<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني هل ستتعظ القيادة الفرنسية وغيرها؟؟؟

 

 

 

هل ستتعظ القيادة الفرنسية وغيرها؟؟؟

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

سلسلة من الهجمات الإرهابية المنسقة والتي تدل على قدرة وحرفية عالية هزت العديد من الأماكن في العاصمة باريس وربما كان أكثرها دموية هو ما حدث في دار عرض باتاكلان حيث تمكن الارهابيون من احتجاز ما يقارب من 100 شخص قتلوا جميعهم على ما يبدو عندما اقتحمت قوات الامن الفرنسية المكان في محاول لإنقاذهم. كانت حصيلة العمليات الإرهابية حوالي 130 شخصا وأكثر من 350 جريح. وهذ الحوادث تعتبر الأكثر دموية في دولة أوروبية بعد حادثة القطارات عام 2004 في اسبانيا.

كان من الطبيعي لمأساة وجرائم بهذا الحجم أن تستحضر ادانات عالمية واسعة وأن تثير تعاطفا كبيرا مع الضحايا وأهاليهم ودعما للدولة الفرنسية والتعبير عن التضامن مع قيادتها على أثر هذه الحوادث الاجرامية التي ارتكبتها تنظيمات إرهابية لا تؤمن الا بالقتل والإرهاب وتكفير كل ما لا ينتمي الى فكرها الظلامي الوهابي.

ولكن السؤال الهام الذي يبقى من الضروري الإجابة عليه هو هل الصدمة والرعب الذي احدثهما العمل الإرهابي في باريس ستكون كافية لإجبار زعماء الدول الغربية الأوروبية والولايات المتحدة على التعامل الجدي لمعالجة ظاهرة الارهاب والقضاء عليه وتجفيف مصادر تمويله ومستنقع تصنيعه ومحاربة منهله الفكري الوهابي في مهده وافرازاته وأذرعه الممتدة كالأخطبوط على الساحة العالمية؟

والسؤال الذي لا يقل عنه أهمية هو من هم المسؤولين عن بروز هذه التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وتمددها وتجذرها في المنطقة وانتشارها السرطاني بحيث أصبحت تشكل خطرا رئيسيا ليس فقط على منطقتنا بل وعلى العالم بأسره؟ فأحداث باريس سبقها تفجير الطائرة الروسية في 31 اكتوبر بعد دقائق من إقلاعها من مطار شرم الشيخ وعلى متنها 224 نفرا من السائحين المدنيين، وتلى ذلك التفجير الانتحاري المزدوج في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية في بيروت ذهب ضحيته 43 شهيدا من الناس الأبرياء. وهذه الاعمال الاجرامية بكل المقاييس ارتكبتها نفس الايادي الإرهابية التكفيرية المدعومة من نفس المصادر التي لا ترى وسيلة أخرى لإثبات حضورها على الساحة الا بمزيد من الاجرام ومزيد من التوحش.

لقد بدأ الراي العالمي والاقليمي يدرك ولو بشيء من البطىء ان الدول الغربية وادواتها الإقليمية هي المسؤولة عن إيجاد هذه الوحوش المفترسة التي فاقت تلك التي تعيش في الغابات. لان وحوش الغابة تقتل بالغريزة لتشبع جوعها ليس الا، أما وحوش القاعدة وداعش فهي تقتل من اجل القتل وخلق حالة من الرعب وإشاعة الفوضى.

لقد زرعت بذرة الارهاب على عهد الرئيس جيمي كارتر في السبعينات من القرن الماضي عندما عملت المخابرات المركزية الامريكية على خلق احداث في أفغانستان لزعزعة استقرار الحكومة الأفغانية اليسارية. تلى ذلك الانخراط الكامل والموسع على عهد الرئيس ريغان في الثمانيات وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الباكستانية والمخابرات السعودية في مملكة القهر البقرة الحلوب التي كانت تدفع ما يقارب مليار دولار سنويا، مما انتج ما سمي بالأفغان العرب الذي خرج من رحمها تنظيم القاعدة الذي ترأسه السعودي أسامة بن لادن. ولقد شكلت الحرب في أفغانستان ضد الحكومة الأفغانية والجيش السوفياتي بعد التدخل بناء على طلب الحكومة الأفغانية مسرحا لتدريب الالاف من الأفغان العرب من تونسيين وليبيين ومغاربة وخليجيين وشيشان وقوقاز...الخ وهؤلاء شكلوا الخميرة الرئيسية لمجموعات القاعدة المحلية والإقليمية بعد عودتهم الى بلادهم عندما تولت طالبان الحكم في أفغانستان.

ولقد شكل غزو القوات الامريكية للعراق عام 2003 والسيطرة على البلاد منطلقا لتكوين داعش الإرهابية على يد الزرقاوي الذي انفصل عن تنظيم القاعدة الام في أفغانستان. وفي العراق قام آل سعود بدعم المجموعات الإرهابية من القاعدة للقيام بعمليات تفجير في المناطق الشيعية واثارة النزعات الطائفية والمذهبية. وفي سوريا انخرط تنظيم القاعدة ممثلا بالنصرة وتنظيم داعش الذي ترأسه البغدادي الذي أعلن قيام "الدولة الإسلامية" طالبا من بقية المجموعات القاعدية على مستوى المنطقة مبايعة الخلافة التي يمثلها. وقدم الدعم المادي والعسكري بالأسلحة والتدريب واللوجيستي والسياسي لهذه المجموعات الإرهابية وغيرها من قبل دولا إقليمية وعلى رأسها تركيا وقطر واسرائيل والسعودية التي فتحت خزائنها لهم بغرض اسقاط الدولة السورية وقيادتها السياسية الممثلة بالدكتور بشار الأسد. وفتحت تركيا حدودها وأراضيها للإرهابيين المجندين والوافدين من كل بقاع العالم واقامت مراكز للتدريب على اراضيها. وكتب الكثيرون عن علاقة هذه الدول بالمجموعات الإرهابية والدعم الذي تقدمه لهم وذلك لتحقيق اجندات خاصة بهم.

ولا بد ان نطرح السؤال أيضا من الذي حول ليبيا الى دولة فاشلة ومقرا للمجموعات الإرهابية من القاعدة وتنظيم داعش وجعلها مركزا لتدريب المرتزقة وجحافل وجيوش الإرهابيين للتصدير الى سوريا والعراق ومصر ومركزا لتجارة نقل اللاجئين والمهاجرين الغير شرعيين الى الشواطئ الأوروبية. ومركزا لتجارة الأسلحة بكل أنواعها وايصالها الى البلد المعني. هذا بالإضافة الى تقديم الدعم لإرهابيي بوكو حرام الذي لم نكن نسمع بهم قبل تنفيذ سياسة "تغيير الأنظمة" الاميركية. الم يكن كل هذا نتيجة العدوان العسكري لحلف الناتو العدوان الذي قادته من "الخلف" الولايات المتحدة والتي كانت فرنسا ساركوزي نابليون العصر من أكثر المتحمسين له ولفكرة تدمير ليبيا وازاحة العقيد معمر القذافي والتبشير "بالديمقراطية" "والازدهار" و "بناء دولة المؤسسات" الحديثة.

هذه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والإقليمية من السعودية وتركيا وقطر على وجه التحديد هي التي بمجملها أوجدت وغذت ومولت ودربت المجموعات الإرهابية التي توحشت في سوريا والعراق ومصر واليمن ولبنان وفي فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية مثل ما حدث في اسبانيا عام 2004. وهي اليوم الدول التي تذرف دموع التماسيح على الكارثة الإنسانية التي ذهب ضحيتها ناس أبرياء في باريس على يد الوحش الذي أوجدوه. ما فعلته هذه المجموعة الإرهابية هو ما فعلته وما زالت على مدى سنوات في العراق وسوريا وحديثا في اليمن. عشرات الالاف ذبحوا وأكلت أعضاء البعض منهم على مرأى الجميع من على شاشات التلفزيونات. وما زالت الدول الغربية تكيل بمكيالين ففي بلد ما الإرهابيين هم "طلاب الحرية" "والثوار والاحرار" لأنهم ببساطة أداة من ادواتها. أما في البلد الاخر فهم ارهابيون لأنهم عضوا اليد التي اطعمتهم ورعتهم . ما يجب ان يدركه الجميع أن الارهاب لا دين له ولا دولة ولا يعترف بالآخر ولا يعترف بالحدود، وان هادن فإنها لن تكون الا لمرحلة وسرعان ما ينقلب على مشغليه فهل من يتعظ؟

لقد ارتضت الطبقة السياسية الحاكمة في فرنسا ومن خلال رئيسها هولاند ووزير خارجيتها فابيوس ان يبيعوا الامن الفرنسي من أجل حفنة من الدولارات وعقود تجارية وصفقات أسلحة بمليارات الدولارات للدول الخليجية وخاصة السعودية المصنعة والمصدرة والحاضنة للإرهاب التكفيري الوهابي. وارتضت ان تصطف الى جانب آل سعود وبذل الجهود المضنية ( كل شيء بثمنه طبعا) لعرقلة الاتفاق النووي مع ايران. فكم من مرة وقف السيد فابيوس ليقدم الاعتراضات على ما اتفق عليه في اللحظات الأخيرة ربما ليضمن كم مليون لجيبه الخاص أو صفقة جديدة للصناعات الحربية الفرنسية؟ وحملت وما زالت تحمل الراية ضد الرئيس الدكتور بشار الأسد جنبا الى جنب مع آل سعود بالإصرار على رحيل الرئيس الأسد عن السلطة كشرط مسبق لوقف إطلاق النار والبدء بالعملية السياسية في سوريا مما يدل وبشكل واضح ارتباطهم بالمجموعات الإرهابية والا كيف يكفلون وقف إطلاق النار ان لم يكن كذلك؟

وفرنسا هي من زودت "المعارضة السورية" بالأسلحة المدفوعة الثمن من الدول الخليجية طبعا والتي تم تهريبها في كثير من الأحيان عن طريق المخابرات المركزية الامريكية وأجهزة الامن التركية. ولقد اشارت العديد من التقارير ان ما يقرب من 70% من الأسلحة التي أرسلتها فرنسا الى سوريا انتهت في ايدي المجموعات الإرهابية وخاصة النصرة القاعدية وتنظيم داعش. وبالمثل الأسلحة الامريكية لا بل وان الطائرات الامريكية زودت تنظيم داعش بالأسلحة من الجو طبعا كله "بطريق الخطأ" فالرادار الذي يستطيع ان يصور النملة على الأرض يقف عاجزا عن التمييز بين "المعارضة المعتدلة" وتنظيم داعش. ونحن لا نلوم الكاميرات او أجهزة الرادار بهذا الشأن فهم على حق لان التمييز بين هذه المجموعات صعب للغاية فكلاهما إرهابي بامتياز.

والأجهزة الأمنية الفرنسية وربما بإيعاز من السلطة السياسية هي من تغاضت عن مئات الفرنسيين الذين سافروا الى تركيا وعبروا الحدود "للجهاد" في سوريا. وهذه الأجهزة هي من غضت الطرف عن حملات التجنيد للشباب الفرنسي غالبا من أصول عربية والتي كانت تدور في بعض المساجد في باريس خاصة، وكانوا يعلمون بخطابات التحريض المذهبي والشحن الطائفي التي تلقى في هذه المساجد. ومعظم هذه المساجد مدعومة من آل سعود الذين يرسلون الدعاة والائمة والخطباء ويديرون هذه المساجد لنشر الفكر الوهابي التكفيري. الأجهزة الأمنية الفرنسية تدرك هذا جيدا ولكنها لم تكن لتفعل شيئا والسؤال لماذا؟

الرئيس هولاند ما زال مصرا على الوقوف الى جانب آل سعود ودعمهم على الرغم من ان مملكة القهر تدعم القوى التي أرسلت الإرهابيين الذين قاموا بالاعتداء على المجلة الساخرة في يناير الماضي وقتل 18 فرنسيا من ضمنهم رجال شرطة. وهي ما زالت تدعم آل سعود اللذين يدعمون القاعدة وداعش في اليمن والمنطقة. وهولاند ما زال مصرا على دعم مملكة القهر مملكة آل سعود الذين يغدقون المال على تنظيم داعش الذي يقول هولاند انه التنظيم المسؤول على المجازر التي ارتكبت في باريس في قلب العاصمة الفرنسية.

هنالك العديد من الأسئلة التي ربما تدور في اذهان الكثيرون. هل ستتعظ القيادة الفرنسية مما جرى وتعمل على تغيير سياساتها الخارجية وتكف عن دعم الإرهاب بشكل مباشر او غير مباشر؟ هل من الممكن ان تضغط على اصدقاءها الاتراك والسعوديين والقطريين وتطلب منهم وقف دعمهم المالي والعسكري والإعلامي والسياسي للمجموعات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش والنصرة؟ وهل ستغير من موقفها واصطفافها مع آل سعود بالنسبة للحلول السياسية في سوريا ولا تعمل على تعطيل الوصول الى حل قائم على الحوار والتفاهم السوري-السوري وعلى ان المستقبل سوريا سيحدده الشعب السوري وحده فقط ودون أي تدخل أجنبي؟ ام انها ستبقى رهينة لأكثر دولة تخلفا ربما في المنطقة اجتماعيا وسياسيا دولة قامت بقطع رؤوس ما يقارب من 130 شخص منذ بداية العام؟ دولة تعتبر فيها حقوق الانسان والمرأة فانتازيا. دولة قائمة على العبودية بأشكالها المختلفة ولا تملك دستورا وتحكم بنظام قبلي من قبل ولي الامر. هل سيجد هولاند الجرأة في الاعتراف امام شعبه ان السياسة الخارجية التي اتبعتها حكومته كانت فاشلة؟ وهل سيجد الطاقم هولان وفابيوس الجرأة بالانضمام الى روسيا في المحاربة الجدية والمخلصة للإرهاب في سوريا والعراق؟ أم سيبقى هذا الطاقم الانتهازي يقامر ويغامر بمزيد من الضحايا من المدنيين الفرنسيين والقاء اللوم على الغير ويبقى متمسكا بسياسة رعناء من اجل حفنة من الدولارات وصفقات تجارية وأسلحة هنا وهناك؟

 

 الدكتور بهيج سكاكيني

bahij.sakakini@gmail.com

 

 

 

تاريخ النشر

16.11.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

16.11.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org