوم بتقديم أو إعطاء الوعود بتقديم حفنة من الدولارات للسلطة الفلسطينية مكافأة فيما إذا عملت على تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة وفيما ما إذا أبدت استعدادها للعودة الى طاولة المفاوضات العبثية والحلقات المفرغة مرة أخرى. ولا شك ان البعض يتساءل كيف ستقوم السلطة بتهدئة الأوضاع بمعنى ان تحاول القضاء ووأد الانتفاضة وهي بالأساس لم تكن من المؤيدين لها او من محركيها ولا من قيادتها؟ الجميع من المحللين يشهد بان التحركات الجماهيرية في الضفة والتي بدأت من القدس لم يخطط لها أحد وانما جاءت كتحرك عفوي لاستباحة الأقصى والاعتداءات المتكررة عليه ومحاولة تهويد ما تبقى من القدس القديمة بما فيها الأماكن المقدسة. لم تكن السلطة طرفا في التحرك منذ البداية ولغاية الان ومهما تبجح هذا الطرف او ذاك فالجميع يعلم ان هذه التحركات ما زالت يتيمة لعدم وجود قيادة موحدة لتقودها وتؤطر عملها ونشاطاتها وان بقائها انما نابع من ديناميكية ذاتية هنا وهناك ولكن هذا لا يمنع ان هذه الديناميكية الذاتية لا بد ان تخلق قيادة ميدانية التي ستعمل على تطوير هذه التحركات. وهنالك بوادر على تطوير أسلوب الأداء النضالي وارتقاءه الى مرحلة أخرى ولو بشكل بطيء في المرحلة الحالية.

لقد مل شعبنا البيانات والتصريحات من هنا وهناك العربية منها والفلسطينية الفصائلية أيضا. الكل يستطيع ان يقف ويلعن الظلام ليلا ونهارا ولكن الظلام لن ينقشع من تلقاء نفسه. الظلام يريد من يعمل على تغييره لا ان ينتظر ليحصد بعض المكاسب هنا وهناك على حساب الشعب والشهداء الذين يقدمون ارواحهم قربانا للحرية والاستقلال. الرهان أولا وآخرا يجب ان ينطلق من شعبنا المعطاء في كل أماكن تواجده. ومن راهن وما زال يراهن على هذا الطرف الخارجي او ذاك لن يحصد في النهاية الا المرارة والخيبة بعينها، لان الأطراف التي راهنتم عليها وما زلتم باعت فلسطين وشعبها وحرفت بوصلة الصراع ولم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لهم. أصبح همهم الشاغل هو اسقاط هذه العاصمة العربية او تلك بالتآمر والتخطيط مع الحلف الصهيو-امريكي وبالمرتزقة الذي يجمعونها من هنا وهناك ويدفعون من اجل هذا المليارات.

 

 

bahij.sakakini@gmail.com

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

تاريخ النشر

26.11.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

26.11.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org