%@ Language=JavaScript %>
تركيا وإرهاب داعش
الدكتور بهيج سكاكيني
بدأت آثار العملية الإرهابية الانتحارية التي قام بها تنظيم داعش مؤخرا في مدينة سروج التركية الواقعة ضمن أراضيها المحاذية للحدود مع سوريا والقريبة من عين العرب والتي أودت بحياة 32 شابا وعشرات الجرحى تظهر في الداخل التركي سواء على المستوى الشعبي أو العسكري أو السياسي.
يقوم الجيش التركي حاليا بحفر خنادق على مسافة 365 كيلومتر على الحدود مع سوريا وتخصيص 90% من الطائرات بدون طيار وطائرات الاستطلاع التي تمتلكها تركيا للعمل على الحدود السورية، الى جانب تخصيص 50% من الجيش التركي البالغ عدده افراده 40000 جندي المنوط به حماية الحدود التركية مع دول الجوار (العراق، ايران، اليونان ، أرمينيا ، جورجيا وبلغاريا) لحماية الحدود مع سوريا (مجلة بيزنس انسايدر 23 يوليو 2015) من ضمن التدابير التي اخذت مؤخرا كردة فعل على الحادث الإرهابي في مدينة سروج التركية. وبالإضافة الى ذلك تنوي الحكومة التركية بناء جدار عازل على طول 150 كيلومتر على جانب من الحدود مع سوريا وتجهيزه بأحدث التقنيات واجهزة الاستشعار الإليكترونية على نمط ربما تلك التي بنتها السعودية مع حدودها مع العراق لمنع تسلل الإرهابيين ومراقبة الحدود وتحركات الإرهابيين عبر الحدود المشتركة. بالإضافة الى هذه الإجراءات الحدودية فقد قامت الأجهزة الأمنية التريكة باعتقال ما يقرب من 250 عنصرا أغلبهم ينتمون الى تنظيم داعش الارهابي 30 منهم على الأقل 36 منهم من المقاتلين وذلك في حملة اعتقالات واسعة في عدة محافظات تركية. ولقد شارك في إستانبول وحدها ما يقرب من 5000 جندي ورجل أمن تركي في عمليات الاعتقال وهذا يدلل على مدى الجدية التي أصبحت توليها أجهزة الإستخبارات والامن التركية للأمن الداخلي من المجموعات الإرهابية مما يعكس الاستشعار بالخطر القادم ( صحيفة حريات التركية 24 يوليو 2015).
لسنا بحاجة الى اجراء عمليات البحث والتدقيق لإثبات التورط التركي ومنذ بداية الازمة السورية وضلوعه بالكامل في رفد المجموعات الإرهابية التكفيرية من تنظيم النصرة وداعش وغيرها من المجموعات الإرهابية التي تأتي بين الحين والأخر تحت المسميات والوان المختلفة تبعا لمشغليهم. وهذا ما أشارت اليه أجهزة الاستخبارات الغربية وعلى رأسها الامريكية العالمة ببواطن الأمور وادارتها. ولقد اتهم نائب الرئيس الامريكي بايدن السلطات التركية بفتح حدودها واراضيها ودعم الإرهابيين من النصرة وداعش، ولقد ظهرت بعض الأصوات الامريكية التي تطالب بطرد تركيا من حلف الناتو لدعمها التنظيمات الإرهابية ورفض الانضمام الى "التحالف" الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الارهاب (موقع بيلست الإخبارية). الى جانب ذلك فلقد صرحت المصادر الأمنية الالمانية بأن 70% من المقاتلين الأجانب دخلوا الى سوريا من الحدود التركية. بالإضافة الى هذا فلقد قدمت تركيا الدعم اللوجيستي وسهلت مرور مئات الاطنان من الأسلحة والذخائر عبر حدودها وقدمت كل التسهيلات للإقامة داخل أراضيها للإرهابيين القادمين من الخارج وتدريبهم قبل ارسالهم الى الداخل السوري وقامت بتقديم العلاج للمصابين والجرحى للعناصر الارهابية في مستشفياتها.
الإجراءات لم تأتي من فراغ وانما جاءت على خلفية الخطر الذي بات يتهدد الامن الداخلي التركي بشكل جدي على الرغم من الدعم الكامل الذي قدمته تركيا لهذه المجموعات الإرهابية التكفيرية وخاصة تنظيم داعش في الفترة الأخيرة. فالتنظيم الإرهابي كان المسموح له ان يعمل على الأراضي السورية لمحاربة الجيش السوري وكذلك لجان الحماية الشعبية الكردية كما حصل ويحصل خاصة في عين العرب. هذا جزء من الاستراتيجية التي انتهجتها تركيا اردوغان التي عملت منذ بداية الازمة السورية على محاولة اسقاط الدولة الى جانب الوقوف ضد قيام أي مكون كردي سواء دولة او منطقة يسيطر عليها أكراد سوريا والتي ربما تشكل نواة لتشكيل مكون كردي متواصل مع أكراد تركيا والعراق لاحقا. ولقد وضح هذا في رفض تقديم الدعم لسكان عين العرب ذو الأغلبية الكردية في مقاتلتهم لتنظيم داعش الذي كان يطبق على المدينة التي كادت ان تسقط كلية في يدي مقاتليه في مرحلة سابقة. أما الان وقد بدأ الارهاب يضرب داخل الأراضي التركية فقد تغيرت المعادلة على ما يبدو، اذ ولأول مرة يشتبك الجيش التركي مع عناصر تنظيم داعش ويقصف بعض مواقعه داخل الأراضي السورية بصواريخ موجه من طائرات تركية ولكن دون الدخول الى الأرضي السورية بحسب المصادر التركية. لا شك ان تركيا بدأت تفكر في الاخطار التي يمكن ان تنعكس على الداخل التركي من هذه المجموعات الإرهابية وخاصة بعدما رأت التفجيرات الإرهابية على الأقل في السعودية والكويت وهي من الدول التي رعت هذا الارهاب ودعمته.
وربما هنالك مؤشر آخر للدلالة على تغير قد يحصل من قبل الحكومة التركية الجديدة وهي ان تركيا قد سمحت لقوات "التحالف" لمحاربة داعش في العراق وسوريا التي تقوده الولايات المتحدة بإستخدام قاعدة انجرلنك الجوية (وهي قاعدة يستخدمها حلف الناتو) في بداية اوغسطس القادم كما أشار متحدث رسمي لوزارة الخارجية الامريكية ( صحيفة حريات التركية 23 يوليو 2015) ، وهو ما رفضته الحكومة التركية طيلة الفترات السابقة في محاولة للضغط على الولايات المتحدة للسماح لتركيا في إقامة منطقة عازلة آمنة ومنطقة حظر جوي داخل الأرضي السورية في المقابل، وهو ما رفضته الولايات المتحدة لعدة أسباب لوجيستية ومالية وسياسية لغاية الان. والإصرار على استخدام قاعدة انجرلنك الجوية يأتي على الأقل لقرب المسافة من محافظة الرقة التي تعتبر بمثابة المعقل الرئيسي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، والتي تبعد 400 كيلومتر فقط عن القاعدة الجوية في تركيا بينما تضطر طائرات التحالف للطيران 2000 كيلومتر من القواعد المتواجدة في دول الخليج للوصول الى الرقة.
ولا شك ان الخطوات والاجراءات التي أقدمت عليها تركيا تجاه داعش مرهونة أيضا بالجو السياسي العام الذي أصبح يخيم على المنطقة والعالم الذي أصبح أكثر تضررا بالإرهاب الذي بدأ يرتد على الدول الذي رعته وقدمت له الدعم المادي أو الإعلامي أو السياسي بالإضافة الى التسليحي، وخاصة ان هذا الارهاب بدأ يضرب في عمق الأراضي الأوروبية والخليجية. وهذا ما استدعى ممارسة الضغوط على تركيا لمزيد من ضبط حدودها وعدم السماح للمقاتلين الأجانب بالعبور من خلال أراضيها للانضمام الى تنظيم داعش على الأخص وغيره من التنظيمات الإرهابية. بمعنى ان هنالك ضغوطات دولية على الحكومة والجيش التركي بفعل شيء ضمن "التحالف" الدولي لمحاربة الارهاب كما ورد في المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس أوباما واردوغان.
والعامل الآخر الذي لا يقل أهمية من الضغط الدولي هو الضغط الداخلي التركي فقد حملت العديد من القوى السياسية المسؤولية عما حدث من تفجيرات إرهابية لحكومة حزب العدالة والتنمية التركية التي سمحت طيلة هذه السنوات للعناصر الإرهابية باستخدام الأراضي التركية لمحاربة الدولة السورية والرهان على اسقاط الدولة السورية، وهذا ما انعكس سلبا على تركيا أمنيا واقتصاديا وسياسيا. وقد عمت الكثير من المدن التركية المظاهرات التي تدين العمل الإرهابي الأخير الذي ذهب ضحيته 32 قتيلا من الشباب وعكست الغضب الشعبي على السياسة التي انتهجتها هذه الحكومة. هذا بالإضافة الى إمكانية اجراء انتخابات عامة جديدة خاصة بعد ان فقد حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة في البرلمان التركي وربما عدم تمكنه من تكوين حكومة ائتلافية مستقرة في البلاد.
ويبقى السؤال المطروح في النهاية هل تدل هذه الإجراءات على تغير حقيقي في الموقف التركي تجاه المجموعات الإرهابية بشكل عام، أم انها تأتي ضمن الحملة لتحجيم قدرات التنظيم الإرهابي لإخراجه من الساحة ودائرة الفعل لتحسين وجه ارهابيي النصرة وشاكلتهم الذين ينهلون من نفس الفكر الوهابي التكفيري، وهو ما تحاول أجهزة الاستخبارات الغربية ودول إقليمية تسويقه؟
الدكتور بهيج سكاكيني
تاريخ النشر
25.07.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
25.07.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |