<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني هستيريا داخل الكيان الصهيوني!

 

 

هستيريا داخل الكيان الصهيوني!

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

هنالك جدل دائر في بعض الأوساط الفلسطينية والاقليمية والدولية حول ماهية وطبيعة التحركات الشعبية الفلسطينية الواسعة والتي شملت كل ارجاء فلسطين المحتلة التاريخية، حول ما إذا كانت هذه التحركات قد ارتقت الى ما يمكن تسميته بالانتفاضة أو انها ما زالت في إطار هبة شعبية وهكذا. وبغض النظر عن هذا الجدل الأكاديمي الذي من المفترض ان لا يعنينا كثيرا، فالعبرة ليست بالتسمية بقدر ما هي بالحقائق والمعطيات التي أوجدتها وفرضتها هذه التحركات والاحتجاجات على العدو الصهيوني وما حققته على أرض الواقع في فترة زمنية قصيرة نسبيا.

وفي تقديري انها حققت ما لم تحققه جيوش عربية بأكملها وخاصة عندما نقيس الأدوات البسيطة والبدائية التي يستخدمها فتيان وفتيات فلسطين في مجابهة الجنود الصهاينة وقطعان المستوطنين المدججين بالسلاح والذي أعطوا الحرية من قبل حكومة العدو الصهيوني بإطلاق الرصاص الحي على الفلسطيني أي كان عمره بمجرد الشك بانه قد يكون حاملا لسكين أو حتى "مقورة بطاطا" في الشارع.

لقد استطاع شبان وشابات فلسطين ان يزرعوا حالة من الذعر والخوف والارتباك لدى المستوطنين القدامى والجدد داخل الكيان الصهيوني وعلى امتداد فلسطين التاريخية، وان يبينوا للعالم أجمع وللصهاينة أن هناك شيء اسمه احتلال أراضي الغير. ولا نكون مجافين الحقيقة إذا ما قلنا إن طلب حكومة العدو بضرورة أن يحمل كل مستوطن داخل الكيان وخارجه سلاحا في حال تواجده خارج بيته ما هو الا دلالة على الشعور بعد الأمان وعلى ان الدولة وأجهزتها الأمنية والمخابراتية لم تعد قادرة على تأمين الأمن "للمواطنين". ونحن هنا لا نتحدث عن هجوم من قبل دولة أخرى تمتلك الطائرات والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بل عن انسان فلسطيني يحمل سكينا أو أي الة حادة أو حجرا. هذا الشعور بفقدان الأمان داخل الكيان وبهذه الصورة هو شعور غير مسبوق. أصبح الفرد منهم يحلم ويتهيأ له ان هنالك من يريد ان ينقض عليه في أية لحظة ليطعنه وهو ماشي في الشارع الذي اعتاد أن يسرح ويمرح به منذ عشرات السنين بشكل طبيعي. وفجأة يجد نفسه مضطرا الى ان ينظر في جميع الاتجاهات تحسبا لأي طارئ ويدقق في وجوه المارة. وخير مثال على ذلك قصة اليهودي الاثيوبي في المحطة في بئر السبع الذي قتل على أيدي "النخبة" في جيش الكيان الصهيوني ونكل به وهو مرمى على الأرض من جراحه، لأنهم شكوا انه قد يكون منفذ العملية لان ملامحه تشبه ملامح عربية على ما يبدو.

هذا التصرف الاني والانفعالي والمرتبك انما يأتي ليدل على فقدان الصواب حتى من قبل ممن كان يفترض بهم ان يكونوا النخبة في الجيش، فكيف بالحري بالآخرين.  الى جانب ذلك فان الحادثة تدلل على مدى العنصرية المتواجدة داخل الكيان الصهيوني فاليهودي الشرقي لا يعامل مثل اليهودي الاتي من الدول الغربية. والان أصبح الامر أخطر من أي وقت مضى ربما بالنسبة لليهودي الشرقي الاتي من اليمن أو العراق أو المغرب العربي ...الخ لان لون بشرته أصبحت تشكل تهديدا لحياته داخل الدولة التي "التجأ" اليها ليعيش بأمان. والان عليه أن يجابه حقيقة مرة للغاية، أمر من مجرد التمييز في الوظائف ومراكز الدولة أو السكن أو التعليم وهكذا.

وقبل يومين قتل أيضا مستوطن في الأراضي المحتلة عام 1967 على ايدي جنود إسرائيليين حيث قاموا بإطلاق النار عليه لأنهم شكوا أنه فلسطيني يحمل سكينا. واليوم أثناء كتابة المقال خبر عن قتل مستوطن يهودي في القدس على يد "حارس إسرائيلي" بالخطأ لاعتقاده بان فلسطيني يحمل سكينا والحبل على الجرار. لقد وصل الحال الى نوع من الهستيريا حتى ضمن المؤسسة الأمنية والعسكرية ولا شك انه من الصعب معالجة مثل هكذا أمر وليس من المستبعد ان يطالب كل يهودي الان وخاصة مستوطنين الضفة الغربية بوضع إشارة للدلالة على انهم يهود، كما كان الحال أيام النازية في المانيا.

وعودة الى حادثة بئر السبع لدلالتها المعنوية والنفسية فقد عرض التلفزيون الاسرائيلي كيف هرب جنود "النخبة" الذين يحملون السلاح بمجرد رؤيتهم الشاب الفلسطيني وهو ينزع سلاح أحد زملائهم ويبدأ بعملية إطلاق النار على من تواجد. وكان الفلسطيني في طريقه للخروج  من المكان بعد تنفيذ العملية لولا مجابهته لحفنة من الجنود القادمين الى نفس المحطة بالصدفة وقد استشهد الشاب عندما فرغت الذخيرة منه. العبرة هنا ليس بالتفاصيل بقدر ما هو بدلالات الحدث. فالجنود من عناصر "النخبة" يهرعون بالهرب من الارتباك، وهذا ما رأيناه عام 2006 عندما شن الكيان الغاصب حربا على لبنان. عناصر من "النخبة" ينزعون ملابسهم العسكرية ويهربون من احدى المعارك مع مقاتلي حزب الله. وهنالك تساءل داخل الكيان إذا ما كانوا هؤلاء من "النخبة" الذين يخضعون لتدريبات قاسية عسكريا ونفسيا والعمل تحت ظروف وضغوط صعبة للغاية يهربون الان من هكذا حدث، كيف سيكون الحال عندما يواجهون مقاتلي حزب الله؟ أو كيف يكون الحال مع جنود الاحتياط أو الجنود العاديين؟ وهل هو هذا الجيش الذي نشأنا على مفهوم انه الجيش الذي لا يقهر والذي يؤمن الأمان ليهود "إسرائيل"؟

الشاب الفلسطيني كان يتصرف بثبات وثقة وإصرار وتصميم على إيقاع الأذى بأكبر عدد ممكن من الجنود والمستوطنين، وكان يدرك ان مصيره الاستشهاد. وهكذا الحال مع كافة الشباب والفتيات الفلسطينيون الذين قاموا بطعن المستوطنين أو الجنود أو قاموا بعمليات دهس بالسيارات أو الحافلات، أو الذين يتصدون بالحجارة ويشتبكون مع المحتل الغاصب على خطوط التماس.

القيادة السياسية والأمنية في الكيان الصهيوني بدأت تعترف بانها غير قادرة على السيطرة على الأرض وبالرغم من كل الإجراءات التعسفية والبربرية التي اتخذت لقمع هذه التحركات التي تتصاعد يوميا وبشكل ملموس وأصبح الشارع الفلسطيني متقدم على القيادات الفلسطينية بكل المقاييس. وقد وصل التخبط في القيادة السياسية والأمنية داخل الكيان الصهيوني الى حد الطلب من السلطات القضائية داخل الكيان بتطبيق قانون يجيز سجن من يحمل حجرا في مقاومة الاحتلال بالسجن من ثلاثة الى عشرة سنوات وهو ما رفضه العديد من القضاة لسخافته وعدم هضم مثل هذه الاحكام قضائيا على الرغم من العنصرية التي يتمتع بها قضاة الدولة.

ومن هنا جاءت دعوات المجرم نتنياهو أنه على استعداد للعودة الى المفاوضات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة، هذا بالإضافة الى الإسراع بطلب النجدة من السيد كيري والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبعض الدول الإقليمية التي باستطاعتها التأثير على السلطة الفلسطينية عن طريق التلويح بقطع الدولارات شريان الحياة للسلطة والمنافع المادية للعديد من عناصرها. كما طالب قاتل الأطفال نتنياهو "المجتمع الدولي" بالضغط على الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس بوقف "التحريض" على الارهاب.

وكان من نتيجة هذه الاستجداء دعوة كيري للإجتماع  بنتنياهو في المانيا، وتوجه كيري الى الأردن والسعودية وربما مصر بعد ذلك في محاولة للضغط على الجانب الفلسطيني. وتراكض الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة "إسرائيل" والضفة الغربية المحتلة والاجتماع بالرئيس أبو مازن في محاولة "لتهدئة" الأوضاع والعودة الى حالة من " الهدوء والاستقرار" التي كان ينعم بها المستوطنين قبل هذا التحرك الجماهيري العارم. بالإضافة الى اخراج دولة المستوطنين من مأزقها والاحراج الدولي الذي تسببه تناقل الصور التي تبين وحشية وهمجية المستوطنين والجنود الصهاينة في تعاملهم مع حتى الأطفال الفلسطينيين الذي لم تتجاوز أعمارهم 11 سنة. هذا الى جانب الفضيحة الكبرى لهذا الكيان المسخ الذي تبين هشاشة بنيته وجيشه واجهزته الأمنية، هذا الكيان الذي كان يضرب به المثل من حيث القوة والقدرة على السيطرة والتحكم هذه المنظومة والهالة التي بدأت بالانهيار الفعلي والعملي منذ انتصار المقاومة اللبنانية 2006.

الذي تبينه مثل هذه الحركات الجماهيرية والمقاومة من ان الاسوار التي بنيت والاسلاك الشائكة وأجهزة التنصت والكاميرات والتي حولت الكيان الصهيوني الى "غيتو" كبير لن تحقق ما سمي "الامن الإسرائيلي". ولقد ارتفعت أصوات في داخل إسرائيل تطالب الحكومة الإسرائيلية باتخاذ خطوات بالانسحاب من القدس هذه المدينة التي ضمت وأعلنت انها "العاصمة الأبدية" لدول إسرائيل. وربما هذا يكون درسا للقيادة الفلسطينية المتنفذة وخاصة للسلطة الفلسطينية من أخذ العبر من بروز هكذا أصوات.

فمنذ سنوات كان الصهاينة في هذه الدولة يعتقدون بان الوضع القائم هو أفضل الخيارات المتواجدة. هذا لأنهم كانوا ينعمون بالسلام والازدهار داخل حدودهم الى جانب الدعم الاقتصادي والسياسي الغربي الدائم دون تردد والغير مشروط من قبل الإدارات الامريكية المتعاقبة، بينما الشعب الفلسطيني قد غاب أو غيب عن الاهتمام الدولي وهو الطرف الذي يعاني من الاحتلال والقهر والاضطهاد وأوضاع اقتصادية صعبة. هذا بالإضافة الى تعرضه للعنف من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين الذين عاثوا بالأرض فسادا وأمعنوا بفكرهم الداعشي وممارساتهم الوحشية بحرق الأطفال والعائلات وهم احياء. وقاموا بالهجوم على العديد من القرى الفلسطينية وسرقة محاصيلها الزراعية أو حرقها وتسليط الخنازير البرية على المزارع واغراق الأراضي في بعض القرى بالمياه العادمة من المستوطنات..الخ.

هذا الوضع المريح للصهاينة الذي لا يشكل أي ازعاج بالنسبة لحياتهم اليومية العادية الى جانب انه احتلال غير مكلف من ناحية مادية فهو كما كنا قد ذكرنا في مقالات سابقة أرخص احتلال في العالم في التاريخ المعاصر والقديم لا وبل انه يحقق مكاسب اقتصادية لهم بمعنى ان مشروع الاحتلال هو مشروع رابح للعدو الصهيوني. وإذا ما أضفنا الى كل هذا وجود سلطة فلسطينية لديها الاستعداد للتعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الكيان المحتل لضمان أمنه والعمل على منع اية محاولات لتنفيذ عمليات عسكرية داخله، الى جانب تواجد بلدان عربية ضاغطة على السلطة كلما حاولت رفع نبرة صوتها قليلا، هذه الدول ايضا حرفت بوصلة الصراع مع الكيان الغاصب الى إيران تحت ذرائع ما انزل بها الله من سلطان. إذا ما اخذنا كل هذا بمجمله فلن نستغرب أن الكيان الصهيوني ليس بوارد أن يفكر بشيء اسمه تحقيق السلام أو الاستعداد للاعتراف ببعض الحقوق للشعب الفلسطيني ولو في الحدود الدنيا.

نحن لا نستطيع تغيير الواقع العربي بالطبع ولكننا كشعب فلسطيني محتل نستطيع ان نجعل الاحتلال مشروعا مكلفا على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والإعلامية بشكل يجعل حياة الصهيوني داخل هذا الكيان يشعر ببعض مما يشعر به الفلسطيني تحت الاحتلال. وربما إبقاء شعلة مثل هذه التحركات الشعبية وتطويرها وتراكم المقاومة بكافة اشكالها وأساليب النضال خير وسيلة في هذا الطريق لجعل كلفة الاحتلال عالية وجعله مشروعا خاسرا.

الدكتور بهيج سكاكيني

bahij.sakakini@gmail.com

 

 

تاريخ النشر

22.10.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

22.10.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org