%@ Language=JavaScript %>
قراءة أولية في نص البيان الختامي لاجتماع فيينا الخاص بسوريا
الدكتور بهيج سكاكيني
لا شك ان الاجتماع الذي جرى بفيينا وما جاء في البيان الختامي من نقاط يعتبر نصرا لمحور المقاومة وروسيا على وجه التحديد لما تضمنه من نقاط على الرغم من التحفظات ربما على بعض النقاط وخاصة انها كتبت بشكل مقتضب مما يتيح لكل طرف ان يقوم بتفسيرها أو إضفاء تفصيلات تناسب موقفه، فكما يقال ان الشيطان في التفاصيل.
لكن بالرغم من ذلك فان هنالك نقاط أساسية هامة تم التأكيد عليها وهي تعتبر تراجعا واضحا لمحور الأعداء الذين انخرطوا ومنذ بداية الازمة السورية بغرض اسقاط الدولة السورية واجراء عملية "تغيير النظام" على غرار ما حصل في العديد من البلدان بأسلوب "الثورات الملونة" أو ما أطلق عليه في بلادنا "بالربيع العربي".
فقد أكد البند الأول في البيان الختامي الذي صدر عن الاجتماع على مبدأ " وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية أمور أساسية". وهذا بحد ذاته يعني تخلي محور الأعداء بقيادة الولايات المتحدة عن المخططات التي كانت تسعى الى تقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية، هذا التقسيم التي رسمت معالمه منذ عدة سنوات.
والذي يبدو أن الولايات المتحدة والدول الغربية وخاصة الأوروبية بدأت تستشعر بأن حالة الفوضى التي انتشرت نتيجة تطبيق مفهوم الفوضى الخلاقة وما تبعها تقسيم وتجزئة بعض البلدان مثل ليبيا خاصة وتحولها الى دولة فاشلة وعدم القدرة على ضبط الأمور فيها وانتشار المجموعات الإرهابية وانفلاتها وعدم قدرة مصنعيها ومشغليها للسيطرة عليها، وما تسببت من مصيبة الهجرة بأعداد كبيرة الى الدول الأوروبية وارتداد الارهاب على أراضيها، قد دفعها الى التراجع عن محاولة سياسة تقسيم سوريا، واستبدال هذا بالصراع على النفوذ بأساليب مختلفة. ويجب أن لا يغيب عن اذهاننا ولو للحظة واحدة ان الولايات المتحدة وحلفاؤها ما زالت تسعى الى تحقيق نوع من الوصاية الإقليمية والدولية على المنطقة تحت المظلة الامريكية.
ولا شك ان التأكيد على علمانية الدولة السورية هو الاعتراف من قبل المجتمعين بان جوهر الصراع القائم في سوريا ليس صراعا طائفيا أو مذهبيا كما تريده وتروج له مملكة القهر مملكة آل سعود وجوقة المرتزقة من الكتاب والمشايخ الذين يفتون بضرورة التوجه "للجهاد" في سوريا ولا ينبسون ببنت شفة عن تحرير المقدسات في فلسطين. هذا الى جانب الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة التي ما فتأت بالحديث عن "الأقليات" و "المذاهب" والطوائف" وحماية "المسيحيين" في سوريا وكلها لم تكن الا يافطات تسعى من خلالها الى تقسيم سوريا على هذا الأساس الى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية.
أما الإبقاء على مؤسسات الدولة فهو يصب أيضا على التخلي عن تدمير الدولة لما قد ينتج عنه حالة من الفوضى التي لا يحمد عقباها ليس فقط على نطاق الساحة السورية، بل لما قد يكون له انعكاس على الدول المحيطة وما أبعد من ذلك. والذي يبدو ان الدرس الذي اخذته الولايات المتحدة مما حصل في العراق وليبيا قد بدأ يأخذ مفعوله على الأقل لدى بعض الدوائر في الإدارة الامريكية.
البيان في بنده الرابع يتحدث عن "ضرورة تسريع كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب". كل مخلص يدعو ويأمل ذلك ولقد بذلت الدولة السورية وما زالت من خلال المصالحات التي تجري في عدة مناطق لتفادي مزيد من إراقة دماء السوريون وتسوية أوضاع الذين يلقون السلاح. الجهود الدبلوماسية يجب ان تنصب على ضمان عدم تسليح الإرهابيين وتقديم الدعم السياسي واللوجيستي لهم واقفال الحدود الشمالية والجنوبية في وجوههم وإيجاد الاليات لمراقبة ما تقوم به الدول الداعمة للإرهاب وتجفيف مصادر تمويلهم كما نصت عليها قرارات مجلس الامن وخاصة فيما يخص تنظيم داعش والنصرة وغيرها من المجموعات المنتمية الى القاعدة. كيف يراد لنا ان نصدق ان المحور والتحالف المعادي للدولة السورية ان يعمل على انهاء الحرب وهو ما زال يسلح "المعارضة المعتدلة" هذا الجسم الوهمي بمئات الاطنان من الأسلحة والذخائر لإطالة أمد الحرب؟ وكيف لنا أن نؤمن لآل سعود الذين بعدما فشلوا في تجنيد مزيد من المرتزقة من الدول قاموا بسحب 500 عنصر داعشي من سوريا وارسالهم الى اليمن في طائرات سعودية واماراتية وتركية؟ هذا بالإضافة الى مرتزقة ينقلون من كولومبيا بالترتيب مع شركة بلاك هوك الأمنية الامريكية المتخصصة في تأجير جيوش المرتزقة على المستوى العالمي.
ان "الاتفاق على ضرورة هزيمة تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية كما صنفها مجلس الامن الدولي واتفق عليه المشاركون" كما نص عليه البند الخامس من البيان الختامي يستدعي فيما يستدعيه بالإضافة الى ما ذكرناه في الفقرة السابقة الى وجود الاليات لضمان هزيمتها وهي ليست بالضرورة فقط العسكرية. فما زالت أبواق الفتنة تنعق ليلا ونهارا وما زال الدعم المادي والسياسي قائم من فوق الطاولة وتحتها، وهنالك مساعي حثيثة لتجنيبهم نيران الطائرات الروسية والجيش السوري والمقاومة وذلك في محاولات لانسحابهم الى مناطق آمنة من الضربات ان استطاعوا اليها سبيلا.
البند السابع يتضمن تسوية سياسية تفضي الى "تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية على ان يعقب ذلك تعديل الدستور واجراء انتخابات..." وعلى ان "تتم هذه الانتخابات تحت اشراف الأمم المتحدة وبموافقة الحكومة....". وهذا تجاوز واضح وعلى النقيض مما حصل في مؤتمر جنيف مما يعكس وبشكل واضح تغيير في موازين القوى لصالح سوريا وحلفاؤها. فلم يعد هنالك الحديث على " تشكيل حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة " النص الذي ورد في جنيف والذي كان يراد به الغاء دور الرئيس الدكتور بشار الأسد. ولم يعد المحور المعادي في وضع يسمح له حتى ولو بالكلام عن عدم البدء بالعملية السياسية قبل تخلي الرئيس الأسد عن السلطة التي خوله الشعب بها بالأساس. فقد فرضت الاحداث والميدان في سوريا والموقف الصلب للقيادة السورية وحلفاؤها المخلصين وحصيلة الخمسة سنوات الماضية على الطرف المعادي القبول بالصيغة والطرح الذي يقول بأن الأولوية للحل السياسي للازمة السورية يبدأ بمحاربة الارهاب.
"حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية" هذا ما نص عليه البند السابع. واضفاء صفة الغير طائفية هو أيضا يجب ان يدخل ضمن الإيجابيات لهذا البيان. فنحن لا نريد دولة وحكومة قائمة على نظام المحاصصة الطائفية كما هو الحال في لبنان الذي تعطلت فيه أمور الدولة ومؤسساتها منذ ما يقرب من العام والذي لعبت فيه المحاصصة السياسية الطائفية دورا رئيسيا في ايصاله لما هو عليه. وكذلك في العراق حيث لعب النظام الطائفي الذي اوجده الامريكيون بعد غزو العراق عام 2003 واسقاط نظام الرئيس صدام حسين الى ولوج الدولة الى مشاكل لا اول لها ولا آخر وما زالت العراق تعاني منها للان، وهو ما اتاح أيضا أن تكون العراق كما هو الحال في لبنان عرضة للتدخلات والاملاءات الإقليمية.
البند الثامن نص على ان "الشعب السوري هو من يحدد مستقبل سوريا". وهذا ما يجب ان يفهمه أولئك الذين يريدون تفصيل مستقبل النظام السياسي السوري بما يتلائم مع مصالحهم واستراتيجيتهم في المنطقة. لقد حاول وزير الخارجية السعودي الجبير التنطح وإدخال بند لتحديد فترة بقاء السيد الرئيس بشار الأسد والتأكيد على ان ليس له دورا في مستقبل سوريا وعلى انه لا يحق له الترشح بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية والذهاب الى الانتخابات. واضطر على بلع كلامه والسكوت عندما قيل له بمعنى من انت لتحدد نظام دولة أخرى لا تنتمي اليها وذلك من قبل السيد لافروف والسيد ظريف. وقد سبق وان عبر الرئيس بوتين عن نفس الموقف عندما قال أن فابيوس وكيري أو هولاند واوباما ليسوا بمواطنين سوريون ليحددوا من سيكون الرئيس السوري القادم.
بعض مما يفتقده البيان كان قد أشار اليه عميد السياسية الخارجية السورية السيد وليد المعلم الا وهو غياب الاليات لتنفيذ بعض البنود وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الارهاب وتطبيق قرارات مجلس الامن الدولي بهذا الخصوص واجبار الدول الراعية له على الالتزام بهذه القرارات.
الولايات المتحدة وحلفاؤها ما زالوا يتملصون من تقديم لائحة بأسماء المجموعات التي تقاتل على الأرض السورية والتي يعتبرونها "معتدلة" لأنهم يدركون ان هذه المجموعات لا وجود لها وأغب الظن انهم سيقومون في الأسبوعين القادمين على عملية تفكيك وتركيب بعض المجموعات الإرهابية وتقديمها على أنها تمثل "المعارضة المعتدلة".
الولايات المتحدة وحلفاؤها يدركون ان موازين القوى على الأرض لم تعد في صالحهم وانهم خسروا الكثير وخاصة مع بدء الجيش العربي السوري والمقاومة الاخذ بزمام الأمور والانتقال من حالة الدفاع الى حالة الهجوم. وهذا التغير أتخذ منحى متصاعد ومتسارع وحقق نقلة نوعية بدخول الحليف الروسي على الساحة السورية لمحاربة الارهاب وبثقل متميز عن المراحل السابقة التي كان يكتفي بها بتقديم الدعم العسكري التسليحي والسياسي والاقتصادي. هذا بالإضافة الى الدعم المتواصل والمتنوع والمبدئي لإيران وتأكيدها انها لن تترك دمشق وحيدة وإنها ستتدخل لحماية حلفاؤها من أي تهديد. كل هذا مجتمعا أجبر تحالف الأعداء وعلى رأسهم الولايات المتحدة ليس فقط للمجيء الى فيينا بل أيضا لتوجيه الدعوة الى إيران الدولة التي كان الفيتو الأمريكي والسعودي يستخدم لإبعادها وتغيبها عن المسرح السوري والإقليمي أيضا، الى جانب القبول بطروحات انعكست في المبادئ التي نص عليها البيان الختامي لاجتماع فيينا.
لقد وصل الحال الان وبعد شهر فقط من التواجد الروسي في الميدان على اجبار هذه الدول المارقة والمعتدية والمتآمرة الى الحد الذي اجبرها على الذهاب والجلوس على طاولة المفاوضات ليس محبة في إيجاد حلا سياسيا للازمة السورية، بل في محاولة لإبطاء الإنجازات الميدانية التي تتحقق على الأرض السورية للتحالف الروسي السوري الإيراني والمقاومة اللبنانية والتي أصبحت في موقع فرض وقائع سياسية في غير مصلحة التحالف المعادي. الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون والاقليميون سارعوا بالحضور للاجتماع وأسقطوا الكثير من عنجهياتهم وعربدتهم ورعونتهم في محاولة للملمة الأوضاع ومنع تهاوي مشروع الارهاب بكليته. ومن هنا فإن الاغلب انهم سيتبعون تكتيكات لتعطيل تقدم الجيش السوري وحلفاؤه وفرض سيطرته بالكامل على الاراضي السورية من خلال تطبيق وقف إطلاق النار ليتمكنوا من سحب الإرهابيين الى مناطق آمنة وإعادة هيكلتهم وترتيب أوضاعهم بينما على الطرف الاخر يماطلون في إطالة المباحثات السياسية لإيجاد مخرج للازمة السورية. طبعا هذا إذا ما سمح لهم بذلك. ومن الواضح ان سوريا وحلفاؤها متنبهين جيدا لمثل هذا السيناريو وذلك من خلال ما يمارسونه على الأرض واعتبار ان كل من يحمل السلاح ضد الدولة السورية والجيش السوري هو إرهابي ويجب التعامل معه بالقوة الهم الا إذا القى بسلاحه.
في النهاية نود أن نقول بانه بالرغم من التراجع للتحالف المعادي فانه يجب عدم الركون الى ذلك على الاطلاق وإن الأسابيع القادمة ربما ستشهد تصعيدا في عمليات المجموعات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة والسعودية وقطر وتركيا بهدف تحسين الوضع التفاوضي الاتي. الطريق ما زال طويلا ولكن ما نريد ان نؤكد عليه ان الانتصار على قوى البغي والطغيان آت لا محالة.
الدكتور بهيج سكاكيني
تاريخ النشر
03.11.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
03.11.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |