<%@ Language=JavaScript %> الدكتور بهيج سكاكيني اليونان تباع بالمزاد العلني...فهل سيخضع الشعب اليوناني؟

 

 

اليونان تباع بالمزاد العلني

 

...فهل سيخضع الشعب اليوناني؟

 

 

الدكتور بهيج سكاكيني

 

 بعد محادثات مضنية وماراثونية بين وزراء المالية لمنطقة اليورو والوفد اليوناني الذي ترأسه رئيس الوزراء تسيبراس ووزير خارجيته تمكنت الترويكا من اخضاع رئيس الوزراء اليوناني بالخضوع الى شروطها التي كانت قد قدمت من قبل المانيا بحضور المستشارة الألمانية ميريكل التي ما ان وصلت الى بروكسل قامت بتهديد اليونان اما القبول بالشروط الألمانية على وجه التحديد (لكونها بصراحة الديكتاتورية المالية التي بإمكانها ان تضع فيتو على أية حلول لا تستجيب لشروطها) واما الطرد من منطقة اليورو لمدة ثلاثة سنوات على الأقل.

الورقة الألمانية تضمنت انه في حالة الاتفاق النهائي مع اليونان، فان على اليونان أن تتعهد بتقديم أصول مملوكة للدولة بقيمة 50 مليار يورو الى لوكسمبورغ لبيعها ضمن برنامج الخصخصة للقطاع العام اليوناني بالمزاد العلني. بمعنى أن المانيا على وجه التحديد لن ترضى الا بالاستسلام المالي الكامل للدولة اليونانية كثمن من اجل تقديم ما يقرب من 80 مليار يورو للبنوك الكبرى اليونانية لضمان السيولة وعدم افلاس الدولة. ليس هذا فحسب بل ان الورقة المقدمة أكدت على ضرورة وجود خبراء من الترويكا (صندوق البنك الدولي والمصرف المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية) على الأرض في أثينا وذلك لمراقبة تطبيق شروط تقديم الدعم اللازم في المرحلة القادمة. الى جانب ذلك فان الترويكا يجب ان يكون لها رأي في مسودة التشريعات التي ستقدم الى البرلمان اليوناني، وبالإضافة الى ذلك فان على البرلمان اليوناني أن يقوم بالغاء أو بتعديل كل التشريعات التي مررتها حكومة سيرايز الائتلافية في البرلمان منذ توليها الحكم التي لم توافق عليها الجهات الدائنة. ولقد وصلت الوقاحة والعنجهية الى الحد بتصريح السيدة ميريكل بعد الانتهاء من الاجتماع بأن على البرلمان اليوناني الموافقة على كل الشروط قبل أن يجتمع، وعلى ان الطريق ما زال طويلا.

من الناحية العملية تم تأجيل وقوع الكارثة ربما الى بضعة أسابيع أو بضعة سنين قادمة أو هكذا يعتقد البعض، هذا في حالة تمكن رئيس الوزراء من تمرير الشروط المفروضة من قبل الترويكا والتي هي أقسى بكثير من تلك التي رفضت سابقا من قبل نفس الحكومة الحالية. ولكن من المؤكد ان حجم الكارثة القادمة ستكون تداعياتها على الدولة اليونانية والشعب اليوناني أكبر بكثير فيما لو انسحبت اليونان الان من منطقة اليورو في اللحظة التي ما زالت اليونان تمتلك بعض القطاعات العامة والبنى التحتية التي تمكنها من الحصول على بعض المداخيل بالرغم من محدوديتها. هذا بالإضافة الى ما يمكن أن تحصل عليه من دعم من روسيا التي أعلنت عن طريق الرئيس بوتين استعدادها لدعم اليونان وتسهيل دخولها كعضو في دول البريكس وامكانية حصولها على قرض من صندوق التنمية لهذه الدول، هذا الى جانب دعمها عن طريق الاستثمارات الصينية السخية في عدد من القطاعات الإنتاجية.

عملية تأجيل وقوع الكارثة ليس أكثر من هذا، هكذا يمكن تلخيص "الاتفاقية" الجديدة على مناقشة برنامج "مساعدة" ثالث لليونان وخاصة وأن القروض الجديدة التي ستقدم لن تذهب الى الاستثمار في القطاعات الإنتاجية في البلد بل الى تسديد جزء من الديون المتراكمة ودفع الفوائد المستحقة على هذه الديون وبالتالي فإنها ديون جديدة تقدم لخدمة ديون قديمة. وبمعنى آخر فأن النقود التي ستقدم لن تدخل البلاد والمستفيد الوحيد منها ستكون البنوك والمؤسسات المالية الخاصة وهنا تكمن الطبيعة الطبقية للازمة المالية اليونانية وسياسات التقشف المفروضة من قبل المؤسسات الدائنة.

لقد سبق وأن أوضح وزير المالية اليوناني السابق (الذي استقال أو اقيل) من انه في الوقت الذي تؤكد اليونان التزامها بتسديد ديونها فان ذلك من غير الممكن اذا ما قبلت الحكومة اليونانية بالإجراءات التقشفية القاسية والمجحفة التي يطالب بها الدائنين، والتي تتضمن التخلص من العديد موظفي القطاع العام واجراء إصلاحات واسعة في النظام التقاعدي وأنظمة الخدمات العامة والضمان الاجتماعي..الخ. ولا شك ان الالتزام بهذه الإجراءات التي تحاول الجهات الدائنة فرضها على اليونان لن تؤدي فقط الى تفاقم الازمة الاقتصادية والاجتماعية، بل انها ستؤدي الى الركود والكساد الاقتصادي وزيادة الدين القومي وتعقيد الأمور والدخول في دوامة ستنتج كارثة اقتصادية وإنسانية وسياسية في البلاد وعودة اليمين والاوليغاركية اليونانية الى سدة الحكم، وربما هذا ما تسعى اليه الجهات الدائنة من خلال الحرب الطبقية الخفية التي تشنها على الشعب اليوناني وتريد معاقبته لانتخابه قوى محسوبة على اليسار ضمن الطيف السياسي اليوناني.

لقد بات من الواضح أن الجهات الدائنة المتمثل بالترويكا ستستخدم الالتزامات المالية المترتبة على اليونان نتيجة ديونها التي فاقت ما يقرب من 170% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد لفرض "إصلاحات" وتغيرات أساسية في البنية الاقتصادية التي ستؤدي بالضرورة المزيد من زعزعة الاستقرار في الاقتصاد القومي للبلد وزيادة افقار السكان وتراجع في مستويات المعيشة، وهذا سيؤهل الجهات الدائنة فرض إملاءاتها وتحكمها في رسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية لليونان. ان جل اهتمام الجهات الدائنة هو في الحصول على وامتلاك ثروة مادية حقيقية من داخل الاقتصاد القومي. بمعنى أنها تريد السطو والاستيلاء على المؤسسات البنكية والمشاريع والممتلكات العامة من مطارات وأراضي زراعية وموانىء وشركات توزيع الطاقة من كهرباء وبترول وغاز وشبكات توزيع الماء والهواء ان أمكنها ذلك. بمعنى المراد هو "العصر الاقتصادي" إذا جاز لنا التعبير لتحقيق المليارات من الأرباح وتهريبها خارج البلاد. ولكي يتسنى لها ذلك فهي بالضرورة بحاجة الى الفئات الاجتماعية المحلية الطفيلية الفاسدة التي تدعم خارجيا بكافة السبل للوصول الى السلطة السياسية والتشريعية للبلاد وذلك لتسهيل عملية النهب تحت غطاء "شرعي" محلي. ومن هنا من غير المستبعد ولا المستغرب أن تعمل الجهات الدائنة على اسقاط حكومة الائتلاف قريبا وخاصة مع تواجد مجموعات ضمن الائتلاف وحتى من داخل حزب سيرايز معارضة لسياسة الاستسلام والرضوخ الى إملاءات الترويكا التي يتبناها رئيس الوزراء تسبيراس ووزير المالية الجديد بشكل رئيسي باعتبارها المخرج الوحيد "للخروج" من الازمة والضائقة المالية الحالية ومحاولا تجميل الوجه القبيح للإجراءات التقشفية المجحفة والغير أخلاقية أو القانونية، والتي هي اسوء بكثير من تلك التي رفضها الشعب اليوناني بأغلبيته عندما صوت بلا التي ما زال يسمع صداها.     

  مرة أخرى نريد ان ننوه كما ذكرنا في مقال سابق بهذا الخصوص، من ان التفويض الذي منحه اغلبية الشعب اليوناني للحكومة الائتلافية وبالتحديد لرئيس الوزراء كان للتخفيف من المعاناة الاقتصادية الخانقة لقطاعات عريضة من الجمهور اليوناني وذلك عن طريق الغاء بعض الإجراءات التقشفية الجائرة على الأقل التي فرضت على اليونان في الخمسة سنوات السابقة وليس لزيادتها. ونضيف هنا الى هذا، من ان التفويض بالتأكيد لم يكن لعرض اليونان كدولة ومقدرات للبيع بالمزاد العلني. وبالمناسبة فان إحدى شروط هذا المزاد العلني هو أن لا ينتهي ما يعرض في المزاد الى شركات روسية حتى لو كانت هي التي قدمت أعلى الاسعار في هذا المزاد.

ويبقى السؤال المطروح هل سيقبل الشعب اليوناني ويخضع لهذه الابتزازات والنيل من كرامته الوطنية؟

الدكتور بهيج سكاكيني

 

تاريخ النشر

13.07.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

13.07.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org