<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل تكاثر العباقرة العراقيين– ليس أملا بل مؤامرات أحتيال من نوع جديد

 

 

تكاثر العباقرة العراقيين

 

ليس أملا بل مؤامرات أحتيال من نوع جديد

 

 

 صائب خليل

16 حزيران 2015

 

 

كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة "العباقرة" العراقيين الذين يحلون المشاكل المستعصية للعراق ومنها الأمن، وبطرق "رائعة"، أثارت حماس العراقيين بشدة، ولكن....

لننظر أولا إلى هذا الفيديو لهذا المخترع الذي يفهم الحضور منه أنه قد اخترع حلا لمشكلتين عويصتين وعزيزتين على المواطن العراقي وهما الأمن والسيطرات. لنشاهد الفلم ثم نكمل المقالة بمناقشته، ثم نحلل ما نستنتجه من ذلك. (1)

 

****

ماذا قال الرجل بالضبط؟

تحدث عن تفوق الإرهابيين على الطرق المستعملة السيئة و"ضرورة اكتشاف أساليب جديدة نعتمد بيها على نفسنا" ..

وقال: "الطريقة اللي اتبعتها لكشف سموم الإرهابيين طريقة جديدة: سيطرات ذكية.. تتوزع في عموم الشوارع وتغطي معظم مناطق المدينة"..."السيطرات تتكون من منظومة اجهزة كشف متفجرات".."أجهزة كشف متفجرات توزع بالشوارع بحيث ما تصير عندي صبات.. (ثم يتحدث عن مشاكل السيطرات) الخ. .ويتحدث عن اجهزة اوروبية تكشف المتفجرات في السيارات المفخخة والمزروعة داخل ا لأرض..ودقتها عالية ممكن أن تكشف المتفجرات، جزء المتفجرات من مليون جزء. (يكرر هذا "المليون جزء") ثم ينتقل إلى كواشف المتفجرات الموجودة (والتي هي عبارة عن احتيال تاريخي رهيب يتحمل المالكي وحثالات الحكم في وقته مسؤوليتها التامة ومسؤولية دماء ضحاياها).

 

كما تلاحظون أنه حتى الآن لا يوجد أي شيء في المحاضرة عن ابتكاره ولا نعلم كيف أن سيطراته "ذكية" .. لحد الآن هو يقول أن هناك أجهزة اوروبية تكشف المتفجرات بدقة، والمديح الذي كاله لها لاعلاقة لـ "إبتكاره" به. ولو لاحظنا طريقته في وصف الأجهزة لوجدنا أنها كلام غير علمي ولا يصدر عن شخص علمي أبداً. فما الذي يعنيه أن الأجهزة تكشف "واحد من المليون"؟ مثل هذه العبارات تستعمل في التحليل الكيمياوي لخليط، ويمكننا أن نقول أن الجهاز يكشف مادة ما حين تكون نسبتها في خليط ما، واحد إلى مليون. لكننا لا نواجه "خليطاً" من المتفجرات والتراب او المواد الأخرى هنا، بل سيارة تحمل كمية من المتفجرات وتسير في الشارع بعيداً عن الجهاز، فما معنى الـ واحد بالمليون هنا؟

الوصف الصحيح لحساسية مثل هذه الأجهزة هو قدرة الأجهزة على استشعار المواد عن بعد، بأعطاء ارقام تربط كمية المتفجرات بالمسافة، مثل القول بأنها تستطيع أن تكشف كيلو متفجر (من نوع كذا) في سيارة على بعد 50 متراً، على سبيل المثال، أما "واحد بالمليون" فماذا تعني؟! واحد بالمليون لا تعني أي شيء، ولا بد أن من يعمل في هذا المجال أن يعرف أنها لا تعني أي شيء، وبالتالي من حقنا أن نشك بأمره.

 

دعونا نكمل بقية الفيديو، وهنا المفاجأة الجديدة. يقول الرجل بعد أن وصف الأجهزة الأوروبية للكشف: "بما أنه هاي الأجهزة ما متوفرة عندي، سويت المنظومة بس بدون هاي الأجهزة"!! ردت بس اعرف الوقت اللي توصلني به المعلومة من السيارة المفخخة لحد المركز اللي أتابع بيه السيارة المفخخة. نفذنا هذا "الشي العملي"  بمنطقة باب الشرجي. سوينا عشر سيطرات ذكية وفرضنا انه سيارة مفخخة فاتت من يم هاي السيطرة، الداتا اللي وصلتني من هاي السيطرة إلى المركز اللي آني بيه أقل من نص ثانية .. اقل من نص ثانية آني شفت السيارة المفخخة وأكدر أشوفها بالكرادة أو اليرموك او المنصور مثلا.. هذا وقت قياسي يخليني أكدر اتابعها واراقبها واتخذ الإجراء المناسب إلها.. هذا المشروع قدمت لجهات عليا وجابهوني بالرفض وكانت العبارة المشهورة اللي قابلوني بيها : إبني دير بالك على نفسك..الخ..

 

لنراجع ما قال: اولاً...الأجهزة "ما متوفرة عنده" .. قام بالتجربة بدون الأجهزة .. فما هي تجربته التي سماها "الشي العملي" الذي نفذه، وما الذي كشفته؟ يقول أنه اراد أن يعرف زمن استغراق المعلومة من السيارة المفخخة إلى مركز المتابعة.. فقط.. وبما أنه يقول أنه لا يملك الأجهزة التي تقدم تلك "المعلومة" فيجب أن يكون قد استعاض عنها بأية "معلومة"، إشارة لاسلكية، لا يهم محتواها. وهذه يمكنها بالفعل أن تكشف "الزمن"، لأن جميع الإشارات تاخذ نفس الزمن. إكتشف صاحبنا أنه نصف ثانية.. هذا كل محتوى ما قاله الرجل.. أنه ارسل إشارة لاسلكية واستقبلها بعد نصف ثانية في المركز! اي أنه اكتشف فقط أن الإشارة اللاسلكية من أية سيطرة إلى المركز، تستغرق نصف ثانية لقطع المسافة. وهي في الحقيقة زمن التأخر داخل الجهاز وليس للمسافة أية علاقة بالموضوع لأن الإشارة الكهرومغناطيسية كالضوء، تدور حول الكرة الأرضية سبع مرات في ثانية واحدة وبالتالي لا تحتسب فترة انتقالها بين منطقتين داخل نفس المدينة لأنها قريبة جداً من الصفر.

 

هذا الكلام ليس له أية علاقة بكشف المتفجرات أبداً .. هذا يقول أنه لو تمكنا من الحصول على إشارة كشف المتفجرات، فيمكننا أن ننقلها بنصف ثانية إلى المركز، وهي معلومة لا قيمة لها إطلاقاً! وهي معلومة تخص أجهزة الإرسال فقط ولو استبدلت بأجهزة أخرى فسيكون هذا الرقم مختلفاً، ولا أهمية له على اية حال.. أنا مهندس الكترونيك ولدي ايضاً براءات اختراع وأعرف عم اتحدث.. هذا الرجل يتحدث هراءاً، فهو أما محتال أو رجل بسيط لديه فكرة مشوشة، أستغلت طموحه جهة محتالة وشجعته.

 

دعونا ننظر إلى نقطة أخرى. هو يريد حسب قوله فقط أن يعرف الزمن الذي تستغرقه الإشارة أو المعلومة، فلماذا نصب تلك الشبكة من عشرة "سيطرات ذكية" في  بغداد ليجربها؟ أولاً يمكنك أن تقرأ زمن تأخير الأجهزة (delay time) من دليل الجهاز الذي يصدره المنتج للجهاز وبدون أية تجارب. وثانياً هو يجب أن يعلم أن المسافة لا تعني شيئاً بالنسبة للأمواج الكهرومغناطيسية بالغة السرعة وإلا فإنه يعرف من الفيزياء والكهرباء أقل من طالب الصف الخامس الإعدادي. وثالثاً إن أصر على القياس، فليس من الضروري أن يقوم بالتجربة في مركز بغداد، بل بين اي نقطتين بينهما المسافة التي يريدها. ورابعاً لماذا ينصب شكبة من تلك السيطرات "الذكية" (التي لم نفهم اين الذكاء فيها)، وكل ما يحتاجه هو إرسال الإشارة من واحدة منها إلى المركز؟ التجربة ستكون كافية بمحطة واحدة ومركز واحد، خاصة وأن أجهزة كشف المتفجرات ليست متوفرة. أنت تحتاج شبكة حينما تكون هناك حاجة لتبادل معلومات بين اطراف تلك الشبكة، لكن هنا لدينا اطراف لا تتصل ببعضها بل يكون الإتصال بين نقطتين فقط، مكان الكشف والمركز، واي طرف يرسل الإشارة وتصل للمركز دون تدخل بقية الأطراف، فلماذا يجب أن تتواجد هذه الأطراف في شبكة في نفس الوقت؟ إن أراد قياس الزمن من اليرموك إلى المركز وكذلك من المنصور إلى المركز فيمكنه تحويل نفس "السيطرة الذكية" (وهي سيارة بلا شك) إلى المنصور، بدلا من أن تكون هناك شبكة كاملة من عشرة من هذه السيارات في نفس الوقت..

 

إذن كل شيء مزيف وكل شيء مصمم بإخراج مسرحي يتلاعب بعواطف الجمهور وليس فيه أي محتوى علمي! لاحظوا مثلا قصته عن تقديم الفكرة ورد الأجهزة الأمنية، وكيف يلعب بها على عواطف مشاهديه! وكذلك فأن تسميته لنقاط سيطرته بـ "الذكية" بلا مناسبة وهي كلمة تستعمل تكنولوجياً عندما يكون هناك جهاز يتصرف بأشكال مختلفة تبعاً لظروف مختلفة، وهذا ليس الحال في نظامه. أي أن كل ما يقوله الرجل هراء وضحك على الذقون وتلاعب بالعواطف، وليس فيه اي محتوى علمي.

 

لاحظوا أن هناك جهة توفر لهذا الهراء قاعة ضخمة، وتستجلب جمهور كبير (لا أدري إن كانت قد أقيمت في بغداد أم في مكان آخر)، جمهور لا يمكن جمعه لمثل تلك المواضيع ولا أية مواضيع أخرى عادة مهما كانت مثيرة للإهتمام، فمن أين وكيف جاء هذا الجمهور؟ هل كان هناك وجبة عشاء مثلا مقابل الحضور؟ لا أدري، لكن لا يقل لي أحد ان جمهوراً مثل هذا يمكن جمعه لمشاهدة محاضرة عن فكرة لكشف المتفجرات يلقيها شخص غير معروف.

 

تابعت المنظة التي اشرفت على الموضوع (نيد إكس) (2) فوجدت أنها منظمة أمريكية دولية غير ربحية تقيم محاضرات في مختلف دول العالم وتدعو إليها رجال مشهورين مثل بيل كيتس وغيرهم، وأهدافها إنسانية غير ربحية كما تقول. لكن من يمول هذه المنظمة وهذه الكلف الكبيرة؟ إننا في الغرب نعرف جيداً أن 99% من المنظمات غير الربحية ، الإنسانية  ومؤسسات "الثنك تانك" وغيرها، لها إرتباطات أقل ما يقال أنها "مشبوهة"، خاصة عندما لا يتضح من أية جهة تتلقى دعمها ولماذا تتلقاه.

 

بحثت في اليوتيوب فوجدت للرجل نفسه جهازاً “عبقرياً” آخر، وهو روبوت للتعامل مع الألغام والمتفجرات ويدار من بعيد حفاظاً على ارواح الناس.(3) وهنا أيضاً نجد نفس علامات الإحتيال ذاتها في الفكرة السابقة. وحين لا يجد أية شيء يقوله عن الميزة التي يمكنه أن يعتبرها جديدة ويسجلها كبراءة لنفسه، يخبرنا بأن ميزة الجهاز هي : “التحكم الواسع” ! لا ندري من أين أتى بهذا المصطلح وأغلب الظن أنه اخترعه لـ "اخذ بوش" المستمعين. “التحكم الواسع” يصل حسب قوله إلى 1600 م. وإن كان المقصود هو أن التحكم به يتم عن بعد يصل إلى 1600 م فهذا الأمر لا يتعلق بتقنية الروبوت بل بمدى المرسلة التي تتعاملة معه، والوصول إلى 1600 م ليس مشكلة ابداً حيث أن اجهزة اللاسلكي المخصصة للأطفال تصل إلى عشرة كيلومتر بسهولة تامة. فأين هو "التحكم الواسع"؟ ولماذا يجب اصلا ان يدار الجهاز من كل هذا البعد؟ هل سيتم إفراغ مساحة نصف قطرها 1600 م؟ وهل سيرسل الجهاز ليقطع كل هذه المسافة بنفسه ليستغرق ساعة أو نصف ساعة في الوصول وقد لا تكفيه بطاريته لذلك؟

الرجل يعرض علينا روبوت بسيط جداً له ذراع واحدة فيها أصبعان وبالتالي من المستحيل أن يتمكن من التعامل مع الأشياء الدقيقة التي يحتاج إليها الروبوت المخصص لمثل هذا الغرض الشديد التعقيد. والعرض الذي قدمه في الفلم لحركة الروبوت هو أشبه بما يتواجد في الاسواق من العاب الأطفال، بل اقل منها. ولو كان جهازه يستطيع اكثر من ذلك لما تردد في عرض إمكانياته تلك. ثم يقول أن برمجة الروبوت بسيطة وكأنك تمارس لعبة قتالية؟؟؟ أنا مبرمج لدي شهادة من هولندا ولم أرَ في حياتي بل ولم اسمع بمثل هذه البرمجة!

 

تظهر على الشاشة شهادات تقدير كما يبدو، فمن الذي قيم ذلك؟ لو أن الرجل قال أنه بنى روبوت بسيط وبرمجه لكان ذلك نقطة إيجابية له أما أن يدعي أنه سوف يستخدم في التعامل مع المتفجرات وأن فيه ميزات كذا وكذا، فهذا كذب واحتيال واضح، ومن قدم تلك الشهادات إنما يسهم في نشر ذلك الإحتيال الجديد، وكذلك مؤسسة "نيدإكس" التي ترعاه.

 

هل سيمكننا أن نقف بوجه هذا الإحتيال؟ الجواب لا.. بكل صراحة وبساطة. فقد كتبنا الكثير جداً عن اجهزة كشف المتفجرات السابقة وكان الكذب فيها واضحاً وصريحاً والأدلة أكثر مما نحتاجة بألف مرة، وأخيراً اقتنع الشعب كله تقريباً بأنها مزيفة ، وبضمنهم الجنود الذين يستعملونها، لكن تلك الأجهزة صمدت وبقيت تستعمل حتى الآن رغم كل تلك الفضيحة، لان المتآمرين يملكون الرؤوس التي تسيطر على القرار الأمني. وما دام الحال هكذا فلا توجد إختراعات في العالم تحل المشكلة.

 

إضافة إلى ذلك فإننا نواجه مشكلة إعلامية أيضاً ، فقد وجدت فقط على صفحة هذا الفلم الإحتيالي أكثر من ستة واربعين الف مشاركة على الفيسبوك وحده! (دع عنك التلفزيون والمواقع الأخرى)، بينما تدور المقالات التي اكتبها لكشف الإحتيال عادة ضمن نطاق اربعة مشاركات أو أقل في العادة (إلا تلك التي تهم طائفة معينة، عندها ترتفع المشاركات إلى حدود 14 مشاركة). أي أن نسبة حصة الإحتيال إلى حصة مجابهته هي أقل من واحد إلى عشرة ألاف!

 

لكل ذلك ليس لنا سوى أن نتوقع استمرار الإحتيال وازدياد انتشاره خاصة في دولة تحكمها حكومات يتم اختيارها من قبل أعداء البلد المعنيين بالإحتيال ولا تقوم بواجبها في مواجهة ذلك الإحتيال، الذي قد يكون الهدف منه صعود محتالين إلى مراكز مؤثرة بعد تدريبهم على الخطاب في دورة إعلامية في مركز أمريكي من التي تنتشر في العراق، أو أن يكون الهدف مجرد إلهاء الناس بخرافات عن المؤامرات الجارية في بلادهم، أو إصابتهم بخيبات أمل متتالية تزيدهم إرهاقاً ويأساً. .. فهناك كنز تحت اقدامهم توجب الإستيلاء عليه، وليس من السهل لشيء أن يقف بوجه اندفاع اللصوص الكبار عندما يسيل لعابهم!

 

(1) الفلم على صفحة حمودي لعيبي العبودي

https://www.facebook.com/video.php?v=344337035759574

(2) TEDxBaghdad

http://tedxbaghdad.com/about-tedx /

(3) Mustafa Khalid at TEDxBaghdad - YouTube

https://www.youtube.com/watch?v=MwRqSSN8AA4

Mustafa Khalid, the TEDxBaghdad Innovative Technology Award Winner, speaks about his invention. It is a robot that can take apart explosives remotely and at a very low cost

 

 

تاريخ النشر

17.06.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

17.06.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org