<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني قراءة في زيارة الوفدين السعودي والاماراتي الى موسكو

 

 

 

قراءة في زيارة الوفدين السعودي والاماراتي الى موسكو

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

بغض النظر فيما اذا ما كانت هذه القمة مقررة سابقا ام لا حيث دار الحديث على ان هذا الاجتماع كان قد حدد موعده سابقا وذلك أثناء زيارة الوفد السعودي الى موسكو في حزيران الماضي، فان هذه الزيارة لوفد رفيع للسعودية ضم وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الخارجية الجبير انما تأتي في ظروف إقليمية مغايرة كلية وخاصة في الساحة السورية ودخول روسيا العسكري بقوة على هذه الساحة في محاربة الإرهاب الذي دعمته ومولته السعودية ومعظم الدول الخليجية بسخاء مادي غير مسبوق حتى بالمقارنة عندما كانت الراعية والبقرة الحلوب التي درت مليارات الدولارات على تنظيم القاعدة في أفغانستان أثناء قتالها القوات الروسية هناك. هذا عدا عن الدعم السياسي على المستوى الإقليمي أو الدولي التي جندت له الخزينة السعودية ووضعت تحت تصرف الدول الغربية وأجهزة مخابراتها ومصانعها العسكرية. فآل سعود لا يجيدون الا شراء الذمم وصرف المليارات لكسب مكانة هلامية وهامشية بين الدول وأخذ الصور مع رؤساء الدول الغربية. هذا في الوقت الذي لا يجدون فيه بضعة ملايين لبناء مدارس للبنات الذين يتلقون الدروس في الصفوف في الشقق السكنية الغير مؤهلة لاستيعاب الطالبات والتي لا تؤمن الحد الأدنى من معايير الأمان في حالة الطوارئ مثل نشوب حريق في المبنى الذي يقضي على عشرات منهم كما حصل في أكثر من حادث.

ربما كان الطبيعي ان تلغى مثل هذه الزيارة اذا كانت فعلا قد تقررت سابقا،  في الوقت الذي ترى فيه السعودية وقد تحطمت احلامها ورؤياها للمستقبل السوري وذلك بفعل الانتصارات والصمود الذي أبدته القيادة السورية والجيش السوري والشعب السوري بالدرجة الأولى والذي كان حافزا ليس فقط لتقديم الدعم السياسي والعسكري من قبل حلفاء سوريا وبالأخص روسيا وايران وحزب الله الذي كان قد دخل بثقل عسكري منذ مدة طويلة، بل شكل رافعة للمؤازرة الروسية العسكرية بالمجيء الى الأراضي السورية بثقل عسكري لا يستهان به على الاطلاق والذي وفي خلال أسبوع واحد فقط منذ بدء توجيه الضربات الجوية من الطائرات الروسية لأوكار الإرهابيين وعلى اختلاف مشاربهم ومشغليهم، بدأت موازين القوى تنقلب بشكل حاسم لصالح الجيش السوري والمقاومة اللبنانية التي تقاتل معه جنبا الى جنب.

ولقد كان للمجموعات الإرهابية التي تمدها السعودية وقطر وتركيا في منطقة الشمال السوري خاصة من النصرة وجيش الفتح واحرار الشام والتنظيمات القاعدية الأخرى نصيب الأسد من هذه الضربات التي شلت عمودها الفقري وأجبرتها على التراجع، وبالتالي انهيار المراهنات على هذه المجموعات الإرهابية في حلم اقامت منطقة عازلة او منطقة حظر جوي أو اقتطاع جزء من الأراضي السورية لإقامة كيان مسخ هلامي ليشكل نواة لدولة تعطى مسؤولية ادارتها الى ما يسمى "بالائتلاف" السوري المعارض كخطوة على طريق تفتيت الوطن السوري وتدمير الدولة الوطنية السورية.

وربما هذا ما سبب الولولة الصراخ والعويل الذي أطلقته الدول الغربية وتركيا والأدوات الإقليمية من ان معظم الضربات قد وجهت الى "المعارضة" المعتدلة المدعومة منهم وليس لتنظيم داعش. وهذا يعود بالتحديد الى نقطتين أساسيتين أولهما ان الإرهاب بالنسبة لروسيا كما هو الحال للدولة السورية لا يتمثل فقط بتنظيم داعش التي تدعي الولايات المتحدة انها تحاربه من خلال "الائتلاف" الدولي الذي انشاته على عجل باستبعاد قوى إقليمية ودولية فاعلة وخارج إطار الأعراف والقوانين الدولية. فالإرهاب بالمفهوم الروسي والسوري يضم النصرة وكل التنظيمات القاعدية الاخرى مثل جيش الفتح واحرار الشام، لا بل وكل من يحمل السلاح في وجه الجيش العربي السوري الشرعي الذي يأتمر بإمرة الرئيس بشار الأسد كما تفهمه روسيا.

أما النقطة الأخرى فهي تعود الى الأولويات على الساحة في الميدان. فقد بدأت روسيا بتوجيه الضربات الجوية للعناصر والمجموعات الإرهابية بالأماكن التي تتواجد بها والتي قد تشكل تهديدا لأمن القاعدة حيث تتواجد طائراتها وخبرائها وقطعها البحرية فلا يعقل أن تترك أي مجال للإرهابيين باستهداف هذه القاعدة وتهديدها امنيا. الى جانب ذلك فان الضربات قد اخذت بعين الاعتبار أيضا التهديد الذي قد يشكله الإرهاب على الجيش السوري والمؤسسات الرسمية السورية بمعنى تشكيل تهديد للسيادة السورية، الى جانب تأمين الهجوم البري الذي يقوم به الجيش السوري على الاوكار الإرهابية. ومن هنا تركزت الضربات في المرحلة الأولى على مناطق حمص وحماة وحلب والساحل بمحاذاة اللاذقية وحتى الحدود التركية.

تأتي الزيارة للوفد السعودي والاماراتي والاجتماع بالرئيس بوتين كل على حدة ضمن معطيات ميدانية وسياسية تشير وبشكل واضح على تحولات استراتيجية قادمة مدعومة بتغيرات جوهرية على الأرض لصالح محور المقاومة، وتراجع المحور المعادي كما يستدل من الخطاب السياسي ومن خلال التصريحات للاتحاد الأوروبي وخاصة المانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة. فهذه الدول وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية تدرك جيدا ان ما يجري على الأرض سيغير من قوانين اللعبة كما صرحت مؤخرا وزيرة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وكان هنالك تصريح لافت للمستشارة الالمانية ميركل بانه لا يمكن إيجاد حلا سياسيا للازمة السورية الا بالتحدث مع روسيا. والجميع ولو بأشكال مختلفة بعض الشيء لم يعد تنحي الرئيس الدكتور بشار الأسد شرطا للبدء بالحوار السياسي لإيجاد حل للازمة السورية، لا بل وان البعض أصبح يقول ان هذا الطلب غير واقعيا. ولقد صرحت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بان الاتحاد على استعداد للتحلي بالمرونة فيما يختص بالتوقيت والطريقة التي يتم فيها رحيل الرئيس الأسد عن السلطة في سوريا. نحن نسوق هذه المواقف مع قناعتنا التامة بانها جميعها تدلل على وقاحة وعجرفة متناهية من كل الأطراف هذه التي تنصب نفسها الوصي على إرادة الشعب السوري الذي قال كلمته في انتخابات رئاسية حرة، وتتعامل مع الشعوب بالمنطق الاستعماري القديم الذي يريد ان يقرر مصير هذه الشعوب الذي أساسا لا ينتمي لها لا بالتاريخ ولا بالقيم ولا بالأعراف الاجتماعية ولا بالهوية الثقافية والحضارية. وكما قال الرئيس بوتين ان هولاند واوباما ليسوا سوريين وبالتالي لا يحق لهم انتخاب الرئيس السوري.

الدولتين الوحيدتين اللتين ما زالتا تسبحان بعكس التيار وتغردان خارج السرب هما السعودية (آل سعود ولا نقصد الشعب السعودي) وتركيا أردوغان الذي ما زال يحلم بان يكون السلطان العثماني الجديد ويعيد "امجاد" الباب العالي على حساب الدم السوري والعراقي واليمني..الخ.

الزيارة للوفدين الاماراتي والسعودي تأتي في الفترة التي تشهد تراجعا واضحا للعديد من محور الأعداء الذي تفاجأ من حجم الدخول الروسي على خط الازمة السورية وإصرار القيادة الروسية على عدم التراجع لأسباب عديدة تحدث الكثيرون عنها ولسنا بصدد ذكرها أو مناقشتها هنا. لكن ما يهمنا قوله هنا ان هذه الزيارة ان كانت تسعى لتغيير الموقف الروسي من خلال الأسلوب الذي يتقنه آل سعود وهو دفع المليارات فقد فشلت فشلا ذريعا كما فشلت المحاولات السابقة لأمير الارهاب السعودي بندر بن سلطان كما فشل المتوفى وزير الخارجية سعود الفيصل والان يضاف اليهما وزير الدفاع وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير خارجيته الذي لا يتقن الدبلوماسية الجبير. ونحن لا ندري ما الفائدة من مجيء الوفد الاماراتي في نفس الوقت ربما هذا يكون إشارة لتحضير الامارات لتأخذ مكان السعودية التي تتنبأ بعض مراكز الأبحاث الامريكية ( فورين بوليسي 7 أكتوبر 2015 ) بانهيارها نتيجة وضعها الاقتصادي والسياسات الخارجية المدمرة والكارثية التي تبنتها القيادة السياسية الجديدة خاصة في اليمن حيث غرقت في مستنقع لن تعرف كيف ستخرج منه فهي لا تستطيع ان تتراجع لان هذا يعني نهايتها حتى على المستوى الخليجي ناهيك عن دورها الإقليمي والدولي والإسلامي، وبقاءها يعني استنزاف خزينتها ضمن وضع اقتصادي متردي أجبرها على سحب 72 مليار دولار من صندوق الاحتياط.

السعودية تعاملت مع الازمة السورية منذ البداية بشخصنة الازمة والصراع مطالبة برحيل الرئيس الأسد وما زالت تصر على ذلك بعقلية بدوية ثأرية عمياء، ومن الواضح ان هذه العقلية وهذه النظرة الضيقة الى الأمور وعدم رؤية الواقع ورفض التعامل مع الحقائق على الأرض والإصرار والتعنت على المواقف التي لا يمكن نعتها الا بالسخيفة والصبيانية لن تؤدي بهذه العائلة الا الى الاندثار من على الساحة السياسية قريبا. فمن الواضح انها لا تريد النزول من على الشجرة وتتشبث بمواقفها في سوريا واليمن. بمعنى انها ما زالت تنحى الى الخيار العسكري.

ولا بد لنا ان نشير هنا الى ان هذا التعنت السعودي لا يمكن له ان يتواجد لولا الدعم الأمريكي، فالإدارة الامريكية بنت استراتيجيتها مؤخرا على استخدام الحلفاء والأدوات وإطلاق يدهم للعبث بالدول الوطنية ضمن الأطر الاستراتيجية الامريكية. طبعا الكل يعلم ان الإدارات الامريكية المتعاقبة تعطي هامش من الحرية لأدواتها وحلفاءها في محاولة لتحقيق أغراض ومكاسب لهم. ولكن الإدارة تتدخل لوضع حد عندما ترى الضرورة لذلك. وفي تصوري ان مدى تراجع السياسة العدوانية الأمريكية في المرحلة الحالية يمكن ان يقاس بمدى لجم العدوان العسكري "للتحالف" الذي تقوده السعودية في اليمن الى جانب مدى الضغط على السعودية لإيقاف عمليات الدعم المادي والإعلامي والتسليحي للإرهابيين في سوريا والتي ما زالت الولايات المتحدة تطلق عليهم المعارضة السورية مما حدا بالبعض لطرح السؤال هل أمريكا بصدد التحالف مع الارهاب في سوريا؟

من المؤكد ان الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة والإقليمية وخاصة تركيا والسعودية لن تستسلم للمتغيرات الاستراتيجية التي ادخلتها روسيا الى المنطقة وخاصة وانهم يدركون ان القضية أبعد من سوريا. وبينما لن تستطيع الولايات المتحدة أو حلف الناتو ان تتعرضا الى روسيا عسكريا في سوريا لما قد تحمل هذه الاحتكاكات الى مخطر جدية لتوسيع دائرة الاشتباك لتشمل المنطقة باسرها وربما ما هو أبعد، فانه من المؤكد ان الإدارة الامريكية ستقوم بتشغيل ادواتها وحلفاءها في المنطقة بالتحرك بطرق عدة بهدف تعطيل وعرقلة الدخول الروسي وتداعياته على المستوى الإقليمي والدولي، ونأمل ان نتناول بعض من هذه الطرق في مقالات قادمة.

bahij.sakakini@gmail.com

 

 

 

تاريخ النشر

14.10.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

14.10.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org