<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني ماذا وراء الطلب التركي لعقد اجتماع استثنائي للناتو؟

 

 

 

ماذا وراء الطلب التركي لعقد اجتماع استثنائي للناتو؟

 

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

دعت تركيا الى عقد اجتماع استثنائي لحلف الناتو وذلك لمناقشة التصعيد الأمني الذي شهدته المنطقة الحدودية التركية نتيجة التفجير الإرهابي في 20 يوليو الحالي الذي تبناه تنظيم داعش في مدينة سروج التركية الواقعة مقابل عين العرب السورية والذي أوقع  32 ضحية 100 جريح معظمهم من الاكراد الذين كانوا في اجتماع لمناقشة ما يمكن عمله لإعادة ما دمر من عين العرب على ايدي داعش. 

والذي يبدو ان تركيا تريد أن تفعل المادة الرابعة من معاهدة الناتو التي تتيح لأي دولة من اعضاءه 28 ان تطلب المعونة من الناتو فيما إذا ارتأت ان" أمنها القومي أو وحدة أراضيها واستقلالها السياسي معرضة للتهديد". .  ولقد صرح السكرتير العام للحلف " ان الطلب التركي يأتي ضمن خطورة الموقف بعد الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له تركيا في الأيام الأخيرة الى جانب القيام بابلاغ الحلفاء ما هي الإجراءات التي ستتخذها". ولقد سبق وان عمل بهذه المادة في ثلاثة حالات فقط اثنتين منها خاصة بتركيا عام 2003 أثناء الغزو الامريكي للعراق و 2012 في الحرب على سوريا والثالثة خاصة ببولندا عام 2014 نتيجة الاحداث في أوكرانيا.  

ولقد استبقت تركيا الدعوة لهذا الاجتماع بقصف مواقع داعش الحدودية داخل الأراضي السورية من قبل الطائرات التركية، الى جانب قصف جوي ومدفعي قام بها الجيش التركي لمواقع حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية المحاذية للحدود التركية مما اثار انتقادات من قبل أكراد العراق. تركيا تصرفت على غرار السعودية التي بدأت بعدوانها على اليمن ومن ثم ذهبت الى مجلس الامن بعد أن وضعت "المجتمع الدولي" تحت أمر واقع. وقام هذا "المجتمع الدولي" بإعطاء الغطاء لآل سعود بشكل مباشر أو غير مباشر ومباركة عدوانها الذي ما هو الا عدوانا صهيو-أمريكي بأدوات عربية وبقيادة شكلية سعودية. ونحن لا نعتقد ان الامر لتركيا وحلف الناتو سيكون مختلفا عن الحالة السعودية والعدوان على اليمن.

ومن المتوقع ان تقوم تركيا بطلب قيام طائرات من حلف الناتو بمراقبة الحدود التركية-السورية. والواضح ان حكومة العدالة والتنمية وبالتحديد الرئيس أردوغان لم يتخلى عن فكرة إقامة منطقة آمنة وعازلة داخل الأراضي السورية الى جانب منطقة حظر جوي، فقد سبق وان طلب من قيادة الجيش التركي دراسة الفكرة سابقا وما هي المتطلبات والمستلزمات العملية لتحقيق ذلك. ولقد قامت قيادة الجيش بتقديم المخطط لهذه العملية، وحددت عمق الأراضي التي من الضروري أن تشملها المنطقة الآمنة على طول الشريط الحدودي مع سوريا.   ولكن تركيا لا تريد ان تقوم بهذه الخطوة بشكل منفرد لما يمثله هذا من اعتداء مباشر وسافر على الأراضي السورية بكل المقاييس ومخالفا للأعراف والمواثيق الدولية، مما قد يستدعي ردا سوريا قويا لا يحمد عقباه. وقد سبق لسوريا أن هددت باتخاذ الإجراءات المناسبة فيما إذا أقدمت تركيا على مثل هكذا خطوة. وكانت إيران وروسيا قد ابديتا امتعاضهما من المقترحات التركية مشيرين الى خطورتها وما تحمله من تصعيد الموقف في الشمال السوري. عندها أعلنت روسيا وعلى لسان وزير خارجيتها لافروف بالإضافة الى الرئيس بوتين أن روسيا لن تسمح بإعادة السيناريو الليبي. وعندها أيضا أرسلت إيران تهديدا شديد اللهجة الى تركيا فيما إذا أقدمت على هكذا خطوة.  وربما هذا ما جعل الإدارة الامريكية عندها عدم المضي والتناغم مع المقترحات التركية والتي كان أن وضعها أرودغان آنذاك كشرط لانضمام تركيا الى "التحالف" الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الارهاب المتمثل فقط بتنظيم داعش متناسية جبهة النصرة الإرهابية التي كانت وما زالت على قائمة التنظيمات الإرهابية بحسب الإدارة الامريكية والدول الغربية الأخرى.

الذي يبدو أن اقدام تركيا على مثل هذه الخطوة والمجازفة بما يمكن ان يترتب عليها من ردود فعل إقليمية ودولية، يراد منه ان تبين تركيا انها لاعب رئيسي في المنطقة لا يمكن تجاوزها وخاصة وأن المنطقة ذاهبة الى تغيرات في المنظومة السياسية والاستراتيجية، وتسعى تركيا الى ان يكون لها موطىء قدم قوي ضمن هذه المنظومة الجديدة. وربما هذا ما قصده رئيس الوزراء التركي أوغلوا عندما صرح أمام الصحافة المحلية التركية والاجنبية مؤخرا حيث قال " ان العمليات العسكرية التي وجهت ضد مواقع "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" في سوريا وكذلك ضد حزب العمال الكردستاني في العراق في 23 و 24 من شهر يوليو الجاري قد " غيرت من اللعبة الإقليمية". مضيفا الى " انه الان هناك ظروف جديدة. ونحن نريد من كل واحد ان يقرأ ويقيم الأوضاع الجديدة التي نشأت بالعمليات التي قمنا بها في كل من سوريا والعراق مرة أخرى ومن ثم إعادة مراجعة مواقفهم بناء على ذلك" (صحيفة حريات اليومية 27 يوليو 2015). واستطرد قائلا " ان وجود تركيا التي تستطيع ان تستخدم القوة بفعالية يمكن ان تؤدي الى نتائج قد تغير اللعبة في كل من سوريا والعراق والمنطقة بأكملها وان على كل انسان متابع ان يرى ويعي ذلك". وهذا تهديد واضح بان تركيا لن تتوانى عن استخدام القوة العسكرية والمضي في سياستها العدوانية تجاه سوريا والاكراد وكذلك التدخل بالوضع الداخلي العراقي واليمن على الاقل. وهذا يمكن ان يفهم على انه  تهديدا للصديق والعدو في آن واحد. ولقد سبق وان تهجم أردوغان علنا على الإدارة الامريكية ورفضها لإقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي في الشمال السوري الى جانب السياسة التي اتبعتها بالنسبة لسوريا وخاصة عدم استخدام القوة العسكرية الامريكية لإسقاط الدولة السورية، وحالة التلكؤ في دعم ما سمي "بالمعارضة السورية المعتدلة". والذي يبدو ان صمت القبور للمجتمع الدولي على العدوان السعودي-الأمريكي المستمر على اليمن والذي دخل شهره الرابع الى جانب عوامل اخرى قد شجع حكومة العدالة والتنمية لاتخاذ مثل هذه الخطوات والإجراءات التي بدأت تتصاعد وتهدد بتفجير الأوضاع أكثر مما هي عليها الان.

والذي يبدو أن الولايات المتحدة لها ضلع واضح في هذه العملية ربما لعدة اسباب. أولها ان استراتيجية الإدارة الامريكية   كما يتضح الان بدأت بالاعتماد بشكل أساسي على تحريك أدواتها لأخذ زمام المبادرة واستخدامهم في عمليات التدخل المباشر لخدمة مصالحها الاستراتيجية بدلا من وضع البساطير الامريكية على الأرض.

 الى جانب ذلك فإنها تريد احباط وافشال المبادرة التي تقدمت بها روسيا، وكان ان دعا بوتين دول المنطقة وخاصة سوريا والسعودية وتركيا والعراق لتكوين تحالف لمحاربة الارهاب وعلى ان موسكو على استعداد لدعم إقامة هذا التحالف وبذل الجهود لإقامة حوار بين دول المنطقة بهذا الخصوص، علما منه بان السعودية وتركيا قد تآمرت على الدولة السورية وحاولت إسقاط الدولة السورية وخاصة الرئيس بشار الأسد مما يجعل اجراء أي حوار مع فئات داعمة للإرهاب شبه مستحيل ان لم يكن مستحيلا. ونحن لا نرى كيف يمكن للدولة السورية ولممثليها بعد كل ما فعلته تركيا وآل سعود بسوريا كوطن ان تجلس على نفس الطاولة أو يعملان جنبا الى جنب.

 والذي يبدو أن أردوغان أراد ان يطمئن روسيا بأن تحركه باتجاه الناتو وطلب مساعدة الحلف لتركيا لن يكون موجها ضد الدولة السورية، حيث انه قام بالاتصال والتحدث مع بوتين في نفس اليوم الذي طلبت به تركيا عقد اجتماع استثنائي للناتو في بروكسل. وقد أكد المتحدث الرسمي باسم الكرملين بأنه اثناء المكالمة الهاتفية بين الرئيسين " تم التأكيد على ان النجاح في التصدي للإرهاب والتطرف يستدعي بالضرورة توحيد جهود جميع الأطراف المعنية على أسس مرتكزة على القانون الدولي". وربما هذه إشارة واضحة من الكرملين بأن روسيا ستقف ضد المخطط التركي بإقحام الناتو والتصرف خارج الشرعية الدولية.

ان وقوف تركيا العلني ضد تنظيم داعش لم يأتي من فراغ. فهذا التنظيم الإرهابي آخذ بالتصرف خارج الدائرة التي رسمت له من قبل مشغليه وبدء ينقلب على داعميه كما رأينا في التفجيرات في السعودية والكويت والان في تركيا على الأقل بالرغم من الضربة كانت موجهة للأكراد التي تعمل تركيا على عدم تمكنهم من إقامة كيان مستقل وتقف بوجه التواصل الجغرافي بين أكراد العراق وسوريا وتركيا خوفا من إقامة الدولة الكردية مستقبلا وهو ما أعلنت تركيا وعلنا أنها ستعمل كل ما بوسعها لعدم تحققها. ولكن كون أن العملية الانتحارية قد نفذت على الأرض التركية، فان هذا بمثابة دق ناقوس الخطر بالنسبة للسلطات التركية.

 لكن بالإضافة الى ذلك من الضروري ان نشير الى ان كل هذه الاهزوجة والمسرحية حول مكافحة الارهاب موجهة نحو تنظيم داعش ولا تشمل تنظيمات إرهابية تكفيرية أخرى مثل جبهة النصرة الموضوعة على قائمة الارهاب من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية. وقد تم مؤخرا نوع من التحالف بين جبهة النصرة واحرار الشام وجيش المهاجرين والانصار وثلاثة مجموعات جهادية أخرى حيث تم لصدار بيانا مشتركا لهذه المجموعات يؤكدون على انهم سيواصلون حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية ( لونج وور 20 يوليو 2015). الذي يبدو ان هذا الحلف بين هذه المجموعات الإرهابية الغرض منه بالأساس تبيان أن جبهة النصرة واحرار الشام وهما أكبر الفصائل المنضوية تحت هذا الحلف الجديد هما تنظيمات معتدلة من "المعارضة السورية". بمعنى آخر هنالك من يعمل على تبيض وجه جبهة النصرة الموضوعة أساسا على لائحة الارهاب الامريكية والأوروبية وهي أكبر جبهة إرهابية بعد تنظيم داعش من الجبهات التي تحارب الجيش السوري.

 

ولا شك ان هنالك رابط بين ان تأتي تركيا الان وتعلن على لسان رئيسها السيد رجب طيب أردوغان ان تنظيم داعش يشكل خطرا على الامن القومي التركي ومن ثم يجب محاربته، وبين محاولة تبيض وجه المجموعات الإرهابية الأخرى وتقديمها على انها تمثل المعارضة السورية المعتدلة في أي حل سياسي قادم متوقع وخاصة بعد أن أنهي الملف النووي الإيراني. من المرجح ان يكون فك الشراكة والعلاقة الحميمة بين تنظيم داعش وتركيا الذي استمر ما يقرب من السنتين والتي قامت خلالها تركيا اردوغان بتقديم المساعدة اللوجيستية والمعلومات الاستخباراتية الى جانب فتح الأراضي التركية أمام المقاتلين الأجانب واستخدام الحدود لإدخال الالاف من حثالة البشرية للقتال في سوريا، يبدو وكأن كل هذه التسهيلات قد قاربت على الانتهاء بالنسبة لتنظيم داعش لصالح النصرة وغيرها من المجموعات الإرهابية. 

لا شك أن الأوضاع في المنطقة ستشهد مزيدا من التوتر والتصعيد على كافة الأصعدة وإننا مقبلون على زلزلة في المنظومة السياسة والاستراتيجية التي كانت سائدة قبل الاتفاق النووي الإيراني وهناك الكثير من البوادر بدأت بالظهور على السطح والعلن وبشكل لا لبس فيه، مثل التعاون الإسرائيلي الخليجي بقيادة السعودية. والتحرك التركي في الفترة الأخيرة يأتي ضمن هذا هذه التفاعلات.

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

28.07.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

28.07.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org