<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني هلا "بالتضامن العربي" و "الامن القومي العربي" و"سياسة "النأي بالنفس"

 

 

هلا "بالتضامن العربي"

 

 و "الامن القومي العربي"

 

و"سياسة "النأي بالنفس"

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

على الرغم من المصائب التي حلت بشعوبنا في المنطقة وحجم الدمار للحجر والبشر نتيجة هجمة عالمية ممنهجة تقودها الولايات المتحدة وادواتها في المنطقة، والتي باتت تتضح معالمها يوما بعد يوم حتى للإنسان البسيط العادي الذي عملت على تضليله والتلاعب بوجدانه وفكره وعواطفه معظم وسائل الاعلام الغربية والاقليمية والخبراء الإعلاميين وعلماء النفس وجوقة من الفنيين باستخدام أحدث التقنيات في الفبركات الإعلامية والمؤثرات الصوتية والضوئية، يوما بعد يوم دون انقطاع بحملات وظفت لها مليارات الدولارات، الا ان كل هذا حمل بشكل مباشر أو غير مباشر في طياته عوامل إيجابية انعكست بالتدريج وان كانت ببطىء على المنطقة وشعوبها وقواها المقاومة.

هذه العوامل التي بمجملها ستؤدي حتما الى تغير جذري في المشهد الجيوسياسي للمنطقة بأكملها لصالح شعوبها، مؤكدة على جدلية ولادة الحي من الميت، وولادة النور من الظلمة والقهر والاستبداد، والامل من المعاناة، وانبعاث الحياة من وسط الدمار والموت. ولا شك ان الكثير سيكتب ويوثق لهذه المرحلة والتي قد يصل الى مجلدات من أناس ذوي الاختصاص الذي لا ادعي لا من بعيد أو قريب انني أملكه. ولكن ما يهمني هنا هو الإشارة بعجالة الى أحد الإيجابيات التي قد لا تعجب البعض، ضمن هذا الكم من الهائل الدمار للحجر والبشر في منطقتنا العربية نتيجة الهجمة التي اشرت اليها.

أحد العوامل هو هذا الفرز والاستقطاب السياسي في منطقتنا بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخنا المعاصر بين الصالح والطالح، بين الوطني والمتآمر على الوطن، بين الخيانة والخسة وبين الاصالة والنقاوة، بين من يعشق الحرية والكرامة والعزة وعلى استعداد للتضحية من اجل ذلك وبين من يرضى بالذل والخنوع والتبعية التي تصل الى درجة الخيانة، بين من يستميت في الدفاع عن تراب الوطن وبين من هو على استعداد لبيع الوطن في المزاد العلني لمن يدفع أعلى ثمن وبين وبين ...الخ.

هذا الفرز من شأنه ان يلغي المنطقة الرمادية بين الأبيض والأسود وبالتالي يؤدي الى الوضوح في الرؤيا والقدرة على التمييز وتحديد المواقف بشكل أكثر دقة وواقعية وصواب. هذا الفرز والاستقطاب السياسي الذي أحدثته الهجمة الشرسة على المنطقة حددت وبشكل لا لبس فيه بين العدو والصديق بين الحليف الحقيقي والمبدئي الذي يقف معك وقفة رجولية ولا يتراجع او يحيد عن دعمه ليجذر الصمود أمام الأعداء للوطن وبين الانتهازي الذي يتلون بحسب الظروف ومصالحه الخاصة وبين الذي يسعى الى تدميرك بشكل مباشر او غير مباشر.

نقول كل هذا لان المنطقة قد تنحى منحى تسوية النزاعات كما تشير تسارع الاحداث والزيارات والتصريحات هنا وهناك وخاصة بعد الانتهاء من الملف النووي الإيراني. ولكننا نود ان نؤكد هنا أن التسوية لن تتم بين ليلة وضحاها كما يعتقد أو يأمل البعض فمرحلة الاشتباك لم تنتهي ولن تنتهي وانما ستأخذ ربما أوجه جديدة وستظهر علينا بحلل ذات ألوان مختلفة ربما للتضليل الذي في تقديري المتواضع لم يعد ينطلي على أحد وبالتالي يجب إبقاء الاصبع على الزناد كما يقول المثل، بمعنى البقاء على الجهوزية التامة لعملية المواجهة.

ولا شك ان العديد من الأسئلة تطرح وستطرح من الكثير من شعوبنا العربية من قواها الفاعلة ومن كتابها ومثقفيها والاهم ربما من رجل الشارع الذي عانى وتحمل أكثر من انسان منا، والذي بحسه العفوي وفطرته يفوق في فهمه للكثير من فطاحلة الزمان والمكان والمتحذلقين واشباه المثقفين وبائعي الكلمات المصفوفة التي لا يفقهها الا الساكن في برجه العاجي مثلهم.

أحد هذه الأسئلة قد يكون خاص بمفهوم "التضامن العربي" و " الامن القومي العربي" وهي مفاهيم ما زالت تطرح علينا وكالعادة بشكلها ومفهومها الفضفاض والواسع والغامض في آن واحد. لم يعد من الممكن أو يصح لنا أن نردد هذه الكلمات ككليشيهات كما في السابق وحشوها في خطبة أو حديث أو في مقال لكي نضفي وردية ورومانسية على عملنا. من الضروري الان ان نعرف وبشكل دقيق وعلمي ومبني على التجربة التي مررنا وما زلنا نمر بها الان ماذا يعني التضامن العربي؟ التضامن مع من ومن اجل ماذا؟ ومن هم "العرب" الذي نريد ان نتضامن معهم وان نضع يدنا بيدهم؟ وما هي اشكال هذا التضامن؟ نحن لا نريد ان نتضامن مع عربي مجرد لأنه عربي والمقصود هنا خاص بالأنظمة العربية حتى لا يذهب البعض بعيدا لتفتيت الشعوب العربية عن بعضها البعض ونقول مثلا مصر أولا على حسب التعبير الساداتي "وبأننا فراعنة"، وهكذا دواليك. هذه السياسية التي تؤدي الى محاولة تغيير وجدان الجمهور العربي هنا وهناك وهو ما عملت عليه وسائل اعلام ممنهجة وموجهة ومكثفة، وكان وما زال المراد منها استئصال الهوية العربية والقومية العربية وبناء منظومة أخرى في المنطقة قائمة على أسس مذهبية وطائفية مقيتة، أو منظومة فكرية ضحلة وهامشية لا تمت الى واقعنا بصلة يتم فيها تمجيد كل ما هو أجنبي. ويجب ان نعترف انه قد حصل بعض النجاحات والخروقات في وجدان جزء لا بأس به من شعوبنا العربية في هذا المجال.

فنزويلا شافيز ليست بدولة عربية وبعيدة الالاف الاميال عن منطقتنا وتقع في قارة أخرى لا يدينون بديننا ولا يتحدثون لغتنا. هذه الدولة قامت بطرد السفير الإسرائيلي من أراضيها اثناء العدوان الهمجي على غزة. هل قامت دولة "عربية" واحدة من الدول التي تقيم علاقات مع دولة المستوطنين بطرد السفير الإسرائيلي عن ارضها والشاشات تنقل أشلاء الأطفال وهي تتطاير في الهواء أو التي تفحمت نتيجة القصف بالقنابل الفسفورية الحارقة والقنابل العنقودية؟ وفنزويلا شافيز على استعداد لتوفير البترول لقطاع غزة وبأسعار مخفضة جدا لتشغيل محطة الكهرباء في غزة إذا أخذت "السلطة" الاذن بذلك، بدلا من الغاز "القطري" الذي يستخدم لحلب الموقف السياسي الفلسطيني إرضاء لدولة المستوطنين، أو انتظار "مكارم" آل سعود المغمسة بدماء اليمنيين ولمزيد من الضغوطات السياسية على الطرف الفلسطيني. فعن أي "تضامن عربي" تتحدثون؟ تركت غزة تقاتل وحدها ما يقرب من الخمسون يوما فهل صرخ البعض منكم "أولاد...." كما قالها مظفر النواب. لقد تآمر البعض منكم ورجوتم قاتل الأطفال نتنياهو باكمال ما بدأه ولا يقف عن حد معين. هكذا كنتم أيضا عام 2006 عند العدوان على لبنان. وهكذا كنتم عندما حوصر الشهيد ياسر عرفات في المقاطعة، عندها لم يجرؤ أي منكم حتى على الاتصال به. هذا هو التضامن العربي بأجلى صوره. فعن أي "تضامن عربي" تتحدثون؟

وكثير من الأسئلة الشبيهة يجب ان نطرحها على مفهوم "الامن القومي العربي". لقد رأينا بأم أعيننا دول عربية تعتدي بشكل مباشر أو غير مباشر على دولة عربية هنا وأخرى هناك حتى الوصول الى التدخل العسكري واحتلال أجزاء من أراضي دولة عربية كما هو الحاصل الان في اليمن. بعض الدول العربية مثل السعودية لم تعد تكتفي بتحريك عملاءها واداتها هنا وهناك بل أصبحت تلتجأ بشن عدوان عسكري همجي وسافر على دولة عربية جارة دون مبرر وتقوم بتدمير الحجر والبشر بها، كل ذلك دون ان نسمع كلمة ادانة واحدة أو دعوات لوقف هذه الحرب المدمرة مما يسمى زورا "جامعة الدول العربية" أو من دول فاعلة أو المفترض أن تكون فاعلة مثل مصر. صمت القبور للعديد والمشاركة العملية والفعلية للبعض في العدوان هو ما رأيناه.

وتحت راية "الامن القوي العربي" تم غزو ليبيا وتدميرها وتحويلها الى دولة فاشلة ومرتعا للمجموعات الإرهابية بكافة اطيافها وألوان أعلامها كما أصبحت المصدر للإرهابيين المدربين الى الدول الأخرى. الارهابيون أصبحوا سلعة تنتجها المصانع في معسكرات التدريب في الأراضي الليبية للتصدير بدلا من انتاج مواد الغذاء والأدوية ...الخ. وأصبحت تجارة نقل المهاجرين الغير شرعيين من المغرب العربي والدول الافريقية الى السواحل الأوروبية هي أهم تجارة في الدولة التي أفشلت وبمشاركة عربية رسمية من قبل "جامعة الدول العربية" التي باركت تدخل قوات الناتو. أما سوريا والعراق فحدث ولا حرج فعشرات المليارات قد صرفت لتدمير البلدين حجرا وبشرا والصرح والمعالم الحضارية التي تشهد على عمق التأريخ والثقافة والحضارة التي كانت قائمة منذ أكثر من 2000 عام على أراضي هاتين الدولتين.

والان وضمن هذه المؤسسة "جامعة الدول العربية" تخرج علينا قطر وتتحفظ وتعارض بيان الجامعة الذي استنكر القصف الجوي والمدفعي التركي للأراضي العراقية في الشمال، لا بل وتذهب الخارجية القطرية لتؤكد تضامنها مع تركيا فيما اتخذته من "تدابير أمنية" لحماية حدودها. "دولة عربية" لا تجد حرجا في تأييد "دولة غير عربية" بالاعتداء على أمن دولة عربية.  قطر التي غذت ومولت وساهمت في تجنيد الإرهابيين وتسليحهم وارسالهم عبر الحدود التركية الى الداخل السوري في محاولة يائسة لإسقاط الدولة السورية.

كيف تريدون لنا أن نعود الى مثل هكذا جامعة، جامعة الأنظمة العربية المهترئة العميلة التي تعمل ضد المصالح العربية وتتآمر على مصالح الشعوب العربية، وترتضي ان تكون مطية للولايات المتحدة وادارتها المتعاقبة جمهورية كانت ام ديمقراطية، أو مطية لبعض الدول الخليجية التي تهيمن على قراراتها وتوجهاتها السياسية؟

"النأي بالنفس" هذا المفهوم والمصطلح الذي ردده ويردده البعض اما لكي يخفي ضلوعه في الخيانة والتآمر أو في أفضل الأحوال لكي يقف "على السور" كما يقولون لكي يرى أين ستميل الكفة والدفة حتى يتناغم معها من منطق وممارسة انتهازية طفيلية بكل المقاييس، لأنه لا يملك موقفا مبدئيا ولا قرارا مستقلا، فهو يريد دائما أن يكون مع الرابح لتحقيق مآربه ومصالحه الذاتية. في المعركة التي تخاض في منطقتنا لم يتواجد ولن يتواجد الفريق الذي يستطيع أن يدعي اتباع سياسة النأي بالنفس مهما استفاض في التبرير وسوق الحجج.

ونظرة لمن حولنا نرى النفاق في هؤلاء الذين يدعون سياسية النأي بالنفس. فالنأي بالنفس عند البعض يعني غض الطرف وعدم التعرض لجحافل الإرهابيين التي تمر عبر حدوده، أو التعامي على صفقات الأسلحة التي تأتي عبر شواطئه ويتم تهريبها الى سوريا، أو ينكر وجود الإرهابيين على أراضيه أو ان هذا لا يعنيه. أو ان يشارك في عمليات الذبح والقتال لنصرة قوى الظلام ويقول ان هؤلاء انما يتصرفون بشكل فردي ولا دخل للتنظيم أو الحركة بهم...الخ. والبعض الاخر لا يجد حرجا في تأييد عدوان دولة عربية على دولة عربية تحت حجج ما انزل الله بها من سلطان كالدفاع عن الشرعية. بينما في بلد آخر يتم الاعتداء على دولة عربية سيادية وذات قيادة شرعية منتخبة نراه يقول نحن لا نريد ان نتدخل في الموضوع، وحتى عندما يتعرض جزء من شعبه للذبح والتشريد والتهجير من المخيمات التي ما زال يعيش بها، فانه يرفض الدفاع عنهم بحجة اننا ننأى بأنفسنا ولا نريد ان يسجل علينا موقف اننا دعمنا تلك الدولة وقيادتها. وفي حقيقة الامر الذي لا يراد لها ان تقال بالفم الملان نحن امرنا أن نتخذ هذا الموقف من أجل حفنة من الدولارات التي تبقينا على كراسينا ودفع معاشاتنا وبقائنا في السلطة.

 

قد يكون من الصعب الان التكهن بما ستؤول اليه الأحوال في السنوات القليلة القادمة ولكن شعوبنا العربية وخاصة تلك التي اكتوت بالنار من جراء بعض الأنظمة "العربية"، لن ترضى بالعودة الى ما كنا عليه ليس هذا فحسب بل انها لن تغفر ولن تسامح ولن تهادن هؤلاء القتلة والمجرمين الذين اراقوا الدماء على مساحة الوطن العربي، مستخدمين ومسخرين كل امكانياتهم المادية لذلك. الجرح والهوة كبيرة وكبيرة جدا والتلاقي مستحيل مع الخونة والعملاء والأدوات ومن تلطخت اياديهم بالدم بشكل مباشر أو غير مباشر. وكل من ينادي "بالتضامن العربي" و"الامن القومي العربي" وينطق اسم "جامعة الدول العربية" على لسانه الأولى به ان يراجع معاني هذه الكلمات ويحدد أين يقف منها.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

تاريخ النشر

17.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

17.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org