<%@ Language=JavaScript %> باقر إبراهيم  شمران الياسري( أبو كاطع ) الغائب الحاضر

 

 

 شمران الياسري( أبو كاطع ) الغائب الحاضر

 

 

باقر إبراهيم

 

 

 

أول معرفتي بشمران الياسري، بدأت قبل أن ألتقيه، وذلك عبر الجريدة التي كان محررها، وتصدرها منظمة الحزب الشيوعي في محافظة الكوت ( واسط اليوم) بإسم (الحقيقة ).

 

 

 

وكانت في واقعها، نشرة شهرية تكتب بخط اليد في البداية، ثم على الآلة الكاتبة لاحقاً.

بفضل أبداعات ( أبو كاطع ) ودعم رفاقه في قيادة منظمة الكوت وعلى راسهم المرحوم محسن عليوي، سكرتير لجنتها المحلية، تطورت تلك النشرة في معالجة الشأن المحلي، ثم توقفت مع عودة صحافة الحزب المركزية العلنية، بدءً بمجلة ( الثقافة الجديدة ) الشهرية، ثم ( الفكر الجديد ) الأسبوعية، وأخيراً ( طريق الشعب ) اليومية، وكان ( أبو كاطع) أحد كتاب تلك الصحف وأشتهر بركنه الثابت في الجريدة بعنوان ( بصراحة أبو كاطع ).

كنت أزوره في بيته في حي المهندسين- بغداد، وأتذكر أن غرفة الأستقبال، ضمت في رفوفها، نماذج من مختلف المصنوعات اليدوية، خاصة ما يستعمله الفلاح العراقي، وكأني به يريد أن تظل صورة ذلك الريف، وصورة فلاحه، غير غائبة عنه وعن زواره، بعد أن أنتقل ليعيش في بغداد، قريباً من قمة الحضارة العراقية، وليس بعيدا أيضاً عن البؤس الواضح في أحيائها الشعبية!

كتب شمران، رباعيته التي تعبّر عن المسيرة التاريخية التي عاصرها، وأعطاني مخطوطاتها، طالباً إليّ أعطاء ملاحظاتي عنها، وما أقترحه من تعديلات فيها.

سررت لذلك الطلب، فقد كانت طلباته عزيزة عندي وكرست لها الوقت والجهد المطلوبين، وكان ضمن مقترحاتي له، أن يحذف فقرة تتناول بوصف مباشر أمور الجنس، عند حديثه عن واحدة من شخصيات روايته.

كتبت في ملاحظاتي، إذا كان ذلك الوصف المكشوف لأمور الجنس، مستحباً في المجتمع الغربي، فهو غير مستساغ في مجتمعنا الشرقي، كما أقترحت عليه، أن يتجنب نشر الجزء الأخير، من الرباعية، الذي تناول أنقلاب شباط 1963 / الدامي وما أعقبه، لأرتباط الحدث عن تلك الفترة بحزب البعث الحاكم آنذاك، وقلت له أحتفظ بهذا الجزء لظرف آخر.

قبل شمران أقتراحاتي وملاحظاتي وصار الكتاب بين أيدي القراء. ومن المفيد الأشارة إلى أن ( ابو كاطع ) قد ذكر بملاحق الرباعية التي طبعت بالخارج، فيما بعد، إلى أن الخبير الذي قدمت إليه مخطوطة الرباعية رفضها، وكان من أسباب الرفض، هو شيوع اللغة العامية والذي كان يتعارض وتوجهات الوزارة لأعتمادها اللغة الفصحى كأداة رئيسية للكتابة.

لكن من المعروف إن الحكاية الشعبية، تفقد الكثير من معناها وجماليتها، وبالتالي تأثيرها، إن هي تحولت إلى الفصحى.

كنت من بين الأصدقاء الذين بادروا بدفع ثمن الكتاب مقدماً قبل طبعه، وكان الثمن ديناراً عراقياً واحداً.

أرسل إليّ كتابه وعليه أهداء يقول فيه: إلى العزيز باقر إبراهيم مع الشكر والمودة ولاتنسى الدينار!! وفي أول مقابلة معه قلت له: " شنو...فرهود؟ الم تستلم الدينار مقدماً؟ " فإعتذر!

بعد أن هجرت داري ببغداد، فقدت مكتبتي وصوري وكل أشيائي العزيزات، ومنها أهداء أبو كاطع ذاك!

كان ابو كاطع، يسألني حين التقيه، ماذا تقترح لموضوع الغد، وفي ركن ( بصراحة أبو كاطع )؟ وغالبا ماكان يوافق على أقتراحاتي لكنه حين سالني ذات يوم نفس السؤال، قلت له إكتب عن الوضع الذي يشغل بال الناس الآن، فقال وماهو هذا الوضع؟ قلت أبو طبر، والمعروف أن الظاهرة التي سميت بهذا الأسم، ذاع صيتها في بداية حكم البعث عام 1968 – 1969 وتمثل بسرقة بعض البيوت يومياً، من قبل عصابة محددة، يرافق السرقة، إثارة الرعب بالمغدورين تصل حد القتل والتمثيل والأغتصاب، ما أوقع سكان بغداد برعب شامل.

سألني أبو كاطع، ماذا أكتب عن ظاهرة أبو طبر؟ قلت حاول أن تعالج الرعب عند الناس، قال: وإذا كنت أنا مرعوب أيضاً!؟ وكان يتحدث بنبرة تشير إلى حالة الرعب. قلت في هذه الحالة، ليس أمامك إلا أن تلجأ إلى خلف الدواح يعالج رعبك! والمعروف أن خلف الدواح هو الشخصية الرمزية التي يأنس شمران لمحاورتها، في كتاباته خاصة عند الأزمات، والبحث عن مخرج.

لم يكتب شمران عن ( ابو طبر ) وأدركت بأن له شكوك في كل الحكاية!

أعرف أن شمران بكتاباته الناقدة بصراحة، وبشدة لمساوىء الأوضاع، مغضوب عليه بسبب ذلك، من سلطة زمانه، وخاصة أجهزتها القمعية. وأستشعارا منه بالخطر المرتقب، سافر إلى الخارج عام 1978، ليبقى هناك. لكن القرارات الحزبية بالموافقة على الهجرة لم تشمله، فإضطر، غير راغب، الأستجابة للامر الحزبي بالعودة إلى الوطن.

راجعني في مقر اللجنة المركزية، في آخر الأيام التي بقيت فيها، قبل إنتقالي إلى الوضع السري، وعرض علي الأمر الحزبي بعودته من الخارج، سائلا موقفي، أي موقف قيادة الحزب، فأعطيته الجواب عن سؤاله، بإشارة فقط من أصبعي، وفهم معناها، بأن يعود من حيث أتى، كما فهم أيضاً لماذا كان جوابي له بالأشارة!

لم اكن أقل شعوراً بالرضى، منه ومن الآخرين، حين يكون ذخرنا من الرجال الموثوقين بعيدين، ولو مؤقتاً،عن خطر التصفية.

ثم حدث شمران بعض الأصدقاء عن ذلك الجواب الفوري الموجز الذي سمعه مني!.

 آخر لقاء لي مع شمران، كان في براغ، في تموز 1981 / حين كنا في وفد حزبي تكوّن من عزيز محمد ومني، وحين أنتهت مهمة وفدنا، كان لنا لقاء مع مجموعة من كوادر الحزب المشاركين في الدورة الحزبية هناك، بينهم شمران.

بعد نهاية عزيز محمد من القاء كلمته في تلك الدورة، كان لي آخر لقاء حار ومؤثر مع شمران، سمعت بعده بأسابيع قليلة، النبأ المفجع بوفاته بحادث سيارة.

نعته صحافة الحزب وصحافة المقاومة الفلسطينية، التي كان يكتب فيها، فالخسارة بفقدان شمران، تمثل فقدان واحد من ألمع الثوار الناقدين للمساوىء والمبشرين بالمستقبل الأفضل لشعب العراق، وخاصة لأكثر العراقيين فقراً، فلاحيه الذين عاش في كنفهم وتخلّق بأخلاقهم. 

 

تاريخ النشر

29.10.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

29.10.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org