<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني اللاجئون والمهاجرون والمهجرون...قضية سياسية بامتياز

 

 

اللاجئون والمهاجرون والمهجرون...

 

قضية سياسية بامتياز

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

الفوضى تعم منطقة الشرق الأوسط وهنالك دول فقدت السيادة والسيطرة على أراضيها أو أجزاء من أراضيها التي تتعرض لعمليات تدمير ممنهجة من قبل مجموعات إرهابية تكفيرية وهابية التي انتشرت وما زالت تنتشر كالخلايا السرطانية في المنطقة ودولها واقامة شبكات على غرار شبكات المافيا، البعض منها يعمل على تهريب البشر من خلال ما سمي بالهجرة الغير شرعية بإرسالهم الى الشواطئ الأوروبية عبر زوارق الموت الغير مجهزة مطلقا لنقل الالاف منهم يوميا في الأيام القليلة الماضية الى هذه الشواطئ بمعدلات غير مسبوقة، قبل البدء برحلة المشي على الاقدام لعبور الحدود البرية لهذه البلد أو تلك قبل الوصول الى ما اطلق عليه البعض "ارض الميعاد" .

وعلى الرغم من ان التركيز الكبير من وسائل الاعلام الغربية كان وما زال على اللاجئين والمهاجرين السوريين لأغراض في نفس يعقوب كما كنا قد أوضحنا في مقالات سابقة، فان هؤلاء بحسب بعض الاحصائيات لا يشكلون الا في حدود 20% من الوافدين الى هذه الدول الأوروبية في محاولة للجوء أو الهجرة الغير شرعية تبعا لكيف ينظر إليهم أو يصنفوا بحسب اللوائح. وهؤلاء اللاجئون أو المهاجرون يأتون من العديد من المناطق الجغرافية والدول التي تتضمن سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان وموريتانيا وتونس والمغرب ومالي ونيجيريا وربما غيرها أيضا ولو بإعداد قليلة. ويقدر العدد الذي وصل الى الدول الأوروبية في الفترة الأخيرة بحوالي 120 ألف مهاجر ولاجيء.

والمتتبع للزوبعة التي أثيرت حول الموضوع يرى ان جل ما ركزت عليه وسائل الاعلام كان محصورا على حجم المآسي الانسانية والظروف القاسية والخطرة التي يتعرض لها هؤلاء الناس، وعلى المشاكل بين الدول الاوروبية التي ترتبت على عدم القدرة على استيعاب هذا العدد من اللاجئين والمهاجرين وتوزيعهم على دول الاتحاد الأوروبي ورفض بعض الدول التمسك بالمواثيق المنتفق عليها بين دول الاتحاد الأوروبي فيما يختص بالهجرة، مما حدا بعضها على إقامة الحواجز والاسلاك الشائكة واجبار طالبي اللجوء والمهاجرين الى الذهاب الى مراكز تجمع معينة وبالتالي عدم السماح لهم بحرية التنقل والحركة بين الدول وهو ما كانت تضمنه الاتفاقية المعروفة باسم شنغن. كما أثير النقاش حول التكلفة المادية لاستيعاب هذا العدد، وذهب بعض العنصريين وذوي التوجه القومي المتطرف بعيدا حيث ذكر البعض ان الاعداد التي تدفقت هذا العام والمتوقعة ان تزداد في السنوات المقبلة قد تؤدي الى تغيير الوضع الديمغرافي لا بل والتركيبة الدينية لهذه الدول. وعلى ان المستفيد الوحيد قد تكون المانيا بحكم التناقص المستمر في تعداد سكانها وحاجتها الى الايدي العاملة للإبقاء على معدلات النمو الاقتصادي لها.

لا يملك أي انسان حر شريف الا أن يتعاطف مع قضايا اللاجئين والمهاجرين لكونها مأساة وكارثة إنسانية بكل الابعاد والمقاييس. ولكن لا بد ان نتساءل حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة التي بتنا نشاهدها على شاشاتنا الصغيرة على مدى أيام وايام الان. فالحل الجوهري لمثل هذه الكارثة الإنسانية يكمن في معالجة الأسباب الكامنة وراءها وهي بكل تأكيد أسباب سياسية بالدرجة الأولى. وهذا ما اغفلته وسائل الاعلام الغربية متعمدة ذلك، لان في تناولها ستكشف عورة هؤلاء الذين يتباكون على اللاجئين والمهاجرين الذين يذرفون دموع التماسيح وهم حقيقة من تسبب وبشكل رئيسي في خلق هذه المشكلة والكوارث الانسانية التي تسببت عنها والتي تعرض وتشاهد على شاشات التلفزيون.

ان المسؤولية الرئيسية لمشكلة اللاجئين أو المهاجرين الى الدول الأوروبية من الدول التي ذكرناها سابقا تتحملها السياسة الخارجية التي تتبناها الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الأوروبية على الأقل المبنية على التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول. هذه السياسة التي أدت الى زعزعة الاستقرار وانعدام الامن والقضاء على فرص النمو الاقتصادي وتفشي الفساد وانتشار معدلات بطالة عالية وخاصة في أوساط فئة الشباب. ان هجرة الاعداد الكبيرة من دول المنطقة وما أبعد من ذلك هي نتيجة السياسات الخارجية للمحافظين الجدد المبنية على "تغيير الأنظمة"، والعدوان المباشر وغزو الدول ومحاولة "اقامة الديمقراطية" بفوهة البنادق.

وحتى عندما نجحت التدخلات في اسقاط الأنظمة كما حدث أفغانستان وفي العراق على أثر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وكذلك اسقاط النظام في ليبيا عام 2011 بتدخل مباشر من قبل حلف الناتو وبإشراف وقيادة امريكية من "الخلف" كما كان يقال حتى تتجنب إدارة أوباما المساءلة من قبل الكونغرس الأمريكي، ماذا كانت النتيجة في تلك الدول؟ 

ما يهمنا ذكره هنا بالنسبة للتدخل الأمريكي في أفغانستان الذي بدأ منذ نهاية السبعينات أنه تم عندها تجنيد وتدريب وتسليح "المجاهدين" على يد الاستخبارات والأجهزة الأمنية والعسكرية الامريكية والباكستانية بتمويل سعودي سخي لقتال القوات الروسية التي قدمت بطلب من الحكومة الأفغانية آنذاك. والجميع يعرف ظاهرة بن لادن الذي رشحته السعودية بديلا عن الأمير بندر بن سلطان الذي اعترضت عليه المخابرات المركزية الامريكية آنذاك للذهاب الى أفغانستان لعلاقاته المفضوحة بالمخابرات الامريكية التي كانت تريد ان تخفي تدخلها المباشر في أفغانستان. عندها تم تكوين نواة تنظيم القاعدة مما عرف آنذاك "بالمجاهدين العرب" والتي تفرعت منها تنظيمات القاعدة في العديد من البلدان العربية مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم القاعدة في المغرب العربي وبوكو حرام...الخ. الى جانب ذلك أدى التدخل الأمريكي في أفغانستان الى وجود ما يقارب من 2 ملايين لاجيء ومهجر.

أما في العراق ونتيجة الغزو الأمريكي الذي دمر البنية التحتية للدولة العراقية بالكامل وتدمير مؤسسات الدولة ومئات الالاف من الشهداء وقد تسبب العدوان بوجود 3.1 مليون لاجئ ومهجر عراقي بحسب الاحصائيات. وبالإضافة الى ذلك أدى الاحتلال الأمريكي الى بروز تنظيم القاعدة في العراق الذي أدى لاحقا الى ظهور تنظيم داعش الذي اسسه الزرقاوي الذي انشق عن تنظيم القاعدة الام في أفغانستان ومن ثم الى اعلان الخلافة في 26 يونيو 2014 في العراق وسوريا التي اطلقها أبو بكرالبغدادي.

كما أدى التدخل العسكري في ليبيا من قبل حلف الناتو عام 2011 بمباركة عربية من جامعة الدول العربية وامينها العام عمر موسى آنذاك الى اسقاط نظام العقيد معمر القذافي وتحويل ليبيا الى دولة فاشلة فاقدة السيادة مجزئة يحكمها امراء حرب والمجموعات الإرهابية القاعدية والداعشية. وأصبحت بؤرة لتصنيع وتوريد الإرهابيين على حسب الطلب الى دول المنطقة وخاصة سوريا ومصر الى جانب مركز لتجارة توريد البشر واللاجئين من المغرب العربي ومالي ونيجيريا وموريتانيا وغيرها من الدول الى السواحل الأوروبية في قوارب الموت. هذا بعض ما انتجه تدخل حلف الناتو وسياسة تغير الأنظمة التي نادى بها المحافظون الجدد في أمريكا منذ سنوات طويلة في محاولة "لخلق شرق أوسط جديد".

أما في سوريا فقد أتيحت الظروف لتمدد تنظيم القاعدة من العراق الى سوريا وخاصة في عام 2012 الى جانب التجنيد والتدريب والتسليح لعشرات الالاف من الإرهابيين من اكثر من 80 دولة من بقاع الأرض باشتراك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر والسعودية وبعض الدول الإقليمية الاخرى وخصصت عشرات المليارات من البترودولار على امل ان يتحقق حلم اسقاط النظام على غرار ما حدث في ليبيا. وتغاضت دول الاتحاد الأوروبي عن التحاق الكثير من رعاياها للانضمام الى المجموعات الإرهابية مثل داعش والنصرة لقتال الجيش السوري.  لم تتمكن جحافل المغول ومشغليهم من اسقاط الدولة السورية بالرغم من الحجم الهائل للدمار الذي أحدثته الحرب الكونية المجرمة على سوريا. ومنذ بداية الازمة السورية وفرت تركيا مخيمات للاجئين السوريين المجهزة جيدا حتى قبل بدء وجود أي لاجئ سوري وذلك كوسيلة للضغط على الحكومة السورية واستجداء التدخل الأجنبي العسكري في سوريا على غرا ما حدث في ليبيا. وفتحت مخيمات للاجئين في دول مجاورة أخرى لنفس الغرض ومنع بعض اللاجئين من العودة الى سوريا. 

واليوم وبعد مضي ما يقرب من الخمسة سنوات على الحرب الكونية على سوريا والدمار الغير مسبوق الذي احدثته هذه الحرب المجنونة هنالك حوالي 9.5 مليون لاجئ سوري من 22.8 مليون وهذا التعداد السكاني لسوريا منهم 6.5 مليون داخل سوريا وما يقرب من 3 مليون موزعين بين تركيا والأردن ولبنان. وعلى ما يبدو ان معظم اللاجئين أو المهاجرين السوريين الذين يصلون الى أوروبا الان هم من المتواجدين على الأراضي التركية أو على الحدود التركية داخل الأراضي السورية التي تسعى تركيا اردوغان الى تحويلها الى "منطقة آمنة" تحت مسمى "منطقة خالية من داعش" ومن ثم الى منطقة حظر جوي في محاولة لقضم جزء من الأرضي السورية على غرار لواء الإسكندرون السوري الذي ضم قسرا الى تركيا عام 1939 وهذا هو الحلم الأردوغاني الذي لن يرى النور.

في النهاية نود ان نؤكد ان كل من يريد ان يتجنب ارتدادات الهجرة وبإعداد صغيرة أم كبيرة ويوفر عليه الوقت والاجتماعات والمصاريف ...الخ الطريق الوحيد هو وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية والتعامل بفوقية ورعونة وعجرفة مع الغير واحترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصائرها، والكف عن إعطاء المحاضرات للغير ومحاولة فرض ثقافة وقيم غريبة على مجتمعات الغير. بالإضافة الى وقف ارسال وتصدير الإرهابيين من دولكم ووقف كل أنواع الدعم لهم وتجفيف مصادر المال والتسليح. والضغط على الدول المصنعة والموردة والممولة للإرهاب من الدول الخليجية ادواتكم وحلفاءكم وخاصة السعودية وقطر. الى جانب الضغط على تركيا على ضبط حدودها ومنع الإرهابيين من التدفق عبر أراضيها الى الداخل السوري واقفال مراكز التدريب على أراضيها كما وعلى اراضي الدول الأخرى المحيطة بسوريا والعراق. بمعنى ان هنالك واجبات عليكم ان تقوموا بها وأنتم خير من يعلم بها لأنكم منخرطين بشكل او بآخر مباشرة أو بطرق غير مباشرة بالإرهاب وتداعياته التي أصبحت تدق ابوابكم. وأخيرا نقول لا تقاتلوا من يقاتل الارهاب على ارضه أو تتأمروا عليه.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

تاريخ النشر

28.09.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

28.09.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org