<%@ Language=JavaScript %>   عارف معروف لندون ب . جونسون واغتيال سمير القنطار ....

 

 

لندون ب . جونسون واغتيال سمير القنطار ....

 

 

 

 عارف معروف

 

في بداياتنا السياسية ، حينما كنا ّفتيانا يساريين نمتلئ حماسة  لا تعبأ كثيرا بمنطق الاشياء وتتخيل ان ارادتها هي القانون واحلامها هي مآل الاشياء الطبيعي ، في تلك الايام ، قرأنا لاحد كتاب اليساِر نقدا للديمقراطية الغربية عموما والامريكية على وجه الخصوص استشهد فيه بمقولة نسبها الى الرئيس الامريكي الاسبق، ليندون ب. جونسون  ، بصدد تبريره للحرب الشاملة التي كانت تشنها  بلاده على الفيتنام والتي لم تتوان فيها عن استخدام كل ما تحويه ترسانتها من اسلحة الفتك الذريع خلا النووية منها ، مفادها او نصها :

" سنعلمهم الديمقراطية ولو اضطررنا الى قتلهم جميعا ! "

لهج  الكثير من الاصدقاء بالمقولة  وتداولوها كحقيقة لا يرقى اليها شك . ألسنا امام الامبريالية الامريكية ؟! ألسنا بإزاء رئيس امريكي  لا يختلف كثيرا عن سلفه الذي  أمر بقصف اليابان بقنبلتين نوويتين " حقنا للدماء " كما كانت تقول امريكا !

لكن عقلي الذي تدرب ، مبكرا ،على ان لا يقبل الاشياء الاّ بعد  فحص ، رفض التسليم بصحة او امكانية مثل هذا القول ، وصرّحت بارتيابي هذا ، فبعد كل شيء نحن امام رئيس دولة عظمى ومجتمع وثقافة وتكنولوجيا معروفة  وليس من المنطقي ان نضع على لسان اكبر مسؤول فيها مثل هذا الهراء !

أحتج اقرب اصدقائي : ولكن  الكاتب  اليساري الشهير  فلان  الفلاني هو من كتب ذلك !

قلت :  ثم ماذا ؟

قال : والصحيفة العلانية هي  من نشرت  المقال !

اجبت : وإنْ ! ... ثم حاججت : يمكننا ، بل لزاما علينا ، ان ننقد اسس هذا النظام الامريكي . ما يصدر عنه من ميول هيمنة وعدوانية بحكم الضرورة. تدخله السافر في خيارات الشعوب و اشعاله الحروب الاجرامية هنا او هناك تبعا لما تقتضيه مصالح الاحتكارات ، اعداده للانقلابات السوداء ودعمه للطغاة المجرمين ، نعم  .اما وضع مثل هذه الترهات الساذجة وربما التلفيقات فهو استخفاف بعقولنا قبل كل شيء .

ومضى الامر ، بالنسبة اليّ ، على هذا النحو ، دائما .  ليس هناك شياطين مردة ولا ملائكة مطهرين ،  هناك مصالح متناقضة او متناحرة وهناك صراع جوهري تميل الكفّة فيه الى هذا الجانب حينا او ذاك احيانا ، تبعا  لعوامل كثيرة . نختار معسكرنا تبعا لمصالحنا او ما نؤمن به من قيم او نطمح اليه من غايات او نتوق اليه من احلام  ، وهي الحرب سجال بيننا ، اما الاكاذيب والتلفيقات بما يخالف المنطق ، فلا !  هذا في السياسة ، اما الفكر  ، فليس هناك فلسفة لا تحتمل النقد ولا فكر فوق مستوى  الفحص  والتحري  والمراجعة ولا  ادعاء فوق الشبهات ، ولا جهة او كاتب يتعّين ان نسلم بما يصدر عنهما دون تفكير. كل شيء يجب ان يخضع لتفحص ومعاينة ومقايسة العقل الناقد ، اقبل ما يقبله وارفض ما يرفضه ويعتريني الشك بإزاء  ما يعتريه.

لكن الحياة ، ونحن في بؤرة من بؤر الصراع  الضاري منها ، الشرق الاوسط  عموما والعراق خصوصا ، الشرق الاوسط  بنفطه وثرواته  وطموحات شعوبه وثوراته وحروبه . الشرق الاوسط  بنجاحاته المبشرة حينا  ، واحباطاته وانكساراته المريرة احيانا  ،  والدلائل الملموسة واحيانا الموّثقة ، عن الدور الواضح للعامل الخارجي وقوى الهيمنة والاستغلال  في تقرير الكثير من الوقائع والمسارات دون كبير اهتمام بالواقع وحتى الحجة والذريعة . الحياة بما اشهدتناه من  وقائع وممارسات ، جعلتني  أعود  الى  مقولة " ليندون ب.  جونسون  "  تلك  ،بعد كل هذه السنين  ، وانظر اليها على انها قول محتمل الصحة  .وطريقة في التفكير والتعامل  ممكنة  الحصول . خصوصا وان ما يقرر الوقائع وما يلعب دورا حاسما في تقرير " ماهية الحقيقة "  ،بغض النظر عن جوهرها الفعلي ، وطبيعة الواقع  ،دون كبير مبالاة بمجرياته العيانية  ، هو القوّة قبل كل شيء، القوّة المجردة ، وياللأسف ! بعد ذلك تأتي الذريعة او التسويغ او صياغة المبررات . كنت ، قبل ذلك اعتقد ، ان امر هذه الممارسة ، اللاعقلانية ، لصيق  بأنظمة الاستبداد والطغيان الاهوج ، كما حصل لدينا ، مرارا ، حينما كان يعدم فرد او مجموعة من الناس وفقا لأنفعال الطاغية ليصار بعد ذلك الى اصدار القرار او القانون الذي يحدد عقوبة ما ارتكبه بالإعدام ، وكأن دور القانون ، لاحق ، تكميلي ، تبريري  او ورقة توت لستر عورة الواقع البشعة بتعبير آخر. المصيبة اننا  ، طوال هذه العقود ، وخصوصا العقد الاخير وصراعاته الضارية والدامية التي خرجت عن كل تصور  نشهد ، عيانا ، وفي اكثر الوقائع السياسية والعسكرية  ، هذه الممارسة ، المرفوضة والمدانة، شرعا وقانونا  ، وممن ؟ من اكثر الجهات الدولية  ادعاء تمسك بأهداب فضيلة " الشرعية والقانونية وشرعة حقوق الانسان ومعايير الاخلاق!  يفضح  ،على نحو جلي ، ان هذه المعايير والدعوات هي آخر ما يعني قوى الهيمنة والتجّبر، وانها مجرد قنابل دخان وادعاءات مضللة تحاول ان تتستر بها على الممارسة الوحيدة التي تؤمن بها : القّوة ... 

 لدينا  ، بالأمس فقط ،  آخر الوقائع ، في هذا السجل الذي لا ينتهي : جريمة اغتيال الشهيد " سمير القنطار "  في دمشق  . وأصفها بجريمة اغتيال لا بسبب انحياز مسبق للمقاومة ، وانما وفقا لمحاكمة وقائعها على اساس المنطق القانوني قبل كل شيء:

1-      وصفت اسرائيل جريمة الاغتيال بانها تحقيق للعدالة ، حيث " اكتملت بها دائرة  العدالة " فهل تكتمل هذه الدائرة بجريمة اخرى ، واذا كان ما فعله القنطار قبل اكثر من ثلاثة عقود ( 1979) قد وصف بحسب القانون الصهيوني على انه "جريمة " فقد نال العقاب المقرر لها وفقا لذلك القانون  نفسه ومن خلال المحاكم الاسرائيلية ذاتها  ،  ثم نال حريته في عملية تبادل اسرى أقر الاسرائيليون بشرعيتها . اذن فاغتياله ، بعد ذلك ، هو جريمة  قتل عادية ، وليست عقابا عن جريمة سابقة  خصوصا وان المبدأ القانوني يمنع عقاب الشخص ذاته على الجريمة نفسها مرتين . ثم اية محكمة قررت الحكم عليه بالإعدام ، لاحقا ، ووفق اية جريمة ؟ وهل هناك محكمة في الدنيا ، على فرض المستحيل ، يتم تنفيذ قراراتها بقصف جويّ؟!

2-      ان العقوبة ، وفقا لكل قوانين وشرائع البشر ، هي عقوبة شخصية ، اي اننا لو قبلنا كل مفردات المنطق الصهيوني الذي يهذي به مسؤولوه، منذ الامس، بصدد توصيف هذه  الجريمة على انها صحيحة ومحقة  ، فكيف يمكن تسويغ قتل العديد من سكان عمارة  شارع الحمصي في جرمانا ، المدنيين الامنين ، العزل  ، دون ان يرتكبوا اية جريمة ، ودون ان يعرف بعضهم، حتى ، انه يسكن مع سمير القنطار في ذات العمارة ؟وما هي جرائم المارّة او السكان المدنيين المجاورين الذين تضررت اجسادهم وممتلكاتهم جراء القصف ؟!

3-      ان القصف الجوي عمل حربي تمارسه الدول ضد بعضها خلال الحرب لكن  القانون الدولي والمواثيق الدولية تحرم شموله المدنيين والاهداف المدنية ، فهل كانت اسرائيل في حرب معلنه مع سوريا ، اولا . واذا كانت في حرب  معها هل يجوز شمول المدنيين والمدن  والعمارات السكنية بالأعمال الحربية ؟ اما اذا لم تكن هناك حربا معلنه مع سوريا  وكانت مع حزب الله فهل يجوز لإسرائيل  او لأية قوة او دولة شن اعمال حربية على اراضي دولة ثالثة لمجرد تواجد  اشخاص من تلك القّوة على اراضيها ، مهما كانت صفتهم او ادوارهم ، وهل تقبل "اسرائيل " او  حماتها وداعميها ، الولايات المتحدة الامريكية ، والمعسكر الغربي ، بان يشملوا بهذا المنطق ؟

4-      اما اذا ادعّت اسرائيل ومن يدعمها بأن القنطار كان مقاتلا في قوّة عدوة ، فهل استهدفته الطائرات في مناطق قتال وميادين عسكرية ، وهل كان ما قصفته مقرا عسكريا ؟ ثم هل يجوز قصف واستهداف ، حتى جنود العدو خلال حياتهم المدنية عند عودتهم من جبهات القتال او تمتعهم بالإجازات بين عوائلهم وفي التجمعات السكانية  وهم غير مسلحين وليسوا في اشتباك ؟

هذا غيض من فيض يمكن على اساسه تقييم العمل الاجرامي الاسرائيلي  باغتيال الشهيد القنطار، من الناحية الشرعية والقانونية وثمة جوانب اخرى عديدة ، يمكن ان يسهب فيها المختصون ، خصوصا وان " اسرائيل " بادرت ،هذا اليوم ( 21/12/2015) الى رفع شكوى الى مجلس الامن بصدد اطلاق بضعة صواريخ كاتيوشا باتجاهها من الاراضي اللبنانية وقد ردت عليه مدفعيتها بوابل من القذائف ...

ترفع اسرائيل شكوى الى الامم المتحدة عن اطلاق بضعة صواريخ باتجاهها من قبل  محاربين هي في حالة حرب معهم  (وهو امر يقره القانون الدولي ) ،  في حين تتباهى ،هي، بأن تدمير عمارة سكنية  من خمسة طوابق بأربعة صواريخ هو تحقيق للعدالة ، فهل من ضرورة للنظر بعين الريبة والشك الى مقولة ( ليندون ب. جونسون ) على اساس ما يقبله الحس السليم ويجيزه العقل ! انهم يعلموننا الشرعية والتزام القانون الدولي كما كان طيب الذكر جونسون يعلم الفيتناميين الديمقراطية ، و هذا الخبز من ذاك العجين ، كما يقول المثل العراقي !

 

 

 

 

 

 

 

تاريخ النشر

28.12.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

28.12.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org