%@ Language=JavaScript %>
الطبيعة الطبقية لسياسة التقشف المفروضة على الشعب اليوناني
الدكتور بهيج سكاكيني
ما زالت الازمة المالية التي تعايشها اليونان التي سببتها سياسة الجشع والغير مسؤولة والجائرة التي اتبعتها طواغيت رأس المال العالمي والاوروبي المتمثلة بالترويكا ( صندوق البنك الدولي والمصرف المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي من خلال المفوضية في بروكسل)، محط انظار العديدين وخاصة في القارة الأوروبية الى جانب الولايات المتحدة، لما قد يترتب على سبل حلها أو عدمه من ارتدادات على الساحة الأوروبية والعالمية.
وعلى الرغم من أن الصورة بوضعها النهائي لم تكتمل بعد فان تصويت البرلمان اليوناني لصالح المقترحات التي تضمنت بعض الإصلاحات وإجراءات تقشفية إضافية التي قدمها رئيس الوزراء تسبيراس اعتبر من قبل العديد من اليونانيين بأنه استسلام وخضوع لإملاءات الترويكا وبالتالي الطعن في الظهر لهؤلاء الذين خرجوا تأييدا للحكومة التي وعدت بعدم تبني مزيد من الاجراءات التقشفية المجحفة والتي فرضت على اليونان منذ خمسة سنوات، والتي ادت الى ارتفاع في معدلات البطالة بنسبة خمسون بالمئة في اوساط الشباب ومزيد من تدهور مستوى المعيشة للشعب اليوناني.
لا بد لنا ان نشير الى ان الازمة التي تعاني منها اليونان قد كشفت بشكل لا لبس فيه سياسة التقشف التي فرضت على الشعب اليوناني بالدرجة الأولى لم تكن نظريات اقتصادية محضة ومجردة بقدر ما هي سياسة مرتبطة ارتباطا وثيقا وعضويا بمفهوم ومنظومة أيديولوجية متكاملة تعبر عن حرب طبقية تشن من قبل كبار رؤوس الأموال وكارتل المؤسسات المالية والمصرفية المتمثلة بالبنوك الكبرى بما فيها صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي الذي يدار من عتاولة الطبقة السياسية الأوروبية في بروكسل. هذه النوع من الحروب التي تشن على الدول والشعوب خدمة لرأس المال العالمي للحفاظ على مصالح وامتيازات أصحاب رؤوس الأموال وجني الأرباح على حساب الشعوب ومقدراتها. وهذا يدل على سياسة التوحش التي يتبعها النظام الرأسمالي الذي أوجد نظام العولمة ليمعن في السيطرة على العالم وإعادة توزيع الثروات والمكتسبات ومناطق النفوذ ليس على النطاق المحلي او الاقليمي الضيق كما كان في السابق بل على نطاق عالمي، ليدير الحرب الطبقية بأشكالها المختلفة والمستحدثة على مستوى الساحة العالمية.
سياسة التقشف وإعادة هيكلة اقتصاديات البلدان التي أغرقت بالديون التي لا تستطيع سدادها، أو تلك التي عانت وتعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية بسبب النهب المستمر لثرواتها ومقدرات شعوبها بالتزاوج مع الفساد المستشري من قبل الاوليغاركية المحلية المدعومة من قبل الأنظمة الرأسمالية الغربية، هي سياسة مارسها صندوق النقد الدولي ولمدة ما يقرب من 60 عاما، دون انقطاع. ومن يتتبع ما يجري في القارة الافريقية وما جرى ويجري في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال يدرك جيدا تبعات هذه السياسة الجائرة.
ما يجري اليوم في اليونان ليس بعيدا عما جرى ويجري في الدول التي تصنف من قبل علماء الاقتصاد والاجتماع في الدول الرأسمالية على أنها دول "متخلفة" أو "نامية". الفارق أن هذا الاخطبوط والطاغوت المالي والمصرفي والسياسي تمدد وخاصة بعد الازمة وحالة الركود التي بدأت منذ عام 2008 ليعيد ترتيب أوراقه في القارة الأوروبية والعمل على محو سيادة الدول وسلب ارادتها والهيمنة على قراراتها الاقتصادية والسياسية معا والتحكم بحياة ومقومات شعوبها، لصالح رأس المال العالمي. اليوم هذه الحرب تشن ضد اليونان وشعبه وغدا على اسبانيا والبرتغال وإيطاليا وربما لاحقا فرنسا وغيرها من الدول التي تعاني من ازمة مالية خانقة بعد ان أغرقت بالديون التي ليس لها القدرة على ايفاءها.
الطبيعة الطبقية لسياسة التقشف تكمن في الإجراءات الاقتصادية المطلوب من حكومات الدول المستدينة بتبنيها ان ارادت الحصول على السيولة اللازمة في البنوك الكبرى الخاصة لهذه الدول لبقاء الدولة فوق سطح الماء. بمعنى ان الدعم إذا قدم فلن يقدم للدولة بل للبنوك الخاصة وهذا لن يساعد بالتأكيد على الاستثمارات في القطاعات الانتاجية والنمو الاقتصادي الذي يمكن او يتيح للدولة تسديد بعض من ديونها المتراكمة.
المطلوب من اليونان هو الاستسلام الشبه كامل على أفضل الأحوال لشروط صندوق النقد الدولي والمصرف المركزي الأوروبي ومفوضية الاتحاد الأوروبي. هذا التكتل المالي الضخم وذراعه السياسي يديرون الحرب الاقتصادية على اليونان من خلال المفهوم النظري من أن أية ديون يمكن سدادها مهما بلغ حجمها من خلال تخفيض أجور العاملين والموظفين في القطاع العام وخفض ميزانيات القطاع الصحي والتعليمي والاجتماعي الذي تكفله وتقدمه الدولة، ورفع ضريبة القيمة المضافة، ورفع سن التقاعد بالإضافة الى خفض المعاشات التقاعدية والاعتداء على مدخرات المتقاعدين. وعلى الدولة المستدينة البدء بخصخصة البنى التحتية والأصول التي تمتلكها حتى وأن كانت تحقق أرباحا وبيعها تحت مطرقة المزايدات بأسعار بخسة لطواغيت المال العالمية والمحلية اللذين نجحوا في تهريب مئات المليارات من اليورو الى خارج البلاد. هذا البيع يشمل محطات توليد الكهرباء وشبكات توزيعها وشبكات توزيع المياه وأنظمة التنقل والاتصالات بالإضافة الى بيع بعض الجزر السياحية...الخ. بمعنى ان البلد المعني سيجرد رويدا رويدا من سيادته الى الدرجة التي يتم معها ادارته من قبل المؤسسات المالية الكبرى وأذرعها السياسية المحلية والعالمية، فيما إذا نجحت هذه المؤسسات او سمح لها من خلال تقديم التنازلات الواحدة تلو الأخرى كما يبدو عليه الحال الان مع الحكومة اليونانية.
ما يجب ان يتداركه حزب سيرايز أن التفويض الشعبي الذي اعطي لحكومته الائتلافية من خلال الاستفتاء العام الذي جرى مؤخرا لم يكن على القبول بمزيد من سياسات التقشف المجحفة بحق الشعب اليوناني، بل كان تفويضا على التخفيف من أعباء التقشف الذي فرض عليه طيلة الخمسة سنوات الماضية، وذلك بشطب بعض بنودها على الأقل لفتح أفق ولو محدودة للنمو الاقتصادي في البلاد. ومن الضروري ان نتعظ من ان البدء بالتنازل عن الخطوط الحمر الذي حددها الحزب والتي على أساسها تم التفويض الشعبي سيجعل طواغيت المال ممارسة مزيد من الضغوط كما هو حاصل الان لضغط للحصول على المزيد من التنازلات التي ستؤدي الى كارثة اقتصادية عاجلا ام آجلا.
الدكتور بهيج سكاكيني
تاريخ النشر
12.07.2015
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
12.07.2015 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |