%@ Language=JavaScript %>
الهبة الفلسطينية الشعبية تتجذر ...ومحاولات الالتفاف عليها لم تتوقف
الدكتور بهيج سكاكيني
حالة غليان شعبي فلسطيني عارم تجتاح الجغرافيا الفلسطينية بكاملها من الضفة الغربية وقدسها وغزة والمثلث وحيفا، تمثلت بالتظاهرات والاضرابات والاعتصامات والاشتباك مع قوات الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين على امتداد الأراضي الفلسطينية وحالات طعن بالسكاكين وحتى "مقاور البطاطا" للمستوطنين الصهاينة من قبل الفتيان والفتيات الفلسطينيين الى جانب عمليات إطلاق نار على دوريات الجيش الإسرائيلي.
هذه الهبة الجماهيرية التي أذهلت القيادة الفلسطينية ربما قبل ان تذهل مخابرات العدو وكافة أجهزته الأمنية والاستخباراتية والتي تجاوزت التوقعات، جاءت على خلفية الاعتداءات والاقتحامات المتكررة والمستمرة على المسجد الأقصى المبارك واقتحامه واقتحام باحاته من قبل قطعان المستوطنين الجدد والقدامى بحراسة وحماية جنود الاحتلال الإسرائيلي، ووسط دعوات إسرائيلية بإعطاء اليهود الحق في تقسيمه زمنيا ومكانيا. كما انها جاءت نتيجة تراكمات لاحتجاجات ونضالات مستمرة ضد الممارسات الهمجية والفاشية للاحتلال الذي ما زال جاثما على الأرض الفلسطينية.
حالة من الارتباك والهلع أصاب المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية نتيجة هذه الهبة الجماهيرية وخاصة من حيث عنفوانها واتساع رقعتها الجغرافية وعدم القدرة على ضبطها أو إطفاء شعلتها التي تزداد لهيبا يوما بعد يوم أمام وسط عربي متخاذل ومتآمر حتى النخاع والذي كل ما فعله هو الضغط على الطرف الفلسطيني في محاولة لتهدئة الأوضاع. ولن نستغرب إذا ما صدر قرار عربي من هنا او هناك ليدعوا "الطرفين" على "ضبط النفس" وعدم " الانجرار" الى مفاقمة الوضع مما "يودي الى الانفجار" وعدم ضبط الأمور. ولقد رأينا شيء من هذا القبيل مثل الدعوة " لن ننجر الى مربعهم" بمعنى مربع العدو الصهيوني الذي يمارس أبشع أنواع العنف ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
رسائل تصل الى السلطة الفلسطينية تباعا للعمل على تهدئة الأوضاع ومن لا يرسل رسالة خوفا من ادانته بدليل مادي في أي مرحلة تاريخية عندما يحين زمن "ريحتكم طلعت" على قول الحراك اللبناني، يقوم بالاتصال شخصيا هاتفيا ويهدد بقطع معونة مالية إذا لم يتم الانصياع للأوامر، أو بالقول "احنا مش فاضين لكم"، وخاصة في زمن لا يراد فيه التوقف عن إنتاج زنادقة الدواعش أو العكننة على مصنعيهم ومصدريهم المنهمكين في تدمير الدول الوطنية في سوريا والعراق واليمن والحبل على الجرار. فالدواعش لم تنتج وتمول وتسلح "للجهاد" لا "لتحرير" فلسطين ولا "لتحرير" المسجد الأقصى بل لتدمير المساجد وبيوت الله بما فيها من مصلين شيعة كانوا ام سنة ام مسيحيون، والمسجد الأقصى على لائحتهم للتدمير وتقديمه للصهاينة "الحبايب" القدميين والجدد.
وفي كل مناسبة تصل فيها الأوضاع الى الحد الذي يضع الاحتلال في مأزق نابع من مواجهات مع الشعب الفلسطيني نرى التحركات والاتصالات الدولية والإقليمية منصبة على اتخاذ الإجراءات لتهدئة الأوضاع بالوعود تارة والتهديد تارة أخرى وهكذا دواليك. وبدلا من ان تنصب الجهود في معالجة أصل المشكلة والداء والذي هو الاحتلال بعينه تنصب الجهود الى محاولة علاج بعض افرازات هذا الاحتلال. ويتركز الضغط على الطرف الفلسطيني وتبذل الجهود لأحياء مسيرة المفاوضات العبثية لندخل في دوامة عبثية أخرى. ولا شك ان هنالك أطراف فلسطينية قد ادمنت على المفاوضات وهرمت وهي تفاوض ولا تستطيع العيش بدونها فتراها تهرول كل مرة اليها، وتجد لها التخريجات والتبريرات التي أصبحت كلاشيهات محفوظة تردد كالببغاء على الشاشات الصغيرة ، بعد ان كانت نفس الشخصيات تطلق التصريحات النارية قبل أيام معدودة.
وها هي الرباعية تتحضر للمجيء وذلك بعد ان يسمح لها نتنياهو بذلك، فلا يعقل ان يؤتى بها وجيش الاحتلال في وضع يعيد احتلال ليس فقط أراضي 1967 بل أراضي 1948 أيضا، ويفضح الامر على الملأ بأن "دولته" هي دولة استيطان ومستوطنين قدامى وجدد بكل المقاييس. الرباعية التي ما زال البعض في السلطة ينتظرها بفارغ الصبر لترفع عنه الاحراج وتخفف عنه ضغوط الشارع الفلسطيني الملتهب، هي البلاء بعينه الذي ابتلينا به. لأنها لم تقم الا بشرعنة الاحتلال وممارساته وتجميل صورته أمام العالم وتعطي الانطباع الخادع بان شيء اسمه "عملية السلام" قائمة، وما على العالم الا انتظار المولود الذي سيبشر بتهويد كامل فلسطين التاريخية. الرباعية ومنذ ولادتها السيئة لم تعير للمطالب الفلسطينية أو الحقوق الفلسطينية أي اعتبار أو اهتمام. وأنها في جميع مواقفها تبنت الطروحات الإسرائيلية وفي بعض الأحيان كانت إسرائيلية أكثر من نتنياهو بذاته، وخاصة عندما كان السيد طوني بلير هو الممثل والمايسترو لهذه الرباعية.
الرباعية في حقيقة الامر ما هي الا الولايات المتحدة الامريكية وكل من يقول بعكس ذلك انما يرتكب خطا كبيرا. الاتحاد الأوروبي ما هو الا العوبة في يد أمريكا وتابع لها بكل ما تقول وان بدا في بعض الأحيان بعكس ذلك، فهذا ما يسمى بتوزيع الأدوار ليس الا. أما الطرف الروسي فهو لا يريد ان يكون كاثوليكيا أكثر من البابا فالطرف الفلسطيني المفاوض قد رمى كل بيضه في السلة الامريكية منذ بدء المفاوضات العبثية ولغاية الان. وحتى عندما كان الطرف الفلسطيني يذهب الى موسكو فانه كان يذهب للاستعراض أو لإخبار الطرف الروسي عما جرى ونقطة على السطر. ومن هنا فإننا لا نرى خيرا في مجيء الرباعية ولا في التحدث معها لان الحديث معروف والسيمفونية قد سمعها شعبنا وقرف من كثرة ما رددت ويعرف ان العودة الى المفاوضات العبثية على الطريق بعد إعطاء الوعود الكاذبة التي لا تتعلق بالاحتلال أصلا. ولا نرى خيرا في مجيء السيد كيري الذي يتهيأ للمجيء الى المنطقة "لتهدئة الأوضاع" أيضا وما أكثر من يريدون تهدئة الأوضاع هذه الأيام حتى لا تنغص على اجنداتهم في المناطق الأخرى فيكفيهم "خوازيق" كما يقول المثل الشعبي.
ان الالتفاف على الهبة الشعبية ومحاولة اجهاضها تجري على قدم وساق في الغرف المغلقة وبمشاركة فلسطينية للأسف الشديد لان مثل هذه الهبات تعكر صفو البعض وتجعلهم في حالة من الارتباك والخوف على مستقبلهم السياسي والمالي الى جانب المكانة والجاه والسلطة والسطوة. وقد يرى بها البعض الفلسطيني للأسف انها قد تهدد مكانة حزبه أو تنظيمه وتفتح المجال لاستثمارها من قبل منافسيه، وهذا بحد ذاته مصيبة كبرى. وقد سمعنا للأسف بعض التصريحات في هذا الخصوص، ونأمل ان تصحح مثل هكذا مواقف لان الإبقاء على الحالة الانتفاضية أو الهبة الشعبية بحاجة الى تضافر كل الجهود الفصائلية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني وكل مكونات مجتمعنا الفلسطيني إذا ما اريد لها ان تبقى شعبية.
ان على السلطة انتهاز الفرصة للإعلان عن شطب اتفاقية أوسلو وشطب كل الاتفاقيات والتفاهمات التي ترتبت عليها والوقف الكامل للتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال والتوجه الى الأمم المتحدة لكي تتحمل مسؤولياتها تجاه الاحتلال الإسرائيلي طالما انها لا تعترف بكل التغيرات التي فعلتها إسرائيل لخلق أمر واقع على الأرض.
ويبقى السؤال هل سترضخ السلطة الفلسطينية للتهديدات وتعمل أجهزتها الأمنية على كبح الهبة الشعبية من خلال حملة اعتقالات واسعة وقمع المتظاهرين على نقاط التماس تحت ذريعة حمايتهم من جيش الاحتلال، ام أنها على الأقل ستترك الجماهير المنتفضة دون التعرض لها؟؟؟؟؟ وهل ستتشكل قيادة ميدانية موحدة لتقود الهبة وشعاراتها لتحقق نقلة نوعية في نضالات سكان الأراضي المحتلة أم ستبقى الفصائل أسيرة نظرات ضيقة حزبية وفئوية وتبقى حالة التشرذم والانقسام والاستئثار بالسلطة ومصادرة القرار الفلسطيني؟ هل ستتمكن قوى الرجعية العربية وأطراف فلسطينية من الالتفاف على هذه الهبة واخماد جذوتها وعنفوانها؟ وهل وهل وهل....العديد من الأسئلة تدور في اذهان العديد.
ولكن الشيء الذي لا يستطيع أحد ان يمحيه او يتغاضى عنه هو هذا التوحد بين أبناء الشعب الفلسطيني على ارجاء فلسطين التاريخية الذي يؤكد انه وبعد ما يقرب من سبعة عقود وبالرغم من محاولات الصهاينة في كي الذاكرة والوجدان الفلسطيني باستخدام جميع الطرق والأساليب، فانها ما زالت حية نابضة متيقظة لن تخمد ولن تموت، وعلى ان المراهنة على الفصل الجغرافي والعمري للفلسطيني أنه مشروع فاشل، وبانه كما قال مفكر فرنسي كبير انه لا يمكن ان يتعايش المستعمر (بفتح الميم) مع المستعمر(بكسر الميم).
تاريخ النشر
15.10.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
15.10.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |