<%@ Language=JavaScript %> عمار علي حسن    تشريح الأسرة الإخوانية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

تشريح الأسرة الإخوانية

 

 

 

 

عمار علي حسن    

 

عرف التاريخ أسرا حاكمة، بعضها عاش قرونا من الزمن متربعا على العرش، مثل أسرة «البوربون» فى فرنسا، وآل مديتشى فى إيطاليا. وعرف أيضاً أسرا استطاعت أن تنجب الأنجال والأحفاد الذين يتمكنون من الوصول إلى سدة الحكم حتى فى النظم الجمهورية الديمقراطية، مثل أسرة «نهرو» فى الهند، و«بوتو» فى باكستان، و«بوش» فى الولايات المتحدة. وهناك أسر حاكمة فى بلدان عربية عدة، مثل المملكتين المغربية والأردنية، ودول مجلس التعاون الخليجى. وعرفت المجتمعات البشرية عائلات وأسرا حافظت على نفوذها من الجاه والثروة سنين طويلة. وتنبئنا بعض الدراسات الاجتماعية بأن العائلات تستمر قوية، فى الغالب الأعم، نحو قرن ونصف، ثم تتراجع، لتفسح الطريق أمام غيرها.

 

كل هذه كانت أسرا «بيولوجية» بالمعنى الواضح الذى نجد تحليله وتفسيره فى المساحة المشتركة بين علوم الأحياء والاجتماع والطب والهندسة الوراثية، بشكل لا لبس فيه، لكن ما تفعله «جماعة الإخوان» هو أنها حولت التنظيم الأيديولوجى إلى كيان بيولوجى بمرور الوقت، وذلك وفق قاعدة «الإخوانى يجب أن يتزوح إخوانية»، فتداخل لديها السياسى بالطبيعى، واستخدم كلاهما فى خدمة الآخر، وفق ظاهرة نادرة فى التاريخ الإنسانى. فتزاوج أفراد الأسرة المالكة فى البلد الواحد أو نظيراتها عبر الأقطار هى مسألة حدثت بقوة فى التاريخ من منطلق البحث عن سند وعزوة وتعزيز للجاه والنفوذ والثروات، لكن أن تقوم شريحة سياسية واجتماعية فى بلد واحد بتضييق الزواج من خارجها وفرضه من داخلها، ليس بحثا عما تعتقد أو تتوهم أنه الأفضل تربويا فحسب، إنما لدعم المشروع السياسى وتبديد الهواجس الأمنية، لهو مسار متفرد وغريب فى آن.

 

وعلاقة القرابة والمصاهرة تلعب دورا فى الحراك الاجتماعى فى أى مجتمعات بشرية بدرجة ما، وربما تصبح فى بعض الأحيان طريقا لتولى المناصب والمواقع القيادية، لكن بالقطع ليس بالإفراط الذى عليه الإخوان، وقد يرجع ذلك إلى أنهم جميعا متشابكون فى «نسب» لا يكاد ينتهى، ولذا نجد أن تأثير هذه العلاقة على توليهم المناصب مضاعف ومغلظ قياسا إلى غيرهم، لا سيما بعد انحيازهم إلى «أصحاب الثقة» من بين «الأهل والعشيرة» على حساب «أهل الخبرة» فى سياق ما يعتقدون أنها «فرصة التمكين» من ناحية، ونظرا لهواجسهم المرضية حيال «الأغيار» أو «المختلفين» معهم فكريا أو سياسيا من ناحية ثانية.

 

وربما لهذا نجد اصطلاح «الأسرة الإخوانية» قائما كمرحلة من تنظيمها الإدارى أو هيكلها السياسى جنبا إلى جنب مع «الوحدة الاجتماعية» التى ينتظم فيها أب إخوانى وأم إخوانية مع أولادهما. وكل منهما يتداخل مع الآخر فى كثير من المفاصل، ولنا أن نعرف فى هذا المقام أن بعض قيادات الشعب والمناطق يتدخلون لحل المشكلات بين الأزواج وزوجاتهم، وهذه المهمة أسندت ذات يوم إلى الدكتور محمد مرسى فى مسقط رأسه بمحافظة الشرقية.

 

والأسرة أو «الخلية» هى اللبنة الأولى والأساسية فى تنظيم الإخوان، وتأتى بعدها «الشعبة» ثم «المنطقة» فـ«المكتب الإدارى» و«مجلس الشورى العام» وبعده «مكتب الإرشاد» ثم «المرشد». وتتكون الأسرة على هذه الشاكلة من خمسة إلى سبعة أفراد، يقف على رأسهم واحد منهم يلقب بـ«النقيب»، يقود اجتماعا أسبوعيا لمن هم دونه فى الترتيب من أفراد الأسرة، يتدارس معهم مناهج مقررة فى تفسير القرآن الكريم لا سيما «الظلال» لسيد قطب، والأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ورسائل الشيخ حسن البنا، وبعض الكتب المقررة لصفوف الجماعة، علاوة على استعراض الأحداث السياسية وموقف قادة الجماعة منها، والمهام المطلوبة من القواعد فى تأييد هذه المواقف أيا كانت

 

يتخالط لدى الإخوان ما ترتبه مدرستان من ضمن مدارس أو نظريات واقترابات علمية عدة فى تفسير سيكولوجية الجماعات وهما «الحتمية البيولوجية» و«الحتمية الثقافية»، حيث ترى الأولى أن الجينات تلعب دوراً مهماً فى تحديد شخصية الجماعة وتعيين سلوكها بانتقال الصفات الوراثية عبر الأجيال عن طريق الأحماض النووية. وقد استخدمت بعض المذاهب السياسية اليمينية المتطرفة هذه النظرية فى تجديد شبابها، واتخذت منها عقيدة لها تفسر وتبرر من خلال مقولاتها وتصوراتها وكل ما يبدر عنها من سياسات وما تتخذه من قرارات، وتعزى الفروق فى السلطة والثروة إلى فروق فى القدرات الوراثية للأفراد والجماعات العرقية، وهذا أمر لا يمكن تغييره، ومن ثم لا بد من التسليم بحتميته والتعامل معه باعتباره أمراً واقعاً لا مفر منه.

 

أما الثانية فتدحض هذا تماماً وتؤكد أن الأفراد مجرد مرايا للظروف الاجتماعية التى يعيشونها، والمصادر الثقافية التى يتعرضون لها، وأن الخبرات الحسية التى يمر بها الإنسان، من استجابات وثواب وعقاب تؤثر فيه، وهو يولد صفحة بيضاء، وتبدأ البيئة فى كتابة ما تريد عليها، عن طريق الذين يقتربون منه ويؤثرون فيه مباشرة مثل الوالدين والمدرسين وجماعات الرفاق.. إلخ.

 

وقد شمل كتاب ستيفن روز «علم الأحياء والأيديولوجيا والطبيعة البشرية» مزيداً من التحليل والتفصيل حول هاتين النظريتين، الذى لا يبدو أن أياً منهما تتسم بصلاحية أو صواب مطلق، بل إن تضافرهما أو تكاملهما يمكن أن يقربنا أكثر من تفسير سلوك الأفراد والجماعات، وهذا ما يمكن أن نستخدمه فى محاولة الاقتراب النسبى من تحليل الأسرة الإخوانية، رغم أنها لا تنتمى إلى عرق محدد، لكن الزواج المتبادل والمصاهرة المغلقة قد تجعلها بمرور الوقت مهيأة لإنجاب إخوان جدد حملوا الصفات الوراثية للوالدين، لكن هذا لا يدل طيلة الوقت على أن الأبناء قد تطبعوا بما عليه الآباء، بدليل أن بعض المنحدرين من صلب قيادات إخوانية تمردوا على الجماعة. ولا أعتقد أن ذلك يمكن أن يؤدى، مهما طال الزمن، إلى التعامل مع الأسرة الإخوانية، وكأنها جماعة عرقية، أو ينطبق عليها ما ينطبق على مثل هذه الجماعة من سمات وراثية، وإن كانت السمات الاجتماعية لأتباع العرق الواحد القاطنين فى منطقة جغرافية واحدة يمكن أن تتشابه فى جوانب منها مع ما يتم داخل جماعة الإخوان وتنظيمها.

 

فهناك أدلة دامغة على قيام الجماعة بـ«تنميط» أعضائها، بما يجعلهم وكأنهم، فى نظرتهم إلى الذات والمجتمع، شخصاً واحداً مكرراً مئات الآلاف، وذلك عبر مناهج تعليمية داخلية مناسبة لمستويات محب ومؤيد ومنتسب وعامل ولمختلف الأعمار، يتم تدريسها بانتظام، وهى قابلة للاستبعاد والإضافة وفق الظروف، وهى تتدرج حسب موقع الفرد داخل الجماعة، فالنقباء يتلقون دورات خاصة حتى يتمكنوا من الوعظ فى أفراد «الخلية» وإرشادهم، وما يعطى لـ«إخوان الصف» وهم الأعضاء العاملون يختلف عما يعطى لـ«الربط العام» وهم المتعاطفون مع الجماعة، و«الربط الخاص» وهم من على وشك الانضمام إليها، وهذا كله يعطى هؤلاء قدرة ما على مخاطبة «الانتشار» وهو الفضاء الاجتماعى الأوسع الذى تستهدف الجماعة التجنيد منه أو كسب تعاطفه أو تحييده على قدر المستطاع.

 

كما تحرص جماعة الإخوان على إدماج العضو العامل بها فى «الأسرة الإخوانية الممتدة» من خلال علاقة المصاهرة تارة ومصادر كسب الرزق تارة أخرى، علاوة على برامج التثقيف الأحادية التى تستقر فى ذهنه وتربطه أكثر، معرفياً ووجدانياً، بـ«إخوانه». ونظراً لشعور الجماعة الدائم بالخطر الذى يتهددها فقد عملت بصرامة على أن تلف حبالاً غليظة على أى شخص ينتمى إليها، ويحوز أسرارها ويعرف طرائق عيشها وتحركاتها، حتى لا ينفلت عنها ويعطى ما عرفه أو حصله لمن تطلق عليهم أعداءها. ولهذا تحمل مكاتب الجماعة فى مختلف أنحاء البلاد قوائم بشباب وفتيات من المقبلين على سن الزواج، وترشح بعضهم لبعضهن، من منطلق إدراكها أن الأفضل أن يتزوج الإخوانى إخوانية، حرصاً على أسرار التنظيم، وعلى جلَد الزوجة حين يغادرها زوجها إلى السجن، ويترك لها مسئولية تربية الأولاد، وحفظ عرضه، ورد غيبته، وإن لم يكن له مصدر رزق ثابت فالجماعة تتكفل بأسرته تلك.

 

وقد كشف القيادى الإخوانى، صبحى صالح، عن هذا ذات مرة حين اعتبر أن زواج الإخوانى من خارج الإخوان يؤخر نصر الجماعة، قائلاً: «كل هذه الأخطاء فى التربية تؤخر النصر، ورب العزة رب قوانين، إن تنصروا الله ينصركم»، ثم وصل به الأمر إلى توظيف الآية القرآنية «أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير» فى غير موضعها، راسماً بذلك ملامح عنصرية طافحة، وشعوراً زائفاً بأن الإخوان أرقى من غيرهم. وكثير من الأعضاء الذين فكروا فى الإقدام على الخروج عن الجماعة استُخدمت أسرهم فى الضغط عليهم؛ الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، والأم والأب على الأبناء وهكذا. وقد أفلحت هذه الطريقة فى إجبار البعض على أن يستمر ضمن صفوف الجماعة، وأن يكبت مشاعره ويخفى تذمره حتى لا يهدم أسرته أو يظهر بمظهر من يعصى أهله الأقربين

 

استمعت ذات يوم إلى رجل إخوانى فى أواسط الأربعينات من عمره، ضاق ذرعا بمواقف الجماعة وتخبطها، ورأى انجراح صورتها فى مخيلة الناس جراء فشلها فى إدارة البلاد، فآلمه ذلك، وأضنته تلك الهوة الواسعة بين ما سمعه من قادته وما رآهم يفعلونه أمامه وأمام الناس أجمعين، فراح يكتب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى بشبكة الإنترنت فيها نقد لآراء الإخوان وتصرفاتهم، فجاءه تنبيه صارم من قادته المباشرين بأن يكف عن هذا، وحين تجاهلهم وواصل ما يفعله، فوجئ بزوجته تهدده بطلب الطلاق، وأمه تصرخ فى وجهه: «إن لم تسمع وتطيع فلا أنت ابنى ولا أنا أعرفك»، ولأنه لا يريد أن «يخرب بيته» حسبما قال لى، امتثل وصمت على مضض، لكنه استبدل الكتابة فى العالم الافتراضى بتبيان عوار الإخوان وتهافتهم لكل من يسأله عنهم فى أى مكان يذهب إليه.

 

ومن يصر على موقفه ويغادر الجماعة مستعدا أن يتحمل أى غرم، لا يلبث الإخوان أن يلاحقوه بضراوة، فيطلقون عليه الشائعات من قبيل «جندته مباحث أمن الدولة» أو «فتنته زينة الحياة الدنيا» و«ضعف إيمانه وتراخى عزمه» ويتم هذا بشكل منظم ويهدف ليس فقط إلى تشويه المنسحب من صفوف الجماعة، بل أيضاً ردع غيره، ممن تراودهم أنفسهم أن يحذوا حذوه أو يقتفوا أثره.

 

والثابت أن الإخوان يمكن أن يتعاملوا مع من ينتقدهم بل يجلدهم من خارج الجماعة، لكنهم يقاطعون من كان بينهم وخرج عنهم، مهما كان حجم تضحياته من أجل الجماعة، ومهما كان طول أمد انتمائه إليها، ومهما كان الأثر الذى تركه أو البصمة التى طبعها على مسارها. وبعض هؤلاء يقضى بقية حياته منكسرا، يرنو إلى الجماعة من بعيد، أو يعيش على ذكرياته معها، لأنه لم يعرف غيرها، وبعضهم يمعن فى التحدى والمواجهة إلى درجة فضح كل شىء من دون وجل ولا هوادة.

 

وتوظيف الأسرة الاجتماعية لصالح التنظيم خلق تماسكا إجباريا فى صفوف الجماعة لكنه لم يق بعض أفرادها من الصراع الداخلى بين ما يفرضه الدين وما تطلبه الجماعة، وبين ما يراعيه الضمير وما يأمر به التنظيم. ومن ثم يمكن لهذه الرابطة الإكراهية الأشبه بالزواج الأرثوذكسى، أن تخلق نفوسا خائرة، وتصنع أناسا لا يدافعون عن فكر أو نهج أو اعتقاد راسخ فى عقولهم وقلوبهم بل ينافحون عن مصالحهم المادية أو يجنبون أنفسهم كيد الجماعة ونكد الأهل.

 

وفى تاريخ الإخوان كثيرا ما تمرد أبناء على آبائهم، حين استيقظوا على هوة بين القول والفعل داخل الأسرة الاجتماعية أو تعرضوا لمصادر أخرى لنهل الثقافة والمعرفة أو مروا بتجارب حياتية مختلفة. وهناك شهادة دالة ومهمة فى هذا الشأن للشاب أدهم جمال الذى تعرض لاعتداء وحشى على أيدى الإخوان خلال المظاهرة التى تم تنظيمها أمام مقر مكتب الإرشاد بالمقطم فى 17 مارس 2013، حيث قال: «من ضمن الذين تم اعتقالهم معى صبيان أحدهما يدعى ماجد والآخر أشرف، عرفت منهما أنهما ينتميان إلى أسرتين إخوانيتين، لكنهما خرجا من مكان لتلقى الدروس الخصوصية بالقرب من مقر الإخوان وانضما إلى المتظاهرين وشاركا فى قذف المعتدين بالأحجار. والأول رفض أبوه استلامه من الشرطة حتى يعاقبه على ما فعل، والثانى رفضت أمه أن تعطيه الطعام الذى أحضرته إليه فى مقر احتجازه بقسم شرطة المقطم، حين وجدته مصرا على السخرية من الإخوان وانتقاد أفعالهم».

 

ومما لا شك فيه أن هذا النمط الاجتماعى والإدارى كان من العوامل المهمة التى ساعدت على استمرار «تنظيم الإخوان» متماسكا وقللت من قدرة منافسيه أو أجهزة الأمن على اختراقه، لكنه فى الوقت نفسه يحمل بذور تصدع التنظيم وضعفه، لأنه يقوم على أمرين متناقضين هما «العبودية الطوعية» و«الإكراه المادى والمعنوى»، فهناك من يعبد«التنظيم» أو يطيعه بشكل أعمى، وهناك من ملأ قلبه التذمر لكنه لا يستطيع أن يجهر بما يعتمل فى صدره، خوفا من أن تستخدم «العائلة الاجتماعية والأيديولوجية» فى الضغط عليه ومواجهته ولو بشكل سافر. فى الحالتين هناك خلل نفسى، وزلل أخلاقى، وخطل اجتماعى، كان مسكوتا عنه قبل ثورة يناير وأيام ملاحقة الإخوان، لكنه لن يظل حبيس النفوس بعد وصولهم إلى الحكم وثبوت فشلهم الذريع فى إدارة الدولة ودخولهم فى صراع مع الكل من أجل مصلحتهم وطريقهم الذى يزعمون أنه مقدس

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا