<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني محرقة أخرى يرتكبها الدواعش الصهاينة

 

 

محرقة أخرى يرتكبها الدواعش الصهاينة

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

استشهد الطفل الرضيع علي الدوابشة الذي لم يتجاوز عمره العام والنصف حرقا عندما أضرم قطيع من المستوطنين اليهود بعد ان تسللوا في جنح الظلام الى قرية دوما الفلسطينية الوديعة، وقاموا بإلقاء قنابل حارقة سريعة الاشتعال من احدى نوافذ البيت الذي تقطنه عائلة الدوابشة. ولم تتمكن عائلة الشهيد من إنقاذه نظرا لشدة النيران التي التهمت البيت بسرعة فائقة قبل ان تتمكن وحدة من الدفاع المدني الفلسطيني من الوصول الى مكان الحادث. وما زال الاب والام وطفلهم الاخر وعمره أربعة سنوات يعالجون في المشافي نتيجة الحروق الشديدة التي تعرضوا اليها وحالة الام والأب خطرة جدا.

وهذه هي ثاني محرقة يتعرض اليها طفل فلسطيني فقد أحرق الطفل محمد أبو خضير على ايدي قطعان من المستوطنين وهو طفل من القدس العام الماضي في أوائل الشهر السابع (يوليو) حيث تم اختطافه من قبل المستوطنين اليهود بعد خروجه من الجامع الذي أدى به صلاة الفجر وتم اجباره على شرب البنزين قبل ان يضرموا به النار. هكذا يتفنن السفاحون من المستوطنين اليهود أصحاب واقرباء الدواعش في قتل الأطفال من الفلسطينيين. هؤلاء الذين تعرض اجدادهم الى المحرقة أيام النازية ها هم يستخدمون نفس الأسلوب لقتل الفلسطينيين بأبشع الأساليب فقط لكونهم فلسطينيين.

 كل هذا يحدث تحت سمع ومرئى بما يسمى "بالمجتمع الدولي" الذي يحج ممثليه الواحد تلو الاخر على تل ابيب ليقدم لها التبريرات والحجج للتوصل الى الاتفاق النووي الإيراني، ويتعهد بتقديم كل الدعم لهذا الكيان الغاصب الذي يحتضن هؤلاء القتلة ويتعهد بالحفاظ على أمن الكيان الذي ارتكب ويرتكب المجزرة بعد الأخرى بحق الشعب الفلسطيني. هذا "المجتمع الدولي" الجبان لا نجد دولة من دوله تقف وتقول للقيادة السياسية في إسرائيل يكفي ان ترسانتكم النووية وبرنامجكم النووي وما تملكونه من قنابل نووية لم يكن موضع بحث ولم يتم حتى الإشارة اليه لا من بعيد أو قريب، بينما عملنا كل ما بوسعنا للضغط على إيران لان يكون برنامجها النووي شفافا وان تخضع برنامجها ومنشآتها النووية للمراقبة من قبل منظمة الطاقة الذرية الدولية.

الاعتداءات التي يقوم بها قطعان المستوطنين اليهود الذين يقطنون المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 شهدت تزايدا ملحوظا في الأعوام القليلة الماضية وأصبحت تتكرر يوميا، وخاصة الاعتداءات على أهالي القرى وعلى الأراضي الزراعية مما يعرض حياة المواطن الفلسطيني ومصادر رزقه ومعيشته اليومية الى الخطر الدائم. وبحسب الاحصاءات التي أوردها كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات فان عدد الاعتداءات التي قام بها المستوطنين اليهود على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية المحتلة قد بلغ 11000 اعتداء منذ عام 2004 . وهذه تدخل ضمن السياسية والممارسات الصهيونية الرامية الى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين تمهيدا للاستيلاء عليها وإقامة مزيد من المستوطنات اليهودية السرطانية. وهذا هو النهج الذي اتبعته الحركة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين قبل وبعد عام 1948. هذا النهج في قضم الأراضي وطرد السكان في عملية تطهير عرقي فاشي لم ينقطع يوما من الأيام منذ قيام الكيان الصهيوني.

هذه الاعتداءات المتكررة واليومية على القرى الفلسطينية لم تعد تحتمل الاكتفاء بكلمات التنديد والبيانات التي تصدر من هنا وهناك مهما علت نبرتها وشدة وحدة كلماتها وخاصة من الأطراف الفلسطينية المتنفذة والمهيمنة على القرار الفلسطيني. فلقد اثبتت الوقائع ان "فورات الدم" هذه سرعان ما تخمد وتعود المياه الى مجاريها وكان شيئا لم يكن الى ان نتلقى ضربة جديدة وشهيد جديد يسقط نتيجة عمل إرهابي تقشعر له الابدان كما حدث مؤخرا مع الشهداء الأطفال محمد أبو خضير والطفل الرضيع علي الدوابشة الذين اضيفوا الى العديد من الشهداء الأطفال الفلسطينيين مثل محمد الدرة في غزة الذي انتشرت صورته في كل وسائل الاعلام العالمية وهكذا دواليك. كما لم يعد شعبنا أن يحتمل ان ينتظر "المجتمع الدولي" والامم المتحدة مع احترامنا لها فهي منحازة وغالبا ما تساوي بين الجلاد والضحية حتى عندما تكون الانتهاكات والبربرية والهمجية الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين واضحة وضوح الشمس. شعبنا يطالب بخطوات عملية وميدانية لحمايته وحماية أرواح ابناءه.

شعبنا لا يطلب من "السلطة" الفلسطينية أن تنزل له القمر من موضعه، أو ان تسخر له الشمس أو الرياح. ولكن ما نطلبه هو بعض الأمور العملية التي تستطيع القيام بها لكونها "سلطة" من المفترض ان تقوم بحماية الشعب الذي من المفترض ان تمثله. وإذا تعذر ذلك، بمعنى ان لم تستطيع القيام بالواجبات الأساسية والمنوطة بها كسلطة وحكومة ووزراء وما شاء الله، فلتقف جانبا وتتنحى وتصارح شعبها أو أضعف الايمان ان تغض النظر ولا تقوم باعتقال الافراد والعناصر التي من الممكن ان تتولى هذه المهام. ولا نعتقد اننا نطلب الشيء الكثير هنا.

السيد سلطان ابو العينين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح صرح لفضائية الميادين المتواجدة في القرية ومن خلال بث مباشر بأن السلطة الفلسطينية مطالبة بتوفير السلاح لكل الفلسطينيين لحماية أنفسهم. " ان مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني تقع على الجميع وأن السلطة مطالبة بتوفير السلاح لكل الفلسطينيين لحماية أنفسهم وإلا على الفلسطينيين أن يحموا أنفسهم بأنفسهم". وقال مضيفا " يجب على القيادة الفلسطينية اتخاذ إجراءات ميدانية لردع المستوطنين عن اعتداءاتهم بحق الفلسطينيين".

ونحن اذ نضم صوتنا الى صوت السيد أبو العينين نأمل ان تترجم هذه الاقوال الى أفعال وبأن لا تكون مجرد كلمات في لحظة غضب "وفورة دم" آنية لامتصاص نقمة الجماهير الفلسطينية الغاضبة وهذه الفورة سرعان ما تخبت كما كان الحال في الحادثة الأليمة المشابهة عندما احرق الطفل محمد خضير حيا على ايدي المستوطنين الدواعش العام الماضي. عندها أطلقت الدعوات من قبل قياديين في فتح بالرد على الجريمة النكراء حتى ان البعض منهم قال عندها ومن على وسائل الاعلام بأن القيادة قد أخذت قرارا بوقف التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. ولكن سرعان ما تبخرت هذه الدعوة وعندها ادركت الجماهير الفلسطينية أن هذا لم يكن سوى محاولة بائسة لامتصاص النقمة العارمة للجمهور الفلسطيني آنذاك. ليس هذا فحسب بل تسربت بعض المعلومات عن تدخل بعض الدول العربية بالتعاون مع بعض من أهل البيت من السلطة لمنع تفجر الموقف في القدس والله أعلم.

وسمعنا بنفس التهديدات عندما استشهد المناضل زياد أبو عين بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح عندما كان مشاركا في وقفة احتجاجية على مصادرة أراضي من احدى القرى الفلسطينية. وهذه التهديدات لم تكن الا أصوات عالية تلاشت في الفضاء الواسع. ويحق لنا ان نتساءل هل وصلنا الى الدرجة التي أصبحت فيها القيادة السياسية الفلسطينية متأقلمة مع الاحتلال وتتعايش ضمن هذا الواقع وكأنه قدرنا الذي لا نستطيع الإفلات منه؟

لقد خيبت السلطة الفلسطينية توقعات شعبنا في الداخل والخارج بعدم اتخاذها الإجراءات أو الخطوات لتجابه هذه الممارسات البربرية والهمجية بحق شعبنا. يقال أن "المجتمع الدولي" يحارب تنظيم داعش الإرهابي فلماذا لا تطالب وتثير السلطة إرهاب المستوطنين وضرورة التصدي له عمليا، فإرهابهم لا يقل درجة في توحشه وممارساته عما تقوم به الدواعش. ألم تحرق الدواعش الطيار الأردني حيا عندما أمسكت به بعدما سقطت أو اسقطت طائرته في السماء السورية؟ العملية الإرهابية التي قامت بها قطعان المستوطنين اليهود ربما هي أفظع بكثير من تلك لأنهم اعتدوا على السكان الامنيين وهم نياما. فأين هو "المجتمع الدولي" من هذا أم ما زال الكيل بمكيالين هو سيد الموقف كالعادة؟ ونحن نتساءل لماذا شطبت إسرائيل من قائمة الأمم المتحدة للدول التي تضطهد الأطفال مؤخرا؟  أم أن أطفال فلسطين هم مخلوقات بشرية دونية لا ينتمون للجنس البشري؟

اتحفنا رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو بإدانة العملية ووصفها "بالإرهابية"، وهذا بحد ذاته العهر السياسي في قمة توهجه، وذلك لان هذه الادانة تأتي من قاتل أطفال غزة الذي استشهد منهم ما لا يقل عن 400 شهيد تطايرت أشلاء أجسادهم أو تفحمت أو طمرت بعد ان انهالت فوق أجسادهم الطرية المباني التي كانوا يقطنون بها مع عائلاتهم وذلك في العدوان الهمجي الأخير الذي قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الابية في 8 يوليو 2014 والذي اعطي اسم "الجرف الصامد". في هذا العدوان سقط 2310 من الشهداء جلهم من الأطفال والنساء ودمر ما يقرب من 12 الف مسكن، وما زالت حكومته تضع العراقيل وتمنع وصول مواد البناء لإعادة اعمار ما دمرته الحرب التي استخدمت فيها كل انواع الأسلحة المحرمة دوليا من القنابل العنقودية وقنابل الفسفور الأبيض الحارقة.

هذا المجرم لا يجد حرجا ان يقف ويدين ما فعلته حكومته وهي التي شجعت الاستيطان وسلحت المستوطنين ودربتهم على قتل الفلسطينيين. حتى أطفال المستوطنين في المدارس يدربون على إطلاق النار على تماثيل البست الزي الفلسطيني لزرع روح الكراهية والحقد وانكار الغير وتحليل دمه. اليس هذا هو الفكر الداعشي الذي ينكر ويكفر الغير ويحلل دمه؟ المناهج التعليمية داخل إسرائيل تشجع على الكراهية للعربي وتزرع هذا في وجدان الأطفال اليهود الذين ينشئون على الحقد الاعمى والتلذذ في قتل الفلسطيني ومحاربته حتى في العابهم على الكومبيوترات. السيد نتنياهو والطبقة السياسية الحاكمة في إسرائيل تريد ان تمتص نقمة وغضب الشارع الفلسطيني ومن هنا نسمع كلمات الإدانة من هنا وهناك من عناصر القيادة السياسية فالكل يسعى الى تنفيس الضغط والاحتقان في الشارع الفلسطيني تخوفا وتحسبا من انفجار الوضع الأمني في الضفة الغربية. هذا بالإضافة الى التخفيف من ردود الفعل الدولية وخاصة من المنظمات الشعبية والحقوقية التي تعنى بحقوق الانسان والتي تطالب بمحاسبة إسرائيل على جرائمها التي ترتكبها تجاه الشعب الفلسطيني.

كلمة في النهاية وبصراحة، على شعبنا أن لا يعول كثيرا على "السلطة" التي خذلته وفي اكثر من مفصل تاريخي ولم تفي بالكثير من الوعود التي أطلقتها. كما واياكم على التعويل على ما يسمى بجامعة الدول العربية، فهي لم تعد عربية النها عملت وتعمل وشاركت "المجتمع الدولي" في تدمير الدول الوطنية ويكفينا النظر الى ليبيا وسوريا واليمن كأمثلة حية امامنا.  ولذلك فان حماية القرى الفلسطينية ميدانيا من قطعان المستوطنين لن يكون الا بسواعد لجان الحماية الشعبية التي أثبتت قدرتها سابقا على التصدي لمثل هذه الاعتداءات المتكررة والتي أصبحت تهدد الوجود الفلسطيني. لقد آن الأوان على إعادة هذه التجربة الناجعة واحياءها. وعلى الفصائل الفلسطينية كافة أن توحد خطابها وتنسق فيما بينها لحماية قرانا ومن الضروري ان تتضافر الجهود لان المسؤولية هي مسؤولية جماعية. نقول هذا لان الأجهزة الأمنية الفلسطينية مشغولة على ما يبدو في أمور أخرى لا داعي للخوض فيها هنا ويكفي أن ندلل على حملات الاعتقالات الواسعة التي تشن بين الحين والأخر.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

تاريخ النشر

03.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

03.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org