<%@ Language=JavaScript %>  الدكتور بهيج سكاكيني قراءة أولية في العمل الارهابي في باريس

 

 

قراءة أولية في العمل الارهابي في باريس

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

ما زالت ردود الفعل تتوالى على الاحداث الاجرامية التي نفذها عناصر من تنظيم داعش بحسب اعتراف التنظيم واستخلاص الأجهزة الأمنية الفرنسي وبعض الدول الأوروبية التي انطلقت منها بعض هذه العناصر او مرت بأراضيها. ولا بد من التوقف عند الكثير من النقاط المرتبطة بهذا الحدث الاجرامي لما قد يكون له من تداعيات ومما قد يشير الى ارتباطه لما يجري من وراء الكواليس أو العلن لما هو آت على المنطقة والذي قد يكون التصعيد الميداني وتسخين على الساحة السورية احدى نتائجها وخاصة في ظل محاولات الطرف المعادي لتحسين أوراقه بعد ان فقد الكثير منها على الساحة السورية مع تسارع تحقيق الإنجازات العسكرية للجيش العربي السوري ومحور المقاومة على هذه الساحة بعد دخول روسيا في الحرب على الارهاب في سوريا بطلب من الحكومة الشرعية للبلاد.

اول ما يلفت النظر الى الحدث الاجرامي هو مدى التنسيق والحرفية العالية التي نفذت فيها العمليات الستة وفي أماكن مختلفة من باريس الواحة تلو الأخرى مع وجود فارق زمني بين هذه العمليات. ومن الواضح ان الأجهزة الأمنية تنظر الى هذه الاحداث على انها عملية عسكرية وليست فقط عملية تفجير هنا أو هناك فقط. فلا شك ان اتساع رقعة العمليات والفوارق الزمنية بينها كان المقصود بها احداث حالة من الارباك الشديد للأجهزة الأمنية وتشتيت جهودها بحيث يعطي الإرهابيين مزيدا من الوقت والقتل وإمكانية هرب بعضهم على الأقل.

التنسيق بين المنفذين والحرفية العالية لمثل هذه العمليات تتطلب دعما لوجيستيا ونظام اتصالات باستطاعته التغلب والتشويش على أجهزة التنصت والمتابعة من قبل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الفرنسية وربما غيرها. وهذا يعني ان المنفذين لديهم مثل هذه الأجهزة. وتجدر الإشارة هنا الى انه بعد الحدث الإرهابي الذي نفذ في يناير من هذا العام ضد المجلة الساخرة فان الأجهزة الأمنية الفرنسية أعطيت الاذن بالتنصت على المكالمات الهاتفية لأي مشتبه به واجبار شركات التليفونات والانترنت بتسليمها كل المعلومات والداتا عن المكالمات والبريد الاليكتروني وغيرها من الإجراءات من مداهمة دون اللجوء الى الأجهزة القضائية. بمعنى انها أعطيت سلطات واسعة غير مسبوقة لمتابعة أي مواطن او غير مواطن فرنسي.

ما نريد ان نستخلصه مما سبق ان مثل هذه العمليات العسكرية بكل المقاييس تتطلب لتنفيذها عدد كبير من الإرهابيين المدربين والممولين بشكل جيد ويمتلكون خبرات رفيعة تتيح لهم القدرة على التخطيط وتنفيذ وتنسيق عمليات عسكرية بدقة متناهية ونقل كميات من الأسلحة بسرية تامة وخبراء في الأسلحة والمتفجرات بالإضافة الى امتلاك قدرات تقنية عالية في مجال الاتصالات التي تؤهلهم لتفادي الوقوع في براثن رجال الامن عن طريق أجهزة التنصت التي تمتلكها دولة بحالها مثل فرنسا. وكل هذا لا يمكن ان تمتلكه منظمات إرهابية وبهذا المستوى المتطور الا بحصولها على المساعدة من قبل دولة وأجهزة امنية واستخباراتية تمتلك مثل هذه القدرات قامت بتدريب مثل هذه المجموعات. والسؤال من هي هذه الدولة أو الدول؟ هذا ما يجب ان تجيب عليه أجهزة الامن الفرنسية، واغلب الظن لا بل نستطيع ان نجزم ان الدولة او الدول هم من أصدقاء فرنسا وحلفاؤها ولا نستبعد أيضا ان تكون فرنسا هي من ساهمت بالفعل في تدريب مثل هؤلاء القتلة والسفاحين للعمل على الساحة السورية بهدف اسقاط الدولة السورية، فاذا بهذا يرتد عليها لسبب أو لآخر!!!!

ان ارتكاب المجزرة التي ذهب ضحيتها 132 من الناس الأبرياء المدنيين بهذه البشاعة واتساع مسرح العمليات والجرأة التي تمت بها كانت تهدف بالتأكيد الى بث الصدمة والرعب في أوساط الناس العاديين سكان عاصمة من العواصم ربما الأكثر انفتاحا على السائحين الأجانب ولا شك ان مثل هذه العمليات ستؤدي في الأشهر القليلة القادمة الى ضرب عنصر اقتصادي هام للخزينة الفرنسية المترنحة أصلا وخاصة إذا ما علمنا ان السياحة تدر عليها ما يقرب من 6-7% من الدخل الاجمالي القومي السنوي بحسب بعض الأرقام. أن يصل الحال الى مناشدة بعض سكان باريس بعدم الخروج ليلا وفرض حالة الطوارئ واغلاق الحدود البرية والطلب من البرلمان الفرنسي تمديد حالة الطوارئ الى ثلاثة أشهر يدلل عن حالة الرعب والهلع التي خلفتها هذه الاحداث وما سيتسبب عنها من خسارة فادحة للقطاع السياحي وقد يكون هذا احدى اهداف المنفذين.

ولا شك أن احداث بهذا الحجم من الاجرام من شأنها ان تستغل من قبل وسائل الاعلام ومن الطبقة السياسية الحاكمة لخلق مزاج ورأي عام داخليا وخارجيا لزيادة التصعيد ورفع وتيرة التدخل العسكري للدول الغربية في الساحة السورية. وقد يكون هذا حافزا لدخول حلف الناتو بشكل مباشر كما كان الحال في ليبيا، وذلك تحت غطاء ان دولا من الحلف تتعرض لهجمات تهدد امنها القومي من قبل مجموعات إرهابية تعمل على الساحة السورية. ولعل السيد هولاند سيجد مبررا الان في ارسال أكبر حاملة طائرات فرنسية شارل ديغول الى المتوسط مقابل الشواطيء السورية، والى مطالبة الدول الغربية في زيادة تدخلها في الساحة السورية وذلك في محاولة لكسب حربها التي ادارتها من خلال ادواتها في المنطقة التي تضمنت المجموعات الإرهابية مثل داعش والنصرة ودولا إقليمية.

 وكان اول ردة فعل عملية لفرنسا هي قيام الطائرات الفرنسي بقصف ما ادعت انها مواقع لتنظيم داعش في الرقة وقد قامت بعمليات لغاية الان على مرحلتين وذلك بالتنسيق مع قيادة الولايات المتحدة. وهذا يعتبر خرقا للقانون الدولي وبلطجة سياسية وعسكرية من قبل فرنسا، لأنه يشكل تحديا وتعديا صارخا لسيادة الدولة السورية ولأنه يفتح بابا أمام حربا بين الدول الكبرى على الساحة السورية. كان الأولى بفرنسا هولاند وفابيوس ان يوجهوا طائراتهم وجام غضبهم على مستنقع الارهاب السعودي وعلى عش دبابير الوهابية ووأده في مملكة القهر والبغي والعدوان، وان يطالبوا آل سعود وأردوغان وأمير قطر والامارات العربية بوقف كل اشكال الدعم لهذه المجموعات الإرهابية. وإذا أراد الرئيس هولاند لبلاده ان تحارب الارهاب فعليا وكان صادقا في ذلك (ونحن نشك في هذا) فليتفضل وينسق مع الدولة السورية وروسيا لمحاربة الارهاب بدلا من انتهاك سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وبيع سلاح للسعودية وقطر والإمارات وهي تعلم علم اليقين ان هذه الأسلحة تمرر الى "المعارضة السورية" لتنتهي في يد تنظيم داعش والنصرة القاعدية.

ولا عجب من تركيز وسائل الاعلام الغربية على وجود جواز سفر سوري بالقرب من أحد منفذي العملية وعلى ان التخطيط لها قد تم في سوريا وان معظم المتورطين في العملية من ناحية التنفيذ والتخطيط كانوا متواجدين في سوريا. ما لم يطرح في هذا الاعلام المغرض هو من جندهم وارسلهم الى سوريا؟ ومن تغاضى على تنقلهم وسفرهم وهم يعلمون علم اليقين لماذا ذهبوا؟ ما نفهمه من هذا التركيز الإعلامي هو محاولة تحشيد الراي العام العالمي ومحاولة كسب تأييده الى ربما حرب قادمة على سوريا مباشرة من قبل دول غربية وإقليمية والتي ما زال هدفها الأول هو اسقاط الدولة السورية واجبار الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد على التنحي عن السلطة آملين ان يتيح لهم ذلك تشكيل الدولة السورية قيادة ونظام حكم سياسي بالمقاسات التي تخدم الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وبعض المكاسب للأدوات مثل تركيا وإسرائيل والسعودية وقطر والامارات.

وهنالك العديد من المؤشرات التي تدلل على ان الحلف المعادي لم يسقط خياراته العسكرية بعد وإن يتبدى للبعض على انه وصل الى قناعة بان الحل السياسي أصبح مطلوبا أكثر من أي وقت مضى وخاصة بعد دخول روسيا بثقل عسكري غير مسبوق في الازمة السورية والنتائج التي تحققت على الأرض بالنسبة لدحر ومحاربة الارهاب على الساحة السورية. فرأس الافعى الولايات المتحدة المايسترو الذي يدير العملية ما زالت تلوح بالعسكرة وتسليح "المعارضة المعتدلة" الغير متواجدة أصلا كما تدلل تصريحات السيد كيري أو الأدوات الذين يطلب منهم او يوعز إليهم ترديد المواقف المتصلبة في المؤتمرات والاجتماعات مثل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

والى جانب التدخل العسكري الفرنسي بالقيام بضربات جوية لقواعد ومراكز قيادة ومخيمات تدريب كما يدعون في الرقة مؤخرا والمجيء بقطع بحرية فرنسية، فهناك تركيا أردوغان التي صرح رئيس وزرائها أوغلو ان تركيا عازمة على الدخول الى الأراضي السورية بعمق تحدده المتطلبات العسكرية والامنية لحماية اللاجئين السوريون الذين سيتم نقلهم من الأراضي التركية الى داخل الأراضي السورية ويتم تحضير ما يقارب من 10000 جندي أو مقاتل لهذا الغرض ومن المحتمل ان تنفذ العملية في منتصف شهر ديسمبر القادم. والذي يبدو ان فكرة المنطقة الامنة أو منطقة الحظر الجوي ما زالت تراود أردوغان الذي يريدها لمنع قيام أي منطقة حكم ذاتي لأكراد سوريا بالإضافة الى تهديد الدولة السورية ضمن مخطط تقسيم الأراضي السورية، الى جانب الحفاظ على المجموعات الإرهابية وحمايتها من ضربات سلاح الطيران الروسي على الأخصن فما زالت هنالك دورا لهذه المجموعات لتلعبه. ولا شك ان اثارة موضوع اللاجئين السوريين من قبل تركيا في قمة 20 التي عقدت في انطاليا مؤخرا وما تعرضت له باريس قد يساعد في خلق مناخ مؤيد للتوجه التركي. والذي يبدو ان تصريح الإدارة الامريكية بان الولايات المتحدة ستعمل مع تركيا لإغلاق ما تبقى من حدودها مع سوريا هو شكل من اشكال فرض منطقة حظر جوي في محاولة لمنع او عرقلة الطيران السوري والروسي الاقتراب منه.

ومؤشر آخر على التصعيد هو قيام الولايات المتحدة بعمليات إنزال جوي لمئات الالاف من الاطنان للأسلحة "للمعارضة السورية" المعتدلة في الشمال السوري الى جانب موافقة الإدارة الامريكية على بيع أسلحة للسعودية بمبلغ مليار و300 مليون دولار. وهذه الصفقة تتضمن ذخائر وعشرات الالاف من القنابل و 6300 صاروخ ارض جو موجه وغيرها من الأسلحة التي قد توزع بين اليمن وسوريا. هذا الى جانب تصرح رئيس الوزراء البريطاني الذي يريد الحصول على تفويض من قبل البرلمان البريطاني للمشاركة في محاربة داعش في سوريا وأن الأمور ممكن ان تكون أفضل لاستخدام الأجواء السورية في ظل حكومة افضل !!!! وكان ان صرح قبل أيام انه قد يكون مضطرا الى المشاركة دون اذن من البرلمان إذا ما رأى ان الامن القومي للملكة المتحدة مهدد وسيقوم بتبليغ البرلمان بعد ذلك.

الى جانب ما عرضناه فان فشل قمة مجموعة الدول العشرين في تبني آليات مشتركة لمحاربة الارهاب وعدم استجابة الدول الغربية للطروحات الروسية في انشاء جبهة مشتركة لمحاربة الارهاب تلتزم بالمعايير والقوانين الدولية للأمم المتحدة وتحترم سيادة الدول، لهو مؤشر يضاف الى المؤشرات السابقة ويدلل بشكل واضح ان لهذه الدول المنضوية تحت المظلة الامريكية لها اجندتها الخاصة التي بالتأكيد لا تتطابق مع القوانين الدولية بقدر ما تتطابق مع سياسة القرصنة وفرض الاجندات بقوة السلاح.

الخلاصة هنا هي أن التفاؤل الذي ابداه البعض اثناء مؤتمر فيينا بان المسار السياسي وقطار التسوية السياسية لسوريا قد بدأ ربما لم يكن في محله ونأمل ان نكون مخطئين في ذلك. المؤشرات التي تعرضنا الى بعضها تشير الى ان العقلية الثأرية في التعامل مع الملف السوري ما زالت قائمة وما زال المايسترو الأمريكي يأمل في تغيير موازين القوى أو تعديلها بشكل يستطيع ان يمتلك أوراق قد فقدها كلية مع دخول روسيا على الخط والانجازات التي تحققت على ارض الواقع لصالح محور المقاومة. ومن الواضح ان محور المقاومة مدرك بشكل جيد المخططات الجديدة القديمة ومن هنا اتى تصعيد الاعمال العسكرية الأرضية المصاحبة لنشاط مكثف للطائرات الروسية واستخدام الصواريخ المجنحة التي تطلق من السفن الروسية في المتوسط وتفعيل القصف الجوي بعيد المدى لدك معاقل الإرهابيين الذين أسقط في اياديهم وباتت دفاعاتهم تنهار الواحدة تلو الأخرى، الى جانب التصريح الروسي بإحضار عدد آخر من الطائرات واغلب الظن انها من الحوامات لزيادة الكثافة النارية والدقة في التصويب.

 

 الدكتور بهيج سكاكيني

bahij.sakakini@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

18.11.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

18.11.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org