<%@ Language=JavaScript %> عارف معروف ثورة شعب ام مؤامرة مدعومة من الخارج ؟ 

 

 

 

ثورة شعب ام مؤامرة مدعومة من الخارج ؟ 

 

 

عارف معروف

 

 

الثورة حدث فريد . والثورة هنا ، لاتشبه اية ثورة هناك . والثورة في هذا الزمن لا تكرر ثورة اي زمن آخر  . انها ، دائما ، نتاج لجينوم اجتماعي متميز وموسومة بسمات "دي ان اي" مختلف . ولذلك فان لكل منها مسارها الخاص الذي تحفره في اديمها الخاص و الذي يأخذ شكله وقوة ّ زخمه ومداه  تبعا لعوامل ذاتية وموضوعية لاحصر لها. لكنها، الثورة ، دائما، تعبير عن انسداد اجتماعي وسياسي لم يجد له حّلا او تسوّية  .وكما ان الحرب كانت دائما : " نزاع بين المصالح الكبرى ، يسويّه الدم "  كما عبر كلاوزفيتز، فان الثورة نزاع بين المصالح الاجتماعية الكبرى يسوّيه العنف حيثما لم تتم تسويته سلما.

 اتذكرُ ، في زمن طفولة الاحلام  وفتوّة الوسائل ، كيف التهمنا عشرات الكتب عن الكفاح المسلح ، شروط الانتفاضة ، ملامح الوضع الثوري ،  والتصقنا بحميمية ،ورجاء،  بكل من خط حرفا في هذا السفر ، من ايليا اهرنبرغ  الى دوغلاس هايد وريجيس دوبريه  ومن  " الكفاح المسلح "و" فن الانتفاضة " الى " نحن التوباموروس  " و "  ثورة في الثورة  "، دون ان نتمكن من انبات شتلة واحدة تورق، بتلقائية، وتزهر، بعافية . ذلك ان الثورة حدث لايمكنك اختراعه ولو فعلتَ المستحيل اذا لم تكن شروطه قائمة . كما لا يمكنك وأده واماتته اذا كانت شجرة الحياة تثمره وتتطلبه . وكانت دوافعه ومحفزاته ، فاعلة ، متفاعلة:

مالا يكونُ فلا يكونُ بحيلةٍ        ابداً وماهو كائنٌ سيكون ُ

سيكونُ ماهوكائنٌ في حينــــه واخو الجهالةِ ، دائماً ، مغبونُ !

. قد يبدو هذا القول مخالف للتجربة بالنسبة للبعض ، فالطاغية فلان قد وأد الثورة و " عقّمَ " الشعب  من فيروساتها لسنين وسنين. والدكتاتورية الشمولية العلانية قد حّولت المجتمع الفلاني الى جموع من العبيد المستسلمين ، خالي الوفاض من اي تطلع انساني ...الخ . نعم هذا صحيح . ولكن حتام َكان يمكن ان يستمر ؟! والى مَ  ادى  ؟ وما الذي انتج ؟

لقد تم تجاهل الثورة او محاولة وضعها تحت البلاط ، لكنها فعلت فعلها مثل نبات يتوسل طريقه الى الشمس والهواء الطلق ويتعرج في مسيره تحت الضغوط ليظهر باشكال اخرى ويؤدي الى تعبيرات ليست بالحسبان . لقد امسى الناس، هنا ، في منتهى السلبية، تحت حكم الطاغية ، فلم يعد يعنيهم الوطن بعد ان قرنه الطاغية به وحده ، وواجهوا قوات الاحتلال بهزة كتف لا مبالية . في حين ان  لامبالاتهم وسلبيتهم قد انتهت  ،هناك ، الى  تفكيك الاوطان وبيعها  دون ان تنّد عنهم صيحة اهتمام .الاحتجاج علامة حياة فان منعتها غاضت الى الجوف وتجلّت باشكال اخرى ، اكثر خطورة، على شكل اعصبة جماعية  مثل الاعصبة النفسية التي هي نتائج كبت ، وتحويل مسار طاقة ، لدى الافراد ، في الغالب .

الثورة ، اذن ، تفاعل تاريخي لايمكن تجاهله والاشاحة عن اسبابه ، وارهاصات الثورة وعوارضها ، مظاهر ونذر لمرض اجتماعي يعتمل في داخل الكيان الاجتماعي والاعراض عنه وتجاهله مثل تجاهل اعراض المرض ونذره من حمّى وغثيان وصداع  وادعاء العافية  والسلامه ، سيقود، حتما ، الى تفاقمه وتجذره وخروجه عن السيطرة وتحوله الى داءعضال يودي بالجسم الاجتماعي، كله ، ربما ،الى الشلل والغيبوبة او الموت !

الوضع مختلف ، بالطبع ، بالنسبة للثورات المصنعّة ، الزائفة ، الملونه ، بحسب لغة اليوم : الثورة البرتقالية ، البنفسجية ، الربيع الفلاني والخريف العلاني ، هذه بدائل زائفة يمكن ان تستثمر  شكاوى حقيقة ، مثلها مثل الانقلابات الاجهاضية التي شهدناها في اواخر الستينات ولكن بوسائل مختلفة ، جماهيرية، وبفعل اعلامي كاذب ومكثف ، يصنع من الحبة قبة ويسّوق للاضطرابات والتفكك حيثما اراد وكيفما اراد  !

لكن ظروفا مفعمة بمسببات الاحتجاج . اجواء مشبعة بالبانزين . سوف لن تحتاج الّاّ الى عود ثقاب صغير  او حتى بصيص ، ليحصل مالم يكن في الحسبان من انفجارات مدويّة، بحيث يمكن لثورة " ملونه " زائفه  ، يمكن لمسرحية انتفاضة بمحتوى اعلامي زائف  ، ان تتحول الى ثورة حقيقية تطال حتى صانعيها ومفبركيها وتلفح وجوههم بلهب الاتون  الذي الهبوه ، مثل من يعبث ببندقية محشوة  او  يلهو بمتفجرات بغية الاخافة او اللعب !

الثورة العراقية ، كفعل اجتماعي  كامن ، كتطلعات انسانية مشروعة  تستند الى حاجات حقيقة وعميقة ،و تتوسل بناءا اجتماعيا وسياسيا  يمكن ان يطمن حاجات العراقيين ويحقق لهم وجودا انسانيا حيّا ومثمرا  ، مجهضة منذ عقود ومعّطلة بفعل ارضاءات آنية وترضيات جزئية وحلول زائفة  وتسويات اجتماعية ناقصة  . وهذا هو السبب الرئيس في كل ما نراه طافيا على السطح، اليوم ، من امراض اجتماعية مستفحلة . ومظاهر سقم سياسي وبيل . وتردي قيمي واضح  . ورغم معاناتهم المريرة ، لعقود ، فأن العراقيين ، عاشوا بانصاف الحلول وتكيفوا للترضيات بهذا القدر ، من المواجهة والرفض او ذااك، لكنهم ، والحق يقال ، لم يواجهوا بهجمة واستكلاب كما هو حالهم اليوم . ولم يستهان بهم الى هذا الحد. فالانقلابات الاجهاضية  والثوار الزائفون ، قد احتاجوا لعقود من السنين كي يتحولوا من ادعياء ثورة و طلائع حرية وبناء الى طبقة طفيلية فاسدة وثمرة متعفنه فقدت كل امكانية على الحياة او قدرة على الاستمرار وسقطت ، بسهولة ، عند اول نفخة من الاسياد .

 لكن الفئات والقوى  التي مُكنّتْ من السيادة ، سياسيا واجتماعيا ، تحت رعاية الحراب الاجنبية ، بعد 2003 ، ولّدت متعفنه ومنتهية الصلاحية بالنسبة لاي فعل اجتماعي او قدرة سياسية ايجابية ناهيك عن ان تكون بديلا منتجا وايجابيا للنظام الدكتاتوري السابق  . انها خليط من افراد وجماعات من وجاهات تقليدية وشخصيات معارضة قديمة ، ضعفت صلاتها بالوطن والمجتمع منذ عقود وعاشت  كرضيع دائم في احضان رعايات اجنبية يدفعها قلق غريزي لترصين وجودها المادي في بلدان المنفى وتكديس اكبر كم ممكن من الضمانات المادية في اوطانها البديلة ،وضعت على قمة الهرم . وفئات ،اخرى ، من الداخل ، هامشية ، طفيلية ، احترفت اللصوصية ، وعبّرت عن ممارستها الاجتماعية  من خلال  فعالية واخلاقية " الحوسمة " . واذا كان لنا ان نجد  لها بعض العذر ، في ممارستها ، العامة ،الاولى  ضد دوائر الدولة العراقية غب سقوط النظام تحت ذريعة الدولة الظالمة المتماهية بشخص الطاغية فما هو  السبب الكامن خلف استمرار نهجها ، ذاك ، وقد تسللت الى مفاصل مهمة في هيكل الفعل السياسي والاداري والمالي  وشكلت قاعدته ؟! يتوسط هاتين الفئتين ، اخرى ، ثالثة ، صغيرة ، من حنقبازية الثقافة والاعلام وايتام النظام السابق وانصاف المتعلمين ودكاترة مريدي، يقدمون انفسهم كشريحة تكنوقراط وخبرات ادارية وثقافية لابد منها لسير عجلة النظام !

لقد انتج هذا التفاعل و الاتحاد ، كائنا اجتماعيا مسخا   ، يجد صورته الاكثر تمثيلا في  افراد وشخوص ،ينظرون الى المنصب والوظيفة كفرصة . والى المال العام كغنيمة . والى الدين والقيم العليا كاكذوبة . والى الشرف والنزاهة  كبلادة . والى الانتهازية والوصولية كبعد نظر وحكمة . والى الارتباط بالخارج كسند وضمانه   . ولايمكن لفعالية هؤلاء الافراد اليومية ، ان تنطوي على اي مضمون بنّاء وهادف سوى المصلحة الشخصية التي رفعت الى مصاف القيمة السماوية المطلقة والوحيدة التي تُنحر عند اعتابها كل القيم الاخرى ولا تصبح الا ّ هذر لا معنى له يراد منه التعمية والتظليل !

لقد وجد العراقيون، نتيجة ذلك ، انفسهم، مطحونين بين فكّي فساد  سياسي واجتماعي ليس له مثيل. يتغوّل ، افقيا وعموديا ،على مدار الايام والساعات  ، ويشمل بدوامته كل شيء، وحتى من لم يكن فاسدا ، ماعاد باستطاعته لا المواجهة ولا العيش والاستمرار بعيدا عن التعاطي مع مخرجات وانعكاسات هذه الحال  ، فكل شيءامسى عرضة للبيع والشراء والسرقة والاختلاس  والكذب والتدليس : سيادة البلد واستقلاله . وحدة اراضيه  ونسيج شعبه . موارده الاقتصادية وثرواته . قواته المسلحة وامكانية مواجهتها للارهاب . الخارجية والسفارات  ، الداخلية والمناصب والامن  ، التعليم ، الصحة ، المال العام والبنوك، القضاء، التجارة ، الخدمات   ....ألخ الخ.

نعم لقد اشعل سوء الخدمات وازمة الكهرباء ، والمعاناة الرهيبة منها ، في اجواء صيف ملتهب ، شرارة الاحتجاج ، خصوصا ، مع ما شاع من حصيلة معلومات كبيرة بصدد الفساد في  هذا القطاع والوعود المتكررة من كل من تولوا هذا الملف من وزراء . ليس بقرب انتهاء الازمة بل وتجاوز الكفاية الذاتية الى تصدير الطاقة ، لتبرير هدر وسرقة مئات المليارات من الدولارات التي كان يمكن لها ان تبني بلدا بالكامل !

لكن العراقيين ، من خلال تجربتهم الملموسة ، يعرفون ان الفساد في الكهرباء هو مظهر، فقط ،من مظاهر فساد عام وشامل يعّم كل شيء ، وانه لايمكن  معالجته او حله بمعزل عن معالجة الفساد العام والشامل  اولا. كما لا يمكن  ان يتصدى الفاسدون ، انفسهم ، لمكافحته ويشكلون اداة للاصلاح ثانيا ! وبهذا ، وتلقائيا ، توسعت المطالب ، التي ماكان يمكن لها ، ابدا ، الاّ ان تتوسع واتخذت ابعادا شامله وضعت مايسمى بالعملية السياسية ،كلها  ، موضع تساؤل .فمن الواضح ان العراقيين لم يعودوا قادرين على الاستمرار بالعيش في ظل الظروف نفسها .

والان ، ما هو السبيل الى معالجة هذا الانسداد المميت ؟ هل هو الهرب من مواجهة المشكل الحقيقي ومسؤولية المعالجة الجزئية او الشاملة الى الكذب والدوران ، بالتفتيش عن محرضين ومتآمرين  يرتبطون بمخططات اجنبية وغايات شريرة ؟

هذه اعادة للاسطوانه المبتذله التي عزف عليها كل الطغاة والمستبدين، هنا وفي كل مكان آخر ، ولم تمنع الاحداث عن ان تعصف بهم وباكاذيبهم لاحقا . وثمة الكثير ، ممن هم في المفاصل الحيّوية للسلطة ،اليوم  ،من قوى الاسلام السياسي ممن كانوا مستهدفين بها وضحاياها ،كما يقولون ، هم قبل غيرهم . فهل وجدوا للطغاة ، اليوم ، العذر ، فيما كانوا يقولون ، بعد ان استمرأوا نعيم السلطة واستعذبوا جبروتها ؟

هل تكون ،المعالجة ، بالكذب والتدليس باطاحة رؤوس تافهة ولصوص صغار وكشف ملفات متواضعة ، واحالتها الى القضاء( واي قضاء !!) ، لغرض امتصاص النقمة العامة والقول بالاصلاحات ؟! هذا وذاك ليس سوى انكار للمشكل  سينتهي ان آجلا ، او عاجلا ، بتفاقمه ومواجهة  مشكل اكبر واشّد ضراوة  مستقبلا.

هل ستكون ،المعالجة ،اذن ، بهرب من نوع آخر .  تصدير الازمة وتأجيل الاستحقاق بدعوى الحرب ضد الارهاب وداعش ؟

من اوجد داعش ؟ من سلم ثلث البلاد لداعش ؟ من يتواطأ على قتل الابرياء، يوميا ، ويستفيد من وجود داعش؟ بدأت  الحقيقة القائلة بأن لا حسم مع داعش والارهاب عموما الاّ بالتخلص من الفساد والاستناد الى نظام سياسي صحيح معافى ولو جزئيا ، وان داعش ، في الحقيقة ، في خدمة بقاء واستمرار وتجذر ، الفساد ، تصبح اكثر شيوعا واقناعا .

هل ستكون بتزييف الاحتجاجات  واغراقها بالازلام والمأجورين او الجهلة والمظللين وحرفها الى صراعات فئوية وكتلوية وتصفية حسابات بين رؤوس العملية السياسية ؟

 ام بترضية بعض الوجوه ممن دعوا لاحتجاجات بغداد للكف عن التحريض باتجاه التظاهر بدعوى ان التظاهرات حققت مطالبها وان الحكومة استجابت " مشكورة " لمطالب الشعب ؟! لكن هل سيسكت ذلك الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها المحافظات ؟ هل سيقضي على بواعث ومسببات الازمة العميقة ؟!

   بالتصدي للاحتجاج، بالقهر، ومواجهة المتظاهرين بالعنف السافر او اغتياِل بعض الناشطين  منهم او اعتقال البعض الاخر بشتى التهم والذرائع . .

طبعا يمكن ذلك ، وسيكون بسيط ، تماما ، اجرائيا ، لكنه وبيل وذو عقابيل خطيرة سياسيا واجتماعيا ، اذ سيعني دخول الاحتجاج الاجتماعي دورة استحالة جديدة ، قد تكون اقصر بكثير مما يتوقع ،وربما تتفجر بزخم هائل ومظاهر عنف تصعب السيطرة عليها وتحرق الاخضر واليابس .

ام سيكون باشاعة اجواء رعب عام ، من تفجيرات ارهابية  ومجازر الى اعمال تخريب واسعة او تهديدات اجتماعية خطيرة ومن ضمنها بعث الصراع الدموي الطائفي لتعزيز الانقسام وتخريب الاحتجاج ، كما  رشحت ، غير مرة ، تجاربنا وتجارب الشعوب ؟

 

ان كل ذلك وارد ومحتمل ، لكن الحلّ الحقيقي والشامل ، الجذري والبسيط  في آن واحد ، يبقى ، دائما، كما تدل الفطرة السليمة  ،في الاقرار بحقيقة المشكل وجديته ، والتصدي لمواجهته وحلّه بالاستناد الى قوى الشعب الحيّة  ذات المصلحة  في المواجهة واعتماد وسائل وآليات جادة وحاسمة.الامر الذي يصعب القول ان ادراكه ممكن لقوى النظام القائم  وشخصياته او ان العمل بما يمليه ويتطلبه، يمكن ان يتوافق مع مصالحهم .

 

 

 

تاريخ النشر

21.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

21.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org