<%@ Language=JavaScript %> عارف معروف جاسم ....العنف ام الخوف؟......(2)

 

 

جاسم ....العنف ام الخوف؟

 

(2)

 

 

عارف معروف

 

 

في اعقاب ما شهدته اواخر الخمسينات وبداية الستينات من اعمال عنف منفلت ومثلة في العراق  ، سرى عند بعض الكتاب العرب والمصريين ، خصوصا ، وُهّمْ ذوي مكنة وتأثير ، في الساحة الثقافية العربية ،  فهمٌ للعراقيين بانهم " شعب عنيف " وان  العنف سمة مميزة في تاريخ العراق القديم والحديث. وكما هو متوقع فقد تلقف بعض الكتاب العراقيين ، ممن لا يجاوز نظرهم  ارنبة الانف ، هذا الفهم ، فرددوه دون روّية واشاعوه كمسلمة في مجال السوسيولوجيا والسياسة ، عادّين العنف والدموية سمة من سمات الشخصية العراقية . بل وكتبوا واطنبوا فيها  . حتى ان بعضهم وضع  المؤلفات في " الطابع الدموي المميز للتاريخ العراقي والعراقيين " . وحيث ان َمنْ يبحث يجد . فقد وجد شواهده في احداث ووقائع دامية منذ عصر فجر السلالات وحتى الالفية الثالثة ! منتهيا الى دمغ العراقيين بالمبالغة بالعنف والتطرف في الدموية . لكن  فحص ما اورده من وقائع ، يبّين انها وقائع حصلت وتحصل في كل ركن من اركان المعمورة واكتوى ويكتوي  بنارها كل مجتمع على مر العصور. وهي لا ترتبط ، اطلاقا ، بسمة جينية ، اوخصلة اخلاقية ، او تكوين تاريخي نفسي/اجتماعي، للعراقيين تحديدا . انما تنشأ عن جملة ظروف متشابهة، في كل الحالات وفي مختلف المجتمعات،  وتقود الى نتائج متقاربة . ناهيك عن ان وقائع الستينات ، التي تأسس عليها مثل هذا الفهم ، ثم بُحث له عن ادلة واسانيد ، بدفع من غرض او من دونه ، هذه الوقائع نفسها ،  محصورة بفئة محددة  ومحدودة ، جدا ، من الناس وبرهة قصيرة من الزمن  ولا تصلح، بذلك ، للتعميم .      ان وقائع العنف التي تعتمد في سرديات هذا الامر  ، مثل ثورة العشرين ، ثورة مايس ، فرهود اليهود 1941 ، اعدامات 1949 ، اغتيال الملوك وحتى ثورة تموز 1958 وانتهاءا بحوادث 1959 و شباط 1963 والحرب العراقية الايرانية والانفال فغزو الكويت وانتفاضة 1991 ثم الغزو الامريكي و القتل والتهجير الطائفي ... الخ  هي وقائع مختلفة ذات دلالات متباينه  وصدرت عن مصالح وجهات لايجمع الكثير منها ، جامع مع الشعب العراقي ومصالح ورغبات العراقيين ، رغم انها اعتمدت ايد  وادوات تنفيذ عراقية في احوال كثيرة . والقول بانها تنتظم في سلسلة واحدة او تحمل اشارات لدلالة واحدة هي العنف العراقي والدموية العراقية هو قول يراد به التضليل والتعمية على الدلالات الحقيقية لهذه الوقائع ، التي تتضمن اكثر من دليل دامغ ، على ان العراقيين ، كانوا هم المستهدفين في معظمها وهم الضحايا .فثورات  العشرين ومايس وتموز 1958 ، مثلا ، هي حركات ذات برامج وطنية واجهت جيوش احتلال او هيمنه اجنبية واعلنت عن الاستقلال الوطني والسيادة كاهداف لها وحضيت بقدر كبير من التاييد الشعبي والشرعية الحقوقية والوطنية وهي لا تشبه فرهود اليهود باعتباره مؤامرة  متعددة الاطرا ف اطلقت فيها يد ّ الغوغاء للاعتداء على قطاع من المواطنين المدنيين وممتلكاتهم  ثم اوقفت كما اطلقت بعد ان ادّت رسالتها وحققت مبتغاها . والعنف الذي ساد فيها ، لم يكن عنفا شعبيا صادرا عن غرائز وسمات عدائية وانما عنف سياسي محسوب ومحدد ، بغض النظر عن الوسيلة . وكل من درس هذا الامر بحياد توصل الى ذات النتيجة ، وهو لايختلف كثيرا عن ممارسات مماثلة  ، استهدفت اليهود ، في مصر او المانيا النازية  .  وفي حين ان مقتل العائلة المالكة  جرى دون رغبة او امر رسمي وعّبر عن تصرف شخصي فأن سحل نوري السعيد والوصّي والتمثيل بجثتيهما هو فعل غوغائي ينّم عن ما نحن بصدده من توصيف لممارسة هي اقرب الى التعبير عن الخوف منه عن القوّة  والعنف الارادي ، وهو  ما ينطبق ، كذلك على الحوادث المشابهة لسنة 1959 وسنتناول امثلته ومضامينه، بشيء من التفصيل لاحقا. اما العنف المنظم والمشرعن من قبل السلطة والمرتكب من قبل اجهزتها وقواتها النظامية والقوات الرديفة المؤسسة " بقانون " مثل الحرس القومي ، الذي رافق  انقلاب شباط 1963 واعقبه ، فهو شيء آخر يندرج ضمن توصيف آخر. كذلك شأن اعمال العنف المنظم الذي ارتكبته " الدولة " ضد المدنيين بسبب عقائدهم السياسية او انتمائهم القومي او الديني او المذهبي والذي استمر طوال عقود او الحروب الداخلية و الخارجية ، فهو " عنف"  استهدف العراقيين ،  وبوصلة المصلحة ، تشير في حالاته الى ذات الاطراف المحلية والاقليمية والدولية التي نجدها عند كل منعطف ! وهو عنف وجدنا ونجد ، حتى اللحظة ، له مثيلا يشابهه في النوع رغم انه قد يختلف عنه في الدرجة ، في الكثير من بلدان العرب والشرق الاوسط والعالم ، فهو غير " عراقي " تحديدا .  ان ما تقدم يشكك كثيرا في القول بان " العنف " سمة عراقيه ،وبهذا الخصوص ، فانني لا اكتفي بالتشكيك والنفي وانما ازعم ان العكس ، تماما ، هو الصحيح !

 ان الخوف وليس العنف ، هو السمة الاكثر التصاقا ، بالعراقيين ، حتى اليوم ، لا نتيجة لعامل وراثي او اخلاقي  او حتى تاريخي ، بل انعكاسا ونتيجة لقيم وطرائق تربية اجتماعية تستند الى تجربة تاريخية مريرة . فهو مكتسب ، طبعا ، وليس فطري اولا . وهو عرضة لان يتغير ، بالنتيجة ، ولا يمثل سمة سلبية ثابته او قدرا لا فكاك منه ثانيا . وهوفي اسبابه وآلياته ، نتاج ، للعائلة ، اساسا . وللمدرسة ثانيا . برعاية منهجية واسلوب اختطته الدولة العراقية وسلطاتها وربّتْ عليه مواطنيها ، خلال تاريخ الدولة الوطنية الحديث ، ومنذ فترة ليست بعيدة ، استنادا الى مميزات ميزّت هذه الدولة ، واداة تعبيرها عن نفسها : السلطة او الحكومة  . رغم انه ، في اطاره العام نتاج لتاريخ سياسي واجتماعي يمتد لقرون طويلة وهو في ذلك لا يقتصر اثره على العراق والعراقيين ، تحديدا ،وانما يشمل معظم الشعوب العربية والاسلامية . لكنني ازعم ، انه  حفر لدينا ، كعراقيين ، خصوصا  ، اخاديد  ابعد غورا في شخصيتنا وانتج تشوهات ، لا يعاني منها الاخرون بنفس الدرجة من الشدةّ . ويتطلب شفائها والابلال منها ظروفا وجهودا ، ليست بعيدة المنال فحسب بل وهي تبتعد اكثر واكثر ، خصوصا في ظروفنا هذه التي لانحسد عليها . فالاخافة  الشديدة ، المقصودة والمبرمجة ، التي تعرض لها العراقيون خلال عقود طويلة ، انتجت مفاعيل  مريرة على الشخصية العراقية ، ذلك ان الخوف هو العدو المدمر للانسان والذي يمكن ان ينتج ، بشدته ، وتواتره ، اثارا وبيلة . لقد استخدمت تجارب الخوف المبرمج من قبل النازية ، في معسكرات الاعتقال، باشراف مختصين ، كما سنبين بالوثائق ، لاحقا ، فكانت نتائجها مفاجئة حتى للمختصين ، في امكانية الخوف على تحويل الشخصية بالكامل وتصرفها دون وعي او ارادة بالضد من مصلحتها بل ووجودها نفسه . وهناك ادلة ووثائق على ان هذه البرامج والخلاصات تم استغلالها  من قبل القوى المنتصرة على النازيين وامريكا خصوصا واستخدمت نتائجها على  البشر لتحقيق مآرب سياسية ، ان هذا الاستطراد  لايعني ان ما تعرض له العراقيون خلال عقود قد استند الى تلك التجارب او   انه كان مبرمجا ، في كل تفاصيله ، وموجها من قبل تلك القوى ، وانما المقصود هو ايضاح ما للخوف الشديد المتواتر من نتائج كارثية ، ليس بالنسبة للافراد فقط بل وللجماعات والشعوب ايضا  !

وحينما نقول الخوف ، فانما نقصد الخوف العصابي، الذي لا يصدر في معظم الاحوال عن سبب او تهديد مادي ماثل ، ملموس ومعقول ،  مثل الخوف الاعتيادي ، الغريزي ، الايجابي ، الذي يقوم بصيانة وحفظ الذات من المخاطر الحقيقية المحدقة باحدى استجابتين ، المواجهة او الهرب (fight or flight ) وانما الخوف المرضي، الذي ترسب في داخل الذات وبات يعبّر عن نفسه بصور شتى منها القلق والمخاوف المجهولة غير العقلانية والتوقعات الكارثية  ،والرضوخ والاستسلام  زمنا ثم الهياج والحاق الاذى بالنفس او المحيط طورا !

 يعرف المختصون في التحقيق الجنائي ، والكثيرون من قضاة التحقيق العدلي ، ان العنف البالغ والمثلة ، ان الضرب المكثف الشديد و العشوائي بالالات الراضة او الحادة او حتى النارية  وتمزيق جثث الضحايا ، قد لايكون ، في معظم الاحوال ، دليل قوّة طبع او اجرام محترف ، بل على العكس تماما ، دليل خوف شديد ،ومحاولة التخلص من مصدر الخوف والقضاء عليه. وغالبا ما يُقرأ على ان الجناة مبتدئين . مثلهم مثل الكلب المسعور . يهاجم ضحاياه لانه يخاف لا لانه شجاع او قوّي . ثم ينتهي مذعورا،  بعد ان يتمكن الفايروس منه . والعنف البالغ والمثلة ، التي تحصل وسط جموع مهاجمة ، تصدر ، بالتاكيد عن هذا الخوف وعن عوامل اخرى ، تتحقق في حالة اسلام القياد لعاطفة  جمعية جامحة وعقل جمعي . وحينما يلقى القبض على هؤلاء الجناة  ،غالبا ، ما يعبرون عن ضعف شديد وطفولة مرتبكة ومحاولة هروب نفسي يرثى لها ، وهي مظاهر لايجمعها جامع مع سمات الشخصية العنيفة، اوالطبع الاجرامي المكين، او قوّة الطبع التي يصفها الناس ، في الكثير من الاحيان بالعنف، لتاكيدها المبالغ فيه على الذات والرغبة الذاتية ،او الشخصية السايكوباثية التي تمضي الى تحقيق رغائبها ، قدما ،دون  خوف او عناية بالظروف اوالاخرين وقيمهم  ! نريد ان نقول ، هنا ، ان الاستسلام والخضوع والامتثال العام  من جهة والذعر والعنف الغوغائي المنفلت والمثلة  يمكن ان يكونا  تعبيرين عن حالة واحدة ووجهين لذات العمله : الخوف الشديد !

ان الطبع القوي يعبر عن نفسه  بالارادة والعناد  بشأن القناعة القائمة على المصلحة او الفكرة  والتعبير عنهما بثبات واستقلالية ومثابرة  حتى يتحقق المراد او تحترم الارادة او ينتهي الامر الى توازن معين تفرضه طبيعة موازين القوى بين الفرد او الجماعة  من جهة ومصدر التحدي شخصا كان او سلطة او جماعة اخرى  من جهة ثانية . وهو في العادة يلجأ الى المواجهة لا الهرب، المواجهة بشتى صورها وتعبيراتها والتي لا تعني العنف المباشر بالضرورة .  اما الهرب  عند مواجهة قوّة او تحد كاسح فهو تجنب ، لاعادة تنظيم القوّة ،او امتناع  اوربما فناء ولكنه في كل الاحوال ، لن يكون نكوصا الى طفولة اوانغماسا هروبيا في وهم مثلا  . ومثلما يصدر هذا وعكسه ،  عن تربية واعداد وتراكم نفسي وقيمي  بالنسبة للافراد ، كذلك الحال مع الشعوب والمجتمعات . ومثلما صدر سلوك جاسم عن نمط من التربية والاعداد اعتمد الخوف، بشتى صوره وتعبيراته ولجأ ، باستمرار ، الى الهرب  او تجميد الموقف او النكوص الى طفولة او انغماس في وهم   . كذلك شأن المجتمعات ، حينما يُعتمد الخوف ، بشتى صوره وتمثيلاته ، في تربيتها والتعامل معها. حتى يتحول الى عصاب جمعي يحكم تصرفاتها وردود افعالها ويكون من الصعب جدا الخلاص منه ومن تظاهراته بشتى الصور وتحت مختلف الاغطية .

 

في اواسط التسعينات من القرن الماضي، كان  احد شيوخ العشائر ، يعّبر امامي ، كلما التقينا ، عن روح  معارضة واضحة ضد صدام ونظامه، وصادف ، ذات مرّه ، ان عرض  تلفزيون بغداد ، دأبا على عادته تلك الايام ، فيلما عن جولة صدام حسين في منطقة معينه وزيارته لاحدى العشائر ، فكانت دهشتي بالغة لرؤية صديقي ، شيخ العشيرة ، وهو يؤدي العراضة العشائرية ، مع رجال عشيرته ، امام صدام حسين بحماس منقطع ومبالغة ظاهرّة ،فيما كان صدام  يلوّح لهم بقبضته فيزيد حماستهم اشتعالا . عندما التقيت ، بعد ذلك باسابيع ، بذلك الشيخ قلت له مبتسما ، باسى ، وبلهجة ذات معنى :

-كان ترحيبكم بالريّس ، بالغا، ووصفتموه وصفا فريدا في هوساتكم  !

قال بثقة- كنا نضحك منه ...فقد كنا نشتمه في دواخلنا....

قلت له – ولكنه كان يضحك منكم علنا،ويسخر منكم، جهرا ، بكل حركاته ؟!

اعرف ، طبعا ، ان صدام حسين ، كان قد تعّود على هذا النوع من الاستقبالات ، ولم يعد بامكان ، اي عشيرة او تجمع او فرد ، حينذاك ، الاّ ، ان يبدون ضروب الاذعان  والممالأة اتقاءا لشر مستطير ونتائج لايمكن التنبؤ بها قد تصدر عن صدام او حمايته في حال  الالتزام بسلوك سوّي ومحترم لا يعتمد ما شاع من مبالغات واكاذيب وزيف، فمثل هذا السلوك ، ككل ظاهرة نفسية او اجتماعية ، ذو اثر وتاثير دوري ومتفاقم ، ففي الحالات النفسية ، كلما حصل استحسان  او مكافأة على نمط معين من السلوك سيكون هناك تعزيز وهذا بدوره يشجّع على المزيد من السلوك بالاتجاه نفسه الذي سيحصل على المزيد من القبول والتعزيز  وهكذا حتى يمسي قاعدة عامة ويصبح المخالف شاذا ويطالب بالامتثال والسوّية او يقام عليه حدّ الردّة ! ، ولكن من المهم التاكيد على ان صدام حسين قد " تعوّد" وهناك فترة ، عشناها جميعا ، لم يكن قد درج على هذا الاسلوب وتعوده ، تحتم علينا ان نتفحص مليا ، الوقائع دون ان نكتفي بالشتائم والاوصاف الجاهزة ، هناك امر اعمق من صدام وشيخ العشيرة ، هناك جرح لابد من وضع الاصبع عليه !

 (  ملاحظة  ليست بعيدة عن السياق: عبرّنا ، ايام الجامعة ، عن دهشتنا ، لاستاذ المادة ، ونحن نقرأ عن نسبة جرائم القتل التي تطال النساء  في فرنسا ، ، جراء محاولات الاغتصاب ، وسخرنا ونحن قي اعمار غضة، من غرابة  تمسك الفرنسيات بالشرف الجسدي وهن العاريات اللواتي يمكن ان يجامعن من يحببن دون قيود تقريبا ، اجاب الاستاذ، وكان ممن درسوا طويلا في الغرب ، حانقا : نعم من يحببن . برغبتهن ، بارادتهن. اما الاغتصاب والاجبار ، فيمتن دونه في معظم الحالات . اما  ،هنا ، فالاغتصاب ساري وكأنه شربة ماء، لا للنساء بل للرجال ، وفي مختلف الصور ، ابسطها الجنسي . اما الرقم الاحصائي  الكبير نسبيا ، الذي اطلعتم عليه ،والذي يمثل عدد الحالات فذلك لان هذه الجرائم يبلغ عنها وتسجل وتتخذ بشانها الاجراءات ، هناك . اما هنا ، فمعظم الحالات يتم التستر عليها ومعالجتها تحت غطاء تام من السرية خشية الفضيحة ، خصوصا تلك التي تحصل في اطار الاسرة او دائرة الاقارب ، الارقام مخاتله ولا تعكس الوقائع)!!

 

 

 

لايتوقف السلوك الهروبي والمخاتل  الصادر عن الخوف عند مواجهة قوّة مادية ملموسة ، تتمثل، هنا ، في السلطات المستبدة الغاشمة وقمعها الدموي ووسائلها القهرية فقط ، وانما  تتبدى مظاهره  في مواجهة السلطات الفكرية والمعنوية والتجمعات والعلاقات ذات الاساس الطوعي والحر ّ، مفرغة الشخصية من ارادتها  او ذاتيتها محّولة اياها الى كيان هزيل مماليء ، يخاف الوحدة ويجد ذاته في ظل المجموع والجماعة ، مهما كانت . 

مما عايشته في السبعينات ، على سبيل المثال ، انه  كان من الشائع ، لدى الكثير من قواعد وجمهور بل وحتى كوادر وسطية ومتقدمة لاحد الاحزاب الجماهيرية " الثورية " ، خارج السلطة  ، ان يكون لهم رأي سلبي ، ومعارض في سياسة هذا الحزب المعلنه وممارسته اليومية ، يعبرون عنه بينهم وفي مجالسهم الخاصة  . ورأي آخر ، ايجابي ومماليء داخل هيئات الحزب وخلال اجتماعاته ؟!  كان وضعا ، محيّرا ،  فنحن ، هنا ، ضمن حزب يفترض انه ثوري ورافض ، لاسس العبودية والاستسلام والمهادنه ، ومع ذلك تجد ان اعضاءه  يخافون من ابداء اراءهم الحقيقية جهرا وضمن هيئاته ، ويكتفون بالتعبير عنها سّرا خارجه ، او الدردمة فيما بينهم او كبتّها، كهم ّ، سوف يؤدي ، تراكمه ، بلا شك ، الى اهتزاز وتهشم القناعة وانحلال الشخصية !

والان ...اذا كان لدى هؤلاء ،  رأي او فكرة او قناعة ذاتية مغايرة ، وهم اساسا ، اعضاء في حزب ثوري يقوم على الالتزام الحرّ والطوعي ويهدف الى التغيير . حزب معارض ، تقريبا ، وهو عرضة للاضطهاد والتهديد ولا يملك اية وسائل  لايقاع ضرر مادي ملموس بهم ، كالسجون والمعتقلات كما هو شأن الحكام والحكومات ،  فلماذا لم تجد اراءهم او افكارهم او قناعاتهم طريقها الى الطرح والتعبير ، وهذا هو سبيلها الطبيعي وتحقق الفائدة المتوخاة منها ؟  القول  ،بان هيئات ذلك الحزب ، القائدة ، كانت غير ديمقراطية وتقمع النقد( رغم انه صحيح ، عموما ) غير كاف ، فنحن بازاء اتحاد اختياري . واذا كانت هذه الظاهره لها مبرراتها المعقولة في حزب السلطة القائمة فيه العضوية والموالاة على  الخوف والمصلحة والتطلع الى تحقيق غايات شخصية بالاستعانه به كمتحكم بزمام السلطة فما هو المبرر لذات السلوك في صفوف حزب  هو اقرب الى المعارض منه الى الشريك ؟ اين الخلل ؟، لماذا لم يعبر هذا النقد عن نفسه ، بانشقاق مثلا ؟ كما عبر عن نفسه قبل سنين عديدة وان كان على نحو هزيل ، لماذا لم يتخذ هؤلاء موقفا فرديا بالخروج عن اطار هذا الحزب ،  واكتفوا بالدردمة خارجه؟ ، واذا كان هذا هو الحال مع النخب السياسية المثقفة الثورية والتي تطمح الى التغيير فما هو شأن عامة الناس ؟ الامر يحتاج الى تفسير. وتفسيره قد يكمن في الخوف من الخروج عن الجماعة ، السوّية. على اية حال ، لقد اصبحت هذه الظاهرة ، على مدى السنين ،عامة وشائعة وملموسة ، فانت، اليوم ، انى ّ توجهت ، لا تعثر على الصراحة في القول والصدق  في النقد ، والشجاعة في الرأي ، لا في علاقة عمل ، ولا وظيفة ولا زمالة ونادرا جدا ما تجدها في علاقة صداقة او حتى حب ! الامر اذن يحتاج الى تمعن ومكاشفة واعادة تربية ، واذا كانت اعادة التربية عملية طويلة قد لا تأتي اكلها في جيل  واحد فان الظرف الثوري ، انهيار حاجز الخوف جراء فعل جماهيري كبير يمكن ان يتطور تحت ضغط الظروف والشّدة من تفاعلات صغيرة عابرة ، ويؤدي الى انفجار كبير عاصف بسبب تراكم الرفض المكبوت ، مثل التفاعل النووي المتسلسل ، قد يعيد تكوين الصورة على نمط آخر   ويختصر السبل الى بدايات جديدة مشرقة !

يتبع....

 

 

تاريخ النشر

03.08.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

03.08.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org