%@ Language=JavaScript %>
|
لا للأحتلال لا للخصخصة لا للفيدرالية لا للعولمة والتبعية |
|||
---|---|---|---|---|
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين |
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |
امريكا تعترف ولا تعتذر
جميل مطر
أسبوع غريب مر على الولايات المتحدة .
أسبوع لم أسمع عن مثيل له في الساحة السياسية الأمريكية من قبل .
أبالغ حين أقول إن أمريكا خرجت الأسبوع الماضي عن بكرة أبيها لتعترف بصوت جهوري وأمام العالم بأسره أنها أخطأت خطأ جسيماً بغزوها العراق قبل عشر سنوات .
لم أر أمريكا من قبل تعترف على لسان يمينها ويسارها والديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء ومراكز البحوث والعصف الفكري، بل وعلى لسان عسكريين سبق أن حصلوا على نياشين وأنواط شجاعة تقديراً ومكافأة على “انتصاراتهم في الحرب على العراق”، أغلب هؤلاء ومعظم أجهزة الإعلام كانوا مؤيدين للحرب .
أذكر منهم تحديداً القائمين على مؤسسات بحث شبه عسكرية كمؤسسة “راند” وأعضاء مجلس الشيوخ مثل هيلاري كلينتون، وكانت في صفوف الحزب الديموقراطي المعارض .
أذكر جيداً السنوات الأخيرة من حرب فيتنام حين كانت الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص على طلبة الجامعات المحتجين على الحرب في وقت كانت المظاهرات تجوب العديد من عواصم العالم .
ولكني أذكر أيضاً أنه حين أعلن كيسنجر التوصل إلى اتفاقيات جنيف وانتقلت أمريكا إلى مرحلة جديدة، استمرت الاتهامات بارتكاب تجاوزات ونشر العديد من الكتب وأخرجت هوليوود مئات الأفلام، ومع ذلك لم يصل النقد الذاتي إلى هذه الدرجة من الإجماع والرغبة في تطهير النفس من عذاب الضمير بالاعتراف العلني أن أمريكا أذنبت في هذه الحرب، وأن الأمة بأسرها تعترف بهذا الذنب وتتحمل وزره .
اعترفت أمريكا . وسوف يجر اعترافها اعترافات أخرى، ليس بينها بالتأكيد اعترافات الحكومات العربية التي شجعت أمريكا على الغزو أو ساهمت فيه بقوات وتسهيلات .
يتحدثون الآن عن 160 ألف قتيل عراقي و4500 عسكري من القوات المسلحة وآلاف أخرى من الجنود المرتزقة كانت مهمتهم القتل خارج القواعد وخارج العرف وخارج الإنسانية ولا يحاسبهم أحد .
يتحدثون عن مليوني مشرد عراقي مازالوا من دون مسكن، وعن هجرة جماعية لأقدم الجماعات المسيحية في العالم، وعن نصف تريليون دولار نفقات حرب يقال الآن إنها كانت أحد أهم أسباب الأزمة المالية الراهنة .
ويتحدثون عن انهيار مرافق أساسية عديدة في أنحاء الولايات المتحدة مسؤولة بدورها عن انحدار مكانة أمريكا وقوتها الاقتصادية .
يعترفون أنهم دخلوا العراق وكانت دولة، ورحلوا عنها وهي أشتات دولة .
يعترفون بالخطيئة العظمى حين أرسلوا بول بريمر بمهمة “تفكيك دولة العراق”، فأقصى الموظفين والجنود والضباط بحجة أنهم قد يكونون مخلصين لحكومة صدام حسين .
وبعد الإقصاء توقفت الدولة ثم تلاشت أو حق عليها وصف “الدولة الفاشلة” .
يتحدثون ويتحدثون ويتحدثون في اعترافات مذهلة ولكنهم لا يعتذرون .
ولن يعتذروا، فليس من شيم الساسة الأمريكيين الاعتذار عن خطأ حتى لو اعترفوا به .
لم يعتذروا عما فعلوا بالفيليبين أو الدومينيكان أو أفغانستان أو غرانادا أو بنما أو فيتنام أو بالمدن الألمانية أو بناغازاكي وهيروشيما، أو غيرها من مواقع الخطأ الصارخ في صنع السياسة الخارجية الأمريكية وتنفيذها .
لن تعتذر عن جرائم ارتكبت في حق الإنسانية في العراق، ولن تسمح لأحد في العراق أو خارجه بطلب إلى تقديم بعض العسكريين والسياسيين الأمريكيين، وبخاصة الرئيس بوش ومساعدوه المقربون مثل ديك تشيني وكونداليسا رايس لمحاكمة جنائية على ما اقترفوا في حق بشر في العراق .
حسنا فعل الأمريكيون بهذا الاعتراف الجماعي بأخطاء كلفت الأمة الأمريكية غالياً .
البعض في الداخل كما في الخارج كان يتساءل باستغراب عن السبب الذي جعل واشنطن، وباراك أوباما تحديداً، يتردد في التدخل العسكري المباشر في ليبيا ثم في سوريا .
لا شك لدينا الآن أن “كارثة” التدخل الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق، كما توضح حملة الاعترافات، وقفت حائلا منع الرئيس أوباما من الإقدام على تجربة مماثلة في أي من البلدين .
وإن ما زال يقال إن هذا الرأي ينطبق أكثر على الحالة السورية من الحالة الليبية حيث كان بعض المسؤولين في واشنطن على ثقة من أن الوضع في ليبيا لن يكون في حاجة لتدخل أمريكي واسع النطاق، كالتدخل في العراق .
مع ذلك مازال هناك من يعتقد أن هدف “إعادة بناء” ليبيا وسوريا وربما دول عربية أخرى، مازال مطروحا في صدارة مهام السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي .
ولدينا في تجربتي مصر وليبيا على الأقل، ما يؤكد أن خططاً لإعادة بناء مرافق ومؤسسات سياسية واقتصادية موجودة وجرى عرض جوانب منها على المسؤولين في الدولتين، وبعضها في حوزة أو تحت مظلة الأمم المتحدة، جاهزة للتنفيذ بالقطعة أو فور استقرار الأوضاع الأمنية، وأعتقد أن خطة مماثلة لسوريا موجودة .
لقد كشفت الاعترافات، التي تتسابق على نشرها وسائل الإعلام الأمريكية ويتفاخر سياسيون ورجال أمن باستعدادهم للكشف عن مزيد منها، عن أن هدف “إعادة بناء أمم بعينها” ما زال يتصدر أولويات السياسة الخارجية الأمريكية تماماً كما كان يتصدرها وقت التحضير لغزو العراق .
لا مؤامرة في الموضوع برمته ولا نظرية مؤامرة، بل خطط موضوعة تنتظر الفرصة للتنفيذ .
ومن هذه الفرص كان التقرير الزائف عن معلومات تفيد بوجود أسلحة دمار شامل يخفيها صدام حسين .
المؤكد في نظرنا وفي سجلات التاريخ أن في العراق الآن يوجد “كيان” سياسي يختلف جذرياً شكلاً ومضموناً عن “الدولة” التي كانت قائمة عشية الغزو تحت اسم العراق . كذلك لا مؤامرة في أن تتقدم الصفوف في جميع دول الربيع العربي قوى تنتمي إلى فصيل الإسلام السياسي .
لقد تابع عدد من الباحثين العرب الاهتمام الأمريكي والغربي عموماً، الأكاديمي والسياسي منذ عشر سنوات بهذا الفصيل الإسلامي، وتابع بعضهم تطور الاتصالات بين الطرفين والضغوط الأمريكية على حكومات المنطقة لإفساح المجال لممثلي هذه القوى للمشاركة في العمل السياسي، وفي الحكم إذا سمحت الظروف .
يعترفون في أمريكا الآن أن إعادة بناء العراق كان خطأ فادحاً ليس فقط لأنه أسفر عن تسليم العراق لإيران، أو لأنه أفسح المجال لصراع جديد بين إيران وأمريكا على تقاسم النفوذ في شمال العراق وفي ما صار يعرف بالهلال غير الخصيب، لكن أيضاً لأنه أطلق قمقم التغيير في الشرق الأوسط بشكل فاق التوقعات والإمكانات المعدة للتحكم في مساراته واحتمالاته .
وبينما كانت الاعترافات الأمريكية بالجرائم والأخطاء التي ارتكبت في حق العراق تتوالى عمقاً واتساعاً، كان الرئيس أوباما يجيب متلعثماً ومتردداً عن أسئلة الصحافيين “الإسرائيليين” والأمريكيين في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نتنياهو بعد وصوله إلى إسرائيل .
وفي اليوم التالي رأيناه يخطب في طلبة الجامعات، وكان كعادته فصيحاً وقوياً، مستخدماً أقوى حجة لديه وهي البلاغة وإتقان اللغة والكلام في عموميات السلام وأحلامه .
الصور صادمة في الحالتين، التلعثم أمام نتنياهو والفصاحة أمام الشباب، لأنها عكست بوضوح حال أمريكا الراهن، أمريكا التي أصبحت تخطئ أكثر مما تصيب وتضر أكثر مما تنفع .
أوباما كان ضعيفاً في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو لأنه كان يمثل حقيقة أمريكا التي تقف ضعيفة الإرادة والحجة أمام “إسرائيل” على ضوء سوء الإنجاز في العراق وسوريا وفي ليبيا ومصر وتونس، حيث ارتبكت الأوضاع في ظل هيمنة الإسلام السياسي ومع ارتباكها بدت السياسة الأمريكية مرتبكة وفي حاجة واضحة لإعادة نظر .
وكان أوباما قوياً في خطابه أمام الطلاب، كما كان أمام طلاب جامعة القاهرة وأمام جمهور غفير في اسطنبول وفي أكرا قبل أربع سنوات، إنها قوة الحلم الذي حمل أوباما إلى البيت الأبيض وبدوره يحمله إلى جيل آخر في كل مكان يذهب إليه .
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا |
|
---|