<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني اللاجئين والمهاجرين السوريين الى أوروبا

 

 

 

اللاجئين والمهاجرين السوريين الى أوروبا

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

من يطالع أخبار المنطقة بشكل عام يرى ان قضية اللجوء والهجرة من قبل الاف السوريين الى أوروبا ما زالت تتصدر المقالات والتقارير في العديد من الصحف العالمية وتدور حولها الندوات والأبحاث وتعقد من اجلها الاجتماعات وخاصة لدول الاتحاد الأوروبي التي أصبح البعض منها "يعاني" من تدفق هذه الاعداد الهائلة من السوريين القادمين الى هذه الدول بشكل لم يسبق له مثيل على الرغم من ان الازمة السورية دخلت عاما الخامس الان. ولا شك ان المتابع للأحداث يحق له أن يتساءل عن ماهية هذا اللجوء والهجرة وخاصة وأن معظم وسائل الاعلام الغربية والإقليمية تتناول قضية اللجوء والهجرة الغير شرعية الى الدول الأوروبية خاصة ومنذ زمن قريب من زوايا تهدف الى طمس العديد من الحقائق التي لا تريد وسائل الاعلام هذه ومموليها والدول الداعمة لها لإظهارها أو التأكيد عليها للرأي العام العالمي. وسنستعرض هنا بعض النقاط المتعلقة بهذا اللجوء والهجرة وقضية اللاجئين بشكل عام.

أولا ما تحاول ان تخفيه وسائل الاعلام الغربية ان السبب الرئيس لتزايد اعداد الهجرة الغير شرعية الى الدول الأوروبية من المنطقة هو التدخل العسكري والعدوان المباشر او الغير مباشر في دول المنطقة وخاصة في ليبيا وسوريا. فمنذ ان قام حلف الناتو بقصف ليبيا واسقاط حكم العقيد معمر القذافي عام 2011 تحولت ليبيا تدريجيا الى دولة فاشلة بكل المقاييس والمعايير السياسية المتعارف عليها، وأصبحت مرتعا الى مليشيات وامراء الحرب وانتشار المجموعات المسلحة التكفيرية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش التي عششت وانتشرت مثل السرطان في الجسد الليبي. وأصبحت ليبيا مركزا لتوريد المهاجرين الغير شرعيين من الدول الإقليمية والداخل الافريقي وأصبح تهريب المهاجرين عبر قوارب الموت من أكثر أنواع التجارة المربحة التي تدر الملايين لتجار الموت.

ولا بد لنا من التأكيد هنا على أن هنالك تعتيم كامل عن مسؤولية الدول الغربية ممثلة بحلف الناتو الذي يضم دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية عن هذه المأساة الإنسانية التي ما هي الا نتيجة لأسباب سياسية وهذا ما يراد طمسه ودفنه.

ثانيا الحال والوضع فيما يخص اللجوء والهجرة بالنسبة للسوريين لا يختلف في اطاره العام عن قضية اللجوء والهجرة من دول الشمال والداخل الافريقي على الرغم من وجود بعض التباينات.

فمنذ بدأ الازمة السورية وبالتحديد منذ بدأ تجنيد وتسليح ما سمي "بالمعارضة السورية" وإدخال المجموعات والعناصر الإرهابية القاعدية والداعشية التي جندت وارسلت الى الداخل السوري "للجهاد" من أكثر من ثمانين دولة والتي عمدت على نشر وممارسة ثقافة التوحش القائمة على قطع الرؤوس وحرق الاحياء واكل الأعضاء البشرية وتطبيق القوانين التي ما انزل الله بها الله من سلطان على المناطق التي تمكنوا من السيطرة عليها ونشر الرعب بين سكان هذه المناطق، هرب العديد من السوريين الى الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا. اما الدول الخليجية وعلى راسها السعودية وقطر التي "تباكت" على السوريين وذرفت دموع التماسيح على المأساة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين لم تستقبل ولو سوري لاجئ واحد من هؤلاء على أراضيها. ليس هذا وفقط بل قام انصاف الرجال منهم بالاستغلال الجنسي للقاصرات من الفتيات منهم وشراءهم كالعبيد في أسواق شبيهة بأسواق النخاسة وهو ما أشارت اليه بعض المنظمات الغير حكومية التي تعنى بحقوق الانسان الى جانب تلك المعنية بأحوال اللاجئين والمهجرين من ديارهم وتقديم الخدمات المعونات الإنسانية لهم. وهنالك عدد من السماسرة في السعودية يتعاطون في هذا المجال ويدونون الطلبات واوصاف القاصر المطلوبة والعمر وحتى لون البشرة والشعر.

لم نسمع الكثير عن هؤلاء اللاجئين السوريين كما نسمع الان عن هؤلاء الذين يتدفقون على القارة الأوروبية، اللهم الا في الحالات التي أريد منها وهدفت الى تقطيع أوصال الجغرافية السورية أو اقتطاع جزء من الأراضي السورية كما هو الحال مع تركيا اردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية والعمل على إقامة منطقة آمنة أو "منطقة خالية من داعش" كما تسميها تركيا أردوغان، ومنطقة حظر جوي يشارك بها حلف الناتو مباشرة أو تركيا والولايات المتحدة على الأقل. ولقد قامت تركيا مؤخرا بطرد العديد من السوريين من المناطق الحدودية بما يمكن تسميته بالتطهير العرقي واستبدالهم بمجموعات من السكان ذات الأصول التركية.

وهذا بالطبع سيؤخذ تمهيدا إذا ما سمح لهم بذلك بالتدخل بالحرب القائمة بشكل مباشر في سوريا لصالح ما سمي زورا وبهتانا "بالمعارضة المعتدلة" التي ما هي الا واجهة جديدة تحت مسميا جديدة تسيطر عليها المجموعات الإرهابية التكفيرية تحت راية النصرة القاعدية. الى جانب ذلك هنالك محاولات مستميتة في إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري والتحديد في درعا بدعم لوجيستي وعسكري كامل من غرفة عمليات تدار من دولة عربية مجاورة وتشترك فيها إسرائيل عسكريا بشكل مباشر.

ثالثا التكثيف الإعلامي على اللاجئين السوريين الذين يعبرون الى الأراضي الأوروبية في المرحلة الحالية وتصوير المآسي الفردية والجماعية التي يعانونها وخاصة مع التداول الغير مسبوق للطفل الكردي السوري الذي غرق في البحر وتناقلته الأمواج الى رمال البحر المتوسط، ربما يكون كل هذا مقدمة وتهيئة الراي العام العالمي الى تدخل عسكري مباشر ضد الدولة السورية والجيش السوري بعد ان عجزت الأدوات ولمدة خمسة سنوات متتالية في قلب نظام الحكم ن تحت ذريعة حماية المدنيين كما حدث سابقا في ليبيا من قبل حلف الناتو وبمشاركة ومباركة جامعة الدول العربية. وهنالك العديد من المؤشرات على هذا التوجه.

فليس مصادفة ان يعلن وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا عن احتمال تدخل عسكري بري من دول إقليمية في سوريا في الوقت المناسب. والمتتبع للأحداث يرى أن هنالك خطر داهم من تدخل عسكري مباشر لتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأستراليا وكل هذه الدول اما أنها أعلنت مؤخرا عن نيتها "لمحاربة" داعش في سوريا أو بدأت بالفعل بتوجيه ضربات جوية كما تفعل أمريكا منذ فترة في الداخل السوري. ولقد بدأت بالفعل المشاركة العملية التركية والبريطانية على الأقل في هذا المجال، أما استراليا فقد قامت طائراتها بالتحليق في الأجواء السورية مؤخرا ربما لجمع المعلومات. ولقد ترددت الانباء عن تواجد قوات خاصة من "التحالف" تعمل بالخفاء والسرية داخل الأراضي السورية ومنذ فترة وان بعضها يتحرك بلباس داعش كما أشارت بعض وسائل الاعلام.

هذا الخطر الداهم وربما يكون من المؤكد هو ما دعا روسيا خاصة في الفترة الأخيرة لزيادة الدعم العسكري لسوريا وتزويدها بالصواريخ المضادة للطائرات والازدياد الملحوظ بعدد الخبراء الروس العسكريين في الأراضي السورية. ولا شك ان التصريح الأخير لوزير الخارجية الروسي لافروف من ان التنسيق بين الجيش السوري الذي يقاتل الارهاب بكفاءة والتحالف الدولي مهم جدا لمنع حدوث اية صدامات غير متوقعة كما أنه ضروري لمكافحة "الدولة الإسلامية"، بالإضافة الى تأكيده أن موسكو ستواصل تزويد الجيش السوري بالأسلحة والمعدات الضرورية لمكافحة الإرهاب، باعتباره القوة الأكثر فعالية في مواجهة تنظيم "داعش"، له دلالة كبيرة من حيث التوقيت والاهداف والرسالة التي تريد موسكو توجيهها الى "التحالف" الدولي لمحاربة داعش وعدم الانجرار للنموذج الليبي.

يضاف الى هذا المناورات العسكرية لقطع من الاسطول الروسي بالقرب من السواحل السورية بالإضافة الى ارسال سفينتي إنزال وطائرة محملة بمعدات ضرورية لتجهيز مدرج اقالع وهبوط الى مدينة اللاذقية السورية، وتزويد سوريا بمنظومة الصواريخ الروسية المتقدمة أس أي 22 المضادة للطائرات والتي سيعكف على تشغيلها خبراء عسكريين روس على الأرضي السورية، كلها لم تأتي مصادفة او اعتباطا، بل تأتي لتدلل على مدى خطورة الموقف كما تراه موسكو من النوايا الدفينة "للتحالف" الدولي تجاه الدولة السورية، ومن فقدان امل موسكو في أي تغيير من مواقف الدول الإقليمية والدولية الداعمة للإرهاب في سوريا، وتوجيه رسالة قوية لا لبس فيها أن موسكو لن تتخلى عن الدولة السورية والنظام في سوريا وأنها على استعداد للذهاب بعيدا لحماية الأجواء السورية وسيادتها من أي تدخلات "للتحالف" الدولي بالإضافة الى تركيا أردوغان.

رابعا ان الهجرة أو اللجوء لأعداد كبيرة من السوريين في الفترة الأخيرة الى الدول الأوروبية في تقديري المتواضع يجدر بنا النظر اليه على انه جزء لا يتجزأ من الحرب على سوريا ولكن بأسلوب آخر تعمل وسائل الاعلام على الباسه الطابع الإنساني حتى تغيب النظر اليه على انه جانب من الحرب الغير معلنة على الدولة والشعب السوري. وقد يتساءل البعض محقا كيف يكون ذلك وقد فتحت بعض الدول الأوروبية مثل المانيا وغيرها ذراعيها لاستقبال السوريين؟ ومن الملاحظ ان المانيا أبدت استعدادها لاستيعاب ما يقارب من 800 الف من اللاجئين على اراضيها . وأبدت الولايات المتحدة استعدادها لاستقبال عشرة الاف منهم. هذا بالإضافة الى الاستعداد الذي ابدته استراليا الى استيعاب عشرات الاف أيضا.

في البداية نقول انه بينما اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المخيمات في الدول المجاورة ينتظرون اليوم الذي يحل فيه السلام في ربوع الوطن الام سوريا ويتوقون للعودة الى سوريا، فان الذين يقصدون الدول الغربية في غالبيتهم سيقطنون هذه الدول التي تريد استيعابهم ضمن مجتمعاتهم بشكل دائم وليس مؤقت، وبالتالي فان احتمال عودتهم الى الوطن الام مرة أخرى والعيش فيها ستكون صعبة وخاصة مع نمو الأطفال في بلاد الغربة وانخراطهم في هذه المجتمعات مما يصعب من عملية التأقلم في الوطن الام. وبالتالي لا يمكن اعتبار هؤلاء السوريون لاجئين بل مهاجرين.

وربما الأكثر خطورة في أن غالبية هؤلاء المهاجرين هم من الفئة العمرية ما بين 24 – 36 بحسب ما ورد في بعض الاحصائيات التي تشير الى ان نسبتهم تقارب 75%. بمعنى انهم من القوى العاملة المنتجة وإذا ما أضفنا الى أنهم من الكوادر المتعلمة وخريجي المعاهد والجامعات السورية وذوي الكفاءات المهنية لأدركنا حجم النزيف للكادر الذي تعول عليه الدولة والمجتمع السوري في النمو والتطوير في العديد من المجالات. ومن هنا فإنها خسارة كبيرة لا تعوض لسوريا وهذ ما قصدته بانها حرب من نوع آخر وهي حرب تفريغ المجتمع السوري من كفاءات ضرورية للمساهمة في إعادة بناء ما دورته الحرب العدوانية العسكرية المباشرة والغير مباشرة على الدولة والشعب السوري.

في النهاية نود ان نؤكد على ان المآسي الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري داخل الوطن وخارجه وخاصة اللاجئين منهم في دول الجوار أو المهاجرين الى الدول الغربية انما هي بالأساس نابعة من أسباب سياسية محضة كانت وما زالت تهدف الى محاولة تركيع الدولة السورية وفصلها عن محور المقاومة والتشبث بالمواقف القومية والمبدئية تجاه القضايا القومية وعلى راسها القضية الفلسطينية والوقوف سدا منيعا أمام العنجهية والتسلط الأمريكي والصهيوني ومخططاتها في المنطقة.

بالإضافة الى ذلك فان التباكي على اللجوء والهجرة للأعداد الهائلة من السوريين، انما هو جزء من الحرب والعدوان على سوريا ومحاولة لاستغلال المآسي لتحقيق مآرب سياسية وقضم أراضي سورية وتفكيك النسيج الاجتماعي السوري تمهيدا لتقسيم الدولة السورية. هذا المخطط القديم الجديد سيفشله الشعب السوري بصموده على أرضه والتفافه حول الجيش العربي السوري والقيادة السياسية السورية الواعية والحكيمة، الى جانب الدعم المبدئي والثابت لحلفاء سوريا الحقيقيين.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

تاريخ النشر

12.09.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

12.09.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org